العدد الرابعالمجلد الأول 2018

تربية الناشئة على منهج التلقي وعدم نقل الأخبار الشائعة

تربية الناشئة على منهج التلقي وعدم نقل الأخبار الشائعة

إعداد: ريم فهد عبد الله الزهراني

معرف الوثيقة الرقمي : 2018123

الهدف من الدراسة:

تربية الفرد على التلقي، والإثبات بأن هذا هو المنهج الصحيح في التعليم، والدليل على ذلك ما قام به القرآن الكريم في تربية العقل الذي منحه الله عز وجل للإنسان وفضله به على سائر المخلوقات وذلك في إثباته للدين الصحيح وحكايته للأمم السابقة.

منهج الدراسة: الاثبات بالأدلة الشرعية على أهمية التلقي وأخذ العلم من مصادره الأساسية مثل العلماء حيث ذلك فيه إفادة عظيمة وهو إن المتلقي يتربى على النقل والأخذ الصحيح، ثم أثبت المنهج الشرعي الضوابط التي يجب على الفرد أن يتعامل بها في نقل وإذاعة الأخبار.

أدوات الدراسة: تم اتخاذ طريقان أساسيان:

الأول: الاثبات من خلال الأدلة الشرعية.

الثاني: استخدام أداة التحليل، والمكونة من إحدى عشر عنصر؛ تحدث عن الفئة العمرية التي تنقل الأخبار عبر وسائل التواصل وبخاصة شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تشكل خطر كبيراً في تداول الأخبار والشائعات والتي تحدد أمن واستقرار المجتمعات بصفة عامة.

توصيات الدراسة:

وهي أن هناك فئتين من العمر (10-25) ، (26-35) هما أكثر الفئات التي تحتاج توعية مستمرة وتوجيه دائم في نقل وتداول الأخبار، وهذا هو دور المؤسسات التعليمية والجمعيات العامة والخاصة.

Opjective of the study

Breeding the individual to receive and prove that this is the correct approach to education Evidance of this what the Holy Quran did in raising the mind that Gog gave to man and this perferance far all ather creatures. In proving the true religion and its story in previous nations.

Approach of study:

Evidence of the validity of the receipt and taking the science from the basic sources suchas scientists , where is agreat benefit is thet the recipient is born on to the transfer and the correct in troduclion the tegal approach then proved the controls that an in dividual must deal with in transmitting and broad costing news.

Study tools:

Two main roads were taken the first: Evidence through legal evidence.

The secand: Use the Analysis tool consisting of eleven elements talk about the age group that communicates news through communication, especially social networks which represents asignificant risk in the circulation of new sand rumors, which deter min the security and stability of societies in general.

Recommendation of Study:

There are two categories of age (10-25) (26-35).

These are the two groups that need constant awareness and constant guidance in the transfer and circulation of news.

This is the role of educational institutions and public and private associations.

مقدمة: إن الحمد لله رب العالمين لفضل عنايته ومحض رعايته.. والصلاة والسلام على إمام المربين وقدوة المعلمين القائل: [إنما بعثت معلماً]. وبعد..

فحياة النبي r وسيرته تربية لأمته فمنذ انقشع الحجاب بين السماء والأرض بنزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم بقول الله تعالى: [ اقرأ ] بدأ النبي r تربية الأمة المسلمة وكانت دار بن أبي الأرقم أولى مدارس التربية في العالم مؤسسة تربوية كاملة.

فالمنهج: كتاب الله تعالى هو العقيدة النقية والشريعة الكاملة والأخلاق الفاضلة.

والمعلم: رسول الله صلى الله عليه بالحكمة والموعظة الحسنة.

والطلاب : الرعيل الأول من الصحابة وقد كانوا تشكيلة من مختلف الأجناس والأعمار والأنواع تشربت روح الإسلام ففاض سلوكها عنه في دقة والتزام.

والطريقة التربوية والوسائل التعليمية: تكفل بها رسول الله r يلقن ويبني وينفذ تربية وسيلتها القدوة الخالصة.  (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ)

لذا فإن التربية هي الأساس في نشأة الفرد وعلية يظهر أثره وخاصة في عصرنا الحالي وفي ظل التطور والتغيير الذي يعتري المجتمع ولهذا السبب قسمت بحثي هذا على ثلاثة فصول:

الفصل الأول: يتحدث عن معنى مصطلح التربية وكذلك مصطلح التلقي ثم منهج أهل السنة والجماعة في التلقِّي والاستدلال.

الفصل الثاني: يدور حول تربية العقل على الكتاب والسنة ثم طرق العناية بتربية العقول الناشئة.

الفصل الثالث: يدور حول تلقي الخبر وضوابط التلقي الشرعية ثم أثر الأخبار الغير موثقة وخطرها على المجتمع وذلك بعمل استبانه وإجراء احصاء ثم تحليل الإحصاء الذي يشمله التوصيات.

وأسأل الله العظيم أن يكون هذا العمل في ميزان حسناتنا وأن يحفظ بلاد الإسلام وصل الله اللهم على سيدنا محمد r وعلى آله وصحبه أجمعين.

المبحث الأول: معنى التربية / التلقي

أولاً: معنى التربية:

التربية لغة: إذا رجعنا إلى معاجم اللغة العربية وجدنا لكلمة التربية أصولاً لغوية ثلاثة:

الأصل الأول: رَبا يربو بمعنى زادَ ونما، فتكون التربية هنا بمعنى النمو والزيادة[1]، كما في قوله تعالى: يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ[2]، (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ[3]، (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ)[4]

الأصل الثاني: رَبى يربي على وزن خفى يخفي، وتكون التربية بمعنى التنشئة والرعاية،  كما في قوله تعالى: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)[5]، (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)[6].

وعليه قول الأعرابي: فمن يكُ سائلاً عني فإني *** بمكة منزلي وبها ربيتُ

الأصل الثالث: رب يرب بوزن مدّ يمدّ بمعنى أصلحه، وتولى أمره، وساسه وقام عليه ورعاه، كما في قوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ[7] ] (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ[8]، (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ[9]

التربية اصطلاحاً:

تختلف الآراء في تحديد مفهوم التربية باختلاف الظروف التاريخية والحضارية وباختلاف الأماكن – كما قد تختلف باختلاف نظرة المتخصصين، وقد وردت تعاريف كثيرة للتربية من قبل فلاسفة وعلماء اجتماع وسياسيين ونفسانيين.. ولكن لا تخرج تعريفاتهم بأي حال من الأحوال عن المعنى اللغوي للكلمة.

قال الإمام البيضاوي[10]: الرب في الأصل بمعنى التربية وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً، ثم وصف به تعالى للمبالغة.

وقال الراغب الأصفهاني[11]:الرب في الأصل التربية وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام[12].

أما الألفاظ والمصطلحات التي كانت تُستخدم في كتابات السلف للدلالة على معنى التربية؛ فمنها ما يلي:

1) مصطلح التنشئة: ويُقصد بها تربية ورعاية الإنسان منذ الصغر؛ ولذلك يُقال: نشأ فلان وترعرع. قال الشاعر العربي: وينشأُ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كانَ عَودهُ أبـوهُ

وممن استخدم هذا المصطلح العالِم عبد الرحمن بن خلدون[13] في مقدمته الشهيرة.

2) مصطلح الإصلاح: ويعني التغيير إلى الأفضل، وهو ضد الإفساد، ويُقصد به العناية بالشيء والقيام عليه وإصلاح اعوجاجه؛ وقد ذكر ذلك[14] بقوله: “والإصلاح يقتضي التعديل، والتحسين، ولكن لا يلزم أن يحصل منه النماء والزيادة، فهو إذاً يؤدي جزءًا من مدلول التربية”.

3) مصطلح التأديب أو الأدب: ويُقصد به التحلي بالمحامد من الصفات والطباع والأخلاق؛ والابتعاد عن القبائح، ويتضمن التأديب معنى الإصلاح والنماء. وهو ما يُشير إليه[15] بقوله: “عند قدماء العرب كانت كلمة (تأديب) هي المستعملة والمتداولة أكثر من كلمة تربية، وكان المدلول الأول لكلمة (أدب) في تلك البيئة العربية يُطلق على الكرم والضيافة، فكان يُقال: فلانٌ أَدَبَ القومَ إذا دعاهم إلى طعام…وهكذا كان مدلول كلمة (تأديب) منصرفاً بالدرجة الأولى إلى الجانب السلوكي من حيث علاقة الإنسان مع غيره”.

وهنا نلاحظ أن مصطلح الأدب أو التأديب وثيق الصلة بمصطلح التربية حيث يمكن أن تُشتق منه تسمية المعارف آداباً؛ وتسمية التعليم تأديباً، وتسميةُ المربي أو المعلم مؤدباً. وقد أشار إلى هذا المعنى[16]  في معرض حديثه عن التعليم في القصور؛ فأورد نقلاً عن (رسالة المعلمين) للجاحظ قوله:

“والمعلم هنا (أي في القصور) لا يُسمى معلم صبيان أو معلم كُتاب، وإنما يُطلق عليه لفظ “مؤدِّب” وقد اشتق اسم المؤدب من الأدب، والأدب إما خُلقٌ وإما رواية، وقد أطلقوا كلمة مؤدب على معلمي أولاد الملوك إذ كانوا يتولون الناحيتين جميعًا”.

ومصطلح الأدب أو التأديب مصطلحٌ شائعٌ ورد في بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي منها:

* ما روي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لأن يؤدب الرجل ولده خيرٌ من أن يتصدق بصاع”[17].

* وما روي عن أيوب بن موسى عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما نحل والدٌ ولده أفضل من أدبٍ حسن”[18].

* وما روي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أكرموا أولادكم، وأحسنوا أدبهم”[19].

وهنا نلاحظ من معاني هذه الأحاديث أن لفظ الأدب يدل على معنى كلمة تربية الأبناء وتنشئتهم على التحلي بمحاسن الأخلاق، وجميل الطباع.

كما أن هذا المصطلح قد شاع استعماله عند كثيرٌ من العلماء والفقهاء والمفكرين المسلمين القدامى ومنهم: الماوردي[20] (أدب الدنيا والدين)، و محمد بن سحنون التنوخي[21] في رسالته (آداب المعلمين والمتعلمين) ،

والخطيب البغدادي [22]في كتابه (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع).

4) مصطلح التهذيب: ويُقصد به تهذيب النفس البشرية وتنقيتها، وتسويتها بالتربية على فضائل الأعمال ومحاسن الأقوال. جاء عند (الفيروز آبادي، 1415هـ، ص 132):

“رجُلٌ مُهَذَّبٌ: مُطَهَّرُ الأَخْلاقِ”.

كما جاء في (المعجم الوجيز، 1400هـ، ص 647)”وهَذَّبَ الصَّبيَّ رَبَّاه تربيةً صالحةً خالصةً من الشوائب” وقد استعمل هذا المصطلح ابن مسكويه (المتوفى سنة 421هـ) في كتابه (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق)، كما استخدمه الجاحظ (المتوفى سنة 255هـ) في رسالته (تهذيب الأخلاق).

5) مصطلح التطهير: ويُقصد به تنـزيه النفس عن الأدناس والدنايا؛ وهي كل قولٍ أو فعلٍ قبيح. وحيث إن للتطهير معنيين أحدهما حسيٌ ماديٌ والأخر معنوي؛ فإن المقصود به هنا المعنى المعنوي الذي يُقصد به تطهير سلوك الإنسان من كل فعلٍ أو قولٍ مشين.

6) مصطلح التزكية: ويأتي بمعنى التطهير، ولعل المقصود بذلك تنمية وتطهير النفس البشرية بعامةٍ من كل ما لا يليق بها من الصفات السيئة، والخصال القبيحة، ظاهرةً كانت أو باطنة. قال تعالى: كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون[23]. وقد جاء في تفسير عبد الرحمن بن ناصر السعدي،[24] أن المقصود بقوله تعالى: “ويُزكيكم” في هذه الآية: “أي يُطهر أخلاقكم ونفوسكم، بتربيتها على الأخلاق الجميلة، وتنـزيهها عن الأخلاق الرذيلة”[25].

وقال تعالى:(قد أفلح من زكَّاها)[26]. وقد جاء في بيان معنى هذه الآية عند ابن كثير[27]، قوله: “وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل”. ومعنى هذا أن تزكية النفس تعني تربيتها على الفضائل وتطهيرها من الرذائل.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن مصطلح (التزكية) يُعد أكثر المصطلحات قرباً في معناه لمصطلح “التربية الإسلامية” لاسيما وأنه قد ورد في بعض آيات القرآن الكريم دالاً على معنى التربية؛ ولكونه يدل على محاسبة النفس والعناية بها، والعمل على الارتقاء بجميع جوانبها (الروحية، والجسمية، والعقلية) إلى أعلى المراتب وأرفع الدرجات. وهو ما يؤكده محمد الغزالي[28]بقوله:

والتزكية، وهي أقرب الكلمات وأدلها على معنى التربية؛ بل تكاد التزكية والتربية تترادفان في إصلاح النفس، وتهذيب الطباع، وشد الإنسان إلى أعلى كلما حاولت المُثبطات والهواجس أن تُسِفَّ به وتعوجّ.

7) مصطلح التعليم: وهو مصطلح شائع ورد ذكره في بعض آيات القرآن الكريم مثل قوله تعالى: هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويُزكيهم ويُعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين[29].

كما ورد هذا المصطلح في بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”[30] .

وممن استخدم هذا المصطلح العالم برهان الدين الزرنوجي[31] في كتابه القيّم (تعليم المتعلم طريق التعلم)، والإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت[32] في رسالته (العلم والمتعلم) . وهنا تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن مصطلح (التعليم) شائع وكثير الاستعمال في كتابات علماء السلف؛ إلا أن استخدامه كان محصوراً – في الغالب – للدلالة على تنمية الجانب المعرفي المتمثل في طلب العلم.

ثانياً: تعريف التلقي: لغة لقي فلان فلاناً، ولاقاه، وتلقاه، لقياناً وملاقاة وتلقيا ً أي: صادفه وقابله واستقبله، فالمتلقي المستقبل[33].

والتلقي في المصطلح النقدي الحديث:

“أن يستقبل القارئ النص الأدبي بعين الفاحص الذواقة بغية فهمه وإفهامه، وتحليله وتعليله على ضوء ثقافته الموروثة والحديثة، وآرائه المكتسبة والخاصة في معزل عن صاحب النص[34].”قال تعالى (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [35]

وتلقونه معناها يروي بعضكم عن بعض، وبدون تريث ولا تثبت ولا تبين؛ فكأنها تنتقل من اللسان إلى اللسان، دون عرضها على الحواس الأخرى؛ مثل العقل والذهن والفكر…وحتى السمع لم يذكر هنا مع أنه أداة التلقي؛ ليدلل على منتهى السرعة في التبادل.

المبحث الثاني: منهج أهل السنة والجماعة في التلقِّي والاستدلال

لأهل السنة والجماعة منهج متميِّز في تلقِّي وتقرير مسائل العقيدة والأحكام يميِّزهم عن أهل البدع في مآخذهم في الاستدلال ومناهج تلقِّيهم. ومن أهم أصول هذا المنهج الحق ما يلي:

أولًا: تحكيم الكتاب والسنة الصحيحة في كل مسألة من مسائل العقيدة وعدم رد شيء منها.

