الإيمان بالغيب وآثاره على الفرد والمجتمع
الملخص
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
فهذا بحث بعنوان: (الإيمان بالغيب وآثاره).
مقدم من الباحثة: هند بنت دخيل الله القثامي.
يهدف البحث إلى التعريف بالغيب، وبيان أقسامه، مع ذكر آثار الإيمان به على الفرد والمجتمع.
وتم عرضه من خلال: مقدمة، وثلاثة مباحث وخاتمة.
فأما المقدمة: ففيها: مشكلة البحث، وأهميته ومنهجه وإجراءاته.
وأما المبحث الأول فهو بعنوان: التعريف بالغيب.
والمبحث الثاني: بعنوان: أقسام الغيب.
والمبحث الثالث: بعنوان: آثار الإيمان بالغيب.
والحمد لله رب العالمين.
الكلمات المفتاحية: الغيب – أقسام الغيب – آثاره.
Abstract
Praise be to Allah, Lord of the Worlds, peace and blessings be upon our Prophet Muhammad, his family and companions.
This is a research entitled: (Belief in the Unseen and its Effects).
Submitted by the researcher: Hind bint Dakhil Allah Al-Qathami.
It is a research that details the topic of belief in the unseen and its effects on the Muslim . The research aims to define the unseen, and explain its divisions, and mention the effects of belief in it on the Muslim .
It was presented through: An introduction, three chapters and a conclusion.
As for the introduction: it includes: the problem of the research, its importance, methodology and procedures.
As for the first chapter, it is entitled: Definition of the unseen.
And the second chapter: entitled: Divisions of the unseen.
Praise be to Allah, Lord of the Worlds.
Keywords: The unseen – Divisions of the unseen – Its effects.
المقدمة:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [سورة آل عمران: ١٠٢].
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [سورة الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن علم العقيدة هو أصل العلوم الشرعية وأساسها، فمتعلقـه هو ذات الرب تعالى، وما يجب على العبد من التوحيد، وإفراده سبحانه بالعبودية، ومتعلقة أيضاً الإيمان بسائر أركان الإيمان الستة وهي الإيمان بالله (بتوحيده وأسمائه وصفاته)، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
إن الإيمان بالغيب من المسائل المهمة بل هو لب الدين وعموده وذلك لاشتمال الغيبيات على أركان الإيمان الستة، فهو ركن أصيل وركيزة أساسية في الرسالات السماوية كلها، جاء الرسل بخـبـرها عن طريق الوحي الثابت، “إن علم الغيبيات من الأمور التي استأثر الله تعالى بعلمها، واختص بها نفسه جل وعلا، دون سواه من ملك مقرب، أو نبيٌ مرسل، وهو يطلع من يرتضيه من رسله على بعض الغيب متى شاء، وإذا شاء”([1]).
- مشكلة البحث :-
- ما هو تعريف الغيب، وحدوده.
- ما هي أقسامه.
- ماهو الغيب الوارد في القرآن الكريم .
- ما الآثار المترتبة على الإيمان بالغيب على الفرد وعلى المجتمع .
- أهمية البحث:
إن المسائل التي تتعلق بالعقيدة عموماً هي من الأهمية بمكان، فالإيمان بالغيب من الأمور المهمة في عقيدة المسلم لذلك وجب التنويه عنها، والتذكير بها، ومما يدل على أهمية البحث:
- تعتبر أركان الإيمان الستة من الغيبيات، فالإيمان بالغيب يشملها.
- من الضروري تسليط الضوء على التعريف بالغيب المقصود في القرآن الكريم.
- أهمية معرفة أقسام الغيب مع بيان لبعض أمثلته.
- بيان الآثار المهمة للإيمان بالغيب على الفرد.
- أهداف البحث :
- تسليط الضوء على أهمية الإيمان بالغيب لشموله أركان الإيمان الستة .
- التعريف بالغيب في اللغة والاصطلاح .
- بيان أقسام الغيب .
- توضيح أهمية الإيمان بالغيب على الفرد.
- منهج البحث:
سلكت المنهج الاستقرائي، وذلك بتتبع معاني الغيب وكذلك أقسامه وآثاره، وجمع المعلومات من مظانها المختصة ، كذلك المنهج الوصفي التحليلي .
- إجراءات البحث:
- جمع المادة العلمية من مظانها الأصلية.
- عزو كلام أهل العلم إلى مصادره، ووضع أقوالهم بين أقواس صغيرة، وما نُقِل بمعناه فإنه لا يوضع له أقواس، وأثبته في الهامش بلفظ (انظر).
