
دور التعليم المعزز بالتكنولوجيا في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها
Abstract
The last several years have witnessed a significant transformation in methods for teaching foreign languages, and more precisely, teaching Arabic as a foreign language. Technology-based learning has become a key factor for driving the effectiveness and efficiency of the approach. The present study is an attempt to look for the contribution of technology—augmented reality, artificial intelligence, and e-learning—in building Arabic language skills among non-native speakers (Al-Kanani & Tawfiq, 2022). The paper adopts analytical method in investigating the literature and previous research that has examined the effects of new education technologies on language learning. Through these studies, it is evident that the integration of such technologies into education contributes to the provision of interactive and mobile learning environments, which facilitate learners’ motivation and accelerate the language learning process. Among the most prominent studies supporting this research is the study by Al-Kanani (2022), which demonstrated the effectiveness of using e-learning technologies in teaching Arabic to non-native speakers. Another significant study is that of Al-Ghufaili and Al-Judai’ (2024), which investigated the impact of augmented reality on teaching grammar and vocabulary. The study concluded that technologies such as artificial intelligence and augmented reality help in personalizing the learning content to suit the learner’s needs, thus encouraging active learning and leading to overall language improvement. Despite the tremendous benefits offered by technology-based learning, there continue to be issues such as the high cost of developing technological content and the constant need to train instructors to effectively use these tools. Additionally, technical infrastructure remains a problem in some schools. In summary, this research highlights the role of technology in teaching the Arabic language to non-native speakers and makes recommendations on the development of interactive learning applications to improve learners’ motivation and the quality of learning (Azzam & Mahmoud Saeed, 2020) .
Keywords:
Teaching of Arabic language, non-native speakers, augmented reality, artificial intelligence, e-learning, modern educational technologies, language competencies, interactive content, digital education.
الملخص
شهدت السنوات الأخيرة تحولا ملحوظا في طرق تدريس اللغات الأجنبية ، خاصة في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ، حيث أصبح التعلم المعزز بالتكنولوجيا أحد العوامل الحاسمة في تعزيز فعالية ونجاح هذه العملية. يهدف هذا البحث إلى دراسة تأثير استخدام التكنولوجيا، بما في ذلك الواقع المعزز، الذكاء الاصطناعي، والتعلم الإلكتروني، في تحسين مهارات اللغة العربية للناطقين بغيرها (الكناني , توفيق , 2022) . يعتمد هذا البحث على المنهج التحليلي لاستعراض الأدبيات والدراسات السابقة التي تناولت تأثير تقنيات التعليم الحديثة في تعلم اللغة. تشير الدراسات إلى أن دمج هذه التقنيات في التعليم يساعد في توفير بيئات تعلم تفاعلية ومرنة، مما يعزز من دافعية المتعلمين ويُسرّع عملية اكتساب اللغة. من أبرز الدراسات التي تدعم هذا البحث هي دراسة الكناني (2022)، التي أظهرت فاعلية استخدام تقنيات التعلم الإلكتروني في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، بالإضافة إلى دراسة الغفيلي والجديع (2024) التي تناولت تأثير الواقع المعزز في تعليم القواعد اللغوية والمفردات. توصلت الدراسات إلى أن تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز تعمل على تخصيص المحتوى التعليمي بحسب احتياجات المتعلم، مما يساهم في تحفيزه على المشاركة الفعالة ويؤدي إلى تحسين مستواه في اللغة بشكل عام.
على الرغم من الفوائد الكبيرة التي يقدمها التعلم المعزز بالتكنولوجيا، لا تزال هناك تحديات تتمثل في التكلفة العالية لتطوير المحتوى التكنولوجي، والحاجة إلى تدريب المعلمين بشكل مستمر لاستخدام هذه الأدوات بشكل فعّال. كما أن هناك تحديات تتعلق بالبنية التحتية التقنية في بعض المؤسسات التعليمية.
إجمالًا، هذا البحث يساهم في تسليط الضوء على دور التكنولوجيا في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها و يقدم توصيات لتطوير تطبيقات تعلم تفاعلية تركز على تحفيز المتعلمين وتحسين جودة التعليم (عزام , محمود سعيد , 2020) .
الكلمات المفتاحية :
تعليم اللغة العربية، الناطقون بغيرها، الواقع المعزز، الذكاء الاصطناعي، التعلم الإلكتروني، تقنيات التعليم الحديثة، الكفايات اللغوية، المحتوى التفاعلي، التعليم الرقمي.
المقدمة
شهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها قفزة نوعية خلال العقد الأخير مع تسارع التحول الرقمي في البيئات التعليمية ، إذ بينت دراسات عربية حديثة ان توظيف الوسائط الإلكترونية وشبكات الإنترنت بات ضرورة لمجاراة متطلبات الجيل الرقمي وإزالة كثير من العقبات التقليدية التي كانت تعوق التعلم عن بعد (مريم بوسيف , خديجة روابح , 2019 ) فمع انتشار الهواتف الذكية و المنصات السحابية أصبح بإمكان المتعلم الوصول إلى محتوى تفاعلي ثري يتجاوز حدود الصف ، ويوفر سياقات واقعية لاكتساب اللغة.
تؤكد الأدبيات العربية كذلك الاثر الإيجابي العميق لتقنية الواقع المعزز في تطوير مهارات العربية ، حيث أثبتت دراسة الحربي والميلبي والملحس (2024) باستخدام نموذج شبه تجريبي على ثلاثين طالبا – تحقيق حجم أثر مرتفع (0.89) في تحسين القواعد ، والفهم القرائي ، ومهارة التحدث بعد توظيف تطبيق للواقع المعزز صمم خصيصا لتعليم العربية للناطقين بغيرها (عبدالله بن عبدالمحسن , واخرون , 2024) . تعكس هذه النتائج قدرة البيئات الغامرة على تعويض نقص المواقف الواقعية لدى المتعلم الأجنبي وتعزيز اندماجه اللغوي والثقافي.
في السياق نفسه، أظهرت مراجعة منهجية لـ ٥٠ دراسة أجرتها العنزي (2024) فاعلية تطبيقات الذكاء الاصطناعي التربوية في تنمية جميع مهارات اللغة العربية، مؤكدة دورها في رفع الدافعية وتخصيص المحتوى وفق تحليلات الأداء الفوري، لكنها لفتت ايضا إلى تحديات تتعلق بالخصوصية ، وبضعف تدريب المعلمين ، وبندرة التطبيقات المصمَّمة خصيصا للعربية مقارنة باللغات العالمية الأخرى يعكس ذلك الحاجة إلى بناء نظومات ذكية تراعي خصوصة البنية اللغوية العربية و تزود المعلِّمين بأدوات تشخيص ودعم آنية.
ومن ناحية بنيوية أوسع ، تظهر الدراسات التي تناولت تعليم العربية في العصر الرقمي ان دمج الوسائط الإلكترونية (المدونات، المكتبات المفتوحة، الألعاب التعليمية) يمثل خيارا استراتيجيا لتعظيم فرص التعلم الذاتي والتعاوني ، شريطة مواءمتها مع المناهج وإعداد المدرسين لاستخدامها بكفاءة. غير ان البنية التحتية التقنية وتكاليف إنتاج المحتوى عالي الجودة ما تزال تشكل عائقا أمام كثيرٍ من المؤسسات ، إلى جانب فجوة بحثية تتعلق بقياس الأثر الطويل الأمد لهذه التقنيات على الطلاقة اللغوية والسياق الثقافي.
انطلاقا من هذا الحراك البحثي ، يرمي هذا العمل إلى تقديم معالجة أكثر عمقا لدور التكنولوجيا وبخاصة الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي و التعلم الإلكتروني في تطوير كفاءات اللغة العربية لدى غير الناطقين بها. وسيستند إلى تحليلٍ وصفي ناقد للأدبيات العربية الرصينة، مع إبراز النماذج البحثية الرائدة، ورسم خارطة معرفية للتحديات والفرص، وصولا إلى مقترحات عملية لتصميم بيئات رقمية تفاعلية تستند إلى الاحتياجات الفعلية للمتعلمين وتوفر للمعلمين منظومة دعم مهنية مستدامة.
وبذلك، تشكل هذه الدراسة اضافة نوعية إلى مسار توظيف التقنيات الناشئة في تعليم العربية ، معزَّزةً بادلة عربية حديثة تبرهن على أن الانتقال من النهج التقليدي إلى نهج رقمي مثر لم يعد ترفًا ، بل ضرورةً لضمان جاذبية العربية واستدامة حضورها في المشهد اللغوي العالمي.
مشكلة الدراسة
على الرغم من التقدم الكبير الذي شهده مجال تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ، ما زال هذا الحقل يواجه تحديات جوهرية تتعلق بفعالية الوسائل التعليمية التقليدية في تلبية احتياجات المتعلمين العصريين الذين نشأوا في بيئة رقمية تعتمد على التفاعل والسرعة والتخصيص. وقد أظهرت العديد من الدراسات الحديثة أن الأساليب المعتمدة على التلقين والشرح المجرد تفشل في تحفيز المتعلم ، وتعيق بناء الكفايات اللغوية المستدامة ، خصوصا في بيئات متعددة الثقافات.