ثانيًا: الالتزام بفهم الصحابة – رضي الله عنهم – لنصوص الكتاب والسنة في بيان أمور الدين عامة وفي مسائل العقيدة خاصة؛ لأنَّهم أبر قلوبًا وأفصح لسانًا وقد شاهدوا التنزيل وهم بطانة الرسول – r- وخاصته وهم أسعد من غيرهم بفهم كلامه.

ثالثًا: عدم الخوض في المسائل العقدية مما لا مجال للعقل فيه.

رابعًا: رد المتشابه للمحكم والعمل بجميع نصوص الكتاب والسنة كليهما والجمع بين الأدلة عند التعارض وعدم ضرب الأدلة ببعضها.

خامسًا: رفض أي مصدر للتلقِّي والاستدلال غير الكتاب والسنة بفهم الصحابة – رضي الله عنهم – كالاستدلال بالأحاديث الواهية المكذوبة أو التعامل مع النصوص بالعقل المجرَّد واللغة المجردة دون الرجوع إلى فهم الصحابة أو الاستدلال بالمنامات والرؤى أو بأقوال المشايخ والرجال وتقديمها على الكتاب والسنة.

سادسًا: البُعد عن مجالسة ومجاملة أهل البدع أو سماع كلامهم وقراءة كتبهم أو عرض شبههم إلا في أضيق نطاق لمن كان راسخًا في العلم من أهل السنة وذلك للرد عليهم وإبطال شبهاتهم.

وقد ذكر الشاطبي في كتابه النفيس (الاعتصام)[36] في مقابل منهج أهل السنة في الاستدلال بعض مآخذ أهل البدع في الاستدلال أذكرها هنا مختصرة؛ للحذر من الوقوع فيها لمصادمتها للأصول السابقة لأهل السنة يقول: « نذكر من هذه المآخذ أوجهًا كلية يقاس عليها ما سواها:

فمنها: اعتمادهم على الأحاديث الواهية الضعيفة والمكذوب فيها على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- والتي لا يقبلها أهلُ صناعة الحديث.

ومنها ضد هذا وهو: ردّهم للأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم ويدَّعون أنَّها مخالفة للمعقول وغير جارية على مقتضى الدليل فيجب ردَّها كالمنكرين لعذاب القبر والصراط والميزان ورؤية الله – عز وجل – في الآخرة وما أشبه ذلك من الأحاديث الصحيحة المنقولة نقل العدول.

وذهبت طائفة إلى نفي أخبار الآحاد جملة والاقتصار على ما استحسنته عقولهم في فهم القرآن.

ومنها: انحرافهم عن الأصول الواضحة إلى اتباع المتشابهات التي للعقول فيها مواقف وطلب الأخذ بها تأويلًا كما أخبر الله – تعالى – في كتابه إشارة إلى النصارى في قولهم بالثالوثي بقوله: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾[37].

وقد علم العلماء أنَّ كل دليل فيه اشتباه وإشكال ليس بدليل في الحقيقة حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه ويشترط في ذلك أن لا يعارضه أصل قطعي فإذا لم يظهر معناه لإجمال أو اشتراك أو عارضه قطعي فليس بدليل؛ لأن حقيقة الدليل أن يكون ظاهرًا في نفسه ودالًا على غيره وإلا احتيج إلى دليل عليه فإن دل الدليل على عدم صحته فأحرى أن لا يكون دليلًا.

ومن اتِّباع المتشابهات الأخذ بالمطلقات قبل النظر في مقيِّداتها أو في العمومات من غير تأمُّل هل لها مخصصات أم لا، وكذلك العكس بأن يكون النص مقيدًا فيطلق أو خاصًا فيعم بالرأي من غير دليل سواه.

ومنها: تحريف الأدلة عن مواضعها بأن يرد الدليل على مناط فيُصْرَف عن ذلك المناط إلى أمر آخر موهمًا أنَّ المناطَين واحد وهو من خفيَّات تحريف الكلم عن مواضعه والعياذ بالله.

ومنها: بناء طائفة منهم الظواهر الشرعية على تأويلات لا تعقل يدَّعون فيها أنَّها هي المقصود والمراد وأرادوا بذلك إبطال الشريعة جملة وتفصيلًا ومن ذلك أنَّهم ادَّعوا أنَّ ظواهر النصوص غير مراده فقالوا: كل ما ورد في الشرع من الظواهر في التكاليف والحشر والنشر والأمور الإلهية فهي أمثلة ورموز إلى بواطن.

ومنها: رأى قوم تغالوا في تعظيم شيوخهم حتى ألحقوهم بما لا يستحقونه.

وأضعف هؤلاء احتجاجًا قومٌ استندوا في أخذ الأعمال من المنامات ويتفق هذا كثيرًا للمترسِّمين برسم التصوف. وربما قال بعضهم: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي كذا وأمرني بكذا. فيعمل بها ويترك بها معرضًا عن الحدود الموضوعة في الشريعة».

إنَّ معرفة أصول أهل السنة في الاستدلال ضروري لمعرفة الحق والصواب في مسائل العقيدة وغيرها.

الفصل الثاني:

المبحث الأول: منهج القرآن في تربية العقل

المبحث الثاني: من أبرز المظاهر التي قامت عليها تربية القرآن للعقل

المبحث الثالث: طرق العناية بتربية العقول الناشئة

المبحث الأول: منهج القرآن في تربية العقل

العقل في اللغة:

 قال بن فارس: “العين والقاف واللام: أصل واحد منقاس مطرد يدل على عُظْمة على حبسة في الشيء أو ما يقارب الحبسة، من ذلك العقل وهو الجالس عن ذميم القول والفعل[38].

“وقال أبو عبيد: قال الأصمعي: يقال عقل الرجل يعقل عقلاً إذا كان عاقلاً، وقال غيره: سمي عقل الإنسان وهو تمييزه الذي فيه فارق الحيوان عقلاً لأنه يعقله، أي: يمنعه من التورط في الهلكة كما يعقل العقال البعير عن ركوب رأسه”(2).

وقال السمين الحلبي: “أصل العقل: الحبس، يقال: عقلت البعير أعقله عقلاً: قيدته بما يحبسه عن الانبعاث، وسمي عقل الإنسان لأنه يمنعه ويحبسه عن المحذورات، والعقال: ما يعقل به البعير”(3).

وقال الفيروز آبادي: وسمي العقل عقلاً لأنه يعقل صاحبه عما لا يحسن وهو القوة المتهيئة لقبول العلم”(4).

فالعقل في اللغة يدور حول الحبس والمنع من فعل القبيح والوقوع في المحذور.

العقل في الاصطلاح:

فقد اختلفت التعريفات وتنوعت ولعل أقرب هذه التعريفات أن العقل يقع بالاستعمال على أربعة معاني:

أحدها: الغريزة التي في الإنسان فيها يعلم ويعقل، وهي كقوة البصر في العين والذوق في اللسان فهي شرط في المعقولات والمعلومات وهي مناط التكليف وبها يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان.

وثانيها: العلوم الضرورية وهي تشمل جميع العقلاء كالعلم بالممكنات والواجبات والممتنعات.

وثالثها: العلوم النظرية وهي التي تحصل بالنظر والاستدلال وتفاوت الناس وتفاضلهم فيها أمر جلي وواقع.

ورابعها: الأعمال التي تكون بموجب العلم ولهذا قال الأصمعي: العقل: الإمساك عن القبيح وقصر النفس وحبسها على الحسن (1).

وقيل لرجل وصف نصرانياً بالعقل: مه إنما العاقل من وحد الله وعمل بطاعته.

وقال أصحاب النار (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) (2).

فتعريف العقل بذكر بعض هذه المعاني ليس بجامع والصواب ذكر معانيه مجتمعة.

والعقل نوعان: غريزي فهو: ما يكون موجوداً مع المولود، كعقله للإرتضاع، وأكل الطعام، وضحكه مما يسره، وبكائه مما لا يهواه، وامتناعه مما يضره، كل هذا يكون بالعقل الغريزي، قال جل وعلا (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) (3)، أي: هدى كل مخلوق إلى ما خلقه له، وهذه الهداية الكاملة المشاهدة في جميع المخلوقات: فكل مخلوق، تجده يسعى لما خلق له من المنافع، وفي فع المضار عنه، حتى ان الله أعطى الحيوان البهيم من العقل ما يكفي لذلك) (4).

والنوع الثاني: اكتسابي حيث يكتسب المولود زيادة في العقل مع مرور الأيام حتى يبلغ أشده ثم يبدأ بالنقص إلى النقطة التي بدأ منها حيث يعود حال هرمه إلى حاله الأولى يوم أن كان طفلاً صغيراً وتلك الزيادة التي تحصل للمولود عقل اكتسابي فغن العلم يكون كل يوم في زيادة ومنتهى تعلم العلم منتهى العمر (5).

والعقل شرط في معرفة العلوم وكمال وصلاح الأعمال وبه يكون العلم والعمل ولكنه ليس مستقلاً بذلك لكونه غريزة في النفس وقوة فيها فهو كما مر معنا – بمنزلة قوة البصر التي في العين فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده

عن دركها ولقد أولى القرآن الكريم والسنة المطهرة العقل العناية الكاملة فرباه التربية السليمة التي تدفعه بإذن الله إلى أن يكون أداة بناء ونماء وفائدة ونفع ولا يكون أداة هدم وبلاء وفساد وإفساد كما هي حال من ساروا مع عقولهم المجردة من هدى القرآن والسنة فجاءت نتائج تخبطاتهم وتخرصاتهم أوهام وخرافات وفلسفات ومكذوبات سموها زوراً وبهتاناً بالمعقولات فدفعوا بها المأثورات من كتاب الله وسنة نبيه r  وعارضوها فوقعوا نتيجة ذلك في الشبهات والتحريفات والتأويلات مما جر الأمة إلى التفرق والتشرذم وضاعف عليها الويلات والنكبات ولا يوجد شريعة كرمت العقل وسمت به ورفعت من مكانته كالإسلام ولا يوجد هناك كتاب أطلق سراح العقل وغالى بقيمته وكرامته كالقرآن الكريم بل أن القرآن الكريم ليكثر من استثارة العقل ليؤدي دوره الذي خلقه الله له[39].

المبحث الثاني: من أبرز المظاهر التي قامت عليها تربية القرآن للعقل(1)

أولاً: قيام الدعوة إلى الإيمان على الإقناع العقلي.

فلم يطلب الإسلام من الإنسان أن يعتقد بدون تفكير وتعقل بل دعاه إلى أعمال ذهنه وتشغيل طاقته العقلية في سبيل وصولها إلى أمور مقنعة في شؤون حياتها وقد وجه الإسلام هذه الطاقة بتوجيهات عدة لتصل إلى ذلك الهدف: فوجهها إلى التفكر والتدبر: في كتابه: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) (2)

(أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا) (1)

(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (2)

ثم يستثير العقل الإنساني ويتحداه أن يأتي بمثل هذا القرآن حتى إذا ما أدرك عجزه عرف أنه من عند الله (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) (3)

وفي مخلوقاته

(اللذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) (4).

 (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت) (5).

وفي تشريعاته:

(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)، (وان تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) (7).

(يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) (8).

فأمر بالتفكير في تلك التشريعات لتحري الحكمة فيها لأن الحياة لا تسير آلية بحيث تنطبق عليها القاعدة التشريعية انطباقاً آلياً وإنما هناك مئات من الحالات للقاعدة الواحدة.. وفي أحوال الأمم الماضية وما أدت بهم المعاصي إليه:

(قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين) (1)

(ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين) (2)

وفي الدنيا ونعيمها الزائل:

(واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا) (3).

وهذا التأمل والتدبر ليس هو المقصود لذاته وإنما ليؤدي ثمرة نافعة لا أعني بها فلسفة يتشدق بها الفلاسفة ويتبارون في أغماض الكلام فيها وإبهامه ثم لا ينتهون إلى شيء وإنما أعني بها الإصلاح.. إصلاح القلب.. إصلاح العقيدة.. إصلاح الحياة في الأرض على منهج الدين الصحيح.

 ووجه الإسلام الطاقة العقلية لمراقبة نظام الحياة الاجتماعية مراقبة توجيه وإصلاح لتسير الأمور على منهج صحيح (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)

(4). وحمل المسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع وهدد بالعقاب إذا علم ولم يصلح ولو كان صالحاً في نفسه

 (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) (5) (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بم عصوا وكانوا يعتدون , كانوا لا يتناهون عن مكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) (6).وقال رسول الله r  (كلكم راع وكلكم ومسؤول عن رعيته) (7).

ثانياً: ولم يقسر الإسلام بعد هذا العقل على الإيمان وإنما ترك له الخيار بين الإيمان والكفر فقال سبحانه (لا إكراه في الدين) (1). (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (2) (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (3) (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) (4) فلم يكره الإسلام العقل على الإيمان (5).

ثالثاً: وحرص على قيام العلاقة بين العبد وربه على الوضوح العقلي في العقيدة والشريعة وعدم تقييده له بعد اقتناعه وإيمانه بالرهبانية.. فلا رهبانية في الإسلام لما فيها من تقييد للعقل فضلاً عن الغرائز والحواس ولما فيها من تعطيل للطاقة والقوى البشرية، والمخالفة لنظام الحياة مخالفة لا تقضي بالفناء على البشرية فيما لو اعتنق الناس الترهب والانعزال دينا.

رابعاً: ومن مظاهر تكريم الإسلام للعقل نعيه على الذين لا يعملون أذهانهم، وحذر من التقليد الأعمى والتعصب الأصم لنظريات واهية وآراء زائفة عن الأهواء والخرافات (وإذ اقيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) (6). (فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص) (7).

وأمر بالتثبت في كل أمر قبل اعتقاده واقتفائه (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) (1).

 (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) (2).

خامساً: ومن مظاهر تكريم الإسلام للعقل أمره بالتعلم والحث على ذلك. فكما أن نمو الجسم بالطعام فإن نمو العقل بالعلم اذ بهذا يكون الإيمان عن إدراك أوسع، وفهم أعمق، واقتناع أتم، بل قرن سبحانه ذكر أولي العلم بذكره عز وجل ملائكته (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) (3).

(إنما يخشى الله من عباده العلماء) (4).

(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (5).

وجعل العلم مشاعاً لأنه غذاء العقل الذي به ينمو (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) (6).

لذا لم يعرف الإسلام رجل الدين الذي يحتكر علومه ويعطي صكوك الغفران ويملك التحليل والتحريم ولكنه يعرف فكرة عالم الدين الذي يرجع إليه لمعرفة حكم الله فيما اشتبه على الناس من أمور دينهم مستنداً إلى دليل معتبر شرعاً من غير إلزام إلا بحجة قطعية من كتاب، أو سنة، أو إجماع مسلم به.