- أشرت إلى المرجع في الهامش باسمه واسم مؤلفه، أما باقي معلوماته فأثبتها في فهرس المصادر والمراجع.
- كتابة الآيات القرآنية بالرسم العثماني، وتذييل الآيات باسم السورة ورقم الآية.
– لم أُترجم للعلماء المذكورين في البحث، وذلك لشهرتهم.
– الدراسات السابقة :
إن البحث في موضوع الغيب من المسائل المهمة ، ولا تكاد تخلو دراسة عقدية من البحث في مسائله ، وهناك بعض الدراسات التي أفردت هذا الموضوع ، ومن أهمها :
رسالة الدكتور : بسام سلامة ، وهي في أصلها رسالة علمية تقدم بها إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، بعنوان :الإيمان بالغيب ،وقد تناولت الرسالة خصائص الإيمان بالغيب ، وموقف الناس ، وقد توسع الباحث في الرد على الملحدين وناقش شبهاتهم ، فجزاه الله خيرا ، أما بحثي هذا فسيقتصر على التعريف بالغيب وبيان آثاره على الفرد دون الحاجة للتوسع في ذكر موقف الناس منه .
الدراسة الثانية :أصول الإيمان بالغيب وآثاره ، للدكتورة فوز كردي ، ومضمونها أقسام الغيب وصفات من يعلمه ، أما هذه الدراسة فستحاول الإجابة على هذه الأسئلة بشكل مركز مع بيان آثار الغيب على الفرد بشكل خاص وعلى المجتمع .
– خطة البحث:
يتكون البحث من: مقدمة، وثلاثة مباحث.
أما المقدمة فتشمل: أهمية الموضوع، ومنهجه، وإجراءاته.
أما المبحث الأول فهو بعنوان: التعريف بالغيب.
أما المبحث الثاني فهو بعنوان: أقسام الغيب.
وأما المبحث الثالث فهو بعنوان: آثار الإيمان بالغيب.
ثم خاتمة، وآخراً: فهرس المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات.
هذا؛ وأسأل الله تعالى التوفيق والإخلاص في العمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.
المبحث الأول
التعريف بالغيب
الغيب في اللغة:
الغين، والياء، والباء؛ أصل صحيح يدل على تستر الشيء عن العيون.
والغيب: كل ما غاب عنك، أو هو كل ما غاب عن العيون، وإن كان محصلاً في القلوب، وغاب الأمر عني غيباً ومغيباً، وسمعت صوتاً من وراء الغيب؛ أي: من موضع لا أراه، والغيب خلاف الشهادة والحضور، والمغايبة: هي المخاطبة، وغيبه غيابةً؛ أي: دفن في قبره، وغاب الرجل غيباً وتغيب فسافر، وامرأة غاب بعلها أو أحد من أهلها يقال: هي مغيبة([2]).
والغيب: مصدر من غاب، فكل ما استتر عن الحواس وخُفي عن العيون سواء كان محصلاً في القلوب أم غير محصل فهو غيب([3]).
وكل مكان غاب عنك ما فيه فهو غيب، يقال للشيء: غَيْبٌ، وغائب بالنسبة للإنسان لا بالنسبة إلى الله تعالى، لأن الله تعالى لا يغيب عنه مقال ذرة من السموات والأرض، كما قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [سورة الأنعام: 73]([4]).
مما سبق يتضح أن المعنى اللغوي للغيب يدور حول الخفاء، والتستر، وكل ما غاب عن الإنسان معرفته.
الغيب في الاصطلاح:
هو ما غاب عن الحواس مما لا يُوصل إليه بالخبر دون النظر([5]). قال تعالى:(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [سورة البقرة: ٣].
أي: يؤمنون بما غاب عنهم من الجنة والنار، والثواب، والعقاب، والبعث، والتصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله، وجميع ما كانت العرب لا تدين به في جاهليتها مما أوجب الله جل ثناؤه على عباده الدينونة به دون غيرهم([6]).
يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: “فكل هذه متقاربة في معنى واحد، لأن جميع هذه المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به”([7]).
ويقول الطبري رحمه الله تعالى في تفسير الآية: “أي آمنوا بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر وجنته وناره، ولقائه، وآمنوا بالحياة بعد الموت، فهذا غيب كله، وأصل الغيب كل ما غاب عنك من شيء، وهو من قولك: غاب فلان يغيب غيباً”([8]).
ويعرفه الراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى بأنه: “ما غاب عن الحاسة وعلم الإنسان”([9]).