في المقابل، ورغم تصاعد استخدام تقنيات التعليم الحديثة مثل الواقع المعزز ، الذكاء الاصطناعي، و التعلم الإلكتروني في تعليم اللغات الأجنبية ، لا تزال هناك فجوة معرفية وعملية واضحة في تطبيق هذه التقنيات على تعليم اللغة العربية تحديدًا. فعدد كبير من المؤسسات التعليمية ما زال يفتقر إلى الموارد، أو التدريب الكافي ، أو الرؤية المنهجية لتوظيف هذه الأدوات بشكل ممنهج وفعال. بل إن بعض البيئات التعليمية لا تزال تتعامل مع هذه التقنيات بوصفها أدوات مساعدة هامشية، وليس بوصفها مكونات مركزية في التصميم التعليمي الحديث.
كما تكشف الأدبيات أن كثيرا من تطبيقات التكنولوجيا المتاحة حاليا لا تراعي الخصوصية اللغوية والثقافية للغة العربية، ولا تصمم وفق نموذج تعليمي يراعي فروق المتعلمين الثقافية والمعرفية، ما يؤدي إلى ضعف التفاعل ، وتدني معدلات الاكتساب، وانخفاض مستوى الطلاقة اللغوية. أضف إلى ذلك التحديات المرتبطة بالبنية التحتية الرقمية، وصعوبة دمج التقنيات الحديثة في المناهج المقرّرة، فضلاً عن محدودية التدريب المتخصص للمعلمين على استخدام هذه التقنيات في سياق تعليمي حقيقي.
بناءا عليه ، تبرز مشكلة هذه الدراسة في الحاجة إلى فحص فعالية استخدام تقنيات التعليم الحديثة , وتحديدا الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي والتعلم الإلكتروني في تحسين تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ، وتحديد العقبات التي تحول دون دمجها الفعّال في البيئة التعليمية العربية ، من منظور بحثي تطبيقي يراعي السياق التربوي والثقافي المحلي.
أسئلة الدراسة
انطلاقا من المشكلة المحددة، تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عن الأسئلة الآتية:
- ما أثر استخدام الأدوات التكنولوجية (مثل التطبيقات التعليمية، المنصات الإلكترونية، الذكاء الاصطناعي) في تحسين اكتساب المهارات اللغوية (الاستماع، التحدث، القراءة، الكتابة) لدى متعلمي اللغة العربية من غير الناطقين بها من وجهة نظر معلمين اللغة العربية؟
- ما التحديات التي تواجه تطبيق التعليم المعزز بالتكنولوجيا في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من وجهة نظر معلمين اللغة العربية؟
أهداف الدراسة
تعرف أثر استخدام الأدوات التكنولوجية (مثل التطبيقات التعليمية، المنصات الإلكترونية، الذكاء الاصطناعي) في تحسين اكتساب المهارات اللغوية (الاستماع، التحدث، القراءة، الكتابة) لدى متعلمي اللغة العربية من غير الناطقين بها من وجهة نظر معلمين اللغة العربية.
رصد التحديات التي تواجه تطبيق التعليم المعزز بالتكنولوجيا في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من وجهة نظر معلمين اللغة العربية.
أهمية الدراسة
تنبع أهمية هذه الدراسة من مجموعة من الاعتبارات العلمية والتربوية المتشابكة التي تعكس حاجة ماسة إلى تجديد الرؤية حول تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في ضوء التحولات الرقمية المتسارعة. فهي من جهة تُسهم في تعزيز موقع اللغة العربية بوصفها لغة عالمية ذات عمق حضاري وثقافي، وتقدم اطارا تربويا معاصرا لتعليمها من خلال استثمار الإمكانات التي تتيحها تقنيات الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي. ومن جهة أخرى ، توفر هذه الدراسة مرجعية علمية وتطبيقية للمؤسسات التعليمية والممارسين التربويين و مطوري المناهج الرقمية، من خلال تحليلها لسبل التوظيف الفعال للتكنولوجيا في تعليم العربية ، بما ينعكس ايجابا على جودة المخرجات التعليمية. وتأتي الدراسة ايضا لتسد فجوة واضحة في الأدبيات العربية ، من حيث نقص الأبحاث التي تتناول دمج التقنيات الناشئة في تعليم العربية، خصوصًا في البيئات غير التقليدية كالتعلم الذاتي والتعليم عن بعد. كما تبرز أهميتها في دعم صناعة المحتوى الرقمي العربي ، من خلال التأكيد على ضرورة تطوير تطبيقات تعليمية ذكية تراعي الخصوصية اللغوية والثقافية لمتعلمي العربية. و اخيرا ، تقدم الدراسة رافدا معرفيا مهما لصناع القرار في المؤسسات التعليمية ، من خلال توفير بيانات دقيقة وتوصيات قابلة للتطبيق تسهم في بناء نماذج تعليمية رقمية مستدامة تستثمر التقنية بشكل ممنهج وفعال.
منهجية الدراسة
تعتمد هذه الدراسة على المنهج التحليلي باعتباره الأنسب لتحليل الظواهر التربوية المرتبطة بتوظيف التقنيات الحديثة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. ويقوم هذا المنهج على مقاربة علمية ممنهجة تهدف إلى تفكيك الظاهرة محل البحث وفهم مكوناتها من خلال استقراء الأدبيات وتحليل مضامينها وربطها بالسياقات التطبيقية. وفي هذا السياق، استندت الدراسة أولًا إلى تحليل منهجي لمجموعة من الدراسات العلمية المحكمة المنشورة في دوريات عربية معتمدة، والتي تناولت تعليم العربية كلغة ثانية، وتطبيقات الواقع المعزز، والذكاء الاصطناعي، والتعلم الإلكتروني في المجالات التعليمية، بهدف رصد الاتجاهات البحثية السائدة واستنباط أطر الفاعلية التربوية لهذه التقنيات. كما أُجري تحليل مضمون للأدلة التجريبية الواردة في هذه الدراسات، بغرض استخلاص الأنماط المشتركة، والتحديات التي تواجه المؤسسات التعليمية، والفرص التي تتيحها التكنولوجيا في هذا المجال، وربط كل ذلك بواقع تعليم العربية في السياقات العربية وغير العربية. وإلى جانب ذلك، وظّفت الدراسة أسلوب المقارنة النقدية، من خلال تحليل النماذج التكنولوجية المستخدمة في تعليم لغات عالمية أخرى، مثل الإنجليزية والصينية، ومقارنتها بالتطبيقات الحالية الموجهة لتعليم العربية، بهدف الكشف عن فجوات الأداء واستجلاء عناصر القوة والقصور في كلا السياقين. وارتكازا على نتائج هذا التحليل المركب، تسعى الدراسة إلى تقديم رؤية تطويرية عملية، تتجسد في بناء إطار مفاهيمي متكامل لتوظيف التقنيات الناشئة في تعليم العربية ، بما يراعي الخصوصية اللغوية والثقافية، ويستند إلى مبادئ علمية وتربوية حديثة من شأنها تعزيز فعالية العملية التعليمية وتوسيع أثرها.
حدود الدراسة
تحدد هذه الدراسة بإطاراتها الموضوعية والمنهجية والزمنية والمكانية ، كما يلي:
1 . الحدود الموضوعية : تركز الدراسة على أثر استخدام تقنيات التعليم الحديثة وبخاصة الواقع المعزز، الذكاء الاصطناعي ، والتعلم الإلكتروني في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، مع التركيز على تحسين المهارات اللغوية، وتحفيز المتعلمين ، وتخصيص المحتوى التعليمي.
2 . الحدود المنهجية : تعتمد الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي ، من خلال تحليل الدراسات السابقة والمصادر العلمية العربية ذات الصلة، دون تطبيق أدوات ميدانية مثل الاستبيانات أو المقابلات.
3 . الحدود الزمنية : تغطي الدراسة الفترة من 2020 حتى 2024، وهي السنوات التي شهدت تكثيفا في إنتاج البحوث حول توظيف التكنولوجيا في تعليم العربية، خاصة بعد انتشار نماذج التعليم عن بُعد خلال جائحة كورونا وما بعدها.
4 . الحدود المكانية : تتناول الدراسة تجارب المؤسسات التعليمية العربية أو التي تدرس اللغة العربية لغير الناطقين بها في السياقات الدولية، مع التركيز على النماذج ذات التوثيق العلمي والمنشورة في مجلات أو جامعات عربية معترف بها.
منهجية الدراسة
أولًا: نوع المنهج
اعتمدت هذه الدراسة على المنهج التحليلي ، الذي يهدف إلى رصد الظاهرة اللغوية المدروسة كما تظهر في النصوص ، ثم تحليلها واستخلاص دلالاتها ، من خلال أدوات التحليل النقدي والمنطقي، وصولا إلى نتائج مدعومة بالشواهد.
