توظيف الذكاء الاصطناعي في التدريس
مقدمة
يعد التعليم هو المؤسس الأول للأنظمة المعرفية والتقنية لذا يجب الاهتمام بأهداف التعليم ونوعيته ليصبح هدف التعليم ليس رفع مستوى الوعي الاجتماعي والثقافي فقط بل توظيف المعرفة وبرمجتها على أسس تنافسية ملموسة، وتتسم الأنظمة المعرفية في ظل تطور التعليم المواكب لمبادئ الثورة الصناعية الرابعة القائمة على البيانات والذكاء الاصطناعي؛ لذا وجب تبني استراتيجية تصميم الأنظمة المعرفية والتقنية وتنظيمها؛ تلك الأنظمة التي تخدم المستقبل القائم على الابتكار وتحليل الأفكار وحل المشكلات واتخاذ القرارات. ولتحقيق مبادئ الثورة الصناعية الرابعة في التعليم فإنه يجب تعزيز مستوى تدريب العلوم التطبيقية والتقنيات المتقدمة والحديثة والتركيز على مستوى الاحترافية والمهنية في المؤسسات التعليمية وتحويلها إلى مراكز بحثية، علاوة على إطلاع المتعلمين على التجارب العالمية، وكل ذلك سيفتح آفاقًا أوسع ويوفر مواكبة مستمرة لنتاجات الثروة لتصبح غاية التعليم صناعة عالم صحي وأمن وأكثر تنوعًا.
وقد أدى استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى تطوير عديد من المجالات والتطبيقات المهمة والحيوية للحاسب الآلي كالنظم الخبيرة، ومعالجة اللغات الطبيعية، وتعرف الصوت والكلام المنطوق، والرؤية بالحاسب، والبرمجة الآلية، والإنسان الآلي، بالإضافة إلى مجالات أخرى عديدة.
وتوجد عدد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم مثل أنظمة التدريس الذكية (ITS) التي حققت أكبر تقدم خلال العقدين الماضيين، بوصفها أحد المفاهيم الأصلية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم، مع الأخذ في الاعتبار أن نظم الذكاء الاصطناعي الموجودة حاليًا مازالت في مرحلة بدائية نسبيًا، ولكن وجودها بأي حال يعني المساعدة في تشكيل جيل جديد يستجيب أكثر لأدوات التعليم.
مفهوم الذكاء الاصطناعي:
يوجد عديد من التعريفات التي تناولت مفهوم الذكاء الاصطناعي والتي تتوحد في مضمونها، وتختلف في ألفاظها، فيرى شيونغ (2019) أن الذكاء الاصطناعي يشير إلى قدرة أجهزة الكمبيوتر على التفكير كالبشر، فهو مجال شامل يدمج حدود علوم الكمبيوتر والإحصاء وعلم الأعصاب والعلوم الاجتماعية بهدف تصميم برمجيات يمكن أن تحل محل الإنسان في الإدراك والتحليل واتخاذ القرارات.
ويعرفه تشاو وليو (2019) Zhao and Liu بأنه دراسة قواعد أنشطة الذكاء البشري بهدف بناء نظم اصطناعية تمكن الحاسوب من أداء المهام التي تحتاج إلى ذكاء.
- بينما يعرفه (كريستي ودي غراف، 2017) Christie and de Graaff بأنه تقنية حديثة تهدف إلى إنشاء أنظمة حاسوبية تقدم سلوكيات ذكية وقابلة للتكيف مع طبيعة المشكلات التي تواجهها، مع القدرة على التعلم من بيئتها تمامًا مثل البشر.
أهمية الذكاء الاصطناعي:
تتمثل أهمية الذكاء الاصطناعي فيما يلي:
تعلم الآلة: هو أحد فروع الذكاء الاصطناعي الذي يعني بجعل الحاسوب قادرًا على التعلم من تلقاء نفسه من أية خبرات أو تجارب سابقة؛ مما يجعله قادرًا على التنبؤ واتخاذ القرار المناسب بشكل سريع ويكون ذلك خلال تطوير الخوارزميات التي تسمح بمثل هذا الأمر، وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم طرح هذا المصطلح لأول مرة في العام (1959م) من قبل أرثر صموئيل .
تنقيب البيانات: يقصد به البحث والتنقيب عن بيانات محددة، وأنماط معينة ضمن مجموعة كبيرة من البيانات بواسطة برامج حاسوبية، إذ تستطيع الشركات الاستفادة من تنقيب البيانات في تطوير أدائها وزيادة مبيعاتها وتقليص تكاليف الإنتاج.