ويرى ابن تيمية رحمه الله تعالى بأن الغيب: “ما غاب عن شهود العباد، والشهادة ما شهدوها”([10]).
– الغيب في القرآن الكريم:
الله سبحانه وتعالى هو عالم الغيب والشهادة، قال تعالى:(لَهُۥ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ)[سورة الكهف:26].
وقد أخبرنا القرآن الكريم أن القصص الماضية من الغيب الذي لا يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ما علمه الله، يقول تعالى:( تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ) [سورة هود: 49].
وفي القرآن أيضاً غيب الحاضر مما لم يكن للرسول صلى الله عليه وسلم من سبيل إلى رؤيته ولا العلم به مثل الملائكة، والجن، والجنة والنار، وما فضح الله به المنافقين في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفيه غيب المستقبل مثل إخباره عن الروم بأنهم سينتصرون في بعض سنين (غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ)[سورة الروم: 2-3]([11]).
أما في السنة النبوية فقد ورد الغيب في عدة أحاديث منها ماجاء عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” مفاتيح الغيب خمسة لايعلمها إلا الله : لا يعلم ماتغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم مافي غد إلا الله ، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله ” . رواه البخاري (1/351)
وفي رواية عن عائشة رضي اله عنها قالت : من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب وهو يقول ( لا تدركه الأبصار ) الأنعام : 103 ، ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب وهو يقول : ( قل لايعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ) النمل : 65
رواه البخاري ( 6/2687) .
المبحث الثاني
أقسام الغيب
ينقسم الغيب إلى أقسام، فمنها ما كان باعتبار العلم والمعرفة، ومنها ما كان باعتبار الزمان، ومنها ما هو باعتبار الورود.
وهو ما سيتضح فيما يلي:
أولاً: باعتبار العلم والمعرفة:
وينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الغيب النسبي:
وهو غاب عن الحواس في عالم الشهادة، ويدخل في ذلك الماضي والمستقبل، فكلاهما غيب بالنسبة للحواس، وكذلك بالنسبة للحاضر فهو غيب بالنسبة لمن لم يشاهده، ولكنه ليس غيباً لمن كان معاصراً له.
ومن أمثلة هذا القسم: الشياطين والجن، وما جاء من الأخبار عنهم،
فالغيب النسبي هو ما غاب عن حواسنا في عالم الشهادة، فيعلمه بعض الخلق ويغيب عن آخرين.
القسم الثاني: الغيب المطلق:
وهذا القسم لا سبيل للعقل إلى العلم به عن طريق الحواس، بل هو مما استأثر الله بعلمه، فهو علم خاص بالله تعالى([12]).
فلا يعلمه أحد من مخلوقات الله تعالى، فلا ينال من خلال البحث.
ومن أمثلته: العلم بوقت الساعة، والموت، وغيرها.
يقول ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى:(يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ ۚ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا)[سورة الأحزاب: 63]، “هنا أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن وقت الساعة أن يرد علمها إلى الله تعالى، فإنه هو الذي يجليها لوقتها، أي يعلم جلية أمرها، ومتى ويكون على التحديد، أي لا يعلم ذلك أحداً؛، إلا هو تعالى، ولهذا قال:(ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)[سورة الأعراف: 187]، أي ثقل علمها على أهل السموات والأرض لأنهم لا يعلمون”([13]).
ثانياً: باعتبار الزمان:
وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
- الأول: غيب الماضي: كالأحداث الماضية التي لم نشهدها، مثل الرسالات السماوية، والأنبياء، وغيرها، يقول تعالى:(ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) [آل عمران: 44]، يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: “قال تعالى لرسوله عليه أفضل الصلوات، بعد ما أطلعه على جلية الأمر” ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك” أي: نقصه عليك، “وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كانت لديهم إذا يختصمون” أي: ما كنت عندهم يا محمد فتخبرهم عنهم معاينة عما جرى، بل أطلعك الله على ذلك كأنه كنت حاضراً وشاهداً لما كان من أمرهم..” ([14]).
- الثاني: غيب الحاضر: وهو كل شيء لا يقع تحت الحواس، فلا يراه الإنسان ولا تقع تحت حواسه.
- الثالث: غيب المستقبل: وهذا لا يعلمه إلا الله تعالى، قال تعالى:(قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ) [سورة النمل: 65].
ثالثاً: باعتبار الورود:
ويقسم إلى قسمين هما:
- أولاً: الغيب الذي ذُكر في القرآن الكريم، فهذا النوع من الغيب الذي يجب الإيمان به، ومن يكفر فإنه كافر خارج عن الملة.
