الخصائص الفنية للرسائل في العصر العباسي
المقدمة:
يعد العصر العباسي من أكثر العصور التي إتسع فيها مجال الفنون الأدبية، وبلغت ذروتها حتى عده الباحثون العصر الذهبي للأدب والنقد، ولما كان هو كذلك فقد أرادت الباحثة أن تكتشف ذلك من خلال أساليبهم في كتاباتهم التي شاعت وانتشرت في ذلك العصر.
سبب اختيار الموضوع:
العصر العباسي مليئ بالفنون، وكثير من الدارسين اهتموا بدراسة الفنون الشعريه، وأهملوا فن النثر ؛ وفن الرسائل
فيه الكثير من الخصائص الفنية؛ لذا أرادت الباحثة تتبعها وتوضيحها.
مشكلة البحث:
تمثلت في إطارين نظري وتطبيقي؛ أما النظري فيتمثل في بيان الخصائص الفنية وتوضيحها، والتطبيقي
تمثل في تتبع ألوان الفنون التي تحلت بها الرسائل.
أهمية البحث:
تكمن أهمية البحث في الآتي:
1. تناوله للرسائل في العصر العباسي.
2. تناوله للخصائص الفنية التي تتحلى
أهداف البحث :
تهدف هذه الدراسة للآتي بها تلك الرسائل.
ا- دراسة الخصائص الفنية للرسائل في العصر العباسي.
ب – توضيح ما بها من سمات فنية جمالية.
منهج البحث:
الوصفي التاريخي التحليلي.
المنهج الوصفي التحليلي التاريخي. وتوصلت إلى نتائج أهمها: نقل الكتاب العباسيين للنثر محاسن الشعر، وعدم
تقيدهم بصيغة خاصة في المقدمات وأوصي بالاهتمام بالفنون النثرية لما فيها من إبداع.
Abstract
This study aimed at highlighting the style of letters during the era of abase state, the study spotlighting letters artistic features and characteristic.
In vocabulan, semantics, citation, quotation, assonance, imagination, brevity and redundancy, the researcher tries to do the best, but he never covers all aspects so other researchers will complete the rest it possible.
تمهيد:
عرف العرب الفنون النثرية قبل نزول القرآن الكريم في قصص العرب وحكمهم وأمثالهم وخطبهم ورسائلهم؛ وجاء القرآن الكريم بأسلوبه الذي تحدى بإعجازه كلام العرب، ثم جاء الحديث النبوي بفصاحة ألفاظه، وبلاغة عباراته؛ ليضيف الجديد الأفضل في بناء الكتابة الفنية.
إثر ذلك تم اختيار هذا الموضوع ليتناول الخصائص الفنية لعينة مختارة من رسائل العصر العباسي وذلك لما عرف عنه بأنه عصر زاخر من عصور الحياة الأدبية، والذي اتسع فيه نطاق النشر الفني باستكمال أدواته.
مفهوم الرسائل
المراسلة أو المكاتبة ؛ تعني مخاطبة الغائب بلسان القلم، أما مفهوم الرسائل في الاصطلاح: فقد جاء فيها الترسل من ترسلت الرسلت ترسلاً، وأنا مرسل، ولا يقال ذلك إلا لمن فعله في الرسائل قد تكرر. ويقال أرسل يرسل مرسالاً، وهو مرسل والاسم الرسالة أو راسل يرسل مراسلة وهو مراسل، وذلك إذا كان هو ومن يراسله قد اشتركا في المراسلة، وأصل الاشتقاق في ذلك أنه كلام يراسل به من بعد أو غاب، فاشتق له اسم الترسل والرسالة من ذلك.
وطريقة المراسلة هي طريقة المخاطبة البليغة، مع مراعاة أحوال الكاتب والمكتوب إليه والنسبة بينهما، وللمراسلة خواص يمكن أن نجملها في الآتي السذاجة الجلاء، الإيجاز، الملاءمة، الطلاوة).
وللرسائل أساليب تفتتح وتختم بها فيجب على الكاتب أن يراعي ذلك في كتاباته، وكذلك فإنها تتنوع، فنجد منها الموجز المختصر والمتوسط المعتدل، والمطنب المستفيض.
مفهوم الرسائل في اللغة
يقال: تراسل القوم أي : أرسل بعضهم إلى بعض رسول أو رسالة.
الرسل: محركة القطيع من كل شيء والجمع أرسال، وبالكسر الرفق والتؤدة كالرسالة والترسل، وأرسلوا كثر رسلهم كرسلوا ترسيلا، وصاروا ذوي رسل، وبالفتح السهل من السير، ويقال ناقة مرسال أي سهلة السير. وجاء في العين الرسل الذي فيه استرسال، وقيل هي تذكر وتؤنث والاسترسال إلى الشيء كالاستئناس والطمأنينة، والترسل والأمر كالتمهل ..
والرسالة قد تعني الكتاب أحياناً، والكتاب هو جملة الأمانات التي خصها الله سبحانه وتعالى في الذكر
الحكيم بقوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) سورة النساء الآية (٥٨)
الخصائص الفنية:
الألفاظ والمعاني، الاقتباس السجع والتوازن التخييل والتصوير الإيجاز والإطناب، الاستشهاد بالقصة، الاستشهاد بالشعر.
الألفاظ والمعاني: –
من عناصر البلاغة اللفظ والمعنى، والتأليف بينهما يمنح الكلام قوة وتأثيرا. فاللغة عبارة عن معان في قوالب من الألفاظ، فقد يرمي الكاتب إلى تصوير أفكاره أو التعبير عما يجول بنفسه من المعاني، وقد يرمي إلى
إظهار وجدانه إزاء ما يفكر فيه، وقد يقصد إلى إظهار موقفه من السامع أو القارئ، وقد تضعف ناحية من
هذه النواحي أو يخفق الكاتب فيها، فالألفاظ هي الأداء لكل هذا، فهي الثياب التي تتجلى فيها المعاني، أو هي الرموز لكل ذلك. (1) ويرى الجاحظ أن اللفظ متى ما كان كريماً في نفسه متخيراً في جنسه، سليماً من الفضول بريئاً من التعقيد، محبب إلى النفوس واتصل بالأذهان والتحم بالعقول وهشت إليه الأسماع، وارتاحت إليه القلوب، وخف على ألسن الرواة وشاع في الآفاق ذكره. (2)
ومن مميزات الأسلوب الرسالي اختيار الألفاظ التي تؤدي إلى المعنى المراد دون لبس أو غموض، ولا بد من العناية بترتيب الألفاظ والعبارات لتكون واضحة الدلالة على المعاني، حتى تتحقق الغاية المنشودة من الرسالة. ومتى ما كان المعنى واضحاً لا غموض فيه صح أن يكون اللفظ كذلك، وذلك ؛ لأن الألفاظ هي بمثابة الجسد للروح لها تأثيرها الخاص بها. ولا بد أن يكون اللفظ على قدر المعنى، بمعنى ألا يكون هناك قصور عن الدلالة على المعنى، ولا يكون هناك حشو أو زيادة تخل به. ويقول الجاحظ في هذا الشأن: “لم أر قط أمثل طريقة في البلاغة من الكتاب، فأنهم قد التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعراً وحشياً ولا ساقطاً سوقياً (1).
ويرى كذلك أن الكتاب لا يقعون إلا على الألفاظ المتخيرة والمعاني المنتخبة. . . . ، والتي إذا صارت في الصدور عمرتها وأصلحتها من الفساد القديم، وفتحت للسان باب البلاغة، ودلت الأقلام على مدافن الألفاظ، وأشارت إلى حسان المعاني. (۲)
إذن لا بد أن يكون هناك توافق بين الألفاظ والمعاني، حتى لا يكون اللفظ كالثوب المستعار، يتعثر فيه المعنى، وتبدو عليه مظاهر يمجها الذوق، وفقدان التوازن ينشأ عنه الإسراف في سرد ألفاظ تعد من غلو القول، فيصبح المعنى حائراً، وقد تضيع معالمه وسط الزحام اللفظي. (۸) وتتسم الرسائل في العصر العباسي بجزالة اللفظ وقوة المعنى، إلا أنها تتمايز فيما بينها تبعاً لاختلاف المواضيع. ومن هنا يأتي دور الكاتب في اختيار الألفاظ والمعاني التي تتناسب وموضوعه الذى يريد، ويرى الخطابي في المعاني التي تحملها الألفاظ : “أن الأمر في معاناتها أشد؛ لأنها نتائج العقول، وولائد الأفهام، وبنات الأفكار”، ويريد بالمعاني هنا المعنى العام في العبارة أو الفكرة، أما الألفاظ فيصفها بأنها كمواد البناء ومتى ما كان البناء أو الناظم أتم حذقاً، كان أوفر أداء للمعنى المراد. (۹) ولا بد للكاتب أن يتخذ لغةً خاصة يجانس فيها اللفظ والمعنى، فيكون رقيقاً في مواضع الرقة، وذلك في مثل مواقف الأشواق والمودات والاستعطاف. وعنيفاً جزلاً في المواقف التي تقتضي الجزالة كمواقف الحروب وما شابهها. (١٠)
وإذا لزم الأسلوب الشدة أو العنف لا بد أن تتحد خاصية الألفاظ والمعاني مع خاصية العنف والتهديد. وفي ذلك يرى بعض الباحثين، أنه ليس أمام الأديب من وسائل التعبير سوى الألفاظ التي يحملها الشاعر أو الناثر، وما يريد أن يحملها إياه من الأفكار أو العواطف، والمقياس الذي يقيس به الأدب كافة شعراً كان أو نثراً ؛ هو قوة التعبير، وكلما فاضت العبارة بمعانيها ومشاعرها وعواطفها التي قصد الأديب أن يسوقها، كان أدنى إلى الأدب الصحيح، ولا بد أن تحمل الألفاظ إلى جانب معانيها محصولاً من العواطف الإنسانية والصور الذهنية. (١١)
فالناظر الموضوعات الرسائل التي تتصل بتأييد الدعوة العباسية، أو بيعة، أو تولية عهد، يجد أنها تتسم بالصرامة في بعض جوانبها من حيث ألفاظها وتراكيبها ليناسب ذلك موضوعها، ومما جاء في ذلك كتاب البيعة التي أخذت للمنتصر، فقد جاء فيها : ” تبايعون عبد الله المنتصر بالله أمير المؤمنين، بيعة طوع واعتقاد، ورضا ورغبة، بإخلاص من سرائركم، وانشراح من صدوركم، وصدق من نياتكم، لا مكرهين ولا مجبرين، بل مقرين عالمين بما في هذه البيعة وتأكيدها، من طاعة الله وتقواه، وإعزاز دين الله وحقه. .. الخ. فقوة هذه الألفاظ تؤكد على إلزام من في ذمتهم بالمبايعة. أما قوة المعاني وضبط الصياغة فتبدو واضحة في كتاب المتوكل بالبيعة لبنيه. وتظهر قوة الألفاظ أيضاً في كتاب العهد الذي كتب به عبدالله بن هارون الرشيد لعلي بن موسى، وذلك في مثل قوله: “وأيم الله إن المسؤول عن خاصة نفسه، الموقوف على عمله فيما بين الله وبينه، المتعرض الأمر كبير، وعلى خطر عظيم، فكيف بالمسئول عن رعاية الأمة”. فالقسم هنا زاد العبارة قوة في ألفاظها ومعانيها. ونلمس قوة الألفاظ مع معانيها أيضاً في العهد الذي كتب به الإمام الطائع إلى الحسين بن موسى، وذلك حينما كان يسدى له النصح في قوله: “آمره بتقوى الله التي هي عماد الدين، وشعار المؤمنين، وأن يعتقدها في سره ونجواه، ويجعلها الذخيرة لأولاه وأخراه، ويتجنب الموانع المونيه، ويتوقى الموارد المريه، ويعض طرفه عن المطامع المغويه”. ففي تجانس الألفاظ مع المعاني يكون النصح هنا أكثر علوقاً بالقلب.