سادساً: ومن ذلك إسناده استنباط الأحكام فيما لا يوجد فيه نص أو سنة أو إجماع إلى الاجتهاد الذي يقوم على العقل حيث قال رسول الله r  حاضاً عليه عند فقد النص (إذا اجتهد الحاكم وأصاب فله أجران وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر واحد) (1). و ما حديث معاذ عنا ببعيد حين بعثه الرسول r  إلى اليمن قاضياً قال: كيف تقضي يا معاذ ؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد ؟ قال: بسنة رسول الله r . قال فإن لم تجد ؟ قال أجتهد رأيي ولا آلو فضرب رسول الله r صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضى الله ورسوله) (2).

فجعل من اجتهاد العقل أساساً للحكم والقاعدة للقضاء عند فقدان النص.

سابعاً: ومنها الأمر بالتكريم العقل والمحافظة عليه، والنهي عن كل ما يؤثر في سيره أو يغطيه فظلاً عما يزيله فحرم لذلك شرب الخمر (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) (3).

وحرم كل مسكر فقال r (كل مسكر خمر وكل خمر حرام) (4) وامتد التحريم إلى الكمية التي لا تسكر منها (ما أسكر كثيرة فقليلة حرام)(5).

كل هذا حفاظاً على العقل وعلى بقائه. وجعل الدية كاملة على من تسبب في إزالته عن آخره قال ابن قدامه: لا نعلم في هذا خلافاً وقد روي عن عمر وزيد t وإليه ذهب من بلغنا قوله من الفقهاء.. وفي كتاب النبي r لعمر بن حزم: وفي العقل الدية.

ولأنه أكبر المعاني قدراً وأعظم الحواس نفعاً فإنه به يتميز من البهيمة ويعرف حقائق المعلومات ويهتدي إلى مصالحه ويتقي ما يضره ويدخل به في التكليف وهو شرط ثبوت الولايات وصحة التصرفات، وأداء العبادات، فكان بإيجاب الدية أحق من بقية الحواس. (6)

المبحث الثالث: طرق العناية بتربية العقول الناشئة:

  • من الأساليب النبوية في تحصين الفرد والجماعة ما يأتي:

عند تتبع أساليب التربية النبوية المستوحاة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لوجدناها تعتمد على أساس شتى ينتمي بعضها إلى العقيدة والإيمان بالله، وتراعي طبيعة النفس وانفعالاتها وغرائزها، ونذكر من هذه الأساليب ما يأتي: 

أولا / الاحتواء النفسي:

لقد حرص صلي الله عليه وسلم منذ اليوم الأول الذي أشرق فيه نور الإيمان وشرح الله فيه صدور الناس للإسلام فدخلوا في دين الله أفواجاً على الارتباط بهؤلاء المؤمنين ارتباطا ماديا ونفسيا.

وقد أدى ذلك إلى اطلاعهم عن قرب على حسن خلقه صلي الله عليه وسلم وكرمه في العشرة والمعاملة، الأمر الذي وطد حسن صلتهم به صلى الله عليه وسلم، وزاد من ثقتهم فيه، ومحبتهم له أكثر من كل شيء حتى من نفوسهم التي بين ضلوعهم ففدوه بالغالي والنفيس، مما تسبب في حدوث الاستجابة الفورية لأمره بل لإشارته.

فأثمر ذلك حمايتهم وتحصينهم من هفوات الشر، وإتباع أهل الغي بفكر أو بسلوك أو اعتقاد، وهذه أمر جد مهم فهو من أعظم ثمرات احتواء المربي لمن يربيهم.

فتمكن بهذا الأسلوب من الوقوف على أبعاد شخصياتهم وما يتسم به كل واحد منهم بحيث يسهل تقويم العوج فيهم، أو الارتقاء والنهوض بذوي الكفايات والهمم العالية منهم، بل وتوظيف الطاقات كل فيما يناسبه مع تجنيب الصف وحمايته ممن لا يصلحون منهم

وبذلك كان صلى الله عليه وسلم خير معلمٍ وخير مربٍ يحتوي صحابته ويحسن تعليمهم فعن معاوية ابن الحكم السلمي قال: (بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فو الله ما كرهني ولا ضربني ولا شتمني قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن…) صحيح مسلم

ثانياً:/ شغل الوقت بالنافع المفيد:

 جاء رسول الله صلي الله عليه وسلم الناس بمنهجٍ تربوي منظم يعرفهم من خلاله بدورهم ورسالتهم فهم خلائف في الأرض يعملون ويبتكرون وينتفعون بكل نعمة وضعت تحت أيديهم ليسودوا في هذه الأرض , ولكن في حدود ما رسمه الله – عز وجل – لهم في هذا المنهج , وأن عليهم أن يستثمروا عمرهم المحدود علي ظهر هذه الأرض استثمارا صحيحا حتى يؤدوا هذا الدور ويقوموا بتلك الرسالة , وأخذ صلي الله عليه وسلم يمارس ذلك معهم عمليا فشغل أوقاتهم بكل ما هو نافع ومفيد , فكانت أوقاتهم صلاة ومناجاة لله أو علي ذكر ودعاء وتوبة واستغفار أو في مجلس علم أو فتوى كما كانوا ينصرفون للقيام علي شئون أهلهم وأولادهم , وأعمال معاشهم , أو للتواصل فيما بينهم بزيارة أو سؤال أو هدية أو هبة أو قضاء حاجة.

وعلى ذاك فإن الناشئ إن لم ينشغل في مشروعات الخير والإنتاج المثمر؛ نهبته الأفكار الطائشة، وعاش في دوامة من الترهات والمهازل.

 فشغل الأوقات وشحنها بالأعمال الخيرة والواجبات، والانتقال من عمل إلى عمل، ومن مهمة إلى مهمة، ولو كانت خفيفة؛ يحمي المرء من علل البطالة وأوقات الفراغ. والنفس ــ كما قال الإمام الشافعي رحمه الله ــ: النفس إن لم تشغلها بالحق، شغلتك بالباطل.

فإن الأمة تتخلص من مفاسد كثيرة، وشرور عريضة، لو أنها تحكمت في أوقات فـراغ أبنائهـا، حيث إن مشاعر الخوف والقلق، والأفكار المضللة، لا تندفع إلى النفس الإنسانية.. إلا حينما تكون فارغة غير مشغولة.

ولقد أيقن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه لو تركهم لحظة بغير ما هو نافع ومفيد لاستحوذ عليهم الشيطان، ولأنساهم ذكر الله ولشغلهم بالباطل من المراء والجدل، فتتصدع القلوب وتكون الفرقة والشتات، إذ إن طبيعة النفس البشرية هكذا فإن لم تملأ بالحق ملئت بالباطل وهذا ما حرص الدين الإسلامي على الوقاية منه ومن أسبابه.

وحتى يكون أشغالنا لفراغ أوقات أبنائنا هادفاً مثرياً لابد من مراعاة مدى مناسبة ما نكلفهم به لاستعداداتهم وإمكاناتهم، بحيث يكون مراعياً لمتطلباتهم ومواكباً لعصرهم والبيئة التي يعيشون فيها فمن الواجب على المربين أن ينتقوا ما يكلفون به أبنائهم ليكون هذا العمل دافعاً لهم على سد فراغهم واستثمار أوقاتهم بطريقة إيجابية وذلك من خلال خطط إيجابية منظمة مدروسة ليتم بذلك الحصول على النفع والفائدة – بإذن الله –

ثالثاً ً/ البدء في إصلاح النفس وتهذيبها من الداخل.

 إن الإصلاح و التهذيب لا يكونان مؤثراً ما لم ينطلقا من داخل النفس البشرية ذاتها  فالجانب الداخلي من النفس هو الأساس المولد لحركة الجانب الخارجي منها , فإذا صلح ما بداخلها صلحت الجوارح , وإذا فسد ما بداخلها فسدت الجوارح ومن هذا يقول صلى الله عليه وسلم ((إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله , وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب)).[40]

وقد برز بدؤه صلى الله عليه وسلم بإصلاح الداخل من خلال ما كان منه صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية والتي ركزت على تصحيح العقيدة والتعريف بالله تعريفا يؤدي إلى تقديره حق قدره وهذا ما يتضح جلياً عند مراجعة السور المكية والوقوف على معانيها، وعل ذاك فأول لبنة تؤسس في بناء شخصية الشباب المسلم لابد وأن تكون لبنة العقيدة التي تهدف إلى ترسيخ الإيمان في النفوس والقلوب، وتغذي

بقوتها صدق التعلق بالله وحده والاعتماد عليه وصدق التوكل عليه في الأمور كلها، موقناً جازماً بأن الخير كله بيد الله سبحانه وأنه لا يملك النفع ولا الضر إلا هو فيحفظه الله ويكفله وهذا ما أخبر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنه وهو رديف له على راحلته فقال له: (يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف)[41].

وهكذا بدأ صلي الله عليه وسلم في الإصلاح والتهذيب بهذا الجانب الداخلي من النفس، حتى إذا استقام استقام الإنسان كله، فكانت التضحية والإيثار والتراحم والإخلاص والصدق والوفاء والطاعة والأمانة والعفة والعدالة والاعتراف بالتقصير مع محاولة التطهر منه والإقلاع عنه والجدية والثبات وعدم تضييع لحظة بغير عمل أو عطاء.

وعلى ذلك فإنه يجب على المربي أن يعمل جاهداً في تعميق مفهوم إصلاح النفس وتهذيبها الداخل، وأن يعتمد في هذا الأمر على الممارسة العملية من صوم التطوع ومن قيام الليل، ومن ترتيل القران، ومن التعويد على الصدقات ومن الحج والعمرة، ومن الذكر والدعاء والاستغفار، ومن الصمت والتفكر، ومن عيادة المرضي، والصبر والتحمل، وغير ذلك ممن الأعمال الصالحات.

إن هذه جميعا إذا تمكنت من النفس ملأتها، وسدت عليها فراغها فلا يبقي لديها مجال لجدل أو تساؤل في غير محله، أو اشتغال بما لا يفيد بل تبقي حريصة كل الحرص على إتباع ما أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

رابعاً/ التركيز بعد ذلك – على ما ينير العقل ويقوي البدن.

عني الدين الإسلامي بكل ما يثري النفس الإنسانية، فقد ركز النبي صلي الله عليه وسلم بعد أن أشعل جذوة الإيمان في النفوس من الداخل على ما ينير العقل ويقوي البدن؛ حتى لا يكون هناك قصور أو نقص في شخصية المسلم.

ويبدو التركيز علي العقل من خلال دعوة القرآن الكريم في كثير من الآيات المباركة إلى التفكر والاعتبار ومن ذاك قوله –عزوجل – (فاقصص القصص لعلــــهم يتفكرون)[42] وقوله جل جلاله: (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) [الجاثية:13]

وقد كان رسولنا الكريم يطرح بعض المشكلات على أصحابه ويطلب الرأي فيها كما وقع في تشريع الأذان وفي يوم أحد والخندق، فقد كان يطرح التساؤلات ويطلب منهم الجواب عليها كما في حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – أنه صلي الله عليه وسلم قال: (أخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولا تحت ورقها فوقع في نفسي أنها النخلة فكرهت أن أتكلم وفم أبو بكر وعمر، فلما لم يتكلما قال النبي صلى الله عليه وسلم هي النخلة. فلما خرجت مع أبي قلت يا أبتاه وقع في نفسي أنها النخلة قال: ما منعك أن تقولها لو كنت قلتها كان أحب إلي من كذا وكذا قال: ما منعني إلا أني لم أرك ولا أبا بكر تكلمتما فكرهت) رواه البخاري

وكما يظهر الإسلام الاهتمام بالعقل يظهر التركيز على البدن وذلك من خلال التحذير من التوسع في المباحات لا سيما المطاعم والمشارب فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا الشأن: (ما ملأ أدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن ادم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) رواه الترمذي

كما يدعو إلى الاهتمام بالنظافة والتجمل والتطيب بالوضوء والغسل ولبس أجمل الثياب ومس الطيب وترجيل الشعر والسواك ونحوها مما يقي الجسم من الأمراض.

بالإضافة إلى التأكيد علي العلاج والتداوي إذ يقول صلي الله عليه وسلم (قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى قال نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء – أو دواء – إلا داء واحد فقالا يا رسول الله وما هو ؟ قال: الهرم) رواه الترمذي .كما تتضح العناية بالبدن من خلال تحريم اعتداء الإنسان علي بدنه بأي لون من ألوان العدوان إذ يقول صلي الله عليه وسلم (من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأبها في بطنه في نار جهنم خالداً محلداً فيها أبداً)  رواه البخاري

حرص من الشارع الحكيم على العقل والبدن على حد سواء وهذا ما يجب أن يلتفت له المربي فلا يحمل طالبه ما لا يتسق مع قدراته العقلية والجسدية وإنما ينتقي له من التربية والعلم ما يحترم به عقله ويلاءم جسده وطاقته.

خامساً/ الحرص على التوسط والاعتدال:

 اهتم نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام بتربية أصحابه وتزكية نفوسهم وتنمية فكرهم بكل مفيد، وتقوية أبدانهم؛ لذا فقد حرص صلى الله عليه وسلم على أن تكون جميع هذه الجوانب متزنة متساوية لا يطغي فيها جانب على أخر فيكون العوج أو الانفصام أو الخلل والانحراف.

وتبرز العناية بهذه الجوانب في حديث الثلاثة رهط الذي جاؤوا إلي بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلي الله عليه وسلم في السر، فلما اخبروا كأنهم تقالوها (أي عدوها قليلة) وقالوا: أين نحن من النبي صلي الله عليه وسلم فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا، وقال الأخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الثالث: وأنا اعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، وعلم النبي صلي الله عليه وسلم بذلك فجاء إليهم فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله واتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) رواه البخاري

سادساً/ الحرص على مشاركتهم العمل بروح الجماعة:

إن صفة التعاون والالتحام مع الجماعة أمر حثَّ عليها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة فالله جل جلاله يقول في محكم التنزيل حاثاً على ذلك: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة:2)، وقال صلى الله عليه وسلم: “يد الله مع الجماعة”.

فالعمل الجماعي يجمع بين الطاقات والقدرات، التي تتفاوت في اتجاهاتها وآرائها واهتماماتها الفكرية مما يسهم في توجيه الرأي نحو التوسط غالباً، أما العمل الفردي فهو نتاج رأي فرد وتوجه فرد مما قد لا يرضي الجماعة.

وحتى نتمكن من تحصين عقول الناشئة ضد التحديات الفكرية والعقدية فنحن بحاجة إلى العمل الجماعي الذي ينتج عنه ترابط المجتمع بشكل أقوى يؤدي إلى تآلف أفراده ونمو شعورهم بأهمية الجماعة وضرورة المحافظة عليها والتمسك بها ونرى ذلك جلياً من خلال مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في أعمالهم ومن ذلك:

أ- مشاركته لهم في بناء المسجد: – عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلة… وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول اللهم لا خير إلا خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة” رواه البخاري ومسلم

ب- مشاركته صلى الله عليه وسلم لهم في حفر الخندق: – فعن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهو يحفر ونحن ننقل التراب ويمر بنا فقال: “اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة” رواه البخاري ومسلم

ومشاركته لهم حتى في طبخ الطعام عندما قال: وعليّ جمع الحطب.

وهي مشاركة لا تلغي دورهم ولا تعطل رأيهم وإنما تدفعهم للتوازن بين هذا وبين تعويدهم على العمل والمشاركة.