ثانيًا: مصادر البيانات
تم الاعتماد على المصادر الثانوية، المتمثلة في الكتب والدراسات والمقالات العلمية المحكمة ذات الصلة بموضوع البحث. وقد شملت هذه المصادر مراجع لغوية وتربوية وتقنية تناولت دور التعليمالمعزز بالتكنولوجيا في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وذلك بهدف الإحاطة بالجوانب النظرية والتطبيقية للموضوع، وتحديد الأسس التي يقوم عليها هذا النوع من التعليم، ومدى فعاليته في تطوير المهارات اللغوية لدى المتعلمين.
ثالثا: إجراءات التحليل
قام الباحث بجمع الدراسات السابقة وتحليلها وفق خطوات منهجية، تمثلت في:
- قراءة متعمقة للنصوص ذات العلاقة بموضوع البحث.
- تصنيف الموضوعات والمفاهيم الرئيسة.
- إجراء مقارنات نقدية بين الآراء المتعددة.
- استخلاص النتائج التي تعزز الفرضيات أو تكشف عن أبعاد جديدة للموضوع.
مصطلحات الدراسة:
1 . اللغة العربية للناطقين بغيرها
يقصد بها منهجية تعليم العربية كلغة ثانية أو أجنبية لمن لا تعد العربية لغته الأم ، سواء في اطار أكاديمي منظم أو برامج تعلم حر. وتؤكد دراسات «الإيسيسكو» (2023) أنّ هذا الحقل تطور من جهود فردية إلى تخصّص أكاديمي قائم على معايير عالمية لتقويم الكفايات ، مع التركيز على الأبعاد الثقافية والتواصلية التي تضمن اندماج المتعلم في سياق عربي حيّ (icesco) كما تبرز مجلة «الناطقين بغير العربية» (2025) ازدياد البحوث التي تربط منهجيات العربية باللسانيات التطبيقية وقواعد الإطار الأوروبي المرجعي للغات، وهو ما يعزِّز توصيف العربية ضمن دراسات تعلّم اللغات الثانية الحديثة (علي هنداوي , 2025) .
2 . الواقع المعزز (Augmented Reality)
تقنية رقمية تدمج عناصر افتراضية (صور ثلاثية الأبعاد، نصوص، أصوات) في البيئة الواقعية عبر الهواتف أو النظارات الذكية، فتخلق سياقا تعليميا غامرا . أثبتت دراسة حربي وآخرين (2024) على عينة من طلاب معهد تعليم العربية بالمدينة المنورة أنّ توظيف تطبيق واقع معزز على الهواتف رفع أداء المتعلمين في القواعد والفهم القرائي ومهارة التحدث بحجم أثر كبير (0.89)، ما يؤكد قدرة هذه التقنية على محاكاة مواقف لغوية حية وتعويض نقص التفاعل الواقعي لدى المتعلم الأجنبي (نفس المرجع السابق) .
3 . الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)
مجموعة نظم وخوارزميات قادرة على تحليل البيانات واستشراف أنماط تعلم المتعلمين لتخصيص المحتوى وتقديم تغذية راجعة فورية. خلُصت المراجعة المنهجية للعنزي (2024) إلى ان تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تعليم العربية – مثل المحررات الذكية وروبوتات المحادثة – تُحسّن الدافعية والطلاقة اللغوية، لكنها تواجه تحديات تتعلق بأمن البيانات وندرة المحتوى العربي المهيكل لهذه الخوارزميات (العنزي, مريم حمدان , 2024). وتدعم نتائج بحث الطيب (2023) حول التدريس عن بعد هذه الرؤية ، موضحة أنّ أنظمة التوصية القائمة على الذكاء الاصطناعي تُمكّن المعلم من متابعة تقدّم كل متعلم وضبط مستوى الصعوبة تلقائيًّا .
4 . التعلّم الإلكتروني (E-Learning)
نظام تعليمي يعتمد الوسائط الرقمية والإنترنت لنقل المحتوى خارج الصف التقليدي من خلال المنصات الافتراضية والدروس المتزامنة وغير المتزامنة. بحث عبدالغفار (2023) حول تعليم العربية عن بُعد أظهر أن أبرز مزايا التعلّم الإلكتروني تكمن في إتاحة مصادر متعددة الأنماط (فيديو، تفاعل فوري، منتديات نقاش)، بينما تتمثل التحديات في مشكلات البنية التحتية وضعف استعداد بعض المعلمين تقنيًّا. واقترح البحث توظيف الواقع الافتراضي والهولوجرام والذكاء الاصطناعي لسد فجوة التفاعل وتحليل أداء المتعلمين بدقّة.
5 . تقنيات التعليم الحديثة
يشمل المصطلح الأدوات الرقمية الناشئة الموظفة في تصميم وتنفيذ وتقويم العملية التعليمية: الواقع المعزز ، الذكاء الاصطناعي، تطبيقات الهواتف الذكية، المنصّات التكيفية، ونظم التعلم عبر الميتافيرس. يبين بحث إلهميت (2024) حول أثر التكنولوجيا الحديثة على تعلّم العربية أنّ هذه التقنيات تمكّن من التعلم المتمركز حول المتعلم ، لكنها تستدعي إعادة هيكلة المناهج وتحديث الكفايات الرقمية للمعلمين لضمان الاستدامة والمواءمة الثقافية (حسين المحنت , 2024) .
لذا تعكس هذه التعريفات الموسعة تداخل المفاهيم التقنية واللسانيّة في حقل تعليم العربية للناطقين بغيرها، وتبرز الحاجة إلى تصميم بيئات تعليمية ذكية تُراعي الخصوصية اللغوية والثقافية، مستندة إلى أدلّة بحثية عربية حديثة.
الإطار النظري
المحور الأول: مفهوم التعليم المعزز بالتكنولوجيا وأساسه التربوي
يشير مفهوم التعليم المعزز بالتكنولوجيا إلى الاستخدام المنهجي والمقصود للأدوات الرقمية والتقنيات الحديثة في دعم وتحسين العملية التعليمية، سواء من حيث المحتوى أو طرائق التدريس أو التفاعل بين عناصر البيئة التعليمية. ولا يُقصد به مجرد استخدام الوسائل التقنية في الصف، بل يتجاوز ذلك إلى دمج التكنولوجيا ضمن استراتيجية تربوية تهدف إلى تطوير مهارات المتعلم وجعله مشاركًا فاعلًا في بناء المعرفة. ويرتكز هذا النمط من التعليم على فلسفات تعلم حديثة، أبرزها النظرية البنائية التي تؤمن بأن التعلم يحدث من خلال تفاعل المتعلم مع المعرفة والبيئة المحيطة، والتعلم الذاتي المدعوم بالاستكشاف والتجريب (Hann & Moore, 2011) .
تعقيب:
يتصل هذا المفهوم ارتباطًا مباشرًا بموضوع البحث، حيث أن تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها يستفيد بدرجة كبيرة من بيئات تفاعلية مدعومة بالتقنية، مما يُمكّن المتعلم من التدرّب الذاتي، والتعرض المستمر للغة في سياقات تواصلية حقيقية.
المحور الثاني: خصائص وأهداف التعليم المعزز بالتكنولوجيا
يمتاز التعليم المعزز بالتكنولوجيا بجملة من الخصائص التربوية؛ فهو تعلّم تفاعلي، يتسم بالمرونة، ويمنح المتعلم استقلالية في اختيار أسلوب وسرعة التعلم. كما يوفر المحتوى الرقمي التكيفي القدرة على التعامل مع الفروق الفردية، ويُسهم في بناء بيئة تعليمية متعددة الحواس، تجمع بين الصوت والصورة والتجريب. ومن حيث الأهداف، يهدف هذا النوع من التعليم إلى تطوير الكفايات الرقمية لدى المتعلمين، وتنمية التفكير النقدي، وتحقيق التعلم الذاتي، فضلًا عن تهيئة بيئة تعلم مستمرة تتجاوز حدود الصف التقليدي (Laurillard & Herman, 2007). هذه الأهداف تزداد أهمية في ظل مجتمعات معرفية تتطلب مهارات جديدة من المتعلمين، بما في ذلك البحث، التنظيم، وحل المشكلات.
تعقيب:
تبرز أهمية هذه الخصائص في مجال تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، حيث يحتاج المتعلم إلى أدوات تسمح له بتكرار النطق، والتفاعل مع اللغة بوسائط متعددة، وتلقي التغذية الراجعة الفورية، مما يجعل التكنولوجيا حلاً فعّالًا لتجاوز صعوبات تعلم اللغة الثانية.