ولما كان المقام مقام نهي، فإنه استعمل لذلك ألفاظاً تليق به وذلك في قوله: “وازدجر عن نواهيه وزواجره”. ونلمس أسلوب اللين في استخدام الألفاظ والمعاني في العهد الذي كتب به المهدي إلى من أراد أن يوليه على أرمينية، فإنه استخدم في هذا العهد ألفاظاً تحمل معاني النصح، وذلك في مثل قوله: “أمره أن يتعاهد نفسه في دينه وطاعته. ونصيحته وحاله .. وألا يأتمر أمراً حتى يستخير الله فيه، ويستعينه عليه”. إذن نستطيع القول بأن الرسائل التي تختص بالعهود والبيعات تمتاز بقوة الألفاظ والمعاني، هذا إلى جانب استخدام أسلوب اللين وخاصة عند إسداء نصح أو إرشاد.
وبما أن ألفاظ الرسائل وعباراتها تختلف حسب المقام، فإن الرسائل التي تختص بتصريف أعمال الدولة وإدارة بعض
شؤونها جاءت عباراتها تحمل الوعيد والتهديد نلمس ذلك في الرسالة التي بعث بها إسماعيل بن صبيح العمال
الدولة إذ يقول : “فويل لك ولكتابك مما كتبت أيديكم، وويل لكم مما تكسبون”.
أيضاً تظهر قوة العبارات، وفخامة التعبير في الرسالة التي أعطى فيها المعتز لعماله الحق في إخضاع المتمردين والتنكيل بالأعداء إذ يقول : ” ولئن شنت الغارات وشب ضرام الحرب ودارت رحاها على قطبها، وحسمت الصوارم أوصال حماتها. وكلحت الحرب عن أنيابها”. ونلمس رقة المعاني مع جمال الألفاظ في رسائل الوصف، إذ تبدو واضحة في الرسالة التي كتب بها عبدالله بن المعتز يصف القلم إذ يقول : “القلم مجهز الجيوش الكلام. . . يخدم الإرادة . . . يسكن واقفاً وينطق سائراً”. وجاءت الألفاظ قوية تحمل في طياتها معاني الوعيد والتذكير بالجزاء لكل من يخالف ويخرج عن الجماعة، وذلك في الرسالة التي بعث بها أبو جعفر المنصور إلى النفس الزكية، إذ يبدؤها بقوله تعالى : ” إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً . . . الخ”. سورة المائدة / الآية (۳۳)
أما الرسائل التي تخص المناسبات الاجتماعية المختلفة، فإن ألفاظها وعباراتها تأتي حسب الغرض، وذلك في مثل التهاني والتعازي والرثاء وغيرها من المناسبات. ففي رسالة التهنئة التي بعث بها ابن العميد إلى عضد الدولة مهنئاً له بقدوم ولدان، ولما كان المقام مقام تهنئة فإنه بدأها بالدعاء لأمير المؤمنين، وذلك باستخدام ألفاظاً تليق وعظمة المناسبة ؛ وذلك في قوله: “دام الله عزه وتأييده، وعلوه وتمهيده، وبسطته وتوطيده. . . الخ”. ونلمس روعة التعبير وفخامة الألفاظ التي تجمع بين معاني العزاء والتهنئة في الرسالة التي بعث بها إبراهيم بن العباس إلى الواثق، وذلك حينما توفى المعتصم إذ يقول : “وقد كان من وفاة أمير المؤمنين المعتصم بالله، ومن مشيئة الله في ولاية أمير المؤمنين الواثق بالله ما عفا على أوله آخره، وتلاقت بدأته عاقبته، فحق الله في الأولى الصبر، و فرضه في الثانية الشكر”.
أما في رسائل العتاب فأحياناً يلجأ الكاتب إلى استخدام لهجه قوية؛ ليلفت انتباه من يخاطبه، ويظهر ذلك في رسالة ابن العميد إلى ابن بلكا في قوله: “فلا عجب أن تنتبه انتباهة تبصر بها قبح ما صنعت”. فقوة العبارة وفخامة اللفظ في قوله : “قبح ما صنعت” تحمل معناً كبيراً للعتاب.
كذلك يظهر قوة الأسلوب وشدته في الرسالة التي بعث بها أحمد بن يوسف ذاماً بها صديقه، ولأن المقام يقتضي ذلك كان لا بد له من استخدام الفاظاً قوية وذلك في قوله: المعروف لديك ضائع، والشكر عندك مهجور . . الخ ”
أما في الرسائل التي تحمل معنى الاستعطاف والتذلل فقد درج فيها كتابها إلى استخدام الألفاظ التي تحمل ذلك المعنى وتكون مدعاة لإمالة القلوب، نلحظ ذلك جلياً في رسالة إبراهيم بن سيابة إلى يحيى البرمكي، وذلك في قوله: “الأصيد الجواد، الواري الزناد، الماجد الأجداد .. الخ”. وكذلك في الرسالة التي بعثت بها السيدة زبيدة إلى المأمون إذ تقول: كل ذنب وإن عظم صغير في جنب عفوك وكل ذلل وإن جل حقير عند صفحك”.
وفي رسائل التهادي نجد أن الكتاب قد تفننوا في اختيار ألفاظهم ومعانيهم، وذلك مثل ما فعلت الجارية التي أهدت التفاح إلى المأمون، فقد أحست بصغر حجم الهدية بيد أنها تخيرت لألفاظها أروع المعاني حتى تعظم الهدية في نظر من أعطيت إليه.
أما في التوقيعات فقد كانت تأتي فيها الألفاظ بقدر المعنى الذي يريد الكاتب أن يوقع فيه. ومجمل القول في اللفظ والمعنى أن لكل أديب طريقته الخاصة في اختيار الألفاظ، وتأليف الكلام، ثم إن عليه بذل جهده وذكائه في إيجاد الصلة التي بين الألفاظ والمعاني التي يستخدمها ويتصد إليها، ومن هنا يبدو أن اللفظ ليس بمعزل عن المعنى، ولا المعنى بمعزل عن اللفظ في تشكيل صورة ما، إذ أن كلاً منهما مكملاً للآخر.
الاقتباس: –
هو تضمين الكلام شيئا من القرآن الكريم أو الحديث الشريف، وذلك بأن يُضمن الكاتب قوله آية أو حديثاً أو معناهما.
والاقتباس يكون في النثر كما يكون في الشعر، ويجوز فيه للناثر أو الشاعر أن يغير تغييراً يسيراً في الأثر المقتبس منه. وللاقتباس شرط لا بد من تحققه وهو : الا يشير الناثر أو الشاعر إلى المصدر الذي اقتبس منه قرآناً كان أو حديثاً، كأن يقول: قال تعالى، أو قال صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يُعد اقتباساً، إذ أن الأساس فيه إحداث عنصر المفاجأة للقاري أو المستمع، حيث يجمع الأديب ما بين المتشابهات.
والاقتباس فيه من فنون علم البديع الذي يعمل على تزيين الألفاظ أو المعاني، ومما لا شك فيه أن ألفاظ القرآن الكريم أو الحديث تضفى على الكلام شيئاً من البهاء والروعة، مع زيادة في الحسن والجمال.
وللقرآن أثر بالغ في تقويم اللسان وتهذيب البيان، لذلك كان العرب قديماً وعلى مر العصور يتمثلون به ويقتبسون
منه (۱۲)
والمتتبع لرسائل العرب يجد أنهم كانوا يزينون رسائلهم بشئ من القرآن الكريم ومعانيه؛ وذلك الجمال أسلوبه وقوة حجته، تيقناً منهم على تأثيره في سامعيهم، وعند ذلك يكون للكلام وقعه الطيب على المتلقي فيقبله بذلك قبولاً حسناً.
وبالرجوع إلى العصور التي سبقت العصر العباسي وبخاصة عصر صدر الإسلام نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ضمن رسائله شيئاً من الاقتباس، ثم جاء الخلفاء الراشدين من بعده وساروا على نهجه. أما في العصر العباسي، وبالوقوف على الرسائل التي تعرضنا لها نجد ميل الكتاب إلى الاقتباس وتزيين رسائلهم ببعض الآيات سواء أكانت صريحة أو بالأخذ من معناها.
ففي رسالة الخميس التي كتب بها أحمد بن يوسف لتأييد الدعوة العباسية نجد أنه قد أكثر فيها من الأخذ من القرآن الكريم وذلك في مثل قوله : ” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إلى قَوْمِهِم …. الخ” سورة الروم – الآية (٤٧)، وقوله : “ادع إلى سبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنة ” سورة النحل – آية (١٢٥)، أخذاً من قوله تعالى “إنما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُم الرجس … الخ ” سورة الأحزاب – الآية (۳۳) أخذاً من قوله : ” وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أولى ببعض في كتاب الله ” سورة الأنفال – آية (٧٥)، أخذاً من قوله: ” أطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ منكم ” سورة النساء – آية (٥٩) أخذاً أيضاً من قوله : ” يُريد الله بكم البشر ولا يُرِيدُ بِكُم العشر “. سورة البقرة
– آية (١٨٥). أما في البيعة التي أخذ بها المتوكل لبنيه نجد أنه قد ضمنها اقتباساً صريحاً من قوله تعالى : ” فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” سورة البقرة – آية (۱۸۱).