- ثانياً: الغيب الذي ذُكر في السنة النبوية، وهو أيضاً مما يجب الإيمان به([15]).
المبحث الثالث
آثار الإيمان بالغيب
- إن للإيمان بالغيب آثاراً عظيمة على الفرد، فالإيمان بالغيب هو أساس الإيمان كله، لأن أركان الإيمان كلها غيبية، وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين فقال: (الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)[سورة البقرة: 1-3].
- إن من آثار الإيمان بالغيب على الفرد السكينة والطمأنينة في النفس، يقول تعالى:(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[سورة الرعد: 28]، ومن آثاره الرضا بقضاء الرب([16])، فتكون النفس مطمئنة راضية بما قدر لها.
- ومن آثاره خشية الله تعالى، واستحضار مراقبته على الدوام، فمن كان مؤمناً بالله وبالغيب ذلك أدعى إلى دوام مراقبته.
- إن الإيمان بالغيب يعمل على تطهير القلب، وصلاحه مما قد يعتريه من الشك والتردد.
- من آثاره أيضاً الحرص على طاعة الله تعالى، رغبة في ثوابه، والبُعد عن معصيته خوفاً من عقابه([17])، ولا شك أن ثمراته العمل الصالح في الدنيا، والبعد عن المعاصي([18]).
- من آثار الإيمان بالغيب؛ أنه يطرد القلق والضجر عند فوات المراد أو حصول المكروه، لأن ذلك كان بقضاء الله وقدره، وهو أمر كائن لا محالة([19]).
- ومن آثاره أنه يحبب إلى النفس ذكر الله تعالى على كل الأحيان، والتلذذ بذكره تعالى لا يكون إلا ثمرة من ثمار الإيمان بالغيب وأثراً من آثاره.
- أن الذي يؤمن بالغيب يعلم علم اليقين أن الصبر على بلاء الله تعالى من مقتضيات إيمانه، ومتطلباته، وأن الله تعالى يحب الصابرين، وهو معهم بعونه وتوفيقه.
- يظهر أثر الإيمان بالغيب في معاملة المؤمن للناس قريبهم وبعيدهم، صديقهم وعدوهم، ومؤمنهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، فالمؤمن الصادق في إيمانه يعامل الناس وليس له من وراء ذلك إلا ابتغاء مرضاة الله تعالى([20]).
- إن الإيمان بالغيب ومنه الإيمان بقدر الله تعالى يبعث على الإيجابية في الحياة حيث يرى الإنسان أن كل شيء في هذا الوجود إنما يسير وفق حكمة الله تعالى .
- ومن آثار الإيمان بالغيب على المجتمع استشعار الإنسان مراقبة الله تعالى فلا تخفى عليه خافية ، فنرى أفراد المجتمع يتحلى الواحد منهم بالصدق والأمانة والرحمة مما يظهر أثره على أفراد المجتمع ككل .
الخـــــاتــمــة
أخـتم هذا البحث بما توصلت إليه من نتائج وتوصيات ، على النحو الآتي:
- إن الغيب هو ما لا يوصل إليه إلا بطريق الخبر دون النظر، ويدخل فيهما جاء في القرآن الكريم من أخبار غيبية مثل الإيمان بالله وملائكته، والجنة والنار، والثواب والعقاب، وقد أثنى الله تعالى على من يؤمن بذلك في كتابه العزيز.
- أن هناك من الغيب الذي استأثر بعلمه سبحانه وتعالى فلم يطلع عليه أحداً من مخلوقاته.
- بيَّن البحث التعريف اللغوي والاصطلاحي، كما بيَّن أقسام الغيب، وآثار الإيمان بالغيب على الفرد.
أما التوصيات فأجملها فيما يلي :
- ضرورة البحث في مسائل الغيبيات على وجه التفصيل لكل مسألة من مسائله، وبيان آثار الإيمان بها على الفرد وعلى المجتمع .
- أوصي أيضا بالبحث والرد على على منكري الغيب عموما والملحدين على وجه الخصوص، ودحض شبهاتهم .
- كما أوصي بالبحث في موقف الفرق وخاصة الفلاسفة من الغيب ، والرد عليهم .
وفي الختام أسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت في عرضه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.
فهرس المصادر
- أحكام القرآن، لأبي بكر ابن العربي، راجع أصوله وعلق عليه: محمد عبدالقادر عطاء، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، الطبعة الثالثة.