المحور الثالث: التحديات والقيود المرتبطة باستخدام التكنولوجيا في التعليم
رغم المزايا الكبيرة التي يوفرها التعليم المعزز بالتكنولوجيا، إلا أن تطبيقه يواجه عددًا من التحديات. من أبرز هذه التحديات: محدودية البنية التحتية في بعض المؤسسات التعليمية، وضعف التأهيل الرقمي للمعلمين، وتفاوت المهارات التقنية لدى المتعلمين، ما قد يُحدث فجوة في إمكانية الاستفادة الكاملة من التقنيات. إضافة إلى ذلك، يُثير هذا النمط من التعليم إشكالات متعلقة بجودة المحتوى الرقمي، ودرجة ملاءمته ثقافيًا ولغويًا، لا سيما عند استخدام محتوى مُترجم أو مُعد لبيئات لغوية مختلفة. وقد أشار Salaberry (2001) إلى أن استخدام التكنولوجيا دون تدريب تربوي مسبق قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تُستخدم الوسائل بشكل سطحي يضعف من فاعلية التعلم.
تعقيب:
تتطلب فعالية استخدام التكنولوجيا في تعليم العربية لغير الناطقين بها معالجة هذه التحديات من خلال إعداد كوادر مؤهلة، وتطوير محتوى رقمي متخصص يتناسب مع خصوصية اللغة العربية وتركيبتها، فضلًا عن توفير بيئة تقنية مرنة تدعم التفاعل الحقيقي.
المحور الرابع: تطبيق التعليم المعزز بالتكنولوجيا في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها
يشكّل تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها مجالا حيويا لتطبيق التكنولوجيا التعليمية، نظرًا لصعوبة بعض مكونات اللغة، مثل النظام الصرفي والنحوي، وغِنى البنية الصوتية والمعجمية. يُمكن استخدام التقنيات الحديثة لتوفير بيئات محاكاة واقعية، وتطبيقات نطق تفاعلية، وألعاب تعليمية تساعد على ترسيخ القواعد والمفردات، فضلًا عن تسريع تعلّم المهارات اللغوية الأربع. وقد بينت دراسة القصبي (2020) أن استخدام البرامج التفاعلية ساعد في تحسين أداء الطلاب غير الناطقين بالعربية، لا سيما في مهارتي النطق والاستماع، لما توفره من تكرار وتغذية راجعة آنيّة، وتدرج في المحتوى.
تعقيب:
يشكل هذا المحور جوهر الدراسة الحالية، حيث تتلاقى النظرية مع التطبيق، ويُعاد تعريف تعلم اللغة العربية في ضوء الممكنات التقنية، بما يُعزز كفاءة المتعلم ويدعم تحقيق أهداف البرامج اللغوية الموجهة لغير الناطقين بها.
الدراسات السابقة
التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد في تعليم العربية
تناولت عدة دراسات دور التعلم الإلكتروني والمنصات الرقمية في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. بشكل عام، يوفر التعلم عبر الإنترنت مزايا مثل سهولة الوصول للمحتوى ومرونة الوقت والمكان وتنوع. على سبيل المثال، يُبرز برنامج الجامعة السعودية الإلكترونية وبرامج تعليم العربية عن بعد مدى الإقبال على تعلم العربية عالميًا عبر المنصات الرقمية. كما درست بحوث عربية كيفية استثمار شبكات التواصل الاجتماعي في تعليم العربية؛ حيث بيَّنت دراسة تحليلية على محتوى قناة تعليمية في يوتيوب (Learn Arabic with ArabicPod101) أنها تستهدف مستوى المبتدئين بالتركيز على أساسيات اللغة – كالقواعد والنطق والكتابة – مع إجراء مقارنات بين العربية والإنجليزية، وتقديم الدروس بأسلوب غير مباشر مدعَّم بالرسوم والصور لجذب المتعلم (عادل خالدي , سهام بوزيدي , 2022) . تُظهر هذه الدراسة استفادة المحتوى الرقمي من عناصر متعددة الوسائط وترسيخه جوانب ثقافية (مثل تعريف بثقافة البلدان العربية وغرس قيم احترام الآخر( ضمن عملية التعليم . هذه النتائج تؤكّد إمكانية توظيف منصات التواصل لتوسيع نطاق تعليم المهارات اللغوية (خاصة القراءة والكتابة الأساسية) بشكل جذاب يتجاوز حدود الفصول التقليدية.
مع ذلك، كشفت الدراسات أيضًا عن تحديات تواجه التعلم الإلكتروني للعربية. من أبرزها تفاوت جودة المحتوى الرقمي المتوفر للغة العربية، إذ ليست كل المصادر الإلكترونية بذات الجودة أو ملائمة لمنهجية تعليم العربية. كما أن نجاح التعلم عن بعد يتطلب بنية تحتية جيدة؛ فالحاجة لاتصال إنترنت مستقر تبقى عائقًا في بعض البيئات , وأيضًا، يعاني التعليم الإلكتروني من ضعف التفاعل الاجتماعي المباشر مقارنة بالفصول الواقعية ، مما يؤثر على تنمية مهارات المحادثة والاستماع لدى المتعلم. وقد وثَّقت إحدى الدراسات أن التعليم عن بعد لمتعلمي العربية يصاحبه مشكلات تتعلق بالعزلة وضعف الممارسة اللغوية العملية وأشارت دراسة أخرى إلى أن كثيرًا من المحتوى الإلكتروني يركز على المراحل الأولى (مبتدئون) مع نقص المحتوى المتقدم، مما قد يترك المتعلمين في المستويات العليا بدون موارد كافية
بناءً على ذلك، اكد الباحثون ضرورة تحسين نوعية المحتوى الرقمي وابتكار أساليب لتعزيز التفاعل (مثلاً عبر جلسات محادثة مباشرة أو منتديات تواصل) لضمان فعالية التعلم الإلكتروني. بشكل عام، يُنظر إلى التعلم الإلكتروني كحل واعد لتوسيع تعليم العربية عالميًا بشرط معالجة هذه التحديات لتحقيق أقصى فائدة للمتعلمين.
توظيف الواقع المعزز (AR) في تعليم اللغة العربية
شهدت السنوات الأخيرة اهتماما متزايدًا بتقنية الواقع المعزز (Augmented Reality) في مجال تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، خاصة في تنمية المفردات والمهارات البصرية والسمعية لدى المتعلمين. تعتمد تقنية الواقع المعزز على دمج المحتوى الرقمي ، مثل الصور ثلاثية الأبعاد والنصوص ، مع الواقع الحقيقي عبر الأجهزة الذكية، مما يوفر تجربة تعلم تفاعلية وغنية.
من أبرز الدراسات في هذا المجال دراسة “تطوير ArVo : تطبيق قائم على الواقع المعزز لتحسين إتقان المفردات العربية” للباحثين عائشة كاهياني وخوليسين، والمنشورة في مجلة Arabiyatuna عام 2022. هدفت الدراسة إلى تطوير تطبيق تعليمي يستخدم تقنية الواقع المعزز لتحسين حصيلة المفردات لدى طلاب الصف العاشر في مدرسة MAN Kota Batu في إندونيسيا. يعمل التطبيق على ربط الكلمات العربية بمعانيها من خلال مجسمات وصور ثلاثية الأبعاد تظهر أمام الطالب، مع توفير تدريب على النطق الصحيح.
أظهرت نتائج الدراسة تحسنا كبيرا في استيعاب المفردات والنطق لدى الطلاب الذين استخدموا التطبيق ، حيث ارتفع متوسط درجات التحصيل من 55 في الفصل الضابط (بدون استخدام التقنية) إلى 90 في الفصل الذي استخدم الواقع المعزز. كما أفاد المعلمون بأن تطبيق ArVo ساهم في زيادة اهتمام الطلاب وتفاعلهم مع الدروس، مما يشير إلى فعالية الواقع المعزز في دعم مهارتي القراءة (المفردات) والتحدث (النطق) لدى المتعلمين.
و في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز تعلم اللغة العربية لدى الأطفال ، تم تطوير تطبيق تعليمي يعرف باسم “Kitabah for Kids” باستخدام تقنية الواقع المعزز. يهدف هذا التطبيق إلى تقديم محتوى تعليمي تفاعلي وجذاب يتماشى مع المناهج الدراسية للأطفال (Syarofah A , Sutiah 2024) .
خلال عملية تطوير التطبيق، تم اتباع نموذج التصميم والتطوير من جامعة ستانفورد، والذي يشمل مراحل التعاطف، والتعريف، وتوليد الأفكار، والنمذجة الأولية ، والاختبار. تم تقييم التطبيق من قبل خبراء في مجالي التصميم والمحتوى التعليمي، حيث أظهرت نتائج التقييم أن التطبيق يتمتع بتصميم بديهي وسهل الاستخدام، مع ميزات تفاعلية تجذب انتباه الأطفال. كما أن المحتوى اللغوي المقدم يتوافق مع المنهج الدراسي المعتمد، مما يجعله مصدرا فعالا و ملائما لتعلم اللغة العربية .
على الرغم من هذه الإيجابيات، أشار الخبراء إلى بعض الجوانب التي تحتاج إلى تحسين، مثل تبسيط التنقل داخل التطبيق، وتوضيح هيكلية المعلومات، وإضافة مزيد من الميزات التفاعلية. تُظهر هذه الملاحظات حرص المطورين على تقديم منتج عالي الجودة قبل اختباره ميدانيًا.