أما في العهد الذي كتب به هارون الرشيد لعلي بن موسى فقد ضمنه كثيراً من الآيات وذلك مثل أخذه من قوله تعالى: ” لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ . .. الخ ” سورة فصلت – الآية (٤٢) وأخذه من قوله تعالى : لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ … الخ ” سورة الأنفال – الآية (٤٢) وأخذه من قوله : ” يا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاس بالحق. .. الخ ” سورة ص – الآية (٢٦) وقوله: “فورتك لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ الخ”. سورة الحجر – الآية (۹۲). ويتضح الاقتباس أيضاً والأخذ صراحة من القرآن الكريم في العهد الذي كتب به الأمام الطائع للحسن بن موسى وذلك في مثل أخذه من قوله تعالى : ” وأنذر عشيرتك الأقربين”. سورة الشعراء – آية (٢١٤) “
وأخذه من قوله : ” يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين “سورة التوبة – آية (۱۱۹) أما العهد الذي كتب به المهدي إلى أحد ولاته فقد لجأ فيه أيضاً إلى الاقتباس من القرآن الكريم وذلك مثل قوله : ” فَإِذَا اطْمَأَنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً موقوتاً. ” سورة النساء – آية (۱۰۳)، وكذلك العهد الذي كتب به القاضي الفاضل عن العاضد نجد أنه قد زينه بكثير من الاقتباسات والأخذ من القرآن الكريم وذلك مثل أخذه من قوله تعالى : ” ما تنسح مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِها نأْتِ بخير منها . .. الخ” سورة البقرة – آية (١٠٦)، وأخذه من قوله تعالى : ” وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبْهُمْ وَأَنتَ …. الخ ” سورة الأنفال – آية (۳۳)، وأخذه من قوله تعالى : ” وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ …. الخ ” سورة الأعراف – آية (٥٨)، وأخذه من قوله: ” وَاصْبِرْ عَلى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمور” سورة لقمان – آية (۱۷)، وأخذه من قوله : ” والآخرة خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً “. سورة النساء – آية (۷۷) وفي الرسالة التي بعث بها الخليفة المنصور لعمال الدولة نجد أنه قد ضمنها نصاً صريحاً من القرآن الكريم، وذلك عند أخذه من قوله تعالى : ” إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فساداً “. سورة المائدة . آية (۳۳)
اما الرسائل الاجتماعية فإننا نلحظ فيها قلة استخدامهم للاقتباس، بيد أنها لا تخلو منه، للمس ذلك في رسالة التهادي التي بعثت بها إحدى الجواري للمأمون، فقد ضمنتها نصاً من القرآن الكريم ؛ وذلك أخذاً من قوله تعالى : ” لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَج”. سورة التوبة – آية (۹۱)
والاقتباس نجده قد شاع وأنتشر في توقيعات بني العباس، فإنه لا يخلو توقيع منها، سواء أكان صريحاً أو أخذاً من معنى آية، وذلك في مثل توقيع المنصور رداً على عمه عبد الله بن علي بقوله : ولا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (۳) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حظ عظيم “. سورة فصلت – آية (٣٤-٣٥).
أيضاً نجدهم قد ضمنوا رسائلهم شيئاً من الأحاديث كما ضمنوها شيئاً من القرآن الكريم، يتضح ذلك في العهد الذي كتب به هارون الرشيد لعلي بن موسى متمثلاً في أخذه من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ يقول: ” لو ضاعت سخلة بجانب الفرات، لتخوفت أن يسألني الله عنها”.
هذا فيما يخص تضمين رسائلهم ألفاظاً من القرآن الكريم صراحة، أما تضمينها معناً من معاني القرآن الكريم، فنلمسه في كتاب البيعة للمنتصر وذلك في قوله: “وعليكم عهد الله إن عهده كان مسئولا”، وذلك أخذاً من قوله تعالى : “وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا”. وأيضاً نلمسه في كتاب البيعة التي بايع بها المتوكل بنيه إذ يقول:
والتمسك بعهد الله فيه وكان عهد الله مسئولا”، وذلك أخذاً من قوله تعالى : ” وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مسئولاً “. سورة الإسراء – آية (٣٤)
ويتجلى الاقتباس في كتاب العهد الذي كتب به عبدالله بن هارون الرشيد لعلي بن موسى إذ يقول: “ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة. .. الخ”، وذلك أخذاً من قوله تعالى : ” ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ” سورة النحل – آية (۱۲۵)، وأيضاً في قوله : “طلباً للسلامة والثبات والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين”، وذلك أخذاً من قوله تعالى : ” يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ “. سورة المطففين -آية (1)
ويتضح الاقتباس أيضاً في العهد الذي كتب به المهدي إلى أحد ولاته إذ يقول: ” فإن الله لا يضيع المحسن أجراً”، وذلك أخذاً من قوله تعالى: “والله لا يضيع أجر المحسنين” سورة التوبة – الآية (۱۲۰) . وقوله: “وأستعن بالله
فيما غلبك يعنك الله”، أخذاً من قوله صلى الله عليه وسلم: “وإذا أستعنت فاستعن بالله”. وأيضاً نلمس الاقتباس الذي يحمل معناً ضمنياً فيما كتب به القاضي الفاضل عن العاضد إذ يقول: “حتى تستوفى حظه من أمير المؤمنين بأجر لا يضيع الله به عمله”، ذلك أخذاً من قوله تعالى : “إن الله لا يضيع أجر عامل. .
. الخ”. سورة آل عمران – آية (١٩٥) وقوله : وصفوة ما تلقى آدم من ربه من الكلمات”، أخذاً من قوله تعالى:
“إذ تلقى آدم من ربه كلمات. سورة البقرة – آية (۳۷).
فالناظر الرسائل العصر العباسي يجد أن الاقتباس من معاني القرآن الكريم شائعاً، يتجلى ذلك في رسائل العهد بالخلافة، وذلك في مثل قوله: “وأوزعهم ما أمرهم به من طاعته، وذلك أخذاً من قوله تعالى : ” رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ ” سورة الأحقاف – آية (١٥). وقوله: “أودع بركات السماء والأرض بمودعها ومستقرها”. أخذاً من قوله تعالى : ” الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعْ “. سورة الانعام – آية (۹۸)
وأيضاً نلمسه في مثل قوله: “لولا أن عصمة الموالاة تثبت فؤاده الخافق”، أخذاً من قوله تعالى: ” وَكُلاً نقص عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ” سورة هود – آية (۱۲۰) . وقوله: “وينقلب دونه البصر خاسئاً وهو حسير” أخذاً من قوله تعالى: “ثم أرجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير” سورة الملك – آية (٤)، وقوله: “بأن مملوك الخدمة وابن مملوكها أخذ الكتاب بقوة”، وذلك أخذاً من قوله تعالى: “يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً سورة مريم آية (۱۲) وقوله : “تلقاه تلقي ابيه الأول الكلمات”، أخذاً من قوله : “وإذا ابتلى أبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال أني جاعلك للناس أماماً، قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين”، سورة البقرة – آية (١٢٤) وقوله : وسمع المشافهة خاشعاً متصدعاً والله سبحانه وتعالى يقول: “لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله”. سورة الحشر – آية (۲۱) وكذلك شاع الاقتباس من معاني القرآن وكثر في الرسالة التي كتب بها اسماعيل بن صبيح لعمال الدولة، نلمس ذلك في مثل قوله: “فهو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة” أخذاً من قوله تعالى: “امن هو قانت آناء الليل .. الخ “. وقوله: “فهو ينفق ماله بالليل والنهار . .. الخ” سورة الزمر – آية (٩)، والله عز وجل يقول: “الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم … الخ. سورة البقرة – آية (٢٧٤) وقوله : “ابتغاء مرضاة الله. الخ”، أخذاً من قوله تعالى: “ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله. . . الخ” سورة البقرة – آية (٢٦٥) .
وقوله: “ورعاية ما التمنوا عليه من دينهم “” مأخوذاً من قوله تعالى: “والذين هم الأمنتهم وعهدهم راعون”. سورة المعارج – آية (۳۲) وقوله: “أن يصلوا مع الله وملائكته على رسوله”. والله تعالى يقول:
” إن الله وملائكته يصلون على النبي يآية الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”. سورة الاحزاب – آية (٥٦)،
وقوله: “وأن يلعنوا مع الله من لعن من أعدائه”، أخذاً من قوله تعالى : “أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون” سورة البقرة – آية (١٥٩).
وقوله: “وهم يعرضونك على الله في أدبار السجود أخذاً من قوله تعالى: “ومن الليل فسبحه وإدبار السجود”. سورة ق – آية (٤٠)، وقوله: “إن يصبك بعذاب من عنده أو بأيديهم”، أخذاً من قوله تعالى: “ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا”. سورة التوبة (٥٢). وقوله: فويل لك ولكتابك مما كتبت أيديكم وويل لكم مما تكسبون”، أخذاً من قوله تعالى : فويل لهم مما كتبت أيديهم، وويل لهم مما يكسبون”. سورة البقرة – آية (۷۹)، وقوله: “لا يستخفه الذين لا يوقنون”، أخذاً من قوله تعالى: “ولا يستخفنك الذين لا يوقنون”، سورة الروم – آية (٦٠)
أيضاً نلمس الاقتباس من معاني القرآن الكريم في رسالة عمرو بن مسعده لصديق له إذ يقول: “ثم عرض الجزيل الأجر من استسلم لواقع قضائه، وعوض جليل الذخر من صبر على نازلة بلاته”، أخذاً من قوله تعالى: “وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون”، سورة البقرة – آية (۷۹) ويبدو الاقتباس من معاني القرآن شائعاً في الرسائل العباسية فهذا هو كتاب الأمان الذي كتب به أبو جعفر المنصور، يتضح فيه أخذه من معاني القرآن الكريم حيث يقول: وبها قامت السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها والله سبحانه وتعالى يقول: “إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال. .. الخ”سورة الاحزاب – آية (۷۲)
كذلك تجد الأخذ من معاني القرآن الكريم في مثل ما وقعه المأمون إلى ابن رافع بقوله: “يا أبا رافع إني رافعك إلي ومظهرك من الذين كفروا” أخذاً من قوله تعالى : “إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك، ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا”. سورة آل عمران – آية (٥٥) أيضاً شاع الاقتباس في المكاتبات الاجتماعية، وذلك في مثل الرسالة التي بعث بها جبل بن يزيد لأحد الخلفاء معزياً، إذ نجده يقول : “وكان يجري من تقدير الله في ذلك على حتم من العمر، وقسم من الرزق، ومدة لها وقت وتأجيل” أخذاً من قوله تعالى: “لكل أجل كتاب، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون”. سورة الاعراف – آية (٣٤). ونجده أيضاً في قول ابن المقفع في الرسالة التي بعث بها مهنئاً لصديقه إذ يقول: “وجعلها لكم زينا، وأجرى لكم بها خيرا” وذلك إخذاً من قوله تعالى: “المال والبنون زينة الحياة الدنيا. .. الخ”. سورة الكهف – آية (٤٦)
فالناظر الرسائل بني العباس الرسمية وغير الرسمية يجد أنها حافلة بضروب الاقتباس، سواء أكان صريحاً من القرآن الكريم أو بأخذ معنى من معانيه.
وكما يكون الاقتباس من القرآن الكريم والحديث الشريف، فإن براعة الكتاب في صدر الدولة العباسية لم تنسهم أن يزينوا رسائلهم بشئ من الأقوال والأمثال، فمن ذلك ما كتبه أحمد بن إسرائيل في رسالته إذ يقول: “ودعيت نزال” وذلك مثل يضرب لاحتدام الحرب، وقوله قد أعذر من أنذر” والذي صار مثلاً يُضرب لمن يعرض عن التوجيه والإنذار .
