العدد التاسع عشرالمجلد الخامس 2022

لماذا اخترت مهنة التعليم

 وكيف لا أختار مهنة التعليم ..؟!! فهي ليست مُجرد مهنة أو وظيفة، بل هي رسالة وأعظم رسالة إنسانية سامية، وهي ورث الأنبياء؛ فالمعلمون ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافر.

في بداية عملي كمعلمة رياضيات ومنذ أولى أيامي في إحدى المدارس الابتدائية كنت أسمع من الجميع أن الرياضيات مادة صعبة معقدة فأصبح جُل همّي وتفكيري وهدفي كيف لي أن أجعل تلك المادة محببة ومشوقة جعلت لهن من الصف بيئة علمية آمنة جاذبة وهادفة عملت على تشجيعهن ووقفت على عثراتهن بحب وحسن تعامل طلبت منهن كتابة سيرتهن الذاتية وميولهن ثم قمت بعمل برامج تعزز ميولهن وتنمي قدراتهن بدأت بتكليفهن بأعمال يطبقن فيها بعض تلك البرامج، وجدت من الإبداع اللامحدود، أصبحن يقدمن تلك البرامج التدريبية في مدارس أخرى، عرضت بعض من مشاريعهن في منصة خبراء التي تعتبر أكبر وأهم المنصات الرقمية على مستوى الدول العربية. بدأت الطالبات بالعمل الفردي والتصميم وأخذن من تلك البرامج مصدر رزق لهن؛ فالبعض عمل على التصميم وجمع المال لتحقيق طموحهن والبعض جعلها مصدر رزق لهن ولأسرهن كعملٍ يومي.

فهذه المهنة تستهدف مهنة التعليم أهم فئة في المجتمع، فئة الطلبة الذين هم عماد الأمم ومُستقبلها والذين تُعوّل الدول عليهم بنائها ومُستقبلها، فوجب تأسيسهم بأفضل طريقة، وتوجيههم التوجيه الصحيح وإكسابهم الأخلاقيات والمبادئ والقيم الجوهرية التي من شأنها أنّ تعزز الثوابت لديهم، وتحول بينهم وبين ارتكاب الأخطاء المختلفة.

كذلك يُعدّ التعليم من أكثر المهن التي تعزز الإبداع، وخلق الأفكار الجديدة والإبداعية، والخلاقة والجذابة، من منطلق أنّ هذه العملية يشارك فيها أكثر من جيل وأكثر من آلية تفكير، وأكثر من عقل، بالتالي هي محطة لإنتاج الأفكار الرائعة.

تلعب مهنة التعليم أهمية كبيرة في حياة الشعوب والمجتمعات فهي من أرقى وأسمى المهن وهي قديمة قدم الإنسان على الأرض،  فما من حضارة قامت ونشأت إلا بفضل التعليم فهي المهنة التي تعمل على نقل التراث والأفكار والمعلومات وحتى القيم والمبادئ من جيل لآخر. 

وقد حرص الإسلام على إعلاء قيمة العلم والتعليم وأعطاهما قيمة عظيمة تتضح في الكثير من الدلائل في الكتاب والسنة النبوية الشريفة، وإن دل ذلك فإنه يدل على قيمة التعليم والتعلم وكيف أنه غاية سامية جليلة عظمها الدين الإسلامي وحث عليها وجعلها فريضة على كل مسلم ومسلمة، ليس فقط الدين الإسلامي بل أيضًا كافة الديانات السماوية التي شرعها الله تعالى.

يقول الله تعالى في كتابه الحكيم في سورة المجادلة: “يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير” (المجادلة: 11)

كما يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين”

قالَ النَبيُّ صَلَّىٰ اللُه عَلَيهِ وَسَلَم: (( إنّ الله وملائِكَتَهُ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِها وحَتَّى الحُوت فِي البَحْر لَيُصَلُّونَ على مُعَلِّم الناس الخير ))، كما قالَ النَبيُّ صَلَّىٰ اللُه عَلَيهِ وَسَلَم: (( سَلُوا الله عِلْماً نَافِعًا وَتَعَوَّذُوا بِاللَّه مِنْ علم لا ينفع )) (صحيح الترمذي).