تعد هذه المبادرة خطوة مهمة نحو سد الفجوة في المحتوى التعليمي التفاعلي الموجه للأطفال في مجال تعلم اللغة العربية. إذ يُظهر الواقع المعزز إمكانيات كبيرة في تقديم تجارب تعلم ممتعة وملائمة للأطفال، مما يسهم في تعزيز مهاراتهم اللغوية الأساسية.
فيما أعلى النموذج
أسفل النموذج
فيمافيما بدأت بحوث أخرى في ماليزيا وبلدان إسلامية آسيوية بتوظيف الواقع المعزز في تعليم العربية لأهداف محددة. على سبيل المثال، سعى مشروع ARabic-KAFA في ماليزيا إلى تطوير تطبيق واقع معزز لتعليم مفردات اللغة العربية في مدارس KAFA (وهي مدارس تعليم ديني أساسي تشمل اللغة العربية). في دراسة عام 2023، قيم باحثون قابلية استخدام تطبيق “ARabic-KAFA” عبر منهجية دلفي الضبابي (Fuzzy Delphi) بمشاركة خبراء (Mohd Akashss Wan , 2022 ) . أجمع الخبراء على أن تصميم التطبيق ومحتواه وتجربة المستخدم فيه ذات جودة عالية، واعتبروه أداة مساعدة فعالة في تعليم المفردات للمستويات الأساسية. وتشير النتائج إلى أن التطبيق يتمتع بسهولة الاستخدام وأداء متميز ويساعد طلاب المراحل الابتدائية على اكتساب الكلمات العربية بطريقة تفاعلية . هذه النتائج الإيجابية على مستوى تقييم الخبراء تؤكد إمكانات الواقع المعزز في تيسير تعليم المفردات لشرائح المبتدئين والأطفال. ومن الجدير بالذكر أن هذه الدراسات ركزت بالأساس على جانب المفردات وتنميتها، لأن عرض الكلمة مع صورتها أو مجسمها عبر الواقع المعزز يعمّق فهم معناها ويزيد من ثباتها في ذاكرة المتعلم.
وبالرغم من هذه النجاحات المبشرة، يجب التنويه إلى أن الدراسات التطبيقية حول الواقع المعزز في تعليم العربية ما زالت محدودة. فمعظم المشاريع الحالية – مثل ArVo وARabic-KAFA – ظهرت في العامين الأخيرين فقط، مما يعني أن المجال في طور البدايات ويحتاج إلى المزيد من الأبحاث التجريبية المتنوعة. على سبيل المثال، تكاد تنحصر تطبيقات الواقع المعزز المنشورة في تعليم المفردات، ولم نرَ بعد دراسات تتناول استخدامه في تحسين مهارات الاستماع أو القواعد أو الفهم القرائي المتقدم. لذا أوصى بعض الباحثين بتوسيع نطاق استخدام الواقع المعزز ليشمل مهارات أخرى؛ فقد اقترح محسني (2025) مثلاً استخدام الواقع المعزز لتعزيز مهارات الفهم السمعي لدى المتعلمين (فاطمة محسني , 2025) . وهي إشارة إلى إمكانية توظيف الواقع المعزز في خلق بيئات سمعية وبصرية غنية (كتقنيات الواقع المختلط أو المحاكاة) لتحسين فهم اللغة المسموعة لدى الدارسين. إن توسيع نطاق البحوث في الواقع المعزز ليشمل مهارات متنوعة وفئات عمرية مختلفة سيعزز فهمنا لحدود وإمكانات هذه التقنية الواعدة في تعليم العربية.
استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعليم العربية
بدأت الأبحاث حول الذكاء الاصطناعي (AI) في تعليم اللغات تلامس حقل تعليم العربية لغير الناطقين بها، على الرغم من أنها لا تزال في خطواتها الأولى. يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه وسيلة لتخصيص عملية التعلم وتوفير دعم ذكي وفوري للمتعلم، من خلال تطبيقات مثل روبوتات المحادثة , وتصحيح الكتابات اليا ، وتوليد المحتوى التعليمي، وأنظمة التعليم الذكية. أكدت دراسات حديثة وجود توجّه متزايد لاستكشاف دور هذه التقنيات في تعلم العربية. فعلى سبيل المثال، قام باحثون بإجراء مراجعة منهجية للأبحاث الحديثة حول دور الذكاء الاصطناعي في تعلم العربية كلغة ثانية، ووجدوا أن للذكاء الاصطناعي إمكانات واعدة في دعم تعلم العربية والتغلب على بعض التحديات التي تواجه المتعلمين (احمد غربا , 2025) تظهر نتائج هذه المراجعة أن استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي – مثل أدوات التصحيح اللغوي أو المساعدات الافتراضية – حقق أثرًا إيجابيًا في تحسين مهارات التحدث والكتابة والقراءة عند غير الناطقين بالعربية، خاصة عندما تم توظيفه بشكل تفاعلي لعلاج مشاكل محددة . كما بيّنت أن عوامل كعمر المتعلّم وخلفيته وموقع الدراسة قد تؤثر على فعالية هذه التقنيات، مما يستدعي تكييف حلول الذكاء الاصطناعي لتناسب سياقات تعليمية متنوعة (مثلاً: بيئات إفريقيا تختلف عن آسيا).
رغم قلة البحوث التطبيقية المباشرة، يمكن رصد بعض نماذج توظيف الذكاء الاصطناعي التي طُرحت في المؤتمرات العلمية مؤخرًا. فهناك محاولة لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في تدريب مهارة المحادثة (المهارات الشفوية) عبر ما سُمّي “عدة المحادثة الإلكترونية E-Muhadathah” للناطقين بغير العربية (لطفيه مفلحه , 2023) . هذا النموذج صمم ليكون محاكاة تفاعلية للمحادثة العربية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، حيث يمكن للمتعلم ممارسة الحوار باللغة العربية مع نظام ذكي يستجيب له ويرشد تصحيحه. ورغم أن هذا المشروع لا يزال في طور التصميم (وقد نشر عام 2022 كتجربة تصميمية) , إلا أنه يعكس التوجه نحو استخدام معالجة اللغات الطبيعية (NLP) لبناء بيئات حوارية تساعد المتعلم على اكتساب الطلاقة في الكلام. وبالمثل، جرت بحوث حول توظيف تطبيقات تصحيح الأخطاء اللغوية العربية تلقائيًا باستخدام خوارزميات AI، والتي يمكن أن تفيد في تعليم الكتابة؛ حيث يستطيع النظام تنبيه المتعلم إلى أخطائه الإملائية والنحوية واقتراح تصحيحات . وفعليًا، بدأت بعض الأدوات التجارية بالظهور لهذه المهمة (مثل نماذج ذكاء اصطناعي للتدقيق اللغوي العربي)، إلا أن الدراسات الأكاديمية حول فعاليتها التعليمية ما زالت نادرة.
وعلى مستوى الإستراتيجيات الشاملة ، قدمت دراسة حديثة (محسني 2025) اطارا نظريا لدمج الذكاء الاصطناعي في تطوير كافة المهارات اللغوية الأربع لدى متعلمي العربية. حللت الدراسة الأدبيات السابقة في تعليم اللغات بالذكاء الاصطناعي وأكدت ندرة الأبحاث التي تقترح استراتيجيات واضحة لتوظيف AI في تعليم العربية كلغة ثانية (فاطمة محسني , 2025) وقد شددت النتائج على أن دور الذكاء الاصطناعي ينبغي أن يكون مساندا للمعلم لا بديلا عنه، بحيث يستفاد منه في تقديم تجربة تعلم أكثر نشاطًا وفعالية. وخرجت الدراسة بجملة توصيات تطبيقية مهمة، منها: استخدام روبوتات الدردشة لتطوير الطلاقة الشفوية في المحادثة ، وتوظيف الواقع المعزز (المزود بالذكاء الاصطناعي) لتعزيز مهارة الاستماع كما أسلفنا ، واعتماد تحليل البيانات لتخصيص مواد القراءة بما يناسب مستوى المتعلم، وكذلك تبني نماذج التعلم التعاوني المدعوم بالذكاء الاصطناعي لتحسين مهارات الكتابة لدى الدارسين. هذه المقترحات تغطي المهارات الأربع (استماع، تحدث، قراءة، كتابة) وتوفّر خارطة طريق لكيفية إدماج التقنيات الذكية في كل منها من أجل نتائج تعلم إيجابية طويلة المدى , تجدر الإشارة إلى أن هذه التوصيات غالبًا ما تستند إلى تصوّرات نظرية أو تجارب في لغات أخرى، ما يعني الحاجة إلى اختبارها عمليًا في ميدان تعليم العربية.