كما نجدهم قد درجوا على الأخذ والتضمين من أقوال الشعراء، ويتضح ذلك في الرسالة التي بعثت بها إحدى الجواري للمأمون إذ تقول: “هنيئاً مريئاً غير داء مخامر وذلك أخذاً من قول الشاعر كثير عزة ١٣ :
هنيئاً مريئاً غير داء مخامر
العزة من أعراضنا ما استحلت
وكذلك يتضح في رسالة الشوق التي بعث بها ابن العميد الصديق له يقول: “فإن كان كذلك وإلا غطى هواك وما ألقى على بصري أخذاً من قول الشاعر عمر بن أبي ربيعة :
قالت وأبنتها سري وبحث به قد كنت عندي تحت الستر فاستير
الست تُبصر من حولي فقلتُ لها غطى هواك وما ألقى على بصري
لذلك ترى أن الرسائل التي درج كتابها على توشيتها بالاقتباس، والتي تضمنت شيئاً من القرآن والحديث والأمثال
والأقوال، في الألفاظ المعتمدة أو المعاني المستمدة، قد جعلت تلك الرسائل على قدر عال من البهاء والجمال وأن خلو الرسائل من تلك الاقتباسات قد ينقص من قدرها، مهما بلغت من البلاغة وقوة الحجة.
السجع والتوازن: –
السجع حلية لفظية ولون من ألوان الأداء يزيد به الكلام جمالاً وحسناً، ويضفى إليه رونقاً وطلاوة، وهو كما عرفه البلاغيون: “تواطؤ الفاصلتين من النثر على حرف واحد، وهو معنى كقول السكاكي: هو في النثر كالقافية في الشعر ١٤.
وجاء في تعريفه أيضاً هو: اتحاد الفواصل وزناً وروياً على نسق القافية، مأخوذاً من سجع الناقة إذا أطربت في حنينها، أو الحمامة إذا رجعت في هديلها، وتسمى بذلك التماثل فواصله أو رويها، فأشبه بذلك الترجيع، يقول ابن الدمينة:
أن سجعت ورقاء في رونق الضحى
على فتن غض البنان من الرند
بكيت كما يبكى الوليد، ولم تكن جليداً
وأبديت الذي لم تكن تبدى
والسجع هو أحد الجوانب المهمة في التصنيع وزخرف الأساليب، أخذ في الظهور منذ بدايات القرن الثاني الهجري في مكاتبات بني العباس، ثم اتسع استخدامه في القرن الثالث الهجري، ويكون مقبولاً إذا جاء في الكلام من غيرقصد أو افتعال وإلا كان فيه التكلف والصنعة، وناقش العسكري مسألة السجع وبين أن السجع “لم يكن في جميع صنوف الكلام أحسن منه، إذا سلم من التكلف وبرئ من العيوب “١٦ ومن أوصاف البلاغة أن يكون السجع في موضعه، وعند سماحة القريحة به، وأن يكون في بعض الكلام لا في جميعه، فالسجع في الكلام كمثل القافية في الشعر، وإن كانت القافية غير مستغنى عنها فالسجع مستغنى عنه.
والسجع كان سراً من أسرار البلاغة في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: “واتخذوا من دون الله الهة ليكونوا لهم عزاء كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونوا عليهم ضداً، ألم تر إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا، فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عداً”. بيد أنه ولما جاء الإسلام في أول أمره كان مكروهاً وذلك؛ لقرب ذلك العهد من الجاهلية، وقد زال التحريم بزوال العلة، وأيضاً نجده قد شاع في الحديث الشريف كقوله صلى الله عليه وسلم:
“أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام “۱۸
ونجد أن السجع أصبح شرطاً من شروط الترسل، وهو من ثمار التأنق لما يقتضيه من العناية في إتقانه، فالرسالة المسجوعة يظهر التأنق فيها أكثر من غيرها، والسجع إذا أتقنت صياغته أكسب المعنى قوة، وقد أتقنه الكتاب في هذا العصر، إلا أن بعضهم قد كلفوا به من غير مقدرة فجاء بارداً
ففي رسالة ابن العميد التي بعث بها إلى عضد الدولة مهنئاً نجد أن السجع قد شاع فيها وذلك في مثل قوله: “أطال الله بقاء الأمير الأجل عضد الدولة دام عزه وتأييده، وعلوه وتمهيده ويستطه وتوطيده، وظاهر له من كل خير مزيده، وهناه ما احتظاه به علی قرب البلاد من توافر الأعداد وتكثر الأمداد، وتشمر الأولاد. الخ”. فقد ظل السجع واستمر على ذلك الحال شائعاً في الرسائل العباسية. ويتتبع السجع، وبالرغم من وجوده في جميع أنواع الرسائل في ذلك العصر، إلا أنه لم يكن ملتزماً لذاته، ويتضح ذلك في رسالة الأمان التي بعث بها المنصور المحمد بن عبد الله، فإن السجع فيها لم يكن ملتزماً وإنما يأتي به ثم يتركه ويعود إليه مرة ثانية، وذلك في قوله: “أن أؤمنك وجميع ولدك وأخوتك، وأهل بيتك ومن أتبعك، على دمائكم وأموالكم، وأسوغك ما أصبت من دم أو مال وأعطيك ألف ألف درهم، وما سألت من الحوائج، وأنزلك من البلاد حيث شئت، وأن أطلق من في حبسي من أهل بيتك، وأن أؤمن كل من جاءك وبايعك وأتبعك، الخ”.
والسجع والتوازن متلازمين وذلك ؛ لأن السجع يعني توافق الفاصلتين أو أكثر في القافية، ومن هنا يكون للكلام وقعه الجميل، وللألفاظ المسجوعة ترنيمات وتوازنات موسيقية مؤثرة، وكلما كانت الجمل قصيرة والألفاظ قد تحقق فيها السجع والتوازن حصلت الاستجابة، وبذلك يكون السجع ومعه التوازن أقرب إلى الشعر من حيث الوزن والقافية، والسجع والتوازن والازدواج كلها أساليب فنية تعمل على تزيين الكلام بالقدر الذي يسمح به الطبع وتوحي إليه الفطرة. ٢٠
ونلاحظ في الرسائل العباسية أن معظم الكتاب لا يتكلفون السجع في رسائلهم، وإنما يأتي عفو الخاطر، بيد أن هنالك بعض الكتاب الذين التزموه في جميع رسائلهم حتى الرسائل المطولة. وبالرجوع إلى رسائل البيعات نجده في رسالة البيعة التي كتب بها المتوكل لبنيه إذ يقول: “في أصالة من رأيه، وعموم من عافية بدنه، واجتماع من فهمه، مختاراً لما شهد به متوخياً بذلك طاعة ربه . …. الخ”.
وقوله أيضاً: وسلامة رعيته واستقامتها، وانقياد طاعتها، واتساع كلمتها، وصلاح ذات بينها. أيضاً تجده قد شاع في رسائل العهود، وذلك في مثل العهد الذي كتب به عبد الكريم الإمام الطائع للحسين بن موسى إذ يقول : “وأمره بتقوى الله التي هي عماد الدين، وشعار المؤمنين، وأن يعتقدها في سره ونجواه، ويجعلها الذخيرة لأولاه وأخراه، ويتجنب الموانع المونية، ويتوقى الموارد المريه،ويغض طرفه عن المطامع المغوية، ويذهب بنفسه عن المطارح المخزية. .. الخ”
ويجي السجع أكثر شيوعاً في الرسائل الإخوانية أكثر منه في رسائل العهد والبيعات، ومن ذلك قول ابن العميد في الرسالة التي بعث بها لعضد الدولة مهنئا إذ يقول : ” : “أطال الله بقاء الأمير الأجل عضد الدولة، دام عزه و تأييده، وعلوه وتمهيده، وبسطته وتوطيده، وظاهر له من كل خير مزيده، وهناه ما احتظاه به علی قرب البلاد، من توافر الأعداد وتكثر الأمداد، وتشمر الأولاد . .. الخ”.
فنجد أنه في هذه الرسالة قد التزم السجع التزاماً. وأيضاً نجد أحمد بن يوسف قد ملأ رسالته التي بعثها لصديق له معتذراً سجعاً إذ يقول: “لي ذنوب إن عددتها جلت، وإن ضممتها إلى فضلك حسنت، وقد راجعت إنابتي، وسلكت طريق استقامتي، وعلمت أن توبتي في حجتي، وإقراري أبلغ في معذرتي .. الخ. وأيضاً نجده شائعاً في الرسالة التي بعث بها ابن العميد لصديق له يشكو فيها الزمان إذ يقول : “إنما أشكو إليك – جعلني الله فداك دهراً خوناً غروراً، وزماناً خدوعاً غروراً، لا يمنح ما منح إلا ريثما نزع، ولا يبقي فيما يهب إلا ريثما يرتجع، يبدو خيره لمعاً ثم ينقطع، ويلو ماؤه جرعاً ثم يمتنع . .الخ.
فالجمل والكلمات المسجوعة في تلك الرسائل، بالإضافة إلى السجع نجدها قد حوت بعضاً من ألوان البديع الأخرى من مثل الطباق والمقابلة بين اللفظة وضدها، ويتضح ذلك في رسالة التهادي التي بعث بها ليحيى البرمكي إذ يقول فيها: “قعدت بي القدرة عن مساواة أهل النعمة، وقصرت بي الجدة عن مباهات أهل المكنة”
وفي قوله: المفتتح بيمنه المختتم بطيبة . ويبدو أيضا في الرسالة التي بعث بها إبراهيم بن سيابة إلى يحيى البرمكي مستعطفاً إياه إذ يقول فيها: “بما لا أقوم له ولا أقعد”. فلست بحى صحيح ولا ميت مستريح”. بذا تكون قد تضافرت الألوان البديعية مع بعضها البعض وبقية المحسنات البديعية الأخرى لتكتمل للرسائل مقومات الفصاحة والبيان ذلك الذي رأيناه في الرسائل التي تخص البيعات والعهود، بيد أن هنالك بعض الباحثين يرون أن السجع ليس جميلاً ومقبولاً، وأنما هو من باب الصنعة والتكلف وفي ذلك يقول عبد الحكيم بلبع والحقيقة أن كل كلام جاءت كل فاصلتين أو أكثر منه متحدثين في قافية واحدة يسمى سجعاً سواء أتبع فيه اللفظ المعنى أو العكس، إلا أنه في الأولى سجع جميل مقبول، وفي الثانية متكلف وهو في الحالتين سجع “” وبالوقوف على بعض النماذج المسجوعة وجدنا أن السجع شائعاً وإن قل في الرسائل التي تخص العهود والبيعات بينما يندر في الرسائل التي تخص الأمان، وقد وجد السجع مجالاً واسعاً في الرسائل الإخوانية والاجتماعية، وغالباً ما كان يقع السجع في قصار الرسائل، وذلك في مثل قول أحمد بن يوسف في الرسالة التي بعث بها إلى المأمون يشكو تأخر الأرزاق إذ يقول: “كتابي إلى أمير المؤمنين، ومن قبلي من قواده، وسائر أجناده، في الانقياد والطاعة، على أحسن ما تكون عليه طاعة جند تأخرت أرزاقهم، وانقياد كفاة تراخت أعطياتهم، واختلت لذلك أحوالهم، والتاثت معه أمورهم”. ومنها أيضاً في رسائل التهاني والتعازي والتهادي وغيرها، ومن ذلك قول ابن المقفع الصديق له يهنئه بمولود إذ يقول: “بارك الله لكم في الابنة المستفادة، جعلها الله لكم زيناً، وأجرى لكم بها خيراً، فلا تكرهها، فأنهن الأمهات والأخوات والعمات والخالات ومنهن الباقيات الصالحات”.