تمثيل المعرفة: يعد تمثيل المعرفة بمجال الذكاء الاصطناعي الجانب الذي يهتم بتمكين الآلات من التفكير واتخاذ القرار، إذ يتم جمع المعارف التي تكتسبها الآلة وتخزينها في قاعدة بيانات تستخدم لتبادل المعرفة وإدارتها، وتكون مرجعًا لاتخاذ أية قرارات ذكية قد تصدر عن الآلة.
التفكير المنطقي والتفكير الاحتمالي: يُعد التفكير المنطقي في الذكاء الاصطناعي أحد الأشكال المختلفة للتفكير، إذ يتم استنتاج الحقائق واستنباطها من بيانات متوفرة، ويقابل التفكير المنطقي ما يعرف بالتفكير الاحتمالي، الذي يأخذ مفهوم الاحتمال وعدم التأكد من المعرفة، وذلك للتعامل مع جميع الظروف المستقبلية غير المؤكدة، التي تحتمل الشك في حدوثها.
استرجاع المعلومات والويب الدلالي: يقصد باسترجاع المعلومات إجراء عملية البحث عن البيانات والمستندات أيًّا كان نوعها التي قد تكون موجودة عبر الويب، وذلك من خلال مفهوم الويب الدلالي الذي يحول البيانات الموجودة على شبكة الويب العالمية إلى قاعدة بيانات عالمية تترابط فيها المعلومات، بحيث تكون مفهومة من قبل الآلات ولا يقتصر استخدامها على البشر فقط، فمن خلال هذا الأمر يكون بمقدور الآلة حجز التذاكر عبر الإنترنت أو استخدام القواميس الموجودة عبر الويب، أو غيرها من الأمور التي تتطلب بالأصل استخداما بشريا لإتمامها ( العبيدي، 2010 )
أنواع الذكاء الاصطناعي:
يمكن تصنيف الذكاء الاصطناعي تبعا لما يتمتع به من قدرات إلى ثلاثة أنواع مختلفة على النحو الآتي:
- الذكاء الاصطناعي المحدود أو الضيق: هو أحد أنواع الذكاء الاصطناعي التي تستطيع القيام بمهام محددة وواضحة، كالسيارات ذاتية القيادة، أو حتى برامج تعرف الكلام أو الصور، أو لعبة الشطرنج الموجودة على الأجهزة الذكية، وهذا النوع من الذكاء الاصطناعي أكثر الأنواع شيوعًا وتوفرًا في وقتنا الحالي.
- الذكاء الاصطناعي العام: وهو النوع الذي يمكن أن يعمل بقدرة تشابه قدرة الإنسان من حيث التفكير، إذ يركز على جعل الآلة قادرة على التفكير والتخطيط من تلقاء نفسها وبشكل مشابه للتفكير البشري، إلا أنه لا يوجد أي أمثلة عملية على هذا النوع، فكل ما يوجد حتى الآن مجرد دراسات بحثية تحتاج للكثير من الجهد لتطويرها وتحويلها إلى واقع. وتعد طريقة الشبكة العصبية الاصطناعية من طرق دراسة الذكاء الاصطناعي العام، إذ تعنى بإنتاج نظام شبكات عصبية للآلة مشابهة لتلك التي يحتويها الجسم البشري.
محاولات توظيف الذكاء الاصطناعي في التدريس:
لقد أجريت العديد من المحاولات الميدانية لتوظيف هذه الأنماط في عدد من الدول حول العالم، ويعرض تشاو وليو (2019) Zhao and Liu لبعض هذه المحاولات فيما يلي:
- منصة التعليم التكيفي استراليا أونلاين Australia Online Adaptive Education Platform
وهي منصة ذكاء اصطناعي أطلق عليها اسم الببغاء الذكي “Smart Sparrow”، وتشمل تخصصات العلوم والطب والهندسة وغيرها، ولا تقدم المنصة محتوى علمي، بل تساعد المعلمين على تصميم محتوى تعليمي تكيفي يناسب أنماط متنوعة من المتعلمين. وقامت المنصة بدمج عدد كبير من تجارب المحاكاة مثل: الجراحة الافتراضية المعقدة، والتجارب المعملية الافتراضية، وتصميم المباني الافتراضية مما سمح للطلاب بالتعلم من خلال الممارسة.