بالرغم من الرؤية الواعدة التي تقدمها تقنيات الذكاء الاصطناعي، لا يزال توظيفها الفعلي في تعليم العربية محدودًا في الواقع الحالي. إذ تشير دراسة مسحية أجريت في السعودية (2025) إلى تفاوت مستوى وعي مدرسي اللغة العربية بتقنيات الذكاء الاصطناعي وقدرتهم على استخدامها، حيث أظهر بعضهم معرفة جيدة واستعدادا للتطبيق بينما واجه آخرون صعوبات كبيرة في تبنيها (عبدالله العليط , علي الجديع , 2025) . هذا التفاوت ينعكس على قلة الاستخدام العملي لأدوات الذكاء الاصطناعي في فصول تعليم العربية حتى الآن، ويبرز الحاجة إلى تدريب المعلمين وتأهيلهم تقنيا ليستطيعوا توظيف هذه الأدوات بفاعلية. ومعظم الدراسات الحالية في مجال AI والعربية هي دراسات نظرية أو استكشافية تهدف لاستشراف الإمكانات والتحديات، مثل دراسة مفلحة (2023) التي استعرضت الفرص والتحديات في توظيف الذكاء الاصطناعي وخلصت إلى وجود عدة تطبيقات ممكنة مصحوبة ببعض العقبات التقنية والتربوية. من هذه التحديات – كما أوردتها الدراسات – نقص المحتوى التدريبي المناسب وقصور بعض الخوارزميات في معالجة اللغة العربية (بسبب تعقيداتها في الصرف والنحو وتنوع لهجاتها) وضعف دمج السياق الثقافي العربي في أنظمة الذكاء الاصطناعي ( محمد سليم , 2024) لذلك، فإن التوسع في الدراسات التطبيقية مستقبلا كتجريب منصات محادثة عربية ذكية مع طلاب حقيقيين، أو تطوير أنظمة تقييم تلقائي لكتابة المتعلمين بالعربية – سيكون ضروريًا لسد الفجوة بين الإمكانات النظرية والواقع العملي في هذا المجال.
تحليل الفجوات البحثية الحالية
على الرغم من التقدم الملحوظ في عدد الدراسات خلال الأعوام الأخيرة، يبقى هناك عدة فجوات بحثية في ميدان توظيف التقنيات الحديثة لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها:
- مهارات لغوية لم تحظَ بالبحث الكافي: تظهر مراجعة الأدبيات أن التركيز الأكبر انصب على مهارة المفردات واللغة الأساسية (كجزء من مهارتي القراءة والكتابة) وعلى جانب المحادثة العامة إلى حد ما، بينما نلاحظ قلة الدراسات في تنمية مهارات محددة كمهارة الكتابة المتقدمة والاستماع التفصيلي باستخدام التقنيات الحديثة. فعلى سبيل المثال، الواقع المعزز استُخدم أساسًا لتعليم كلمات جديدة وتحسين النطق، لكنه لم يُوظَّف بعدُ بشكل واسع في تدريب فهم المسموع أو المحادثات التفاعلية. وبالمثل، ركزت معظم تطبيقات التعلم الإلكتروني ووسائل التواصل على المستويات المبتدئة من اللغة (الحروف، الكلمات الأساسية، القواعد الابتدائية) ، ولم تتناول كثيرًا تطوير مهارات القراءة الناقدة أو الكتابة الإبداعية لدى الدارسين في المستويات المتوسطة والمتقدمة. كما أن مهارة الكتابة تحديدا تعاني نقصا في الابتكارات التقنية الموجهة لها ؛ فلا نجد مثلا منصات شائعة تتيح للمتعلمين غير العرب كتابة مقالات أو فقرات بالعربية والحصول على تصحيح وتغذية راجعة فورية باستخدام الذكاء الاصطناعي – على غرار ما هو متاح للغة الإنجليزية. هذا الخلل يُبرز الحاجة إلى دراسات تستكشف طرقًا لدعم الكتابة بالعربية رقميا (كإدماج مدققات قواعدية ذكية أو أنظمة تقييم آلي للكتابة) والتأكد من جدواها في تنمية مهارات التعبير الكتابي. وقد أشار باحثون عرب حديثا إلى هذه النقطة، حيث أكدوا أن الذكاء الاصطناعي يمكنه الإسهام بقوة في تحسين مهارات الكتابة إذا ما تم تفعيله بطريقة تدعم التفكير التحليلي والتعاوني في الصف .
- فئات متعلمي العربية المهمشة بحثيا: معظم الدراسات المتاحة ركزت إما على طلبة المدارس الثانوية والجامعات أو على المبتدئين البالغين بشكل عام، وغالبًا في سياقات محددة (كآسيا والشرق الأوسط). هناك ندرة في الأبحاث التي تتناول فئات عمرية أو اجتماعية خاصة. فعلى سبيل المثال، الأطفال في المراحل المبكرة (ما قبل المدرسة والابتدائية) لم يحظوا إلا ببضع مبادرات مثل “Kitabah for Kids” أو تطبيقات تعليم الحروف بالواقع المعزز، وما زلنا نفتقر لتقييمات مطوَّلة لأثر هذه التقنيات على اكتساب الصغار للغة. كذلك، فئة الكبار خارج الإطار الأكاديمي كالمتعلمين لأغراض العمل أو الهواية من مختلف الأعمار لم تدرس احتياجاتهم التقنية بشكل كاف. والأمر ذاته ينطبق على متعلمي العربية في الغرب ؛ إذ معظم الدراسات جاءت من دول إسلامية (إندونيسيا، ماليزيا، الدول العربية)، بينما متعلمو العربية في أوروبا وأمريكا قد يواجهون تحديات مختلفة (كقلة الفرص لممارسة اللغة أو اختلاف الحوافز الثقافية) تستحق الدراسة. ويمكن اعتبار الناطقين بلغات أفريقية من خارج العالم العربي فئة مهمة أيضًا – وقد بدأت دراسة نيجيرية بالإشارة لبعض خصوصياتهم – إلا أن الأبحاث في هذا السياق قليلة. أضف إلى ذلك المتعلمين من ذوي الاحتياجات الخاصة (مثلاً الصم أو ضعاف البصر الراغبين في تعلم العربية) فهؤلاء شبه غائبين عن بحوث التقنيات التعليمية الحالية، على الرغم من أن التقنيات الحديثة قد تتيح لهم حلولًا ملائمة (كنماذج تعليمية بالصوت واللمس للمكفوفين، أو أنظمة ترجمة إشاريّة للصم). إن توسيع نطاق الأبحاث ليشمل هذه الفئات المهمشة سيضمن أن التطور التقني في تعليم العربية لا يقتصر على شريحة واحدة بل يفيد قاعدة أوسع من المتعلمين.
- يتفق الباحثون على أن خصوصية اللغة العربية – من حيث نظام الكتابة (الاتجاه من اليمين إلى اليسار، وأشكال الحروف المتصلة)، والبنية الصرفية الغنية (نظام الجذور والأوزان)، وتعدد مستويات اللغة بين الفصحى واللهجات – تفرض تحديات فريدة أمام التقنيات التعليمية. ومن أبرز الفجوات الملحوظة أن العديد من البرمجيات التعليمية وموارد الذكاء الاصطناعي قد طُوِّرت أساسًا للغات أخرى، مثل اللغة الإنجليزية، وبالتالي فإن مواءمتها لتعليم العربية ليست تلقائية وتتطلب تعديلات مخصصة. على سبيل المثال، برمجيات التعرف على الكلام (Speech Recognition) التي يعتمد عليها بعض تطبيقات التدريب على النطق قد لا تحقق الدقة الكافية مع اللغة العربية، خاصةً عند نطق غير الناطقين بها الذين قد يخطئون في مخارج الحروف؛ وذلك لأن خوارزميات الذكاء الاصطناعي دربت بشكل أكبر على أصوات متحدثين أصليين أو على لغات أخرى . كذلك، أدوات التدقيق النحوي الآلي تتعامل بكفاءة مع أخطاء الإنجليزية، لكن القواعد العربية أكثر تعقيدا مما يصعِّب مهمة بناء مدققات نحوية شاملة ودقيقة. ايضا من ناحية المحتوى، لاحظت بعض الدراسات أن جودة المحتوى التعليمي الرقمي للعربية غير متوازنة؛ حيث تتوفر مواد ممتازة في بعض المجالات وتقابلها مواد ضعيفة أو غير كافية في مجالات أخرى. وقد يُعزى ذلك إلى قلة الخبرات في تصميم محتوى يتناسب مع الثقافة العربية ويستغل التقنية بفعالية. على سبيل المثال، ذكر الباحث Albantani & Madkur (2019) أن عدم انتظام جودة المحتوى من أبرز عوائق التعلم التكنولوجي للعربية إضافة إلى ذلك، المحتوى الثقافي احيانا يكون غائبا أو غير ملائم ؛ فبعض التطبيقات قد تستخدم أمثلة أو سيناريوهات بعيدة عن واقع وثقافة المتعلمين العرب أو المسلمين، مما يقلل اندماج المتعلم ثقافيًا أثناء التعلم. من هنا تبرز ضرورة مواءمة التقنية مع المحتوى العربي ، وذلك عبر تطوير مواد تعليمية رقمية تُراعي خصوصيات اللغة والثقافة، وعبر تحسين دعم اللغة العربية في البرمجيات العامة. وقد دعا أحد الباحثين إلى وضع معايير عالمية لتعليم العربية تأخذ بالاعتبار أساسًا تقنيًا حديثًا ضمن بناء المناهج ، بما يضمن أن دمج التقنية يتم بصورة تخدم أهداف تعلم اللغة دون الإخلال بهوية اللغة أو جودتها العلمية.