ومنها أيضاً ما كتبها الحسن بن وهب في التعزية إذ يقول: “جبلك الله على التسليم لأمره، والرضا بقضائه، وصبرك على مواقع أقداره، واحتمال الحقوق لنعمته، إن الله عز وجل جعل النعم سبيلاً للشكر، والمحن سيبل ابتلاء الصبر، والصبر عند المحنة. .. الخ ” ومنها أيضاً الرسالة التي كتبها عبد الله بن المعتز معزياً إذ يقول: “عارية سرك الله بمدتها، وآثرك بثوابها، وأثابك عن ارتجاعها، فأبشر بعاجل من صنعه، وأجل من جزائه ومثوبته، عظم الله أجركوجعل الثواب عوضك. .. الخ “
ومنها ما كتبه أحد الكتاب في التهادي إذ يقول : “لو تمت الإرادة، لأسعفت العادة، ولو ساعدت القدرة على بلوغ النعمة، لتقدمت السابقين إلى خدمتك، وأتبعت المجتهدين في كرامتك.
ومن مثل ما وقع في رسائل الاستجداء قول أحمد بن يوسف في الرسالة التي بعث بها إلى المأمون إذ يقول: “داعي نداك، ومنادي جدواك، جمعا ببابك الوفود، يرجون نائلك المعهود، فمنهم من يمت بحرمة، ومنهم من يدلى بخدمة.
ونجد أن تلك الأقوال والتي تحقق بها السجع جاءت مناسبة للموقف والمعاني المستهدفة، وقد أهتم أصحابها بالوقع والرنين سواء عن طريق السجع، أو الازدواج والتوازن، وقد أتسمت بتقسيم العبارة إلى جمل متوازنة في القدر والطول دون صنعة.
ومن المعيب أن يلتزم الكاتب السجع في جميع رسائله وذلك ؛ لأن السجع لا يكون في كل موضع من الكلام على حد الإيجاز والاختصار، وإذا بني الكلام جميعه على السجع ظهر عليه التكلف. ومن الأسجاع ما هو حسن مقبول، ولكنه قد ينبه المستمع إليه أن قائله قد تعمد تجويده وتكلفه، وذلك مثل ما فعل الوزير الخاقاني في توقيعه على كتب العمال بقوله: الزم وفقك الله المنهاج، وأحذر عواقب الاعوجاج،
وأحمل ما أمكن من الدجاج إن شاء الله ، وحينها حمل العامل دجاجاً كثيراً على سبيل الهدية فقال: هذا دجاج وفرته بركة السجع. ” فتكلفه في السجع أضطره إلى استخدام كلمة “الدجاج”. ومن محاسن السجع والتوازن في الفقرات يتضح في الرسائل التي تقوم على المحاورات، وهي لون جميل من ألوان الكلام المنثور الذي يعتمد أحياناً على السجع .
ومن ذلك ما دار من حوار بين الرشيد وام جعفر زوج يحيى البرمكي في الاستعطاف وكان على النحو التالي: – “أحتجب الرشيد في دار اليانوقة اخته فطلبت ام جعفر الأذن بالدخول عليه فلم يأذن لها، فلما طال ذلك بها خرجت كاشفة وجهها، واضعة لثامها، مختفية في مشيتها، حتى صارت بباب الرشيد فدخل عبد الملك بن الفضل الحاجب، فقال: ظهر أمير المؤمنين بالباب في حالة تقلب ثمانة الحاسد إلى حنين الوالد، وشفقة أمه الواحد، فقال له الرشيد: ويحك يا ابن الفضل، أو ساعية فقال: نعم، أصلح الله أمير المؤمنين، وحافية، فقال: أدخلها يا عبد الملك قرب كبد كريم غزتها، وكربة كشفتها، وفرجة فرجتها، وعورة سترتها، فلما دخلت عليه وجلست قالت: يا أمير المؤمنين أبعدو علينا الزمان، ويجفونا خوفاً لك الأعوان، ويحردك بنا البهتان، ويوسوس لك بإيذائنا الشيطان،
التخييل والتصوير : –
تتميز الرسائل بمشابتها للشعر، وذلك في إبراز الأفكار وتوضيحها في قوالب من التخييل والتصوير، والإلمام بعلوم البلاغة من بيان ومعاني وبديع، ومقدرة الكاتب في إيصال أفكاره إلى الآخرين في أسلوب لا يخلو من العاطفة والخيال ؛ ليبرز قوة معانيه وألفاظه.
والتخييل هو تلخيص المعاني في الذهن وإبرازها في صفات الكمال، فكلما كان الإنسان أقوى ملكة وأبعد آفاقاً كانت أخيلته أرفع وأوسع.
ويعد التصوير الفني من المكونات المهمة للعمل الأدبي إذ أنه يشكل العنصر الجمالي فيه؛ ليؤثر على المتلقي، والفن والقدرة يظهران التجاوب مع الأدوات الجمالية بين الأديب والمتلقي من حيث العرض والقبول والإحساس بالأثر والفائدة معا. ٢٨
والخيال الفنى ليس مجرد الجمع للأجزاء والعناصر، بل هو اختيار وتنسيق وتصرف بالزيادة، أو الحذف، ويبدو ذلك أكثر وضوحاً في وصف مظاهر الطبيعة، والأسلوب الخيالي هو الذي يحاول فيه الكاتب أن يصف كل
شی كما أن للخيال قوة لا تسير الحياة العقلية بدونها، وله في الفن عامة وفي الأدب خاصة قيمة كبيرة، تكمن تلك القيمة في تصوير الكاتب للأثر الذي يحس به، والعمل على إيصاله لذهن القارئ والسامع. ** وللخيال أيضاً أثر في الإبداع وجمال التصوير، وأن الكاتب الذي يتخذ من الخيال وسيلة لتحلية أدبه وتقويته،
يستطيع أن ينتقل بالقارئ في أودية من المعاني وألوان من طرائق الحياة. ٣٠ وللخيال أيضاً دوره في العمل الأدبي، إذ أنه يبرز المعاني في صورة قريبه من الواقع المحس، ويعين على تذوقها، والوقوف على أسرار جمالها، ويلجأ الكاتب إلى تحقيقه عن طريق استخدام الأساليب البلاغية. ٣١
أما التصوير فإنه يعمل على بناء التشكيل اللغوي للصورة، وذلك من خلال محاورة مفردات عدة، تقوم بينها علاقات على نحو ما، يتحدد من خلالها المعنى الجزئي، كما يقوم بينه وبين المضمون الكلي ارتباط وعلاقات. ” ولعلم البيان أثر واضح في تأدية المعاني بالصور المختلفة، فالأساليب البلاغية من مجاز وتشبيه وأستعارة وكناية تعمل مجتمعه على رفع المعاني والسمو بها إلى عالم الخيال، فالكاتب الحصيف هو الذي يتبع الأسلوب التصويري في التعبير عن أفكاره ومعانيه.
والرسائل العباسية تذخر بالعديد من الصور التي يرسمها الخيال من مشاهد البيئة الجديدة، لذا أصبحت الرسائل في العصر العباسي حافلة بالصور البيانية والمحسنات اللفظية والمعنوية وكل الأساليب البلاغية التي يلعب فيها الخيال دوره ثم يجيء دور الكاتب ومقدرته على استخدام تلك الوسائل البلاغية في تصويره الفني. فمن التشبيهات التي أسهمت في تشكيل الصورة الفنية للرسائل العباسية قول القاضي الفاضل في رسالة العهد التي كتب بها عن العاضد، فقد شبه الناصر صلاح الدين بالأسد في قوته وذلك في قوله: “أسد الدين”. وفيه قد صرح بلفظ المشبه به على سبيل الاستعارة التصريحية. وأيضاً نجده يشبه الدولة بالفلك الذي تتعاقب عليه الأقمار
وذلك في قوله : وجاعل دولة أمير المؤمنين فلكاً تتعاقب فيه أحوال الأقمار”. وأيضاً تبدو روعة التشبيه في جعل دولة أمير المؤمنين روضة يانعة الفروع باسقة الثمار، وذلك بفضل رشده، والروضة متى ما وجدت الاهتمام والعناية أينعت وتفتحت أزهارها، كذلك الدولة والسيادة الرشيدة، “إذا هوت فيها الدوحات أينعت الفروع سابقة النوار باسقة الثمار”. وأيضاً فيها يشبه دولة أمير المؤمنين بعرين الأسد وذلك في قوله: “وجعل مملكته عريناً. . . الخ”. وشبه بياض وجه أمير المؤمنين وحسنه ببياض الفجر، وجعل الأنوار التي تنبعث عند الصباح كأنها من وجهه وذلك في قوله: “وأطلع أنوار وجهه الفجر الذي جعل من ظن غير نوره مطلعه”.
وفيها يشبه بياض أجفانه باللجين إذ يقول: “حيث تتقي الأبصار لجين الأجفان” وتبدو روعة التشبيه في رسالة العهد والولاة للخلافة في قول الكاتب وتشبيهه لقوة أمير المؤمنين في الأرض بقوة الله سبحانه وتعالى في السموات العلى وذلك في قوله: “وجعل الله ما هو قبضته في الأخرى قبضة أمير المؤمنين في الأولى، من الأرض التي هي موطوءة كالسموات العلى”. وفي رسالة أحمد بن يوسف التي يعد وينذر فيها عمال الدولة، يبدو التشبيه في قوله : “حسمت الصوارم أوصال حماتها”، إذ يشبه الصوارم بالإنسان، ويتضح التشبيه أيضاً في رسالة ابن المعتز التي يصف فيها الكتاب والقلم وذلك في تشبيهه للقلم وهو يكتب على صفحة بيضاء كأنه يقبل بساط السلطان إذ يقول: “وكأنه يقبل بساط سلطان، أو يفتح نوار بستان”.
وتبدو روعة التشبيه وجماله في وصف الجارية للتفاح الذي أهدت به إلى المأمون، فقد جمعت فيها العديد من التشبيهات ليكتمل بذلك وصفها إذ تقول: “اجتمع فيه الصفرة الدرية، والحمرة الخمرية، والشقرة الذهبية، وبياض الفضة ولون التبر”.
والتشبيه أيضاً يظهر في رسالة الشوق التي بعث بها ابن العميد لصديق له إذ يقول فيها: “أنت جزء من نفسي”، وأيضاً التشبيه نلمسه في قول ابن العميد: “فيما بشر عبده من طلوع بدرين”، مشبها التوأمين بالبدر.
وفي رسالة الشكوى التي كتب بها ابن العميد تجده يشبه الدهر بالإنسان في غدره وخيانته، وأعطائه ونزعه إذ يقول : “دهراً خيوناً غدوراً، لا يمنح ما منح إلا ريثما نزع، ولا يبقى فيما يهب إلا ريثما يرتجع”.