- أشراط الساعة، عبدالله بن سليمان الغفيلي، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1422هـ.
- تاج العروس من جواهر القاموس، مرتضى الزبيدي، تحقيق: مجموعة من المحققين، دار الهداية، (د.ط).
- تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل ابن كثير، تحقيق: سامي سلامة، دار طيبة للنشر، الطبعة الثالثة.
- تفسير الشيخ أحمد حطيبة، موقع الشبكة الإسلامية.
- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأبي جعفر الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1420هـ/2000م.
- درء تعارض العقل والنقل، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: عبداللطيف عبدالرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت.
- شرح العقيدة الطحاوية، عبدالرحمن بن ناصر البراك، إعداد: عبدالرحمن السديس، دار التدمرية، الطبعة الثانية 1429هـ/ 2008م.
- شرح العقيدة الواسطية، للشيخ محمد بن عثيمين، خرج أحاديثه: سعد الصميل، دار ابن الجوزي للنشر، المملكة العربية السعودية، الطبعة السادسة 1421هـ.
- صحيح البخاري ، تحقيق : د. مصطفى البغا ، درا ابن كثير -دمشق ، الطبعة الخامسة 1414-1993
- عقيدة أهل السنة والجماعة، الشيخ، محمد بن عثيمين، الجامعة الإسلامية، المدينة، الطبعة الرابعة.
- لسان العرب، لابن منظور، دار صادر الطبعة والنشر، دار بيروت للطباعة والنشر 1388هـ.
- مجلة جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، من العدد 19 إلى العدد 24.
- مفردات غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، طباعة: مصطفى البابي الحلبي- مصر.
- مناهل العرفان في علوم القرآن محمد عبدالعظيم الزرقاني، مطبعة عيسى البابي الحلبي، الطبعة الثالثة.
- النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي- محمود الطناحي، المكتبة العلمية – بيروت (د.ط).
الـفـهـرس العام
الملخص | 1 |
المقدمة | 3 |
المبحث الأول: التعريف بالغيب | 6 |
التعريف بالغيب في اللغة | 7 |
الغيب في الاصطلاح | 7 |
الغيب في القرآن الكريم | 8 |
المبحث الثاني: أقسام الغيب | 9 |
– أولاً: باعتبار العلم والمعرفة | 10 |
-الغيب النسبي | 10 |
-الغيب المطلق | 10 |
– ثانياً: باعتبار الزمان | 11 |
– غيب الماضي | 11 |
– غيب الحاضر | 11 |
– غيب المستقبل | 12 |
– ثالثاً: باعتبار الورود | 12 |
– أولاً: الغيب الذي ذكر في القرآن | 12 |
– ثانياً: الغيب الذي في السنة النبوية | 12 |
المبحث الثالث: آثار الإيمان بالغيب | 13 |
– الخاتمة | 16 |
– فهرس المصادر والمراجع | 17 |
– الفهرس العام | 19 |
[1]() انظر: أشراط الساعة، عبدالله بن سليمان الغفيلي، ص15.
[2]() انظر: لسان ا لعرب، لابن منظور (1/654).
[3]() انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (3/399).
[4]() انظر: تاج العروس، للزبيدي، (498).
[5]() انظر: أحكام القرآن، لابن العربي (1/15).
[6]() انظر: تفسير الطبري، (1/238).
[7]() تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، (1/166).
[8]() تفسير الطبري، (1/237).
[9]() مفردات غريب القرآن، للراغب الأصفهاني (ص1090).
[10]() درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية (5/172).
[11]() انظر: مناهل العرفان، للزرقاني (2/367)، وما بعدها.
[12]() انظر: شرح العقيدة الواسطية، للشيخ ابن عثيمين (1/194).
[13]() تفسير ابن كثير (3/518).
[14]() المرجع السابق، (2/42).
[15]() انظر في ذلك شرح العقيدة الطحاوية للشيخ عبدالرحمن البراك (1/170)، وانظر أيضاً: شرح كتاب التوحيد لابن خزيمة، محمد حسن عبدالغفار، (6/7)، وانظر أيضاً: مفاتيح الغيب، للرازي، (2/272).
[16]() انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة، لابن عثيمين، (ص33).
[17]() انظر: المرجع السابق، نفس الصفحة.
[18]() انظر: تفسير أحمد حطيبة، (3/241).
[19]() انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة، لابن عثيمين، (ص34).
[20]() انظر: مجلة جامعة أم القرى، العدد 19-24، (6/39-40)