إن مجرد إصدار الأوامر والتوجيه أمر يجيده الجميع، لكن الدخول مع الناس في الميدان ومشاركتهم يرفع قيمة المربي لديهم ويعلي شأنه فيشعرون بأنه واحد منهم، وذلك مما يدفعهم لمزيد من البذل والهمة والحماس عكس أولئك الذين يدعون للعمل ولكنهم لا يشاركون طلابهم فيه. وقد عبر عن هذا المعنى ذاك الحداء الذي كان يردده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبنون معه المسجد والذي يشيع بروح الود والإخاء، ويسهم في بناء علاقة وطيدة بين المربي وطلابه وهذا منهج قويم ومسلك ينتهجه المربي الناجح في تعامله مع طلابه.

سابعاً/ الجمع بين التحصين الفردي والتحصين الجماعي

 لقد جمع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بين التربية والتوجيه الفردي من خلال الخطاب الشخصي المباشر، وبين التربية والتوجيه الجماعي. وهذا مما يعمق أثر التربية في النفس ويزيد من وقعها لدى المتعلم ومن ذلك ما جاء عن ابن مسعود – رضي الله عنه- حيث قال: “علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه” رواه البخاري ومسلم

كما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال: “يا معاذ، أتدري ماحق الله على العباد؟ قال الله ورسوله أعلم….) رواه البخاري

وقد كان هذا الحوار والتوجيه شخصياً بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين معاذ رضي الله عنه، بينما نجده صلى الله عليه وسلم في مواقف أخرى يوجه من معه توجيهاً عاماً، كما في خطبه ولقاءاته وتوجيهاته لعامة أصحابه وهي أشهر من أن تورد وتحصر.

ومثال على ذلك ما جاء في قصة الذي قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي ((فعن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- قال استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي قال فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر يهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر “ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه” اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت ثلاثاً) رواه البخاري

إذاً فهناك جوانب يمكن أن تطرح وتناقش بصورة فردية، ولا يسوغ أن تطرح بصفة عامة – ولو مع عدم الإشارة إلى صاحبها – لأنها ربما كانت مشكلات فردية لا تعني غير صاحبها، بل قد يكون الضرر في إشاعتها أكثر من النفع.

وهناك جوانب يجب أن تطرح بوضوح وبصورة عامة وتعالج وتناقش أمام الجميع، والمربي الناجح هو من يضع الأمر في موضعه وهذا ما يجب على المربي الالتزام به في تعامله مع من هم تحت يده.

ثامناً/ الحرص على استخدام أسلوب الحوار:

تتعدد الثمار المباركة للتربية بالحوار مع الشباب وآثارها في تحصينهم من الانحرافات الفكرية والسلوكية فهي تربيهم على خشية الله وطاعته وإتباع أوامره واجتناب نواهيه والاستقامة على الصراط المستقيم ولزوم المنهج القويم فيكون الشباب متوسطاً ومعتدلاً في كافة أمور دينه ودنياه، مبتعداً عن الجفاء والتقصير والتطرف والغلو فيحقق لهم الأمن الفكري والتحصين من الانحرافات الفكرية والسلوكية والجرائم الإرهابية، كما تحقق التربية بالحوار معهم تربيتهم على الأخلاق الفاضلة والقيم والآداب الإسلامية، والعلاقات والروابط الأسرية والاجتماعية القوية التي تحقق للمجتمع الأمن الاجتماعي والتحصين من الجرائم الإرهابية من خلال إيجاد المجتمع الذي رابطته العقيدة الصحيحة ودعوته دعوة الخير والإصلاح، وعمله العمل الصالح، ومنهجه الوسطية والاعتدال، وعدم الإفراط والتفريط وتبعدهم عن النزاعات والتوترات والصراعات والقلاقل والفتن التي تسبب الانحرافات الفكرية والعقلية والنفسية حيث أن التربية بالحوار تحقق تربيتهم على العقيدة

الصحيحة التي هي أصل كل خير، ومنع كل رذيلة والعصمة من كل ضلال والحماية من فساد يعيشون في ظلها حياتهم السوية بفكر منير وفهم سليم وسلوك مستقيم.

الفصل الثالث: الارتقاء بتلقي الأخبار وروايتها.

المبحث الأول: آفات نفسد الأخبار.

المبحث الثاني: ملامح المنهج الشرعي للتعامل مع الأخبار.

المبحث الثالث: مناهج التعامل مع الأخبار عند المسلمين.

المبحث الرابع: ضوابط شرعية لتلقي وإذاعة الخبر.

المبحث الخامس: استبيان عملي وإحصائية على تلقي الأخبار وخطر الشائعات.

المبحث الأول: آفات تفسد الأخبار:

تشهد حياتنا المعاصرة؛ طفرة في تعدد وسائل الإعلام وتناقل الأخبار ومتابعة الأحداث المحلية والعالمية، وسط كم هائل من المعلومات المتداخلة في كثير من أوجهها.

وربما كانت التكنولوجيا الحديثة، وسهولة التواصل، وسرعة الاتصال، إحدى أهم العوامل التي ساعدت في تحوّل عصرنا إلى عصر المعلومات.

والمتابع منّا يعجب أحياناً من التناقض الحاصل في المعلومات التي توردها بعض وسائل الإعلام، المحلية أو العالمية. ما يجعل المتابع متحيّراً في أمره، أي الفريقين يصدّق. وهذا ما يحتّمه النقل الغير مسؤول لبعض أوجه الأحداث، وتسييس جميع الأمور بما يخدم مصلحة الوسيلة الإعلامية، ومالكها أو ممولها.. ما يؤكد باستمرار، أنه لا يوجد إعلام حيادي.

ولطالما كان لكل مهنة أخلاقيات وسلوكيات تحددها قيم المجتمع الذي تنشأ أو تنتشر فيه.. ومنها كانت أخلاقيات مهنة نقل المعلومات.

الأستاذ أحمد الصويان، أحد أكفأ العاملين في مجال الإعلام في السعودية، نشر كتاباً منذ عدّة سنوات، حمل عنوان (نحو منهج شرعي لتلقي الأخبار وروايتها) عالج فيه أخلاقيات نقل وتلقي الأخبار في

المجتمعات الإسلامية، انطلاقاً من المنهج الإسلامي الشريف والصادق، ليجعل الإعلام وسيلة لنشر الصدق، وغاية لكمال الأخلاق.

وتحت عنوان (آفات تفسد الأخبار)، ذكر الكاتب جملة من الآفات التي تصيب الأخبار، فتفسدها، ورأى أن أهمها:

الآفة الأولى: الكذب وخطورته:

مواضع الزلل والتقصير عند الإنسان لا تكاد تنحصر في جانب دون الجوانب الأخرى، ولكن من أخطر وأسوأ ما يقع فيه الناس: الكذب، فهو صفة ذميمة، تظهر فيها الخيانة وتسقط بها المروءة، والكذب يقلب الأمور، ويُغير الواقع، ويزور الحقائق؛ فتصير العيوب محاسن والمحاسن عيوباً، ويجعل الحسن قبيحاً والقبيح حسناً، وينسب للناس خلاف ما قالوه أو فعلوه.

ويبدو أن الكذب حينما يطفو على السطح يكون ناتجاً عن تراكم مجموعة من الأخلاق المذمومة، كقلة الدين والورع، وكالحقد والحسد وغيرها، كما أن الصدق ناتج عن عفة النفس، ونبل المقصد، وإرادة الحق، وحينما تترفع النفوس عن أهوائها وشهواتها، تنساب عفة وطهارة لا ترجو إلا الله والدار الآخرة.

قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ”(التوبة:119).

وقال الله تعالى: “إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ”(النحل:105).

وعن ابن أبي مُليكة أن عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: “ما كان خُلُق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، ولقد كان الرجل يكذب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب، فما يزال في نفسه عليه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة”.

أ-الكذب من أجل المصلحة:

من أعجب مكائد الشيطان – أخزاه الله تعالى – على بعض الدعاة: أن الواحد منهم قد يفتري الكذب قصداً على بعض إخوانه الدعاة انتصاراً لنفسه أو لفئته، ويسوِّغ لنفسه هذا المزلق الخطير من بال: “مصلحة الدعوة”!!

فقد يتهم صاحبه بالجهل… أو بقلة الدين… أو حتى بالعمالة.. وهو يعلم يقيناً أنه منها بريء، ولكن مصلحة الدعوة – بزعمه – تقتضي هذه المخادعة!

ذكر بعض الحقيقة وإخفاء بعضها:

في هذا الباب، يقول الأستاذ الصويان: إن من أخطر أنواع الكذب وأشدها فاعلية وأكثرها خفاءً: ذكر بعض الحقيقة وإخفاء بعضها؛ لأن الناقل يُعطي بذلك صورة ناقصة مبتورة لا تُمثل الواقع بتمامه، فمن الناس من ينتقي ما يوافق هواه من الخبر ويحذف ما بقي منه، وهو بذلك لا يُعطيك إلا شطراً واحداً من الحقيقة ويدفن ما سواه، أو يقطع الخبر من سياقه والملابسات المحيطة به؛ فيكون الخبر غفلاً من قضايا أخرى لازمة لتكميل القضية ووضوحها.

ب-التوسع في المعاريض:

بعض الصالحين يحفظه الله – عز وجل – من الكذب فلا يقع فيه ولا يتجاسر عليه، لكنه قد لا يسلم من المعاريض المحتملة لأكثر من وجه، فيُسرف فيها إسرافاً شديداً، والمعاريض إذا لم توضع في موضعها الشرعي الصحيح تصبح نظيرة للكذب!

وإذا كان متلقي الخبر فطناً يقظاً استطاع أن يُميز الخبر المكذوب المختلق والخبر المنقوص المبتور، كما استطاع بذكائه وبصيرته أن يُميز المعاريض من غيرها، ويتعامل مع كل حدث بما يستحقه من الحكمة والبصيرة.

قال ابن تيمية: “والرجل الصادق البار يظهر على وجهه من نور صدقه، وبهجة وجهه سيما يُعرف بها، وكذلك الكاذب الفاجر”.

ومن مخاطر التوسع في المعاريض: أن الحقيقة إذا ما ظهرت للسامع بخلاف ما فهمه من التعريض ظنّ أن محدِّثه كاذباً، وهو ليس كذلك.

ج-خطورة الكذب:

خطورة الكذب تكمن في أن مرتكبه قد ينسف بخبر واحد مكذوب أو منقوص أعمالاً جليلة ومكانة سامقة، ويرمي بالكذبة لا يُلقي لها بالاً تبلغ من خطورتها وضررها آفاقاً بعيدة، فقد يسقط الرجل عند الناس من الثُّريا إلى الثرى بكلمة واحدة ملفقة!

من أجل ذلك كان التحذير من الكذب بالغاً، والعقوبة المترتبة على فعله في غاية الشدة، حتى يكون المسلم أبعد ما يكون عن هذه الآفة المهلكة.

الآفة الثانية: الشائعة:

ويرى الأستاذ الصويان أن الآفة الثانية في نقل الأخبار، هي آفة الكذب، ويتابع في كتابه قائلاً: “قال ابن منظور في (لسان العرب): “شاع الخبر في الناس يَشيع شَيْعاً وشَيَعاناً ومَشاعاً وشَيْعُوعة، فهو شائعٌ: انتشر وافترق وذاع وظهر، وأشاعه هو وأشاع ذِكْر الشيء: أطاره وأظهره، وقولهم: هذا خبر شائع، وقد شاع في الناس؛ معناه: قد اتصل بكل أحد فاستوى علم الناس به، ولم يكن علمه عند بعضهم دون بعض، والشاعة: الأخبار المنتشرة”.

والشائعات بمعناها الاصطلاحي: “عبارة عن أقوال أو أخبار أو أحاديث يختلقها البعض لأغراض خبيثة، ويتناقلها الناس بحسن نية، دون التثبت في صحتها، ودون التحقق من صدقها”.

ويُعرفها بعضهم بأنها: “عبارة عن نبأ أو حدث مجرد من أية قيمة يقينية، ينتقل من شخص لآخر، قادر على زعزعة الرأي العام أو تجميده”.

والإشاعة في أغلب الأحوال ما هي إلا تضخيم للأخبار الصغيرة، وإظهارها بصورة تختلف عن صورتها الحقيقية، أو هي تسخير للأخبار المكذوبة وطلاؤها بطلاء براق يلفت إليها الانتباه، من أجل إشاعة الفُرقة

والبغضاء بين العباد، ثم تسري هذه الأخبار بعد ذلك سيراً وبائياً بين الصفوف التي تكون – في أغلب الأحوال – لسوء التربية، ولغياب الموازين العلمية المعتمدة في القبول والرد، ولغياب المرشدين الأمناء مرعىً خصيباً لمثل هذه الشائعات.

والإشاعة هي بداية الاختلاف والتفرق، وسرعان ما ينتهي الحال إلى معركة دامية تُسلُّ فيها الألسن، وتسقط فيها القيم والمثل، وربما يُشهر فيها السلاح. نسأل الله السلامة..!

وحسبك أن تصغي إلى أحاديث الناس في منتدياتهم العامة، بل وفي مجتمعاتهم الخاصة، لتسمع ضجيج الشائعات يطغى على كل شيء، وسأترك الأمر للقارئ الكريم ليتأمل في حال الناس من حوله، وينظر كم تتغير الأحوال وتتبدل القلوب، بسبب ذلك الهراء الذي يُشيعه بعض الناس بين آونة وأخرى…؟!

وتبدأ الشائعات عادة بكلمة صغيرة ثم يزيدها الناس من هنا وهناك: “حتى تصّاعد في سرعة إلى عنان السماء، فتحجب عن الرأي – أو تكاد – آفاق الرؤية الواضحة، وتسد أمام ناظريه السبيل، فلا يرى جبال الحقائق الموضوعية الراسخة، هذه التي تحدد قممها في سماء صافية من المنطق”.

والنفوس مجبولة على التطلع إلى غرائب الأخبار ونوادر الحوادث، فأنت ترى أن الأنظار تنجذب إلى ذلك المرء الذي يثير الأخبار من هنا وهناك ولو لم تكن ثابتة، ولقد أثبتت الأيام بما لا يدع مجالاً للشك، أن

الشهرة والسمعة تكون دائماً حليف المرء الذي يُحسن عرض الشائعة، ويُزينها بآهات التحسر وإظهار الغيرة على الدين وأهله!!

ويرى الأستاذ الصويان أن الإشاعة تتولد عادة من خلال إحدى ثلاث حالات:

1 – إيجاد خبر لا أساس له من الصحة.

2 – تلفيق خبر لجزء منه نصيب من الصحة.

3 – المبالغة الجسيمة في نقل خبر ينطوي على بعض العناصر الصحيحة.

أ-نماذج للشائعات:

التاريخ الإسلامي مليء بالحوادث والأخبار التي ظهرت فيها الآثار السلبية للشائعات، أقتصر على ذكر مثالين فقط:

المثال الأول:

من الحوادث المزعجة التي حصلت في تاريخ هذه الأمة: (قصة الإفك المشهورة) حيث كانت تلك الفرية الآثمة التي أشاعها بعض المنافقين، ورددها بعض المؤمنين بدون تورع أو تثبت، من أثقل ما مرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وصحبه الكرام – رضي الله تعالى عنهم أجمعين-.