- منصة أمريكا ترغب في التعلم America Desire Learn
وتهدف إلى تغيير الطريقة التي يتعلم بها العالم من خلال أنظمة إدارة التعلم الذكية التي توفرها المنصة؛ حيث تسمح المنصة للطلاب بتعلم دروسهم، وتقديم الواجبات والإجابة عن الاختبارات، والتواصل مع زملاء الدراسة. وتقوم المنصة بتحليل البيانات الكبيرة التي يتم الحصول عليها، وتحليلها وعرض النتائج على الطلاب والمعلمين واستخدام هذه النتائج في التنبؤ بما إذا كان الطلاب مناسبين لبعض الدورات الجديدة أم لا. الروبوت جيل واتسون Robot Jill Watson هو أحد برمجيات الذكاء الاصطناعي عبر الإنترنت التي تستند إلى جهاز الحاسوب العملاق IBM Watson ، ويقوم الروبوت بالإجابة عن ٩٧% من أسئلة الطلاب عبر الانترنت، ولم يدرك معظم الطلاب أن الروبوت كان يجيب عن أسئلتهم.
نظم التدريس الذكية:
تعتبر نظم التدريس الذكية أحد أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي حظيت باهتمام كبير في الفترة الأخيرة، وتعد نظم التدريس الذكية أحد أشكال صناعة تكنولوجيا التعليم التي تمر في مراحل تطويرية ووفق معايير تصميمية.
وتعرف برسولي وعبد الصمد (۲۰۱۹) نظم التدريس الذكية بأنها أنظمة تربوية مدارة بالحاسب ومبنية على الذكاء الاصطناعي، وتستخدم المنطق والقواعد الرمزية بهدف محاكاة المعلم البشري في سلوكه وقرارته في المواقف التعليمية، ولا تعتمد هذه الأنظمة فقط على تدريس الحقائق والمعارف الإجرائية، لكنها بالإضافة إلى هذا تعلم الطالب مهارات التفكير وحل المشكلات، مما يجعلها مناسبة بدرجة كبيرة لأغراض التعليم المختلفة.
سمات نظم التدريس الذكية:
ومن خلال تحليل التعريفات السابقة وغيرها من التعريفات يمكن التوصل إلى مجموعة من السمات التي تتميز بها نظم التدريس الذكية، ومن هذه السمات:
- التعلم الذاتي من خلال إتاحة مداخل تختلف حسب مستوى الطالب وقدراته ومعدل تقدمه.
- تشخيص متى وكيف أخطأ المتعلم من أجل تقديم التغذية الراجعة المناسبة له.
- تنوع الحوار بين الحاسوب والطالب باستخدام اللغة المكتوبة والمسموعة.
- يتغير تتابع موضوعات المحتوى العلمي وفقًا لاستجابات كل متعلم.
أهداف البرامج التدريسية المبنية على الذكاء الاصطناعي:
تهدف البرامج المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في التدريس إلى تحقيق ما يلي (الشراري ، 2011 ):
- تطبيق أدوات ومبادئ تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية.
- تفعيل دور الحاسب الآلي في عملية التدريس، تجعله معلمًا ديناميكيًا فعالاً بدلاً من كونه مجرد وعاء للمعلومات.
- تقديم مرونة وكفاءة أعلى ومجالات تطبيق أوسع للبرامج التدريسية بالحاسب الآلي من خلال تضمين تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي.
- تكيف برامج التدريس بالحاسب الآلي مع الاحتياجات الفردية للمتعلمين.
- محاكاة المعلم البشرى بدرجة كبيرة في سلوكه وأسلوبه التدريسي مع الطالب، ونمذجة المعرفة التدريسية لديه وطريقة تفكيره في حل المسائل والمشكلات المرتبطة بالمادة التدريسية محال تخصصه.
- إمداد الطالب بطريقة تدريس فردية عالية الكفاءة قائمة على الأسلوب التدريسي، أي معلم واحد في مقابل طالب واحد فقط من خلال تحليل الإجراءات التي يقوم بها الطالب، ومتابعة تقدمه التعليمي، وتصحيح مساراته وسلوكه التعلمي، وتحديد الخطوة التدريسية التالية له؛ مما يؤدى إلى الحصول على مخرجات تعلم أفضل بكثير من طرق التدريس الأخرى.
- زيادة القدرات التفاعلية والتحاورية بين الطالب والبرنامج التدريسي، من خلال التحاور باللغة الطبيعية للطالب، والرد على أسئلته واستفساراته المختلفة في المحتوى التعليمي، وتوليد التفسيرات والإيضاحات اللازمة لشرح الحلول والنواتج التي تم التوصل إليها.