وتلعب الاستعارة دوراً بارزاً في تشكيل الصورة الفنية لأسلوب الرسائل العباسية، فالكاتب قد يستعين بأداة أدق تعبيراً وأجمل تصويراً هي الاستعارة، وبذلك تكون أعظم شأناً في التشكيل الجمالي للصورة الفنية، وقد تحدث علماء البلاغة كثيراً عن أثرها في الصورة الجمالية وذلك مثل قول أحدهم: “الاستعارة أفضل المجاز عندهم، وأول أبواب البديع، وليس في حلي الشعر أعجب منها، وهى من محاسن الكلام إذا وقعت موقعها ونزلت موضعها “٣٣ ۳۳۱۱
وبالرجوع إلى الرسائل والاستعانة بالاستعارة فيها كأداة تصويرية نجد قول القاضي الفاضل: “وأحل لك صهواتها” إذ أنه جعل تقليد الوزارة كصهوة حصان.
وتبدو الاستعارة التصريحية في تشبيه العزائم بالحبال المعقودة في قوله: “وأعقد حبى العزمات”. أيضاً تبدو في رسالة العهد الذي كتب به عبد الله بن هارون الرشيد لعلي بن موسى، وذلك بتشبيه الخلافة بشيء يذاق طعمه ويثقل حمله وذلك بحذف المشبه به في كل: فاختبر بشاعة مذاقتها، وثقل محملها”. والاستعارة المكنية تبدو في وصف الكتاب والقلم لابن المعتز إذ يشبه القلم بالإنسان ويحذفه ويرمز إليه بشيء من لوازمه إذ يقول : “والقلم مجهز الجيوش الكلام، يخدم الإرادة، الخ. وفي قوله: “كأنه يقبل بساط سلطان”. وأيضاً تتجلى روعة الاستعارة في رسالة التهادي إذ تقول: “وخفت أن يرميها الدهر بسهمه” إذ أنه حذف المشبه به وهو الإنسان ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الرمي على سبيل الاستعارة المكنية. والكناية لها ما للتشبيه والاستعارة، وذلك بأنها لون من ألوان البلاغة ومظهر من مظاهر علم البيان. وفي شأنها يقول القزويني: “المقصود بالبيان التشبيه والمجاز والكناية، وقدم التشبيه على المجاز وذلك لابتناء الاستعارة التي هي مجاز على التشبيه، وقدم المجاز على الكناية لنزول معناه من معناه منزلة الجزء من الكل”. ٣٤ ويتتبعنا للرسائل العباسية نجد أن الكناية شاع استخدامها فيها وذلك في قول الكاتب في رسالة العهد للخلافة إذ يقول: “ولا غرو للسحاب أن يصافح قطره الثرى، والفجر أن يشرق نوره على عين الكرى” فتلك كناية عن تواضع الممدوح. وتتضح الكناية في الرسالة التي كتب بها أحمد بن إسرائيل إذ يقول: “كلحت الحرب عن أنيابها، وألقت للتجرد قناعها واختلفت أعناق الخيل”، فكل ذلك كناية عن احتدام المعركة واشتدادها. وكذلك في قوله: “حسمت الصوارم أوصال حماتها” كناية عن شدة الضرب في المعركة. والكناية تبدو في قول الكاتب : “كأنه يقبل بساط “سلطان” فهي كناية عن عادة تقبيل الأرض التي كانت شائعة في تلك الأزمان. أيضاً نلمس الكناية في قول ابن المعتز : والقلم ينطق على أرض بياضها مظلم، وسوادها مضيء”. أي: كناية عن جاهزية القلم ؛ لإبداء الرأي في أي زمان ومكان.
وتبدو روعة الكناية في قول ابن سيابة يستعطف خالد البرمكي بقوله: “الواري الزناد” فهو كناية عن مضاء العزيمة.
والكناية في قول أحمد بن إسرائيل: “وعين نزال ” كناية عن احتدام الحرب.
وتتضح أيضاً في قول ابن العميد غطى هواك على بصري” كناية عن شدة الحب. وللبديع دور فاعل في تشكيل الصورة الفنية، ومقدرته في معرفة الوجود والمزايا التي بواسطتها يكتسب الكلام جمالاً، وهو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد مطابقته المقتضى الحال ووضوح الدلالة “٣٥ لذلك نجد أن علم البديع يعمل على تحسين الكلام، وإذا تتبعنا الرسائل العباسية، نجد أن المحسنات كثيرة، فمن الطباق ما نجده في كتاب البيعة التي أخذت للمنتصر في قوله: “من خاص وعام وأبعد وأقرب”. وفي قول أبي جعفر المنصور يبايع المهدي: “لينه وحزمه” – “عاجله وآجله”. ويتضح الطباق أيضاً في قول عبد الله بن هارون في كتاب العهد الذي كتب به لعلي بن موسى: “أحل وحرم” – “وعد وأوعد”. “امر ونهى”. ونلمسه أيضاً في قول القاضي الفاضل في رسالة العهد التي كتب بها عن العاضد إذ يقول: “بسطاً وقبضاً” – ” وأرفع ناظرك فقد أباح لك رفعاً وخفضاً” – ” والتصريف على أمرك ونهيك”. أيضاً يبدو في رسالة التعزية التي كتب بها جبل بن يزيد إذ يقول : “به يصلح الله دينهم، ولا يصلح به دنياهم”. أما الطباق الذي يجلل الرسالة في معظمها فنلمسه في قول ابن العميد في الرسالة التي بعث بها لابن بلكا، وذلك في قوله:
طمع ويأس”، “وإقبال وإعراض” و “ميل إليك وميل عنك” و “أقدم وأخر” و “وأبسط وأثنى” و “يعزب ويؤوب” و ” ويذهب ويعود” و “ويفسد ويصلح” و “ويسكر ويصحو ” و يكدر ويصفو” و “ضيقة ورخاء” و “غمرة وانجلاء”.
ونلمسه أيضاً في قول الكاتب: “المفتتح بيمنه، المختتم بطيبه”.
أما المقابلة فقد لعبت كذلك دوراً في تشكيل الصورة الفنية، فنجدها في كتاب البيعة لأبي جعفر المنصور في قوله: الطاعة له والسمع منه”، وفي قول القاضي الفاضل في رسالة العهد التي كتب بها عن العاضد إذ يقول “أمات
به غياً، وأحيا به رشداً ، وقوله وأجعل الضعيف منهم في الحق قوياً، والقوي في الباطل ضعيفاً”.
وتتمثل المقابلة في قول ابن المعتز واصفاً القلم إذ يقول على أرض بياضها مظلم، وسوادها مضيء”، وتتمثل أيضاً في رسالة التهادي التي بعثت إلى المأمون وذلك في قوله : “قعدت بي القدرة عن مساواة أهل النعمة، وقصرت بي الجدة عن مباهاة أهل المكنة”، وتتضح أيضاً في قول ابن العميد “يبدو خيره لمعاً ثم ينقطع، ويحلو ماؤه جرعاً ثم يمتنع “.
أما الترادف والازدواج فقد كان لهما نصيب في تزيين الرسائل فمن ذلك قول الصابي في رسالة العهد التي كتب بها للإمام الطائع: “واضعاً جميع ذلك مواضعه موقعاً له مواقعه، ومنه قوله “عارض معارض”، و”شاغب مشاغب”.
ويتجلى الازدواج في قول القاضي الفاضل: الإمامة محفوظة في عقده والمعقبات تحفظه بأمره”، وفي قوله أيضاً: وعضد الدين الذي ارتضاه، وعضد بمن ارتضاه، وأنجز له وعد السعد ما قضاه قبل أن اقتضاه”، وأيضاً في قوله “طلوعه على أبواب أمير المؤمنين طلوع أنوار النهار”. ومن الترادف ما كتب به ابن العميد لابن بلكا وذلك في قوله: يغرب العقل ثم يؤوب، ويعزب اللب ثم يثوب، ويذهب الحزم ثم يعود، ويفسد العزم ثم يصلح” . ونلمسه في قول يوسف بن صبيح معاتباً محمد بن زياد وذلك في قوله : “وقد كنت إلى مفارقتنا مشتاقاً، وإلى البعد تواقا”.
ويبدو أيضاً في قول القاضي الفاضل وطأة المواطئ التي تغيظ الكفار. ” ومن التصوير الجميل الذي يضفى على العبارات جمالاً، قول الخوارزمي في رسالة له يصف فيها الأيام، فهو يجمع فيها ما بين السجع المتقابل العبارات والجناس والطباق، وذلك في قوله: “كانت أرق من حاشية البرد، ومن طلوع السعد، وأحلى من إنجاز الوعد، وأعزر من القند، بل من النقد، وأعبق من الورد وما أردت إلا ورد الخد، بل من المسك والند، وأطيب من القرب بعد البعد، ومن الوصل في إثر الصد، بل كانت أرق من نسيم الزهر في السحر، ومن قضاء الوطر على الخطر، بل كانت أقصر من ليل السكارى، أو نهار الحيارى “٣٦ يوشيها بالجناس والطباق والتصوير، أيضاً من الكتاب من فهو يملأها سجعاً تتقابل فيه العبارات تقابلاً، ثم استطاع أن يتلاعب في رسائله بجميع أنواع الصور البيانية، وذلك مثل ما فعل القاضي الفاضل في رسالته التي بعث بها للناصر صلاح الدين يخبره بفتح، فمن الكناية قوله ” صدعت حصاته، وقل سيفه، وعثرت قدمه “فهي جميعها كناية عن الهزيمة . وأصحاب المشأمة” كناية عن الكفار، وأصحاب الميمنة” كناية عن المسلمين. أما الطباق فنلمسه في قوله السيف والعصا” و “اليقظة والكرى” و “المنى والمنون” و “السيئة والحسنة” و “المشأم والميمنة” و قريب وبعيد”. أما الجناس فيتضح في قوله: “فرقه وفرقا” و “حصاته وحصى” و “العنان والعيان” و”مهدومة ومهتومة” و “المحامية والحامية” و “المتوافية والوافية” و “عصرة ونصرة”. كذلك نجده قد وشي رسالته بالأخذ والاقتباس من القرآن الكريم وذلك في مثل قوله: “ضربت عليهم الذلة والمسكنة” وفي قوله: “أصحاب المشأمة وأصحاب الميمنة” وفي قوله : “يبدل الله سيئاتهم حسنات”. وبذلك فقد استطاعت علوم البلاغة من بيان ومعاني وبديع في تأدية أساليب الرسائل في العصر العباسي.
ومجمل القول: إن الغرض من التعبير الأدبي؛ هو قوة التأثير في نفس القارئ، أو السامع؛ لتنفعل نفسه بمثل ما انفعلت به نفس الكاتب ولكي يتم له بلوغ ذلك لا بد من إضافة عنصر الصورة التي يتخيلها، والتي تبدو من خلال تشبيهاته الرائعة واستعاراته البارعة وكناياته اللطيفة في نسق فني جميل.
إذن فإن التخييل والتصوير هما عماد الأسلوب الفني، وهما بمثابة قوة وتأثير وتزيين للكلام. فالكاتب ينفعل بالمؤثرات الحسية والخيالية حتى يدرك ما يحس ومتى استطاع أن يثير الوجدان فقد بلغ غايته من الإفادة، ولن يتحقق له ذلك إلا إذا استعان بعنصر حيوي إضافة لعنصر الفكرة والعبارة، ألا وهو عنصر التخييل والتصوير.