المثال الثاني:

نقل ابن هشام – رحمه الله تعالى – عن ابن إسحاق – رحمه الله تعالى – قال: “بلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا إلى أرض الحبشة إسلام أهل مكة، فأقبلوا لما بلغهم ذلك، حتى إذا دنوا من مكة، بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلاً، فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار أو مستخفياً”.

فهذا الخبر يبين أن أهل مكة أشاعوا كذباً إسلام قريش، حتى يضمنوا رجوع المهاجرين المسلمين من الحبشة، وفعلاً استبشر المسلمون بهذا النبأ، ورجع بعضهم ثم علموا بطلان هذه الفرية، فلم يستطيعوا دخول مكة خفية أو محتمين إلا بجوار أحد من المشركين!

ب-الحذر من ترويج الشائعات:

قد يُصبح المرء الصالح مطية يروِّج بعض الأخبار الشائعة المكذوبة من حيث لا يدري، فهو يتقبل الأخبار أياً كان مصدرها، دون تفكير متزن ولا وعي بمقتضى هذه الأخبار ومقاصدها، وإنما عن تلقين أو تقليد من غير تأمل أو نظر..!

قال جوزيف دي مستير:”الآراء الكاذبة كالعملة المزيفة، يسكها مجرمون عتاة، ثم يتداولها أناس شرفاء، وتستمر على أيديهم الجريمة، دون أن يعلموا ماذا يفعلون؟!”.

وفرق كبير جداً بين خبر يُبنى على الأدلة والبراهين والوقائع الثابتة… وآخر يبنى على الدلائل الظنية والأسانيد الواهية، ولذا جاءت توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم في غاية الوضوح والبيان والقوة، للتحذير من إشاعة أخبار لم يتبين صدقها من كذبها، فعن المغيرة بن شعبة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال”.

وعند أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء إثماً أن يُحدِّث بكل ما سمع”.

وفي رواية أخرى: “كفى بالمرء كذباً أن يُحدِّث بكل ما سمع”.

ج-أسباب انتشار الشائعات:

الأسباب التي تجعل الأخبار المكذوبة تشيع وتحل محل الحقائق في أذهان كثير من الناس بدون تفكير أو تدبر، أساب عديدة، منها:

أولاً: فصاحة قول المشيع وحسن منطقه، وإجادته عرض الشائعة، وهذا من أسباب رواج إشاعات المنافقين بين الناس، ولهذا قال الله عز وجل في وصف المنافقين: “وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ”(المنافقون: من الآية4)، وعن عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أخوف ما أخاف على أمتي: كل منافق عليم اللسان”.

ونظير هذا ما جاء عن أم سلمة – رضي الله تعالى عنها_ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ، فلعلَّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق مسلم؛ فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها”.

وكما قال أحد الشعراء:

في زخرف القول تزيين لباطله                  والحق قد يعتريه سوء تعبير

ثانياً: كون المشيع ممن تميل إليه قلوب سامعيه، إما بسبب الصحبة أو التحزب أو التمشيخ، أو غيرها، وهذا يمنع السامع من البحث والنظر فيما يُنقل إليه.

وإحسان الظن لدرجة الغفلة وعدم التثبت سذاجة غير محتملة من شباب الصحوة ودعاتها – على الإطلاق!

ينبني على ذلك أن من الناس من لم يرزقه الله بصيرة ناقدة، بل يُردد ما يقوله الناس كالإمعة الذي لا يدري ما يقول! وقد جاء في وصية الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لكُميل بن زياد النَخعي قوله: “الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلِّم على سبيل النجاة، وهَمَجٌ رِعاعٌ أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق”.

وكما قال العلامة الفحل ابن خلدون رحمه الله تعالى: “فالتحقيق قليل، وطرف التنقيح في الغالب كليل، والوهم نسيب للأخبار وخليل، والتقليد عريق في الآدميين وسليل”.

ثالثاً: موافقة الخبر هوىً في نفس السامع، كأن يرى في هذا الخبر انتصاراً لنفسه وفئته، أو تقليلاً من قدر الفئات الأخرى، وهذه ظاهرة نفسية عجيبة لا مجال لإنكارها أو التغاضي عنها، فإنها تفتك بالقلوب، وتمزِّق وحدة الصفوف، وإلى هذا أشار العلامة ابن خلدون – رحمه الله تعالى – بقوله: “ولما كان الكذب

متطرقاً للخبر بطبيعته وله أسباب تقتضيه: فمنها التشيُّعات للآراء والمذاهب، فإن النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تتبين صدقه من كذبه، وإذا خامرها تشيُّع لرأي أو نحلة قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة، وكان ذلك الميل والتشيُّع غطاءً على عين بصيرتها من الانتقاد والتمحيص، فتقع في قبول الكذب ونقله”.

رابعاً: أن تتسم الوقائع الحقيقية بشيء من الغموض.

خامساً: الفراغ؛ حيث يشغل الفارغون الباطلون أوقاتهم بالقيل والقال، ويصبح جل همهم البحث والتنقيب في أحوال الناس. وأسوأ ما يكون ذلك عند بعض من ينتسب إلى العلم والدعوة والدعاة، حيث تستهلك الطاقات والأوقات في أخبار الناس، ويصبح شغلهم في لحوم الناس وأعراضهم. ومن تدنَّت همته ولم يجد بيئة كريمة تدفعه إلى العطاء والإنجاز؛ ولغ في حضيض التفاهة ولم يعرف إلا بالقيل والقال..!!

المبحث الثاني: ملامح المنهج الشرعي للتعامل مع الأخبار:

أولاً: التثبت في الأخبار:

تمتلك هذه الأمة بفضل من الله تعالى ومنِّه أعظم منهاج في تنقيح الأخبار والمرويات، وقد بنى أئمتنا الكرام رضي الله تعالى عنهم هذا المنهاج الكريم على أسس قويمة وضوابط علمية دقيقة لا لبس فيها ولا غموض، فميزوا بين الثقات والمجروحين من الرواة، والصحيح والضعيف من المرويات، بكل تثبت وإنصاف، بعيداً عن الأهواء الشخصية، والتعصبات المذهبية.

ولم تظهر آثار هذا المنهاج الكريم في تنقيح السنة النبوية المشرفة فحسب وإن كان هذا هو أبرز المجالات وأجلها بل تعداه ليشمل جوانب متعددة من الفكر الإسلامي، كالتاريخ ورجاله، والأدب ورجاله وغيرها.

وفي هذا العصر الذي اندرس فيه منار الإسلام، واختلطت فيه السبل، نحتاج إلى إحياء هذا المنهاج لكي يتضح الطريق، ونعرف الحق من الباطل، ونميز أقدار الرجال ومنازلهم، ورحم الله إمام دار الهجرة مالك بن أنس إذ يقول: “ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف”. ولست أدري ماذا نقول نحن عن زماننا..؟!

أ-الأمر بالتثبت:

جاء الأمر بالتثبت في قبول الأخبار في آية عظيمة من كتاب الله عز وجل، قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”(الحجرات:6).

وعلى قراءة أخرى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَثَبَّتُوا” الآية.

قال الإمام ابن جرير رحمه الله تعالى: “واختلف القراء في قراءة قوله: “فتبينوا” فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة “فتبينوا” بالباء، بمعنى: أمهلوا حتى تعرفوا صحته، لا تعجلوا بقبوله، وكذلك معنى فتثبتوا، والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب”.

إذاً فالتثبت أو التبين هو الأصل الذي يُبنى عليه نقل الخبر، والتأني ثم التحري في صحة النقل دليل الكياسة والفطنة وكمال العقل، فإن: “أصل العقل التثبت”، وكما قال أحد الشعراء:

قد يُدرك المتأني بعض حاجته                  وقد يكون مع المستعجل الزللُ

ب-الاعتماد على ضبط النقلة وصحة فهمهم:

من القضايا المشكلة الخفية التي قد يغفل عنها بعض الأفاضل: أنهم بادئ ذي بدء ينظرون إلى عدالة الناقل وأمانته دون النظر إلى ضبطه وإتقانه في النقل..!

وعندما تكون استجابة الإنسان استجابة عاطفية، فإنه عادة يعجز عن تمييز الحقائق، فقد يكون الناقل قد بلغ الغاية في التقوى والورع، لكنه قليل الضبط، قليل التيقظ، ضعيف الحفظ لما يسمع.

وهذا يذكرني بقول ابن أبي الزناد رحمه الله تعالى: “أدركت بالمدينة مئةً كلهم مأمون؛ ما يؤخذ عنهم الحديث، يقال: ليس من أهله”.

وقال الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى: “إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذونه، لقد أدركت سبعين ممن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن هذه الأساطين وأشار إلى المسجد فما أخذت عنهم شيئاً، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان أميناً، إلا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن”.

وهي من طريف ما يمكن ذكره في هذا الموضع: أن أحد الإخوة الأفاضل دخل على أحد أشياخه في مجلسه، فنظر إليه شيخه نظر عتاب وملامة، فلما سأله عن ذلك؟! أخبره شيخه أنه قد سمع أنه يتأول صفة اليد لله سبحانه وتعالى بالقوة والقدرة..! فقال صاحبنا: سبحانك ربي هذا بهتان عظيم… وكيف أطيق هذا..؟!

فتهلل وجه الشيخ بعد اطمئنانه، وقال: لعل الناقل لم يثبت من فهمه!

ثم تذكر صاحبنا أنه تحدث قبل أيام مع بعض أصحابه في تفسير قول الله عز وجل: “وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ”(الذاريات:47)

فقال: بأيد، يعني بقوة، كما نقل ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والثوري وغير واحد، ولم يتطرق صاحبنا لصفة اليد لله سبحانه وتعالى ولكن فهم منه الناقل فهماً بعيداً عن المراد فأبعد النجعة..!

وقديماً كان الحكماء يقولون: “وما آفة الأخبار إلا رواتها”، وما أجمل قول أبي الطيب المتنبي:

وكم من عائب قولاً صحيحاً                  وآفته من الفهم السقيم

ولكن تأخذ الأذهان منه                      على قدر القرائح والعلوم

ج-الاعتماد على القرائن في قبول الأخبار وردها:

مما تقدم يتبين لنا: أن الخبر إذا نقل عن أحد من العلماء أو الدعاة، ولم يتأكد لنا صحة النقل، أو صحة فهم الدلالة، فينبغي أن يُعرض ذلك الخبر على أقواله وأفعاله السابقة واللاحقة، ويُقاس بطريقته وأحواله، فإن خالف ذلك الخبرُ المعروفَ من سيرته وقوله، كانت هذه قرينة مهمة في رد الخبر، أو حمله على المعروف من حاله.

وأعتقد أن هذه الطريقة أعني: الاعتماد على القرائن من الوسائل المفيدة جداً في تمييز الأخبار وتنقيحها، قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: “والكلمة الواحدة يقولها اثنان، يُريد بها أحدهما: أعظم الباطل، ويُريد بها الآخر محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه، وما يدعو إليه ويُناظر عنه”.

 وتقدم قريباً قول الإمام السبكي رحمه الله تعالى: “فإذا كان الرجل ثقة مشهوداً له بالإيمان والاستقامة، فلا ينبغي أن يُحمل كلامه وألفاظ كتاباته على غير ما تُعوِّد منه ومن أمثاله، بل ينبغي التأويل الصالح، وحسن الظن الواجب به وبأمثاله”.

د-الخبر التحليلي:

ومما يُؤثِّر على صياغة الخبر ونقله ويوجب التحري والتثبت: أن الناقل للخبر يقرن بين ذكره للخبر وبين رأيه هو وتحليله… حتى إن السامع يظن أن كل ما ينقل هو الخبر، وتختلط بين يديه الأوراق ولا يستطيع بعد ذلك أن يُميز بين الخبر وبين تصورات الناقل وتحليلاته الشخصية، وهناك فارق جوهري بين ذكر الخبر مجرداً، وبين الخبر التحليلي، ولا شك بأن الالتزام بالأسلوب العلمي في عرض الأخبار شرط أساس في صحة النقل وإبراء الذمة.

ومما تجدر الإشارة إليه أيضاً: أن رؤية الإنسان الفكرية وانطباعاته النفسية لها تأثير كبير على صياغة الخبر ونقله، فقد يثير الناقل حول الخبر ضباباً كثيفاً، يحجب رؤية السامع ويُعمي بصيرته، ومعلوم أن الخبر الواحد يمكن أن يروى على سبعين وجهاً، ويستطيع الناقل أن يتخير أحسن الألفاظ وأعفها، كما أنه يستطيع اختيار أقسى الألفاظ وأفحشها…!!

ومن روائع الإمام ابن القيم قوله رحمه الله تعالى: “وكل أهل نحلة ومقالة يُكسبون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومن رزقه الله بصيرة فهو يكشف بها حقيقة ما تحت تلك الألفاظ من الحق والباطل، ولا تغتر باللفظ، كما قيل في هذا المعنى:

تقول: هذا جنيّ النحل تمدحه                 وإن تشأ قلت: ذا قيء الزنانير

مدحاً وذماً وما جاوزت وصفهما             والحق قد يعتريه سوء تعبير

فإذا أردت الاطلاع على كنه المعنى هل هو حق أو باطل، فجرِّده من لباس العبارة، وجرِّد قلبك عن النفرة والميل، ثم أعط النظر حقه ناظراً بعين الإنصاف، ولا تكن ممن ينظر في مقالة أصحابه ومن يحسن ظنه فيهم نظراً تاماً بكل قلبه، ثم ينظر في مقالة خصومه وممن يسيء ظنه به كنظر الشزر والملاحظة، فالناظر بعين العداوة يرى المحاسن مساوئ، والناظر بعين المحبة عكسه، وما سلم من هذا إلا من أراد الله كرامته وارتضاه لقبول الحق”.

وقد يكون الخبر المنقول صحيحاً، ولكن الناقل يُخبر به بصيغة التهكم والاستهزاء، والتهكم سلاحٌ خفي لاذع يُسقط من قيمة الآخرين، ويُقلل من احترامهم.. “فطعن اللسان أنفذ من طعن السنان”.

فاللغة التي يُصاغ فيها الخبر تؤثر تأثيراً بالغاً على المتلقي، سلباً أو إيجاباً، وجزماً أن الخبر إذا عرض بأدب وورع: تقبله المخالف واطمأنت إليه النفس، ولكن إذا عرض في سفهٍ وتشفٍّ: أثار المخالف وجعله يُصر على عناده وباطله وتكذيبه للخبر!!

وأشار الجاحظ إشارة عجيبة إلى هذا الشأن، حيث قال: “اللفظ الهجين الرديء، والمستكره الغبي، أعلق باللسان، وآلف للسمع، وأشد التحاماً بالقلب، من اللفظ الشريف، والمعنى الرفيع الكريم”.

وأكثر دقة منه قول الإمام أبي محمد ابن حزم – رحمه الله تعالى -:”من العجائب أن الفضائل مستحسنة ومستثقلة، والرذائل مستقبحة ومستحبة”.