وتعتبر التربية عملية شمولية وأكثر خصوصية، لأن التربية تشمل نقل المعلومات الى الطالب مع الاهتمام الكامل والشامل بتبديل صفاته وتهذيب أخلاقه بما يتناسب ومقومات المجتمع ومراعاة التحديات المعاصرة التي تؤثر على الطالب في المراحل المتعددة من حياته، والتعليم لا يشمل إلّا نقل المعلومات بطرق مختلفة. ويتضمن مفهوم التعليم أهمية الحاجة إلى وجود المعلم، على حين أن مفهوم التعلّم لا يتضمن ذلك، لأن المتعلّم يستطيع تحصيل العلم بمفرده دون الحاجة لمعلم.

وجميعنا يتفق على قيمة وأهمية التعلم في حياة البشر، فإننا نتفق على مكانة وفضل المعلم الذي يعد حجر الأساس والعمود الفقري للتعلم والناقل والمشجع لعملية التعلم وهو الأساس في هذه المهنة السامية.

المعلم يعتبر صاحب الفضل الأعظم في حياتنا جميعًا لأن له عظيم الأثر علينا، حيث يرجع له الفضل في كل ما تعلمناه وأثر في حياتنا العلمية والعملية، حرف تعلمناه حيث ندين له بكل نجاح وتقدم وصلنا إليه، فلولاه لن يستمر العلم ولن يتطور ويزدهر، ولن تتقدم الأمم، لولاه لم نكن الآن وصلنا إلى ما وصلنا إليه من معرفة وعلوم واكتشافات كان الأصل والبذرة المنبتة فيها هو المعلم.

مميزات مهنة التعليم: 

 على الرغم من التحديات والصعوبات التي تواجه المعلم خلال مسيرته المهنية الطويلة، إلّا أنّ مهنة التعليم يوجد فيها الكثير من المزايا التي يمكن الحصول عليها أيضًا، ومن أهم تلك المزايا: 

_- المعلم يقوم بتعليم ما يحب لطلابه، فهو بدوره ناقل للمعرفة ومحفز لهم وميسر لعملية التعلم. 

  • تؤثر على جيل بأكمله؛ وذلك من خلال الأسلوب الذي يتبعه المعلم في التعامل والتدريس لطلابه، وفي مجموعة القرارات التي يتخذها داخل حجرة الصف وبالتالي فإن هذه المهنة مناسبة جدًا لمن يحبّ أن يكون مؤثّرًا وفاعلا في الآخرين وفي سلوكهم وتفكيرهم.
  •  إمكانية اكتساب معرفة جديدة للمتعلمين، فهو كمدرس يتطلب منه الأمر إجراء العديد من البحوث في مادته التي يقوم بعرضها وتدريسها للطلاب، والتي من شأنها تساعده على اكتشاف بعض الأمور التي لم يكن يدركها، وبالتالي سيكون ذلك عاملا هاما في التطوير والنمو في مجال عمله (  Why Teachers Are Important in Society). 

ويعتبر التعليم الجيد هو ذلك التعليم الذي يضمن انتقال أثر التعليم والتدريب وتطبيق المبادئ التي يحصل عليها المتعلم على عدة مجالات أخرى في حياته ولا يمكن أن تتم عملية التعليم بدون وجود ثلاث عناصر أساسية (الفرا، 1999، 25):

  •  المعلم وهو الموجه والمرشد.
  • المتعلم وهو الفرد الذي يريد الحصول على التعليم ذاته ويجني ثماره.
  •  موضوع التعلم. 

تحديات مهنة التعليم 

تعتبر مهنة التعليم من المهن الإنتاجية بالمجتمعات، لأنها تنتج أفرادًا وقوى بشرية هامة لبناء المجتمعات وتطورها إيجابيًا، وتعتبر مهنة التعليم من المهن الصعبة وذلك لكونها تتعلق بمستقبل الأمم والشعوب ويواجه التعليم في العالم أجمع عدة تحديات تفرضها عليه طبيعة العصر الذي نعيش فيه والتي تتمثل فيما يلي: 