- محدودية الدراسات التطبيقية على تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز: بالرغم من الضجة والحماسة المحيطة بمفهوم AI وAR في التعليم، إلا أن عدد الدراسات التجريبية الميدانية في تعليم العربية بهذه الأدوات ما يزال قليلًا. فمعظم ما وجد حتى 2024/2025 ينحصر في دراسات استكشافية نظرية أو مشروعات تطوير أولية على سبيل المثال، رأينا دراسة ArVo التي تعد من أولى التجارب المضبوطة في الواقع المعزز، ودراسة محسني (2025) التي قدمت اطارا نظريا دون اختبار ميداني . هذا يعني أن هناك فجوة بين ما يطرح نظريا من إمكانات وما تم التحقق منه فعليًا بالتجربة. إذ لا تتوفر حتى الآن بيانات كافية حول أسئلة مهمة، مثل: هل يستمر تأثير الواقع المعزز الإيجابي على تعلم المفردات لفترة طويلة أم يتلاشى سريعًا؟ ما مدى قابلية التعميم على متعلمين آخرين بثقافات مختلفة؟ هل يمكن لروبوتات الدردشة مثلاً أن تحسن بالفعل طلاقة متعلمي العربية في المحادثة اليومية، وكيف نقيس ذلك؟ أيضًا، لم تختبر الدراسات بعد مخاطر محتملةلهذه التقنيات: هل يمكن أن يؤدي الاعتماد الزائد على التطبيقات إلى تقليل دور المعلم أو تفاعل المتعلمين مع بعضهم؟
هل تواجه خوارزميات الذكاء الاصطناعي انحيازات قد تؤثر على طريقة تعلم العربية أو محتواها (مثلًا تجاه لهجة معينة أو أسلوب لغوي معين)؟
جميع هذه التساؤلات تستدعي إجراء دراسات تجريبية مطبقة تشمل عينات متنوعة من المتعلمين وضمن ظروف تعليمية حقيقية. ويرى الخبراء أن السنوات القادمة تحتاج إلى تكامل الجهود البحثية بين التربويين وخبراء التقنية لسد هذا النقص , فالدراسات النظرية وحدها لا تكفي ؛ ولا بد من تجريب النماذج التقنية في الميدان، وضبطها، ثم توثيق النتائج بشكل علمي دقيق. فقط عبر هذه الخطوات سنتمكن من تقييم فعلي لمدى فعالية الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز وغيرها في تعليم اللغة العربية، وتحديد أفضل الممارسات وضبط التوقعات حولها.
نتائج البحث:
1 . فاعلية التكنولوجيا التعليمية في تعزيز تعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها : أظهرت نتائج البحث أن إدماج الوسائل التكنولوجية، مثل البرامج التفاعلية، ومنصات التعلم الإلكتروني، وتطبيقات الهواتف الذكية، ساعد بشكل ملحوظ في تحسين اكتساب اللغة لدى المتعلمين من غير الناطقين بها. فقد ساعدت هذه الأدوات على تسريع تعلم المفردات، وتحسين مهارات النطق، وتمكين المتعلمين من ممارسة اللغة في بيئات محاكاة واقعية، مما أدى إلى تحصيل لغوي أعلى مقارنة بطرق التعليم التقليدية.
2 . تأثير التكنولوجيا على تحفيز الدافعية الذاتية للتعلم: أكدت المصادر المعتمدة في البحث أن استخدام الوسائط المتعددة والتطبيقات التفاعلية يخلق بيئة تعليمية محفزة وممتعة للمتعلمين. إذ لوحظ أن المتعلمين يظهرون تفاعلًا أكبر عند استخدام أدوات مثل الألعاب اللغوية، والأنشطة القائمة على التحدي، والمسابقات الإلكترونية، مما يؤدي إلى زيادة التركيز والانخراط في العملية التعليمية بشكل مستمر.
3 . تلبية الفروق الفردية عبر تنوع الوسائط التعليمية : من أهم النتائج التي توصل إليها البحث أن التعليم المعزز بالتكنولوجيا يتيح فرصًا لتكييف المواد التعليمية وفقًا لقدرات واحتياجات المتعلمين المختلفة. فالمتعلمون الذين يفضلون التعلم البصري استفادوا من مقاطع الفيديو والرسوم المتحركة، بينما وجد المتعلمون السمعيون فائدة كبيرة في الاستماع إلى المحادثات والتسجيلات الصوتية، وهذا أسهم في تحقيق تعلم أكثر فاعلية وتوازنًا.
4 . إزالة الحواجز الزمانية والمكانية أمام تعلم اللغة: ساعدت منصات التعليم الإلكتروني على إتاحة الفرصة للمتعلمين من مختلف أنحاء العالم لتعلم اللغة العربية، دون الحاجة إلى التواجد الجغرافي في بيئة ناطقة بها. هذا أتاح للطلاب الدراسة في الأوقات التي تناسبهم، ومكّنهم من إعادة مراجعة الدروس عدة مرات، ما عزّز من فرص التعلم الذاتي المستقل.
5 . ضرورة تطوير مهارات المعلمين في استخدام التكنولوجيا التعليمية: تبيّن من خلال البحث أن فاعلية التكنولوجيا تعتمد بدرجة كبيرة على كفاءة المعلم في توظيفها بشكل تربوي سليم. لذلك، فإن تدريب المعلمين على استخدام أدوات التعليم الرقمي، وتصميم أنشطة تعليمية مناسبة، يعتبر من العوامل الحاسمة في نجاح تطبيق التكنولوجيا في تعليم اللغة.
6 . وجود تحديات تحول دون التوظيف الأمثل للتكنولوجيا: على الرغم من الفوائد المتعددة، إلا أن هناك مجموعة من التحديات التي تم رصدها، مثل ضعف البنية التحتية التقنية في بعض المؤسسات، وغياب المحتوى الرقمي المناسب للثقافات المتعددة، بالإضافة إلى قلة الخبرات التقنية لدى بعض المعلمين والمتعلمين. كما أن بعض المنصات لا تراعي خصوصيات اللغة العربية من حيث الاتجاه الكتابي أو الحروف المتصلة.
توصيات الدراسة
في ضوء النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة ، وما أسفر عنه التحليل النقدي للدراسات السابقة، يبرز عدد من التوصيات التي يمكن أن تُسهم في تحسين واقع تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، من خلال الاستفادة من الإمكانات التي توفرها تقنيات التعليم الحديثة. ويعد تفعيل هذه التوصيات في السياقات التربوية العربية امرا بالغ الأهمية لضمان انتقال فعلي من نموذج التعليم التقليدي إلى نموذج رقمي تفاعلي أكثر ملاءمة لمتطلبات القرن الحادي والعشرين.
توصي الدراسة، اولا، بضرورة تبنّي المؤسسات التعليمية رؤية استراتيجية لتكامل التكنولوجيا في تعليم اللغة، بحيث لا تُعامل تقنيات مثل الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي كوسائل إضافية سطحية، بل كعناصر مركزية في تصميم المناهج وأنشطة الصف. ويتطلب ذلك تطوير خطط منهجية شاملة لتأهيل المعلمين على استخدام هذه الأدوات بفعالية، وتوفير البنية التحتية التقنية اللازمة لنجاح التجربة التعليمية الرقمية. كما ينبغي أن تُراعى الفروق الثقافية واللغوية لمتعلمي العربية عند تصميم المحتوى، من خلال تطبيقات ذكية تراعي الطبيعة الصرفية والنحوية للغة العربية، وتوفر تفاعلات لغوية حيّة تُعزز الطلاقة والفهم العميق.
وتوصي الدراسة، ثانيا ، بدعم تطوير منصات تعليمية متخصصة في العربية، تستند إلى معايير تربوية وتقنية معاصرة، وتُقدّم محتوى لغويا ثريا و متدرجا ، يتنوع بين الفيديوهات ، والتمارين التفاعلية ، والمحاكاة الافتراضية، وتدريبات المحادثة، والتقييم التكيفي، مع توظيف قدرات الذكاء الاصطناعي في تقديم تغذية راجعة لحظية وشخصية. كما تؤكد ضرورة بناء شراكات بين الجامعات ومراكز البحث وشركات التقنية التعليمية، لتطوير نماذج تكنولوجية قابلة للتجريب والتوسع، مع ضمان خضوعها لتقويم دوري يراعي مؤشرات الجودة اللغوية والتربوية.