وهذا عند من لم ينوِّر الله فؤاده بنور الإيمان.. وأما من اطمأنت نفسه بذكر الله، وخالطت بشاشته سويداء قلبه، كان للكلم الطيب أقرب، وعن اللغو الباطل أبعد، قال الله تعالى: “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ”.

تلقي الأخبار فضلا عن اتهام الآخرين له منهجية شرعيه، فالقضاء يطلب البينة والشهود، ونقل الأخبار له منهجه الشرعي أيضا. هنا آيتان مع تفسيرهما من بن كثير والقرطبي، ننقلهما لمحبي الخير ومريديه ومن كان جاهلا بهذا الأمر.

أما المنافقون من المرجئة والخونة والمرتزقة فلهم منهج آخر وان ظهروا باسم الاسلام وحب الخير للمسلمين، فالمرجئة الحاليون يعرفون كذبهم وهم فقط يبحثون عما يتسقطون به على المجاهدين والعلماء ولا يهمهم دليل ولا بينة وهم ليسوا كالمرجئة السابقين الذين وان انحرفوا لم يكونوا ليكذبوا أبدا. واما المرتزقة فهم لا يقولون شيئا الا مقابل ما ينالونه من درهم أو دينار فعداوتهم ومحبتهم هي فيما يلقى الى الكلاب من عظام وهم أيضا قد يتسترون بالعلم.

1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ

بن كثير: يَأْمُر تَعَالَى بِالتَّثَبُّتِ فِي خَبَر الْفَاسِق لِيُحْتَاطَ لَهُ لِئَلَّا يُحْكَمَ بِقَوْلِهِ فَيَكُون فِي نَفْس الْأَمْر كَاذِبًا أَوْ مُخْطِئًا فَيَكُون الْحَاكِم بِقَوْلِهِ قَدْ اِقْتَفَى وَرَاءَهُ وَقَدْ نَهَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ اِتِّبَاع سَبِيل الْمُفْسِدِينَ

ومِنْ هُنَا اِمْتَنَعَ طَوَائِف مِنْ الْعُلَمَاء مِنْ قَبُول رِوَايَة مَجْهُول الْحَال لِاحْتِمَالِ فِسْقه فِي نَفْس الْأَمْر

2- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ)

القرطبي: فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى فَسَاد مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلّهمْ عُدُول حَتَّى تَثْبُت الْجُرْحَة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ بِالتَّثَبُّتِ قَبْل الْقَبُول، وَلَا مَعْنَى لِلتَّثَبُّتِ بَعْد إِنْفَاذ الْحُكْم، فَإِنْ حَكَمَ الْحَاكِم قَبْل التَّثَبُّت فَقَدْ أَصَابَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِجَهَالَةٍ.

فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا: أَيْ لِئَلَّا تُصِيبُوا،

قَوْمًا: أَيْ بِخَطَإٍ.

بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ: عَلَى الْعَجَلَة وَتَرْك التَّأَنِّي.

3. وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا

بن كثير: وَقَوْله “وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِهِ” إِنْكَار عَلَى مَنْ يُبَادِر إِلَى الْأُمُور قَبْل تَحَقُّقهَا فَيُخْبِر بِهَا وَيُفْشِيهَا وَيَنْشُرهَا وَقَدْ لَا يَكُون لَهَا صِحَّة.

المبحث الثالث: مناهج التعامل مع الأخبار عند المسلمين

عندما يتحدث أصحاب الشبهات عن النقل الشفهي والكتابي عند المسلمين، ويطعنون في نقلهم للأخبار من خلال ذلك؛ فإنهم لا يفرقون بين (اللامنهج) الذي اتبعه الإخباريون من غير المسلمين قبل بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبين المنهج المحقق المتقدم الذي اتبعه الإخباريون المسلمون، والذي كان ثمرة من ثمرات هذه الشريعة المباركة.

كما أن هؤلاء جميعاً لا يفرقون بين منهج الإخباريين المسلمين وبين منهج المحدثين (أهل الحديث) الذي كان ولا يزال أعظم منهج عرفه الناس للتعامل مع الأخبار.

ويعود ذلك إلى أن المشككين من المستشرقين وأذنابهم لم يكلفوا أنفسهم الاطلاع على منهج المحدثين أو الأخبارين المسلمين، بل كان همهم منصباً على تتبع الأخبار نفسها وانتقادها بالبحث عن مناقضتها للحقائق، ولما لم يفلحوا في ذلك توجهوا إلى عرضها على نفسياتهم التي لا تقدم ولا تؤخر وعاداتهم غير الملزمة لأحد أصلاً، وحاولوا التشكيك فيها من خلال ذلك متناسين المنهجية العظيمة التي اتبعها كل من الإخباريين والمحدثين.

بل إنهم عندما أخفقوا في التشكيك من خلال ذلك؛ عملوا على تحويل نفسيات المسلمين إلى مسخ عن نفسياتهم لتقبل كل ما يصدر عنهم، وتمثل ذلك بما عرف فيما بعد بالغزو الثقافي حيث جعلوا الإسلام غريباً بين أهله وجعلوا أفكارهم وأهواءهم هي الميزان! ونجحوا في ذلك أيما نجاح!

وفي هذه السطور سأحاول تقديم عرض مختصر جداً من غير إخلال إن شاء الله تعالى لكل من منهج الإخباريين المسلمين ومنهج المحدثين، مع مقارنة سريعة بلامنهجية الأخبارين الجاهليين قبل البعثة من عرب ويهود ونصارى وغيرهم بمنهجية المسلمين:

فقد اهتم الناس بالأخبار منذ القدم بل ربما منذ خلقوا ويدلنا على ذلك ما نراه في أنفسنا من اهتمام بالأخبار وقياساً على ذلك فإننا نفترض أن ما نراه في أنفسنا كان في جميع الناس من قبلنا.

وقد أكد لنا ذلك ما تواتر عن أخبار بعينها كانت تتناقل منذ زمن بعيد كما تواترت لدينا كتب تاريخية قديمة ومؤرخون قدماء.

ومما يؤكد ذلك أيضاً تلك النقوش والكتابات التي تعود إلى آلاف السنين بشهادة المختصين والتي تتضمن كتابات تأريخية ومعتقدات وغيرها.

إلا أن من الملاحظ وهو ما يدركه كل من يطالع كتابات هؤلاء أو قصصهم أن هؤلاء جميعاً لم تكن لديهم منهجية واضحة في التعامل مع الأخبار بل إنهم كانوا ذوي أهواء. يدلنا على ذلك أن أحداً منهم لم يذكر منهجاً يحتكم إليه في تلقي الأخبار وفي نقلها ونشرها كما أنك لا تستطيع –مهما بذلت من جهد في تتبع هؤلاء- أن تستخلص منهجاً واضحاً لهم، فعلى أي أساس اختاروا هذا الخبر أو ذاك أو على أي أساس هجروا هذا الخبر أو ذاك فإنك لن تجد هنا ما يشفي!

وهذا يدل على أنهم لم تكن لديهم منهجية سوى ما ألفوه أو اعتادوه.

منهج الإخباريين المسلمين:

وعندما بعث الله تعالى سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق وأنزل معه الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط كان مما أنزل الله تعالى ميزاناً عظيماً ومنهجاً واضحاً يضبط التعامل مع الأخبار شأنها كل شيء أنزل الله تعالى الكتاب تبياناً له.

ويتمثل هذا المنهج العظيم في ضبط القائل والمتلقي والناقل على السواء.

أما القائل أو المخبر فقد حرم الله تعالى عليه الكذب يسيراً كان أم كثيراً؛ فإذا أخبر فعليه أن يخبر بما رأى أو سمع حقاً، وإذا أخبر بما رأى أو سمع فعليه أن يخبر به كما هو دون زيادة أو نقص، وكذلك الناقل عنه.

أما المتلقي فقد منعه الإسلام من تكذيب أي خبر لم يحط بعلمه ما لم يكن لديه علم بما يمنع منه.

كما منعه من اتباع الظن وقفو ما لا علم له به.

كما منعه من التحديث بكل ما يسمع دون تثبت، ومنعه من أن يخبر بما لا يعرف له مصدراً من الأخبار إلا مجرد الزعم (بئس مطية الرجل “زعموا”).

وقد تمثل الإخباريون المسلمون هذه المنهجية العظيمة وكان همهم وهدفهم وأهم شروط منهجهم ألا ينشروا الكذب الذي يعلم أنه كذب.

ولذلك فقد وضعوا منهجاً دقيقاً واسعاً في الوقت نفسه يمكنهم من احتواء أكبر قدر من الأخبار التي يرى الإخباريون المسلمون أنها مهمة وأنها تفيد متلقيها.

وأستطيع تلخيص منهج الإخباريين المسلمين بأنه (افتراض صحة الخبر ما لم يكن هناك مانع يمنع من قبوله).

وهذا يعني أن منهج الإخباريين له ركيزتان:

الأولى: افتراض صحة الخبر، ما دام لا يعلم ما يمنع من قبوله ولعلنا نفصل قريباً إن شاء الله سبب هذا الافتراض وحججه.

والأخرى: اشتراط عدم وجود مانع يمنع من قبوله.

والمانع عند الإخباريين هو التناقض مع القرآن أو مع السنة أو مع الواقع المشاهد أو المتواتر أو اللازم. هذا بالإضافة إلى التناقض بين روايات الخبر الواحد إلا أن الإخباريين في الغالب كانوا ينقلون الروايات المتناقضة مع عدم الترجيح إلا بوجود مرجح وإلا فإنهم ينقلونها كما هي تاركين الأمر في النهاية للمتلقي.

وقد أثمر منهج الإخباريين المسلمين ثمرات عظيمة وانتقل بالناس نقلة نوعية عظيمة كذلك للتعامل مع الأخبار والنظر فيها بشكل مختلف تماماً عما كان قبل الإسلام.

وكان من ثمرات منهج الإخباريين:

-هجر ما لا يحصى من الخرافات العربية والإسرائيلية وغيرها.

-نقد الخبر على أساس علمي أو منهجي وليس على مجرد الهوى أو الإلف والعادة وذلك لأول مرة في التاريخ.

-كما أنه فتح باب التثبت العلمي من الأخبار، وكل منهج حديث ينسب إلى الغرب أو غيرهم فإنما هو ثمرة من ثمرات منهج الإخباريين المسلمين.

ب-منهج المحدثين ومقارنته بمنهج الإخباريين المسلمين:

رأينا أن منهج الأخبارين المسلمين يقوم على قاعدة (افتراض صحة الخبر ما لم يكن هناك مانع يمنع من قبوله)

وهذا يعني أن منهج الإخباريين انصب على البحث في الخبر نفسه بغض النظر عن مصدره، فقد أهمل الإخباريون مصدر الخبر مطلقاً ولم يعتنوا به اعتناءهم بالخبر نفسه. حتى إن الإخباريين كانوا يأخذون عن

كذابين معروفين بالكذب كما كانوا يأخذون عن مجهولين بل إنهم يأخذون عن كتب يجدونها وجادة سواءً كان كاتبها معروفاً أو مجهولاً، كما أكثروا من النقل عن الإسرائيليات مع أنها لا خطام لها ولا زمام.

كما أن عدم العلم بالمانع لا يعنى العلم بعدمه وهذا يشكل ثغرة في منهج الإخباريين ولا يعطي ثقة كبيرة بالأخبار التي ينقلونها. بل يستطيع أي إنسان أن يشكك في أي خبر من هذه الأخبار لأدنى شبهة.

وقد جاء منهج المحدثين ليسد هذه الثغرة.

المبحث الرابع: ضوابط شرعية لتلقي وإذاعة الخبر

أولا: مقدمات

1-أهمية الموضوع:

إن تلقي وإذاعة الخبر في مفهومه الخاص والعام، بل والكلام والعمل عموماً؛ يستدعي تدريباً وممارسة للنفس؛ حتى تستقيم على مراد الله سبحانه وتعالى في هذا الشأن، ويصبح الأمر عندها معتاداً، وجزءاً من تفكيرها وتنفيذها دون عناء؛ ولذا فإنه ينبغي أن يستقر في ذهن المؤمن بأن هذا الموضوع عملي أكثر منه نظري.

إنه مطالب أن يجتهد في تدريب نفسه ومن يعول باستمرار؛ حتى يتم الاستيعاب والألفة بين النفس وبين الضوابط والموجهات الشرعية، بثوبها النظري والعملي.

2-دوافع للكتابة في هذا الموضوع:

دوافع الكتابة في هذا كثيرة؛ لكن من أهمها:

1- رأيت عند البعض استعجالا، وعدم تحرٍفي تلقي وإذاعة الخبر؛ وبخاصة في الأحداث الساخنة فأردت التذكير ببعض الضوابط والموجهات؛ المتعلقة بذلك.

2-أردت أن أذكّر بأمر كدنا أن ننساه؛ وهو توجيه النصوص الشرعية لما يقوله المسلم وما يدعه؛ بشكل عام، ومتى يقول وكيف يقول؟ وأنها (النصوص) لم تترك الأمر هملا…

3-خطورة عدم التقيد بالتوجيهات الشرعية في استقبال وإذاعة الخبر، على الفرد، وعلى الأمة؛ لا تخفى…فاستبان لي وجوب الكتابة فيه مساهمة في التنبيه عليه.

مكونات العنوان تستدعي تعريفا مختصراً بها وهي:

1- ضوابط وموجهات:

لغة مأخوذة من وجه يوجه توجيها، وتعني النصح والدلالة على الخير والطريق السوي، من خبير؛ سواء أكان الطريق حسيا أو معنويا.

واصطلاحا الدلالات الشرعية الضابطة، لتلقي وإذاعة الأخبار؛

ومنه قوله تعالى: فأَقِمْ وَجْهَكَ للدِّين حَنِيفاً؛ أَي اتَّبِع الدِّينَ القَيِّمَ.

وخص الوجه بالذكر؛ لأنه تابع للقلب، ويمثله في المسيرة والوجهة حسيا ومعنويا.

2-تلقي:

لغة مصدر من تلقى يتلقى وهو مطلق الاستقبال

واصطلاحا استقبال الأخبار، والقول؛ بشكل عام، من مصادرها المختلفة.

قال تعالى (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) (15) سورة النور

وتلقونه معناها يروي بعضكم عن بعض، وبدون تريث ولا تثبت ولا تبين؛ فكأنها تنتقل من اللسان إلى اللسان، دون عرضها على الحواس الأخرى؛ مثل العقل والذهن والفكر…وحتى السمع لم يذكر هنا مع أنه أداة التلقي؛ ليدلل على منتهى السرعة في التبادل. وفي قراءة بكسر اللام وتخفيف القاف؛ وهي بمعنى تكذبون.

3-إذاعة:

لغة من أذاع يذيع، وهو النشر والإشاعة.

واصطلاحا نشر وإشاعة الأخبار، أو القول؛ بشكل عام؛ بواسطة وسيلة وأسلوب معلومين.

ومنه قوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به…)

وهو مصطلح قرآني دقيق؛ لأن الإرسال يتناول الذوات كثيرا، والنشر أول ما يعني: مد القماش، أو الورق؛ ولو كانت خالية من الكتابة.

وتسمية الراديو والتلفاز إذاعة: تسمية دقيقة.