الإيجاز والإطناب: –
من الرسائل الموجز المختصر، والمتوسط المعتدل، والمطنب المستفيض. ويُقصد بالإيجاز الاقتصار في ألفاظ العبارة اقتصارا لا يؤثر في وضوح معناها، فقد عرفه القدماء بالعديد من التعريفات التي تكاد تتشابه، فمنهم من يقول أنه: “بلوغ المعاني بالألفاظ اليسيرة”. أو تقليل الكلام من غير الإخلال بالمعنى”، أو “هو قصور البلاغة على الحقيقة “٣٨.
أو هو : إيضاح المعنى بأقل ما يمكن من اللفظ. ٣٩
وسئل ابن المقفع عن البلاغة فقال: “اسم جامع لمعان تجري في وجوه كثيرة، فمنها ما يكون في السكوت، ومنها ما يكون في الاستماع، ومنها ما يكون في الإشارة، ومنها ما يكون في الحديث، ومنها ما يكون في الاحتجاج،
ومنها ما يكون جواباً، ومنها ما يكون ابتداء، ومنها ما يكون شعراً، ومنها ما يكون سجعاً وخطباً، ومنها ما يكون رسائل، فعامة ما يكون في هذه الأبواب الوحي فيها والإشارة إلى المعنى أبلغ، والإيجاز هو البلاغة “…
إذن نلمس من قول ابن المقفع أن تمام البلاغة في إيجاز القول والإيجاز يُصلح دائماً لمخاطبة الملوك وذوي الأخطار العالية.
وهو الأفضل دائماً في المكاتبات إن لم يكن للإطناب مبرراته الوفي ذلك يقول جعفر بن يحيى: “إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيراً، وإذا كان الإيجاز كافياً كان الإكثار هذراً”، فبين ما يحمد من الإيجاز،
وما يحتاج إليه من الإكثار. ٤٢ نلمس من قول جعفر بن يحيى هذا، أن على الكاتب التزام الوسطية في كتاباته، فلا يطيل فيمل، ولا يقصرفيخل.
والإيجاز مطلب بلاغي في حد ذاته، وعكسه الإطناب الذي يأتي فيه اللفظ زيادة على المعنى إن كان لفائدة وإلا فيصير تطويلاً لا فائدة فيه. أما مواطن الإيجاز فقد تكون في توقيع من الوزير أو الخليفة في قصة رفعت إليه يدل به على اطلاعه عليها ويُبدى رأيه فيها، وكذلك في رسائل الخلفاء والسلاطين في أمر، أو نهي أو إخبار بهزيمة، أو تحذير من عدو.
والأمر الذي دعا إلى الإيجاز في بعض المكاتبات كثرة أعمال الدولة، وتوالي الكتب من الخلفاء إلى الولاة، ومنهم إلى رؤسائهم، فإذا ألتزم الإطناب في كل ذلك كثر العمل. ونجد أن الكتاب كانوا يؤثرون الإيجاز على الإطناب وفي ذلك يقول جعفر بن يحيى: “إن استطعتم أن تجعلوا كتبكم كلها توقيعات فأفعلوا. “٤٣ ومن الإيجاز في مكاتبات بني العباس، ما كتبه عمرو بن مسعدة حينما أمره المأمون أن يكتب كتاباً إلى بعض العمال بالوصية عليه والاعتناء بأمره، فما كان منه إلا أن كتب قائلاً: “كتابي إليك كتاب واثق بمن كتب إليه معنى بمن كتب له، ولن يضيع بين الثقة والحماية حامله، والسلام.
فجاءت بذلك عباراته موجزه معبرة موحية، تروق للسامع والقارئ.
ومن الإيجاز أيضاً ما كتبه ابن المعتز إلى أحمد بن سعيد، جواباً عن كتاب استزاده فيه قائلاً: “قيد نعمتي عندك بمثل ما كنت استدعيتها به وذب عنها أسباب سوء الظن، واستدم ما تحب مني ما أحب منك”. ٤٥ والإيجاز أيضاً نلمسه في كتاب الحسن بن وهب إلى القاسم بن الحسن معزياً بقوله: “مد الله في عمرك، موفوراً
غير ويتجلى الإيجاز أيضاً في كتاب عمرو بن مسعدة إلى المأمون إذ يقول: “كتابي إلى أمير المؤمنين ومن قبلي من مستنقص، وممنوحاً غير ممتحن، ومعطي غير منسلب “٤٦
قواده، وسائر أجناده في الانقياد والطاعة، على أحسن ما يكون طاعة جند تأخرت أرزاقهم. .. الخ”. ففي قوله بلاغة، وتكمن بلاغته في التباعد عن الإطالة والتقرب من معنى البغية والدلالة بالقليل من اللفظ على المعنى.
أيضاً من الإيجاز ما كتبه أحمد بن يوسف في الذم إلى بعض إخوانه، ووصل به لما يريد، وذلك في قوله: “فإني لا أعرف للمعروف طريقاً أوعر من طريقه إليك، فالمعروف لديك ضائع، والشكر عندك مهجور، وإنما غايتك في المعروف أن تحقره، وفي وليه أن تكفره. “٤٧
جليل الرزء ثوابك، وعجل لك الخلف فيه، وذخر لك الثواب عليه “
والإيجاز نلمسه أيضاً في قول ابن المقفع معزياً أحد اخوانه بقوله: “أعظم الله على المصيبة أجرك، وأحسن على ونلمس بلاغة الإيجاز أيضاً في توقيعاتهم، وذلك مثل ما وقعه السفاح لأهل الأنبار قائلاً: “هذا بناء أسس على غير تقوى”.
من خلال تلك الأمثلة تتضح بلاغة الكتاب في الإيجاز ومقدرتهم على بلوغ المقاصد من غير تكلف ولا إطناب. أما الإطناب فهو : زيادة اللفظ على المعنى لفائدة وهو أيضاً أداء المقصود من الكلام بأكثر من عبارات متعارف الأوساط. وقد كثر الإطناب في رسائل العصر العباسي وتعددت مقاماته، فمن المقامات التي تعد إطناباً تلك الكتب التي تقرأ على العامة، ومنها المنشورات التي تقرأ لشرح مذهب سياسي أو أمر ديني والبيعات التي تقرأ على العامة؛ التنصيب خليفة، وكذلك كثر الإطناب في تفصيل الانتصار على العدو وقد أكثروا فيه من التحميدات، وكذلك
أطنبوا في ولاية العهد، فقد أكثروا فيها بتعداد مناقب ولي العهد، وما يؤمل فيه من عمل الخير الأمة. وكذلك أطنبوا وأطالوا في ولاية العهد بالقضاء، أو العهد بإمارة ، وذلك في مثل ما كتبه القاضي الفاضل عن الخليفة العاضد لدين الله بتقليد الوزارة للناصر صلاح الدين الأيوبي وقد ذكر في ثنايا هذا البحث سابقاً، فقد أطال فيه وأطنب بالإكثار من التحميدات والإطالة في ذكر مناقب المعهود إليه، وما عرف به من استمساك بالدين ورعاية المصالح المسلمين.
وقد تفنن الكتاب العباسيون كثيراً في كتاباتهم، وأطالوا فيها، ومن ذلك ما دار بين المنصور العباسي والنفس الذكية في القدم، فمما كتبه الأول قوله: “أما بعد: فقد أتاني كتابك وبلغني كلامك، فإذا جل فخرك بالثناء لتضل به الجفاة والغوغاء، ولم يجعل الله النساء كالعمومة، ولا الآباء كالعصبة والأولياء، وقد جعل العم أباً وبدأ به على الوالد الأدنى، فقال جل ثناؤه عن نبيه عليه السلام: “وأتبعت ملة آبائي إبراهيم وأسحق ويعقوب”. وقد علمت أن الله تبارك وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم وعمومته أربعة، فأجابه أثنان أحدهما أبي، وكفر به أثنان أحدهما أبوك، فأما ما ذكرت من النساء وقراباتهن فلو أعطيت على قرب الأنساب وحق الأحساب لكان الخير كله لأمنة بنت وهب، ولكن الله يختار لدينه من يشاء من خلقه ٢
وتظهر ظاهرة الإطناب أيضاً في رسالة الخميس التي كتب بها أحمد بن يوسف، فإذا كان الإطناب في بعض الأحيان ظاهرة بلاغية، فإن الإيجاز ظاهرة أبلغ لكن الكاتب أطال فيها إطالة شديدة، وأطنب إطناباً أوشك أن يدخل السأم إلى القلوب، لولا تملكه لناصية البيان، والإتيان بالمعنى المليح والفكرة البديعة وحسن الاقتباس. ويعد التكرار وسيلة من وسائل الإطناب، فقد يلجأ إليه الكاتب؛ لتمكين المعنى في النفس، وهو: “التعبير عن المعنى الواحد بطرق مختلفة. وقد كثر هذا النوع في الرسائل.
والإطناب أيضاً نلمسه في كتاب البيعة التي كتب بها المتوكل بولاية العهد لبنيه، إذ أنه أطال فيها وأطنب وكذلك التزم فيها التكرار في بعض العبارات وذلك في مثل قوله : “وجعل عبدالله بن جعفر الأمام المتوكل على الله أمير المؤمنين لمحمد المنتصر بالله بن أمير المؤمنين على أبو عبد الله المعتز بالله وإبراهيم المؤيد بالله ابني أمير المؤمنين: السمع والطاعة والنصيحة والمشايعة والموالاة .. الخ” مكرراً ذلك في بيعته بقوله : ” وجعل عبدالله بن جعفر الأمام المتوكل على الله أمير المؤمنين على محمد المنتصر بالله بن أمير المؤمنين لابي عبدالله المعتز بالله وإبراهيم المؤيد بالله ابني أمير المؤمنين: الوفاء بما عقده لهما، وعهد به إليهما من الخلافة … الخ”. ففي هذا التكرار إطناباً.
إذن نستطيع القول أن كلاً من الإيجاز والإطناب يحسن في المواضع التي يحتاج فيها إليه، وقد قيل: “من كلام العرب الاختصار المفهم، والإطناب المفخم، وقد يقع الإيماء إلى الشيء فيغني عند ذوي الألباب عن كشفه. “
وقد قيل أيضا الإيجاز للخواص، والإطناب مشترك فيه الخاصة والعامة.
الاستشهاد بالقصة –
القصة هي ثمرة يانعة من ثمرات الثقافة الإسلامية؛ فهى لم تولد إلا في ظل الحضارة، ولم تظهر إلا حين تيسرت لها أسباب الظهور الناجح، ولقد ظهرت في القرن الرابع الهجري ذلك القرن الذي ارتبطت به جميع أسباب نجاح
الحضارة ونضجها. والقصة، هي فرع من فروع النثر، وضرب من ضروب الكتابة، وقد عنيت بها الأمم في جميع الأزمان، ويوجد في الأدب العربي وآداب الأمم الإسلامية أنواع شتى.
ونجد أن القرآن الكريم أهتم بالقصص فذكر كثيراً من قصص الأنبياء ليبين مواضع العبرة فيها.
وأهتم المسلمون من بعده بتفسير تلك القصص وهو ما يعرف بالقصص الديني.