وفي المجال البحثي، تدعو الدراسة إلى مزيد من الأبحاث التطبيقية التي تقيم تأثير هذه التقنيات على تعلم المهارات المختلفة (خاصة الكتابة والاستماع) ، وعلى فئات متنوعة من المتعلمين (الأطفال، الكبار، ذوو الاحتياجات الخاصة، وغيرهم)، وذلك لسد الفجوات التي رصدت في الأدبيات الحالية. كما ينبغي أن تشمل الدراسات المستقبلية بناء أدوات تقويم رقمية دقيقة، وتطوير تصورات تعليمية تدمج التقنية ضمن بيئات ثقافية متعددة، وتدرس الأثر التربوي للتفاعل الذكي بين المتعلم والمحتوى في إطار زمني ممتد. وبهذا تُمهّد هذه التوصيات الطريق لتجسير الهوة بين التصورات النظرية والتطبيقات الفعلية في تعليم اللغة العربية المدعوم بالتكنولوجيا.
تصور مقترح لبيئة تعليمية رقمية لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها
انطلاقا من الفرضيات التي بنيت عليها هذه الدراسة، واستنادا إلى ما كشفت عنه الدراسات التحليلية والتجريبية من فرص وتحديات، تقترح الدراسة نموذجا تطبيقيا اوليا لبيئة تعليمية رقمية متكاملة ، تستند إلى توظيف منهجي لثلاث تقنيات محورية: الواقع المعزز، الذكاء الاصطناعي، والتعلم الإلكتروني التفاعلي ، وذلك في إطار تكاملي يسعى إلى تعزيز كفاءة تعليم العربية في بيئات غير ناطقة بها، مع مراعاة الأبعاد التربوية واللغوية والثقافية.
ترتكز البيئة المقترحة على إنشاء منصة تعليمية افتراضية موجهة للناطقين بغير العربية، تجمع بين الطابع الغامر الذي يوفره الواقع المعزز والطابع الذكي الذي توفره تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مع الاستفادة من مرونة التعلم الإلكتروني. في هذا النموذج، يتم توظيف الواقع المعزز لتقديم المفردات والقواعد والنصوص ضمن مواقف واقعية ثلاثية الأبعاد، بحيث يعيش المتعلم سيناريوهات شبه حقيقية تمكّنه من اكتساب المفاهيم اللغوية داخل سياقات ملموسة (كالتسوّق، التنقل، اللقاءات، وغيرها). تُعزّز هذه المواقف بالصور، والأصوات، والمحادثات، مما يخلق بيئة تعليمية تفاعلية تُحفّز الحواس و ترسخ المفاهيم.
وفي موازاة ذلك ، يقوم الذكاء الاصطناعي بدور المعلم المساند، من خلال تحليل بيانات أداء المتعلم وتقديم محتوى مخصص وفق مستواه وتقدمه، فضلًا عن تصحيح إنتاجه الكتابي والشفهي، واقتراح تمارين ملائمة لاحتياجاته، وتقديم تغذية راجعة آنية على الأخطاء. ويمكن للمنصّة أن تعتمد روبوتات محادثة باللغة العربية ، تتيح للمتعلم التفاعل الشفوي مع نظام ذكي يحاكي الحوارات الواقعية ، مما يعزز مهارات النطق والطلاقة والتفاعل اللغوي.
أما في الجانب التنظيمي، فيمكن أن تدمج هذه المكونات ضمن منصة تعلم إلكتروني (LMS) تحتوي على دروس متسلسلة، وحقائب تعليمية متعددة الوسائط ، ومسارات تعليمية تفاعلية تبني وفق تحليل دقيق لملف المتعلم ، مع إمكانية إجراء اختبارات معيارية وتوليد تقارير تقدم شاملة. و تعتمد في هذه المنصة مرجعية الإطار الأوروبي لتعليم اللغات (CEFR) لضمان انضباط المحتوى وتدرجه.
يراعي النموذج المقترح البعد الثقافي من خلال تضمين محتوى معرفي يعرف المتعلم على الثقافة العربية في صورها المختلفة، عبر فيديوهات ومقالات وألعاب تعليمية، تتيح له فهم السياق العربي والتفاعل معه. كما يوفر أدوات مقارنة ثقافية تعزز من قدرة المتعلم على الربط بين لغته الأم والعربية، مما يسهم في تنمية الحس اللغوي والقدرة على التواصل الفعال.
إن هذا التصور يمثل نواة لبيئة تعليمية رقمية شاملة ، يمكن تطويرها بالتعاون بين مؤسسات تعليم اللغة العربية ، ومراكز الابتكار التربوي ، وشركات التكنولوجيا التعليمية. كما يمكن إخضاع هذا النموذج للتجريب ضمن عينات محددة من متعلمي العربية لقياس أثره في المهارات اللغوية المختلفة، بما يمهد لاعتماد نماذج معيارية مماثلة في مختلف المؤسسات التعليمية المهتمة بتعليم العربية بوصفها لغة ثانية.
المراجع :
المراجع العربية :
- Aisyah Cahyani , Kholisin , 2022 – an Publish research with title : “Developing Arvo : Augmented Reality – Based Applications to improve Arabic Vocabulary Mastery – Arabiyatuna Journal Bahasa Arab.
- Mohamed Salim – An Publish Research with title : “ Challenges and innovations in teaching the Arabic Grammar to Non – Native speakers – tntgrated Journal for research in arts and humanities journal .
- Mohd Akashah , Wan Ab Aziz , 2022 An publish research with title : “The Vsability of Arabic – KAFA Application for learning Arabic Vocabulary At KAFA institution , International Conference of Research on Language Education .
- Samsuar A , Rani ,2023 – an publish research with title : “Arabic language learning based on technonlogy (opportunities and challenges in the Digital ERA ) – International Journal of Education , Language and Social Science .
- Syarafah A , Sutiah S , 2024 – An Publish Research with title : “Design and Development of the game “Kitabah for kids” Augmented Reality Technology for Arabic Language Learning Kilmatuna : Journal of Arabic Education – pg 116 .
- احمد غربا , 2025 – بحث منشور بعنوان : “تطبيقات الذكاء الاصطناعي واثرها في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في نيجيريا – المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية و السياسية .
- حسين المحنت , 2024 – بحث منشور بعنوان : “تاثير التكنولوجيا الحديثة علي اللغة العربية كلغة ثانية التحديات والفرص ” – مجلة الشباب المثقفين .
- عادل خالدي , سهام بوزيدي , 2022 – بحث منشور بعنوان : “تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي : دراسة تحليلية لعينة من الفيديوهات التعليمية بقناة “Learn Arabic with Arabicpod” , مجلة الميادين للدراسات في العلوم الانسانية , المجلد الرابع , 2022 .
- عبدالله بن عبد المحسن , بندر بن صلاح , واخرون , 2024 – بحث منشور بعنوان : “فاعلية استخدام تقنية الواقع المعزز في تنمية المهارات اللغوية لدي طلاب معهد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها بالجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة” – جامعة المنوفية – جمهورية مصر العربية .
- عبدالله محمد العليط , علي بن محمد الجديع , 2025 – رسالة دكتوراة مقدمة بعنوان : “وعي معلمي اللغة العربية بتقنيات الذكاء الاصطناعي واستخداماتها في تعليم مهارات التعبير اللغوي الكتابي لطلاب المرحلة الثانوية ” – جامعة الملك سعود – كلية التربية – قسم المناهج وطرق التدريس , الرياض .
- العنزي , مريم حمدان , 2024 – بحث منشور بعنوان : “تطبيقات الذكاء الاصطناعي التربوية وفاعليتها في تعليم اللغة العربية : المراجعة المنهجية للادبيات ” – كلية الدراسات العليا للتربية – جامعة القاهرة – دار المنظومة , المجلد 32 , العدد 3 .
- فاطمة محسني , 2025 – بحث منشور بعنوان : “دمج الذكاء الاصطناعي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها , استراتيجيات فعاله لتطوير المهارات اللغوية – مجلة الباحث – كربلاء .
- لطيفه مفلحه , 2023 – بحث منشور بعنوان : “الذكاء الاصطناعي واثرها في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها : تحديات تواجهها وافاق مبشرة , قسم تعليم اللغة العربية للدراسات العليا – جامعة مالانج الحكومية اندونسيا .
- محمد هنداوي , 2025 – مقال منشور بعنوان : “مجلة الناطقين بغير اللغة العربية ” – العدد الحالي , المجلد 8 .
المراجع الاجنبية :
- مريم بوسيف , خديجة روابح , 2019 – بحث منشور بعنوان : “تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في العصر الرقمي” – المجلة العربية مداد – العدد الخامس – جامعة تلمسان (الجزائر) .
- مقال منشور عبر موقع (ICESCO) بعنوان : “عشر دراسات اكاديمية في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها للناطقين بغيرها .