4-الخبر:

لغة من خبِرَ يخبر؛ ما يُنقَلُ ويُحدَّث به قولا أَو كتِابةً، ومنه قوله تعالى {سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ}.

والخبَرُ: قولٌ يحتمل الصدق والكذب لذاته ((ليخرج خبر الوحيين عن الاحتمال، بل هو صدق كله) وسأله عن أخباره: استفسر عن أحواله، وصادق الخبر: صحيح النبأ، صَدُوق المقال

وخبر المبتدأ متمّمً لمعناه، ويصحّ السكوت عليه.

وخبر آحاد: حديث انفرد به راوٍ واحد وإن تعددتِ الطرق إليه.

واصطلاحا (الخبر)المادة الخبرية المذاعة من المذيع إلى المتلقي شفاها أو مشاهدة أو كتابة؛ مما يهم أمر الناس.

وتأتي الأخبار بمعنى الأنباء، وإن كانت الأنباء تختص بالأمور العظيمة قال تعالى (عم يتساءلون عن النبأ العظيم) سورة عم.

ثانيا: إطلالات تأصيلية في تلقي وإذاعة الخبر:

ثمة نصوص من القرآن والسنة كثيرة في تأصيل الموضوع؛ منها -على سبيل المثال من القرآن والسنة -منها الإطلالات الآتية:

الإطلالة الأولى:

قوله تعالى (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) سورة النساء

قول المفسرين: قال في الجلالين “وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر “عَنْ سَرَايَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا حَصَلَ لَهُمْ” مِنْ الْأَمْن “بِالنَّصْرِ” أَوْ الْخَوْف “بِالْهَزِيمَةِ” أَذَاعُوا بِهِ” أَفْشَوْهُ نَزَلَ فِي جَمَاعَة مِنْ الْمُنَافِقِينَ أَوْ فِي ضُعَفَاء الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَتَضْعُف قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ وَيَتَأَذَّى النَّبِيّ “وَلَوْ رَدُّوهُ” أَيْ الْخَبَر” إلَى الرَّسُول وَإِلَى أُولِي

الْأَمْر مِنْهُمْ “أَيْ ذَوِي الرَّأْي مِنْ أَكَابِر الصَّحَابَة أَيْ لَوْ سَكَتُوا عَنْهُ حَتَّى يُخْبِرُوا بِهِ “لَعَلِمَهُ” هَلْ هُوَ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُذَاع أَوْ لَا “الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ” يَتَّبِعُونَهُ وَيَطْلُبُونَ عِلْمه وَهُمْ الْمُذِيعُونَ “مِنْهُمْ” مِنْ الرَّسُول وَأُولِي الْأَمْر “وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ” بِالْإِسْلَامِ “وَرَحْمَته” لَكُمْ بِالْقُرْآنِ “لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان” فِيمَا يَأْمُركُمْ بِهِ مِنْ الْفَوَاحِش.

وقال السعدي: هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق. وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك. وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد

على مصلحته، لم يذيعوه، ولهذا قال: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة.

وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان؟ أم لا فيحجم عنه؟

ثم قال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أي: في توفيقكم وتأديبكم، وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون، {لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا} لأن الإنسان بطبعه ظالم جاهل، فلا تأمره نفسه إلا بالشر. فإذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك، لطف به ربه ووفقه لكل خير، وعصمه من الشيطان الرجيم. السعدي 1 / 190.

وقال ابن كثير: إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة.

وقد قال مسلم في “مقدمة صحيحه” حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن حفص، حدثنا شعبة، عن خبيب (6) بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كفى بالمرء كذبا أن يُحدِّث بكل ما سمع” ابن كثير 2/ 365.

إن الأمر -كما ترى – خطير، وعلى مستوى عال من الأهمية؛ ليأخذه المؤمن بجدية عالية، واهتمام بالغ، ولا يغفل عنه؛ وبخاصة في الأمور الكبيرة، والأحداث الساخنة؛ فإنه يجب أن يعرض ما يتلقاه على أكثر من حاسة، وينتقي الوسيلة التي عرفت بالصدق والدقة، وبعد تحقق الصدق يجب أن يتأنى فلا يقدم على

إذاعة الخبر الصادق حتى يتأكد أن ليس من وراء إذاعته ضرر على أي من الكليات الخمس؛ فيما يخص ذاته أو الأمة مجموعة أو أفرادا منها.

الإطلالة الثانية

قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) سورة الحجرات.

قول المفسرين:

قال القرطبي: “ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعا، لأن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها. (16/312)

وقال السعدي: وهذا أيضًا، من الآداب التي على أولي الألباب، التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجردًا، فإن في ذلك خطرًا كبيرًا، ووقوعًا في الإثم، فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل، حكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من تلف النفوس والأموال، بغير حق، بسبب ذلك الخبر ما يكون سببًا للندامة، بل الواجب عند خبر الفاسق، التثبت والتبين، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه، عمل به وصدق، وإن دلت على كذبه، كذب، ولم يعمل به، ففيه دليل، على أن خبر الصادق مقبول، وخبر الكاذب، مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا، ولهذا كان السلف يقبلون روايات كثير [من] الخوارج، المعروفين بالصدق، ولو كانوا فساقًا.

وقال في الجلالين: “يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِق بِنَبَإٍ” خَبَر “فَتَبَيَّنُوا” صِدْقه مِنْ كَذِبه وَفِي قِرَاءَة فَتَثَبَّتُوا مِنْ الثَّبَات “أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا” مَفْعُول لَهُ أَيْ خَشْيَة ذَلِكَ “بِجَهَالَةٍ” حَال مِنْ الْفَاعِل ; أَيْ جَاهِلِينَ “فَتُصْبِحُوا” تَصِيرُوا “عَلَى مَا فَعَلْتُمْ” مِنْ الْخَطَأ بِالْقَوْمِ “نَادِمِينَ” وَأَرْسَلَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ سَلَّمَ إلَيْهِمْ بَعْد عَوْدهمْ إلَى بِلَادهمْ خَالِدًا فَلَمْ يَرَ فِيهِمْ إلَّا الطَّاعَة وَالْخَيْر فَأَخْبَرَ النَّبِيّ بِذَلِكَ“

إنه منهج الله؛ تحقق وتبين، لا عجلة وخفة وسطحية… فأين تقوى المؤمن وورعه وبصيرته ونظرته العميقة، ونظره البعيد؟

الإطلالة الثالثة

قال مسلم في “مقدمة صحيحه” حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن حفص، حدثنا شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كفى بالمرء كذبا أن يُحدِّث بكل ما سمع”. ورواه مسلم.

(3)5 – (5) باب النهي عن الحديث بكل ما سمع.

روايات وتوضيحات حول الحديث:

وكل هذه الروايات في مقدمة الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع”.

وعن أبي عثمان النهدي؛ قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع.

وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح قال: أخبرنا ابن وهب؛ قال: قال لي مالك: اعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع. ولا يكون إماما أبدا، وهو يحدث بكل ما سمع حدثنا محمد بن المثنى. قال: حدثنا عبد الرحمن. قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله؛ قال: بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع.

وحدثنا محمد بن المثنى. قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: لا يكون الرجل إماما يقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع.

وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى. قالا: أخبرنا ابن وهب. قال: أخبرني يونس عن أبي شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة؛ أن عبد الله بن مسعود قال: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة.

هذه بعض النصوص وتفسيرها وشرحها للعلماء المعروفين. والنصوص في هذا كثير.

وإن المتدبر للقرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية، يجد النصوص في هذا مبثوثة، في صفحاتها ما يتعب المتتبع لها من كثرتها…ومع ذلك: فإننا نلحظ من المؤمن شرودا عن تدبرها، والالتزام بمدلولها، وممارسة ما تدعو إليه؛ للأسف الشديد!.

ثالثاً: منطلقات تأسيسية:

ثمة منطلقات تأسيسية لاستقبال وإذاعة الخبر تجب مراعاتها؛ إنها بمثابة الأركان والقواعد التي تُؤَمِّن الإنسان في سيرته كلها، ومنها: التعامل مع الأخبار فتنفع ولا تضر، وإلا فإنها تملأ الدنيا أضرارا ومآس… ومن هذه المنطلقات التأسيسية:

1-الصون                  2-التجنب                 3-التوفير                  4-الاستدرار.

1-الصون (الحفظ):

الصون في من صان يصون صونا وصيانة، الحفظ وصانَ الشيءَ صَوْناً وصِيانَةً وصِيَاناً واصْطانه؛ قال أُمية ابن أَبي عائذ الهذلي:

أَبْلِغْ إِياساً أَنَّ عِرْضَ ابنِ أُخْتِكُمْ رِداؤُكَ، فاصْطَنْ حُسْنَه أَو تَبَذَّلِ، وقال الشافعي، رضي الله عنه: بِذْلَةُ(حلة) كلامِنا صَوْنُ غَيْرِنا.

وجعلتُ الثَّوْبَ في صُوَانه وصِوَانه، بالضم والكسر، وصِيَانه أَيضاً: وهو وعاؤه الذي يُصان فيه.

والصِّوَانُ والصُّوانُ: ما صُنْتَ به الشيء.

والصِّينَةُ: الصَّوْنُ، يقال: هذه ثياب الصِّينَةِ أَي الصَّوْنِ.

وصَانَ عِرْضَه صِيَانة وصَوْناً، على المَثل؛ قال أَوْس بن حَجَر:

فإِنا رَأَيْنَا العِرْضَ أَحْوَجَ، ساعةً، إلى الصَّوْنِ من رَيْطٍ يَمانٍ مُسَهَّمِ (ومعنى ريط مسهم ملاءة مخططة)

والحُرُّ يَصُونُ عِرْضَه كما يَصُونُ الإِنسان ثوبه. {لسان العرب؛ مادة: “صون”} بتصرف

والصون والصيانة: الحفاظ على الماهية، في حالتها؛ كي تحافظ على أصلها، وتحتفظ برونقها وجمالها، وتؤدي وظيفتها، على أحسن وجه، باستمرار… وبدون حفظ ماهيتها وصيانتها المستمرة؛ فإنه يتأثر أصلها، ويتكدر لونها، وتنهار وتتهدم، وتصبح من المهملات المنسية؛ التي لا يلتفت إليها.

والصيانة: تتعلق بالمحسوسات، كما تتعلق بالمعنويات.

واستقبال الخبر وإذاعته له تعلق بالصيانة والصون؛ ذاتي وجمعي وجماهيري…ويشمل كثيرا من الذوات والأوصاف؛ التي يتعين على المؤمن أن يحفظها ويصونها، وهو يمارس جميع أنشطته في الحياة، ولا يفرط بها  إنه شخصية متوازنة، توازن المنهج الذي ارتضاه؛ ظلا ظليلا في الحياة كلها، يصون به ذاته، ويصون به غيره، ويرضي به ربه وخالقه سبحانه وتعالى، ومما يجب عليه صونه -وهو يستقبل الخبر أو يذيعه؛ فيتخذه

أساسا ينطلق منه إلى نشاطه في تلقي وإذاعة الخبر-:اللسان والقلم، والسمعة والقلب والجوارح، والعرض والنفس والدين والدم والعقل، وسواها كثير؛ يجب صونها، عند التعامل مع الخبر؛ تلقيا وإذاعة:

1 -صون اللسان:

  اللسان مَلِك الجوارح جميعا، وكلها تحمله المسئولية، عما يحدث لها بسببه؛ حيث تذكره في كل صباح، بهذه المسئولية فتقول له: اتق الله فينا؛ فإنما نحن فيك، فإن استقمت استقمنا، وإن إعوججت إعوججنا.

 وهذه إشارة واضحة إلى تأثير الكلام على الجوارح جميعها؛ فإن كان حسنا كان تأثيره حسنا، وإن كان سيئا كان تأثيره سيئا؛ وهذا ينسحب على ما يخطه القلم بأنواعه كلها ‘فإنه كلام مكتوب، وفي الغالب فإن اللسان يتحرك بنطق ما يجري به القلم. بل إن ما يجري به القلم يبقى نفعه وضرره ما بقي والكلام الشفهي، إن لم يسجل بآلة تسجيل يمكن أن يقل تأثيره بنسيانه…وقد أفاضت النصوص بذكر اللسان وأهميته ووظائفه ومنافعه ومضاره منها قوله تعالى (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وفي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا تقذفه في النار سبعين خريفا) وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

((إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة مِنْ رضوان الله لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح، والترمذي في سننه، ومالك في الموطأ]

وما رواه مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ «لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ». ثُمَّ قَالَ «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ». قَالَ ثُمَّ تَلاَ (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) حَتَّى بَلَغَ (يَعْمَلُونَ) ثُمَّ قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ». قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ». ثُمَّ قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ». قُلْتُ بَلَى يَا نَبِىَّ اللَّهِ قَالَ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ « كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ». فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

2-السمعة والمكانة

صورتك في ذهن الآخرين، وحديثك في سمعهم. وهي محصلة صفاتك، وتعاملك معهم؛ التي هي في الحقيقة: ظلك الذي لا يفارقك، ويتناقلها الناس عنك حتى تبلغ الآفاق، وتصبح حديث الناس في مجالسهم ومنتدياتهم، وحلهم وسفرهم؛ سواء أكانت حسنة، أو سيئة. فلا تتحول إلى ثرثار لسان ولا قلم؛ فتتأثر سمعتك وصورتك…ثرثرتك بتلقيك وإذاعتك الأخبار التي قد يكون كثير منها كذب أو مضخم أو محرف أو… فتعرف عند الآخرين أحد الكذابين والمثرثرين لا يثقون بأي شيء مما يصدر عنك. إنك لا ترتضي لنفسك أن تتأثر سمعتك عند الناس ولا شك…

3-القلب والجوارح:

قلبك المرآة البيضاء الصافية كما خلقه الله تعالى فلا تأذن للران والأوساخ بالدخول إلى مرآتك…إن الأخبار السيئة تؤثر على صفاء القلب، وتجلب إليه الكدر الذي يؤثر على صفائه ورونقه فيؤثر ذلك على آدائك الوظيفي في جميع جوارحك. فانتقاؤك لتلقي الخبر وإذاعته بالضوابط الشرعية صيانة لقلبك وجوارحك وسعادة غامرة في صفحة حياتك، وموازنة بين واجباتك في الحياة…

اجعل لك وقتين لتلقي وإذاعة الأخبار فإذا كان ولابد فثلاثة أوقات ولا تزيد عن ساعة للأوقات الثلاثة. مالم تكن متخصصا أو موظفا في الإعلام…

4-المقاصد (الدين -النفس -العقل-العرض-المال)

المقاصد الخمسة؛ التي جاء الإسلام للحفاظ عليها، تتعرض لسهام تلقي وإذاعة الأخبار الطائشة والمغرضة، إذا لم تنضبط بالضوابط الشرعية والنصوص الشرعية طافحة بهذا في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولو استعرضنا قصة الإفك وما أحاطها من تعليقات وتوجيهات لتبين لنا أهمية الضوابط الشرعية لتلقي وإذاعة الأخبار…

قال تعالى: (نَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (12) لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا

إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (20) سورة النور.