مجالات الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التدريس:
أما من الناحية العملية لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم والتدريس تحديدًا فيمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التدريس من خلال استخدام برامج التدريس المبنية على الذكاء الاصطناعي. (حسنين، 2011)
تعرف برامج التدريس المبنية على الذكاء الاصطناعي أو نظم التدريس الذكية بأنها عبارة عن أنظمة تربوية مدارة بالحاسب الآلي تعتمد على علم الذكاء الاصطناعي، وتعد التربية مجال التطبيق الأساسي لهذا العلم. كما تستخدم هذه البرامج المنطق في تدريس الطلاب وهى تحاكي في ذلك المعلم البشري بدرجة كبيرة. ولا تعتمد هذه الأنظمة فقط على تدريس الحقائق والمعارف الإجرائية، لكنها بالإضافة إلى هذا تعلم الطالب مهارات التفكير وحل المشكلات؛ مما يجعلها مناسبة بدرجة كبيرة لأغراض التدريس المختلفة.
ويمكن النظر إلى برامج التدريس المبنية على الذكاء الاصطناعي على أنها نظم خبيرة في مجال التعليم أو نظم خبيرة تعليمية، وكما أن النظم الخبيرة تهدف إلى محاكاة الخبير البشرى وتمثيل معرفته وخبرته، فإن المبدأ في نظم التدريس الذكية هو محاكاة المعلم البشرى في سلوكه وتصرفاته وقراراته في المواقف التدريسية المختلفة، ومحاكاة عمليات التفكير لديه في معالجة المسائل أو المشكلات المرتبطة بموضوع دراسي معين، وتعتمد بدرجة أساسية في ذلك على نمذجة المعرفة الخاصة بالمعلم والمرتبطة بالمادة التدريسية وطريقة التدريس والطالب الموجه إليه عملية التدريس، ويعد هذا المعلم هو الخبير البشرى في مجال التدريس الذي يمتلك مقدارًا من الخبرات والمعارف المرتبطة بمجال أو منهج دراسي معين وبكيفية تدريسه لنموذج أو فئة معينة خلال البحث والتقصي في تلك الخبرات والعمليات التدريسية الخاصة بالمعلم يمكن اكتساب معلومات كافية تفيد في بناء برامج التدريس المبنية على الذكاء الاصطناعي، ويرتبط هذا الأداء بدرجة كبيرة بالتكنولوجيا المبنية على المعرفة، حتى أن برامج التدريس المبنية على الذكاء الاصطناعي ممكن أن يطلق عليها نظم مبنية على المعرفة. ويستخدم هذا المصطلح أيضًا مرادفًا لمصطلح النظم الخبيرة، ويفرض هذا المفهوم شكلاً هيكليًا خاصًا على النظام البرمجي لهذه النظم، ويتميز بين عرض المعرفة وعمليات التفكير والاستنتاج المنطقي المرتبطة بهذه المعرفة.
لا يمكن لأحد أن ينكر دور الذكاء الاصطناعي في الارتقاء بالتعليم، وهو دور مرشح للتطور بشكل كبير في السنوات اللاحقة؛ ففي عصرنا الحالي أصبحت عملية التركيز على الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا التعليم الحديثة والبحث العلمي هي التي تدفع بمسيرة التعليم وبناء اقتصاد المعرفة، وبالرغم من أهمية ذلك فإن الاستفادة منها وتوظيفها لازالت قليلة ومحدودة. بالرغم من أن وظائف المستقبل تعتمد على المهارات الفنية والمعارف وعلى استخدام التقنية؛ لذلك فلابد أن تكون منظومة التعليم قادرة على إنتاج تلك المهارات حتى تسهم في إعداد أجيال تواكب التطور الهائل في تلك التقنيات.
خاتمة:
على الرغم من الاهتمام الدولي الكبير بتوظيف الذكاء الاصطناعي في التدريس؛ إلا أن التربية العلمية في المنطقة العربية لاتزال بعيدة إلى حد كبير عن تلك الحركة العالمية، مما يحتم ضرورة توظيف نظم التدريس الذكية في تعليم العلوم، وبخاصة الموضوعات الصعبة ذات الطبيعة المجردة والتي يصعب إجراء التجارب المعملية عليها كما في موضوع التفاعلات النووية بما يحقق فهمها فهمًا عميقًا.
قيم المقال الأن
راجع المقال قبل التقييم
راجع المقال قبل التقييم