  • نقص الإمكانات المادية والبشرية: حيث يعاني قطاع التعليم من نقص في المعلمين المؤهلين لعملية التدريس وكذلك نقص في المباني والتجهيزات اللازمة للتعليم (عمامرة، 1990، 256).
  • لا يفي بمتطلبات العصر: وهذا يكون في دول العالم الثالث التي مازالت تعتمد على تقنيات تعليمية قديمة وتقليدية لا تتواكب مع التغيرات الحديثة في مجال التعليم (عمامرة، 1990، 257).
  • عدم مواكبة المناهج للتقدم التكنولوجي: على الرغم من غزو التكنولوجيا لمعظم جوانب الحياة اليوم إلا أننا نلاحظ أن المحتوى التعليمي لا يمكن الطلاب من التطبيق العملي للمعرفة وهناك تناقض بين التعليم كنظام، وبين واقع الحياة التي يعيشها الطلاب ( وزارة التربية الوطنية، 2009).
  • ضعف العائد المادي للمعلمين: حيث إن مهنة التعليم لا تعطي المعلمين العائد المادي الذي يستحقونه مقابل الجهد المبذول منهم ويعاني المدرسين عموما في البلاد النامية من ضعف الرواتب. 
  • ضعف فرص الترقية: إن المدرسين لا يحصلون على وظائف كبرى إدارية وتوجيهية إلا العدد القليل منهم، وتظل الترقيات لا تشبع الطموحات التي تتفق والعاملين في المهنة( كريم، 2002، 48).
  • ضعف الإنفاق العام على التعليم: في ظل التحول الاقتصادي الهائل الذي تشهده العديد من الدول في العالم اليوم نجد تدني الإنفاق على التعليم بشكل عام خاصة في الدول النامية مما يؤثر بصورة تلقائية على الأداء البشري بها وبالتالي على الاقتصاد الذي يعتمد أساسًا على الكوادر البشرية المتعلمة والماهرة (كريم، 2002، 46).

ومن هنا نجد أن التحديات التي تواجه مهنة التعليم كثيرة ومتعددة وتتشعب وتتغلغل داخل العديد من النطاقات داخل المجتمعات وتلقي بنتائجها عليها، وبالتالي يجب الانتباه إلى ضرورة الاهتمام المتعدد الجوانب بمهنة التعليم لأنها أساس كل تطور وتقدم، فهي صانعة الإنسان المبدع القادر على تجاوز التحديات والذي يخلق فرصًا كبيرة من خلال الإبداع والابتكار من أجل التطور والنهوض بالأمم والشعوب. 

وبالتالي يعتبر التعليم بمثابة عملية اجتماعية تفاعلية مستمرة الهدف منها الإعداد الجيد والمستمر للأفراد للحياة والعمل على تنمية قدراتهم وميولهم واتجاهاتهم وسلوكهم، وبالتالي فعملية التعليم هي في الأساس عملية تحفيز وإثارة قوى المتعلم العقلية ونشاطه الذاتي، وتوفير البيئة الملائمة التي تساعده على الحصول على نواتج عملية التعلم (جابر، 2000، 26). 

كما أن للمعلم قيمة سامية عظيمة ودور هام في المجتمعات والأمم وتلك القيمة قديمة قدم الإنسان ذاته؛ إذ يجد المتعلم في معلمه طوق النجاة، والمخرج الوحيد من ظلام الجهل وقلة المعرفة إلى نور العلم والتنور. المعلم لتلاميذه كالأب لأبنائه يحرص على مصلحتهم ويريد لهم العلم والفهم والمستقبل المشرق، فمن كالمعلم يحرص على وصول تلاميذه لأعلى الدرجات في التعلم والتثقف؟ تجده يقسو ويحنو ويفعل كل ما يستطيع من أجل تعلم طلابه وتفوقهم ربما عليه نفسه.

قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: “فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب” (مختصر منهاج القاصدين ص 304)

كما قال صلوات الله وسلامه عليه: “إنّ الله أوحى إلي أنه من سلك مسلكًا في طلب العلم سهّلت له طريق الجنة، ومن سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة، وفضلٌ في علمٍ خيرٌ من فضلٍ في عبادة، وملاك الدين الورع” (الألباني ، صحيح الجامع)

قال_ صلى الله عليه وسلم_: “صاحبُ العلمِ يستغفر له كل شيءٍ حتى الحوت في البحر”.

عن أبي هريرة _رضي الله عنه_  أنّ رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ يقول: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له” (رواه مسلم).