المبحث الخامس: استبيان عملي وإحصائية على تلقي الأخبار وخطر الشائعات.

بما أن المدرسة جزء من المجتمع قام رائد التوعية الإسلامية بالمدرسة بعمل استبيان وذلك لقياس الأثر واقعياً من خلال فئة حقيقية في المجتمع، ثم تم تنفيذه بالطرق التالية:

خطوات الاستبيان:

1-كتابة بنود الاستبيان.

2-توقيع الاستبيان من المدير المسؤول.

3-توزيع الاستبيان على الطلاب وذلك لإبداء رأي أولياء الأمور.

4-جمع الاستبيان وصد النتائج.

5- إحصائية للاستبيان حسب الفئة العمرية.

الشواهد:

1-استمارة الاستبيان.

2-استمارة الإحصائية.

استبيان عن تلقي الأخبار وخطر الشائعات على المجتمع

مالعنصر  
1العمر     10-25  26-35   36-55
2هل تصدق كل ما يصلك عبر وسائل التواصل من أخبار    نعم   لا    حسب مصداقية المرسل
3هل تتأني ولا تتخذ موقفا مسبقا قبل الإحاطة بالواقعة وتصورها ؟ نعم  لا
4هل تتحرى الدقة في المعلومة التي تبني عليها موقفك أم تعيد إرسالها ؟   أتحرى    أعيد الإرسال
5هل تتأثر عند سماع الخبر أو الشائعة ؟       نعم   لا
6هل تعتني بتعدد مصادر المعلومة ولا تعتمد على مصدر واحد ؟  نعم   لا
7هل تعتني بالنظر في تاريخ الواقعة ومآلاتها وفهم العلاقة بين أطرافها ولا تكتفي بالنظر في اللحظة الراهنة ؟  نعم  لا    
8هل تحافظ على موضوعيتك ولا تقحم عاطفتك في الحكم على الأشخاص والهيئات ؟  نعم   لا        
9هل تتحرى أن تكون مستقلا ولا تبحث عمن تقلده في اتخاذ المواقف ؟  نعم   لا
10هل ترجع إلى الحق وتعتذر إذا تبين خطأ موقفك، في الوقت المناسب ؟  نعم   لا
11هل تتصور نفسك مكان أخيك الذي تعرض لتشويه سمعته بلا بينة، قبل أن تصدق ما يدعى عليه ؟                         نعم   لا

الإحصائية الناتجة عن استبانة تلقي الأخبار وخطر الشائعات

النتائج والتوصيات:

من خلال عمل استمارة الاستبيان ثم دراستها حسب الفئة العمرية تبين الآتي:

أولاً: الفئة العمرية 10-25:

بها 5 % من المجتمع لا يتثبت من الأخبار الواردة عن طريق الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي وكذلك لا يقدر خطر الشائعات، لذا هي أكثر الفئات تحتاج إلى توعية وإرشاد حتى تدرك ما يحاق بها، كما أن هذه الفئة هي الأكثر استهدافا في نشر الشائعات وتخريب العقول، كما أنها تُعتبر الوسيلة الأقوى في التخريب.

ثانياً: الفئة العمرية 26-35:

بها 3 % من المجتمع لا يتثبت من الأخبار الواردة عن طريق ووسائل التواصل الاجتماعي مع أنه يعرف ويقدر خطر الشائعات على المجتمع، لذا هي تحتاج إلى تأني لتثبت الخبر، كما أعتبر أن هذه الفئة هي الأقدر على الإصلاح والتغيير في الفئة السابقة وذلك بسبب قرب العمر واقتراب الفكر.

ثالثاً: الفئة العمرية 36-55:

هي الفئة التام نضجها في تثبت الأخبار وهي الأقدر والأعرف بخطر الشائعات لذا: أطلق عليها الفئة الموجهة أي عليها جهد كبير بالتوعية والإرشاد للفئتين السابقتين.

المراجع:

1-القرآن الكريم.

2-أحمد شلبي، (1978م)، التربية الإسلامية نظمها، فلسفتها، تاريخها، ط (6)، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية.

3-إدريس، علي (1405هـ) – مدخل إلى علوم التربية: أصول التربية العامة.

4-البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، الجامع الصحيح المختصر، دار ابن كثير، اليمامة – بيروت الطبعة الثالثة، 1407 – 1987.

5-البغدادي، أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي أبو بكر، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (ط الرسالة)، تحقيق: محمد عجاج الخطيب، مؤسسة الرسالة1416 هـ– 1996 م.

6-أبو حنيفة، النعمان بن ثابت، العالم والمتعلم طبعة مطبعة الأنوار بالقاهرة سنة 1368هـ.

7-أبو الفضل، محمد بن مكرم بن منظور الافريقي المصري جمال الدين، لسان العرب، دار صادر، بيروت.

8- أبو الفداء، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، تفسير القرآن العظيم، دار الفكر، الطبعة الجديدة 1414هـ/1994م.

9-ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم مجموع فتاوى شيخ الإسلام، وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف 1425هـ – 2004م.

10-ابن خلدون أبو زيد، عبد الرحمن بن محمد بن محمد، 732 – 808 هـ = 1332 – 1406 م) ولي الدين الحضرمي الإشبيلي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الأولى، 1425 هـ – 2004 م.

11-ابن سحنون محمد، آداب المتعلمين، تحقيق حسن حسني عبد الوهاب، تونس،1931. ومحمود عبد المولى، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1

12- ابن فارس، أبو الحسين أحمد عجم، مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (دار الفكر، الطبعة: 1399هـ 1979م) ج4، ص69.

13-ابن ماجة، محمد بن يزيد بن ماجه القزويني أبو عبد الله، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية (فيصل عيسى البابي الحلبي).

14-البيضاوي، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي (691هـ – 1292م) المطبعة العُثمانية.

15-الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك أبو عيسى (المتوفى: 279هـ)، دار الغرب الإسلامي – بيروت – 1998 م.

16-الأثري، علي بن حسن، العقلانيون أفراخ المعتزلة العصريون، مكتبة الغرباء الأثرية المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1413 هـ 1993م.

17-الجرجاني، علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني (المتوفى: 816هـ)، التعريفات، دار الكتب العلمية بيروت –لبنان الطبعة الأولى 1403هـ -1983م

18-الحازمي، خالد حامد، أصول التربية الإسلامية، دار عالم الكتب الطبعة الأولى1420 هـ – 2000م.

19-الحلبي، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي أبو العباس (المتوفى: 756 هـ) عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1417 هـ – 1996 م

20-الزمخشري جار الله، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، (المتوفى: 538هـ)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة الثالثة – 1407 هـ.

21-السعدي، عبد الرحمن بن ناصر، تيسير الكريم الرحمن في تفسيـر كلام المنان دار النشر: مؤسسة الرسالة، بيروت 1421هـ 200م.

22-الشاطبي، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي (المتوفى: 790هـ)، دار ابن عفان، السعودية -الطبعة: الأولى، 1412هـ – 1992م

23- الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني 502 هـ، كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة طبعة دار السلام، القاهرة، 1428 هـ – 2007 م

24- الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني 502 هـ، المفردات في غريب القرآن، دار القلم، الدار الشامية، دمشق بيروت، الأولى، 1412 هـ.

25-الأصمعي، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي (المتوفى: 458هـ) الأصمعي المخصص لابن سيده، دار إحياء التراث العربي – بيروت الطبعة: الأولى، 1417هـ 1996م

26-عماد الدين، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي أبو الفداء، عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير، تحقيق: أحمد محمد شاكر أبو الأشبال، دار الوفاء، 1426هـ – 2005 م.

27-الفيروزآبادى، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب (المتوفى: 817هـ)، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة

28- القنوجي، صديق حسن خان، فتح البيان في مقاصد القرآن، تحقيق: عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، مفهرس على العناوين الرئيسية، المكتبة العصرية 1412هـ – 1992 هـ.

29-طليحات، د.غازي مختار -مقالة بعنوان “أدبنا القديم ونظرية التلقي”، الموقع العربي العملاق www.bab.com

30-الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي (المتوفى: 450هـ)، الإقناع في الفقه الشافعي، دار إحسان للنشر والتوزيع، إيران ـ 1420 هـ – 2000 م.

31-محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعي الإفريقي (المتوفى: 711هـ) دار صادر، بيروت الطبعة الثالثة، 1414 هـ

32-الأندلسي: أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي (المتوفى: 542هـ) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى – 1422 هـ


[1]) معجم لسان العرب.

[2]) سورة البقرة، الآية: 276

[3]) سورة الحج، الآية: 5

[4]) سورة الروم، الآية: 39

[5]) سورة الشعراء، الآية 18

[6]) سورة الإسراء، الآية 24

[7]) سورة البقرة، الآية: 32

[8]) سورة المائدة، الآية: 110

[9]) سورة آل عمران، الآية: 48

([10] (ت685هـ)

([11] أبو القاسم الأصفهاني (أو الأصبهاني) المعروف بالراغب (ت502هـ)

([12] المفردات ص 336

([13] (المتوفى سنة 808هـ)

([14] خالد حامد الحازمي، 1420هـ، ص 23

([15] علي إدريس، 1405هـ، ص 13

([16] أحمد شلبي، 1978م، ص 58

([17] الترمذي، د.ت، ج 4، رقم الحديث 1951، ص 337 وهذا حديث غريب.

([18] الترمذي، د.ت، ج 4، الحديث رقم 1952، ص 337 ضعيف ولم يقل أحد بتحسينه ولا تصحيحه، لكنه كما تقدم يعني مقاصد الشريعة وقواعد الشريعة وأصول الشريعة تشهد له

([19] ابن ماجة، د.ت، ج 2، الحديث رقم 3671، ص 1211

([20] المتوفى سنة 450هـ في كتابه

([21] المتوفى سنة 256هـ

([22] المتوفى سنة 463هـ

([23] سورة البقرة: الآية 151

([24] 1417هـ، ص 57

([25] (عبد الرحمن بن ناصر السعدي، 1417هـ، ص 57)

([26] سورة الشمس: الآية 9

([27] 1414هـ، ص 547

[28]) 1400هـ، ص 1

[29]) سورة الجمعة: الآية 2

[30]) البخاري، 1407هـ، ج 4، الحديث رقم 4739، ص 1919 والحديث مرفوع.

[31]) المتوفى سنة 620هـ تقريباً

[32]) المتوفى سنة 150هـ

[33]) انظر: لسان العرب، جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، ص4065.

[34]) انظر: مقالة بعنوان”أدبنا القديم ونظرية التلقي”، د.غازي مختار طليحات، الموقع العربي العملاق www.bab.com

[35]) سورة النور 15.

([36] الاعتصام 1/224-260 بتصرف.

([37] آل عمران: 7

([38] عجم مقاييس اللغة ابن فارس، أبو الحسين أحمد.، تحقيق: عبدالسلام محمد هارون، (دار الفكر، الطبعة: 1399هـ 1979م) ج4، ص69.

(2) تهذيب اللغة للأزهري 1/240

(3) عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي 3/129

(4) بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز آبادي 4/85

(1) المخصص لابن سيده 1/250.

(2) سورة الملك آية /10 /

(3) سورة طه آية /50/

(4) تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ابن سعدي 5/162

  وانظر: النكت والعيون للماوردي 3/406

(5) التعريفات للجرجاني /151/، وانظر العقلانيون أفراخ المعتزلة العصريون لعلي حسن عبد الحميد /16/ وما بعدها بتصرف يسير

([39] مجموع فتاوى شيخ الإسلام(3/339،340).

(2) من هنا إلى نهاية اقتباس بتصرف من كتاب منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير من ص 29 –37 تأليف الدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي.

(3) سورة ص آية /29/

(4) سورة النساء آية /82/

(5) سورة محمد آية /24/

(6) سورة الطور آية /34/

(7) سورة آل عمران آية /191/

(8) سورة الغاشية آية /17-20 /

(7) سورة البقرة آية /184/

(8) سورة الجمعة آية /9/

(1) سورة الأنعام آية /11/

(2) سورة الأنعام آية /6/

(3) سورة الكهف آية /45/

(4) سورة آل عمران آية /104/

(5) سورة الأنفال آية /25/

(6) سورة المائدة آية /78-79/

(7) الحديث رواه البخاري في الصحيح كتاب النكاح من حديث بن عمر 6/146، ورواه مسلم في الصحيح من حديث بن عمر 3/149

(1) سورة البقرة آية /256/

(2) سورة الكهف آية /29/

(3) سورة يونس آية /99/

(4) سورة الغاشية آية /99/

(5) انظر: المحرر الوجيز لابن عطية 2/280، وعمدة التفسير لأحمد شاكر 2/164، وفتح البيان لصديق خان 1/427، والكشاف للزمخشري 1/155

(6) سورة البقرة آية /170/

(7) سورة هود آية /109/

(1) سورة الإسراء آية /36/

(2) سورة الحجرات آية /6/

(3) سورة آل عمران آية /18/

(4) سورة فاطر آية /28/

(5) سورة المجادلة آية /11/

(6) سورة البقرة آية /159-160/

(1) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح 8/175 باب أجر الحاكم إذا اجتهد وأخرجه مسلم في الصحيح 3/1342

(2) رواه أبو داود في سننه 3 / 302 باب اجتهاد الرأي في القضاء

  ورواه الترمذي في السنن 2 / 394 باب ما جاء في القاضي كيف يقضي

  وقد ضعفه الألباني أنظر ضعيف سنن الترمذي للألباني / 154 /

  وضعيف سنن أبي داود للألباني / 354 /

  وأنظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني 2 / 273 وما بعدها.

(3) سورة المائدة آية / 90 /.

(4) أخرجه مسلم في الصحيح 3 / 1585 من حديث عائشة باب بيان ان كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام.

(5) أخرجه الترمذي في السنن 3 / 194 من حديث جابر بن عبد الله

  وأخرجه ابن ماجه في السنن 2 / 1125 من حديث جابر بن عبد الله ومن حديث ابن عمر.

[40]) صحيح البخاري

[41]) صحيح الترمذي

[42]) الأعراف: 176

قيم البحث الأن

راجع البحث قبل التقييم

راجع البحث قبل التقييم

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

مجلة رواد الإبداع

رواد الإبداع مجلةٌ (دوريّة ــ شهريّة ــ علميّة ــ محكّمة) تصدرعن مؤسسة البورد العالمية، تعنى بنشر البحوث فـي المجالات التربوية والتعليمية، وتهدف المجلة إلى إتاحة الفرصة للباحثين فـي جميع بلدان العالم لنشر إنتاجهم العلمي الذي يتصف بالأصالة والجدة فـي ‏‏مجال التعليم، ونشر نتائج دراساتهم التي لم يسبق نشرها ووصولها للمهتمين والمختصين في الوطن العربي مع الالتزام بأخلاقيات البحث العلمي، ‏والمنهجية ‏العلمية.‏

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتًا
التقيمات المضمنة
عرض كل التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا الأن
1
هل تحتاج الي مساعدة او نشر بحثك !
Scan the code
مجلة scp الماليزية
مرحبا
كيف استطيع مساعدتك !