والقصة من حيث أنها نتاج أدبي؛ فإنها تشتمل على العديد من المزايا التي من أهمها التشويق إذ أنها تضطر القارئ على المتابعة، وهي أداة مرنه من جهة، وقوية التأثير من جهة أخرى، ومقبولة قبولاً حسناً لدى الخاصة والعامة. تنقسم القصة إلى عدة أقسام حسب مقدارها من الطول والقصر والنوع، هذا بجانب تميزها بتمكين المؤلف من توصيل أفكاره إلى ذهن القارئ والمستمع.
وقد يغلب على رسائل العباسيين أحياناً الطابع القصصي، وقد يلجأ إليها الكاتب لما يجده في تلك القصص من إعانة على إفهام السامعين وفي رسائل بني العباس العديد من القصص التي استشهدوا بها، وسنورد نموذجاً لتوضيح ذلك.
-١ رسالة سهل بن هارون إلى بني عمه: –
هذه قصة يرويها سهل بن هارون من خلال رسالة له بعث بها لبني عمه، ويخبرهم عما يريد الخليفة صنعه، وكان حينها قد شهد مصرع البرامكة، إذ يقول:
“فلما أدخل على الخليفة ومثلت قال ومثلت بين يديه عرف الذعر في تحريض ريقي، والتمايد في طريقي وشخوصي إلى السيف المشهور ببصري، فقال: إيهاً يا سهل من غمط نعمتي واعتدى وصيتي وجانب موافقتي، أعجلته عقوبتي قال – فوالله ما وجدت جوابها حتى قال: ليفرح روعك وليسكن جأشك، وتطب نفسك، وتطمئن حواسك، فإن الحاجة إليك قربت منك وأبقت عليك، بما يبسط من قبضك ويطلق معقولك، فاقتصر
على الإشارة دون اللسان، فإنه الحاكم الفاصل واللسان الناصل، وأشار إلى مصرع جعفر وهو يقول: من لم يؤدبه الجميل ففى عقوبته صلاحه – قال سهل – فوالله ما أعلمني عبيت من جواب أحد قط، غير جواب الرشيد يومئذ، فما عولت في شكره والثناء عليه إلا على تقبيل يديه وباطن رجليه، ثم قال لى: أذهب فقد أحللتك محل يحيى بن خالد ووهبتك ما ضمته أبنيته وحوى سرادقه، فأقبض الدواوين وأحص حباءه وحياء جعفر لنأمرك يقبضه إن شاء الله – قال سهل
فكنت كمن نشر عن كفن وأخرج من حبس” تعد هذه القصة صورة رائعة لما حدث لكثير من أتباع البرامكة؛ وهي تكشف في الوقت نفسه عن النغمة التي شاعت عن عدل الرشيد الذي سمح أن يعيش برمكياً في كنفه، وقد تحمل تلك النغمة الصدق، أو عدمه، إلا أنها ترصد لمداراة الظلم بكتمان الأسى على حياة انتهت والتغني بحياة بدأت.
أما من حيث المقومات العامة للقصة؛ فهي تشتمل على مقدمة متمثلة في مثول سهل بين يدي الرشيد، وتصوير خوفه وفزعه، أما الموضوع فيتمثل في الحوار الذي دار بينه وبين الرشيد، ومحاولة الرشيد لتهدئة روعه وخوفه والخاتمة على تقليد سهل منصب يحيى البرمكي وجعفر. وأروع ما ختم به سهل قصته قوله: كمن نشر عن كفن وأخرج من حبس”. يمكن أن يعد قولاً يضرب لمن بلغ الغاية من الخوف.
الاستشهاد بالشعر : –
درج الكتاب كثيراً على استخدام بعض الأبيات الشعرية في مكاتباتهم، فالشعر الذي يستشهد به الكاتب في كتاباته النثرية يغلب عليه ما تعارف عليه الناس بالإبداع؛ فهي نصوص لم يقصد الكاتب منها في كتاباته بنات فكره أو تفنيد رأي، أو توضيح تصور بما يتصل بمفهوم الأدب، ولكنه يضعها وهو مدفوع بفكرة الخلق والابتكار،
كأن يبعث برسالة إلى صديق يعبر فيها عن شوقه، أو يشكو له فيها ما أصابه، أو يكتب قصة ٥٧ ونجد أن الكتاب العباسيين قد أكثروا من الاستشهاد بالأشعار في ثنايا مراسلاتهم، وهو ترصيع جميل يزيد المعنى طلاوة ووضوحاً، ويكسبه قوة على إبداء ما في خاطر الكاتب، وقد بالغ بعضهم حتى أصبح الشعر فيه أكثر من النثر. ٥٨
فهذا هو يحيى بن خالد البرمكي يكتب رسالة إلى ابنه الفضل، حينما ورد إليه خبر انشغاله بالصيد، وقد رصعها بالشعر إذ يقول: “حفظك الله يا بني وأمتع بك، قد انتهى إلى أمير المؤمنين مما أنت عليه من التشاغل بالصيد ومداومة اللذات عن النظر في أمور الرعية ما أنكره، فعاود ما هو أزين بك، فإنه من عاد إلى ما يزينه أو يشينه
لم يعرفه أهل دهره إلا به والسلام”، وكتب أسفل الرسالة:
انصب نهاراً في طلاب العلا
واصبر على هجر الحبيب القريب
حتى إذا الليل أتى بالدجى
واكتحلت بالغموض عين الرقيب ؟
ففي هذه الأبيات تتجلى حكمة أمير المؤمنين ونصيحته لابنه؛ وهي أنه إذا أراد أن يفعل منكراً فعليه أن يستتر؛ لأن عيون الرقباء كثيرة حوله. ومن الاستشهاد بالشعر ما كتبه إبراهيم الصولي في ختام رسالة بعث بها إلى ابن الزيات يستعطفه
قائلاً: كتبت إليك وقد بلغت المدية المحز. وعدت الأيام بك علي بعد عدوى بك عليها، وكان أسوأ الظن، وأكثر خوفي أن تسكن في وقت حركتها، وتكف عند أذاها، فصرت أضر علي منها، وكف الصديق عن نصرتي خوفاً منك، وبادر إلي العدو تقريباً إليك، ثم قال:
أخ بيني وبين الدهر
صاحب أينا غلبا
صديقي ما أستقام فإن
نبا دهر علي نبا ؟
فقد جمع في هذه الرسالة بين عمق المعنى وأناقة العبارة واختيار الألفاظ.
الخاتمة:
الحمد الله حمد الشاكرين الزاهدين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وأحمده تعالى أن وفقني حتى أكملت هذه الورقة والتي بعنوان الخصائص الفنية للرسائل في العصر العباسي، ولا يعني ذلك أنه قد تم الوقوف على كل الخصائص الفنية، ولكن المجال متروك للدارسين ليستفيضوا بالدراسة فيه. وتوصلت إلى النتائج والتوصيات أدناه.
النتائج :
١. اهتمام الكتاب العباسيين بالكتابة في بعض المواضيع الخاصة بالشعر؛ كالمدح والهجاء والفخر، فضلاً عن الموضوعات التي تعبر عن تطور الحياة الاجتماعية والرقي الحضاري مثل الشكر والتهنئة. نقلوا إلى النثر العناصر التي تجعله مؤثراً بقوة، كالشعر، والاستعارة، والتشبيه، والبديع.
. اهتم الكتاب بمقدمات رسائلهم بوصفها أول ما يقع على السمع، وبالتالي اختلفت وسائلهم في التقديم باختلاف الموضوعات التي تحدثوا عنها.
درج أكثر الكتاب على الاكتفاء في ختام رسائلهم بعبارة والسلام. ه غلب على الرسائل المتأخرة السجع والمحسنات البديعية.
ثانياً: التوصيات
أوصي الدارسين بالاهتمام بتلك الفنون النثرية وذلك لما فيها من إبداع، ولا يظهر ذلك إلا من خلال الدراسة التحليلية المتأنية؛ لإخراج الإبداع البلاغي الذي استطاع به الكتاب أن يزينوا به كتاباتهم .
المصادر :
(1) القرآن الكريم .
(۲) ابن خلكان . أحمد بن محمد. (٦٥٤هـ ). وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان .
(۳) بلبع . عبد الحكيم . النثر الفني وأثر الجاحظ فيه .
٤) الجاحظ . أبو عثمان عمرو . البيان والتبيين
ه الجرجاني . عبد القاهر ، دلائل الأعجاز
(٦) جعفر . أبو الفرج قدامة . (١٩٣٦م ). نقد النثر
(۷) حجاب . محمد نبيه . بلاغة الكتاب ..
(۸) حسين . عبد الحميد . ( ١٩٦٤م ) . الأصول الفنية للأدب .
(٩) الحصري . إبراهيم بن علي . زهر الآداب .
(۱۰) الحموي. ياقوت . معجم الأدباء .
(۱۱) صمود . حمادي. ( ۱۹۸۸م.). دراسات في الشعرية ( الشابي نموذجاً ) .
(۱۲) خفاجي . محمد . الحياة الأدبية في العصر العباسي .
(١٣) الربيعي . أحمد . ( ١٩٦٧م) . كثير عزة: حياته وشعره .
(١٤) الرفاعي . أحمد . (١٣٤٦هـ / ۱۹۲۸م) . عصر المأمون .
(١٥) زكي . أحمد كمال . الحياة الأدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري
(١٦) زيدان . جرجي . تاريخ آداب اللغة
(۱۷) سلام . محمد زغلول . تاريخ النقد العربي من القرن الخامس إلى العاشر الهجري
(۱۸) الشكعة . مصطفى . ١٩٦٨م . الأدب في موكب الحضارة .
(۱۹) صفوت . أحمد . ( ۱۳۹۱هـ / ۱۹۷۱م) . جمهرة رسائل العرب .
(۲۰) ضيف . شوقي . الفن ومذاهبه .
(۲۱) طبانه . بدوي . ( ۱۳۸۸هـ / ١٩٦٩م) . قدامة بن جعفر والنقد الأدبي .
(۲۲) طبل . حسن . (۱۳۲۰هـ / ١٩٩٩م) . علم المعاني .
(۲۳) عبد العال . محمد. ( ١٩٩٦م ) . في النثر العربي قضايا وفنون .
(٢٤) العسكري . أبو هلال . ( ۱۳۷۱هـ / ١٩٥٤م) . الصناعتين .
(٢٥) عطا المنان . عبد الرحمن ، الخطابة في عصر بني أمية .
(٢٦) علي . محمد ( ١٣٣١هـ / ۱۹۱۳م) . رسائل البلغاء
(۲۸) القزويني ، جلال الدين . ( ١٩٠٤م) . التلخيص في علوم البلاغة .
(٢٩) القزويني – جلال الدين – الإيضاح في علوم البلاغة .
(٣٠) القيرواني . ابن رشيق العمدة في محاسن الشعر.
(۳۱) مبارك . زكي . النثر الفني في القرن الرابع .
(٣٢) المراغي . أحمد . علوم البلاغة .
(٣٣) الهاشمي . أحمد . (١٣٧٩هـ / ١٩٦٠م) . جواهر الأدب .