كما قال _عليه الصلاة والسلام_: “ما من خارجٍ خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضًا بما يصنع حتى يرجع”( صحيح الترمذي).

وللمعلم الحق في الاحترام والتقدير من جميع فئات المجتمع صغارا أم كبارًا، و يجب على الطلاب أن يبجلوا المعلمين الذين يبذلون قصارى جهدهم لتعليمهم وصنع مستقبلهم المشرق، كما يجب على الآباء تقدير الدور الذي يقوم به المعلم تجاه بنيهم، فهم من يربون لهم أطفالهم ويزرعون فيهم مجموعة من القيم والأخلاق قبل العلم، فلا علم دون أخلاق وقيم يتحلى بها الإنسان. 

الخاتمة

مهنة التعليم من المهن المهمة التي تؤثر على الجيل القادم وهي التي تشكل الإنسان من جميع النواحي وتعده لتحمل مهام المستقبل. وتواجه هذه المهنة العديد من التحديات التي تعوق مسيرتها ويجب التكاتف من أجل التغلب على هذه التحديات لأنها تؤثر على المجتمع ككل وتؤثر في جميع عناصر ومكونات المجتمع، كما أن المعلم الذي يعد العنصر الأساس في العملية التعليمية ينبغي أن يلاقي التقدير المادي والمعنوي اللائق به وبرسالته ويتوج بالاحترام من جميع المجتمع؛ لأنه المربي الأول والمعلم لجميع فئات المجتمع. 

لنعي جميعًا كمعلمين ومعلمات حجم الأمانة التي كُلفنا بها و نرتقي بطلابنا وطالباتنا و نُحسن تعليمهم على الوجه الذي يرضي ربنا و يرقى مكانتنا، متجاهلين نعيق المتربصين واضعين نصب أعيننا خدمة ديننا و وطننا الذي حملنا أمانة غالية وهي تعليم أبنائه وبناته. فمستقبل الأمة بين أيدينا و لنحتسب كل ثانية في التعليم لوجه الله تعالى دون أن ننتظر رد الجميل أو العوض من أحد ولا نُغفل دورنا كمُربين ومُربيات لننال فضل الدعاء .. إن أحسنّا التربية فلا ندري كم من طالب و طالبة سننعم بفضل دعائهم لنا و نحظى باثنتين بعد مماتنا ( علم ينتفع به ) و ( ولد صالح يدعو له ) و لنكن على يقين بأن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملا…

من عمق تجربتك ماذا تقول لزملائك المعلمين؟

لله درك يا من شٓرُفْت بحمل أسمى رسالة بعد رسالة الأنبياء كيف لا و أنت من يحمل على عاتقه هم الأمة و على يديه تُبنى العقول ..

ووالله إني لأستحي من خالقي أن أكرمني و مٓنّٓ عليّ بهذه المهنة الجليلة حين تتذمر نفسي أو يضيق صدري أو ينتابها بعض الفتور .. ألسنا ورثة الأنبياء ..؟!! بلى و ربي و حُق لنا معشر المعلمين والمعلمات أن نُباهي بمورثنا

المراجع: 

جابر، عبد الحميد جابر(2000)، مدرس القرن الحادي والعشرين الفعال المهارات والتنمية المهنية، دار الفكر للنشر والتوزيع،ط1، عمان. 

كريم، محمد أحمد(2002)، مهنة التعليم وأدوار المعلم فيها، شركة الجمهورية الحديثة للنشر والتوزيع، القاهرة. 

وزارة التربية الوطنية (2009)، المسار الدراسي للتعليم الأساسي. 

عمامرة،تركي رابح (1990)، أصول التربية والتعليم، ديوان المطبوعات الجامعية للنشر والتوزيع، الجزائر. 

الفرا، عبدالله عمر(1999)، مدخل إلى تكنولوجيا التعليم، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان.

“Why Teachers Are Important in Society- Why Teachers Matter”, uopeople, Retrieved 2/9/2021

https://www.uopeople.edu

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتًا
التقيمات المضمنة
عرض كل التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا الأن
1
هل تحتاج الي مساعدة او نشر بحثك !
Scan the code
مجلة scp الماليزية
مرحبا
كيف استطيع مساعدتك !