العلاقة بين الظاهر والباطن في تحقيق الإيمان
The relationship between the apparent and the subconscious in achieving faith
إعداد
أ د أسماء بركات
المملكة العربية السعودية
مكة المكرمة ـ جامعة أم القرى ـ قسم العقيدة
إيميل ambarakat@uqu.edu.sa
Asmaa.barakat
Makkah
Umm Al Qura University
Department of faith
ملخص البحث
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ؛ فإن من أهم المسائل العقدية ما يتعلق بقضايا الإيمان وعلاقة الظاهر بالباطن في تحرير حكمه ووصفه وجودا وعدما, والهدف هنا : أنه إذا ثبت ان الإيمان قول وعمل فهذا كاف في الدلالة على ثبوت العلاقة بين الظاهر والباطن في حقيقة الإيمان . وأنه يجب الاعتدال في مكانة الظاهر والباطن من الإيمان دون ميل لأحدهما عن الآخر وإثبات وجود العلاقة بينهما، ولتحرير هذا الأصل الإيماني وبيان مسالك المخالفين فيه بتوضيح أصلهم الذي بنو موقفهم عليه والشبه المعتمدة لديهم في هذا الباب ؛ اعتمدت القيام بهذا البحث .
فبينت أهمية اعتبار الظاهر والباطن في مواضيع الإيمان ومسائل الكفر فالخوض فيه لا بد أن يكون بالحق المعول عليه من مصادر اليقين الكتاب والسنة المطهرة . وأن الظاهر والباطن متعلق التكليف بأوامر الدين فيجب الاعتدال في فهم مكانتهما من الايمان وما ينبني على ذلك من قضايا التكفير .
وحتى يتحقق المقام هنا بثبوت الحق كان من ضرورة البحث استكمال ما وقع في هذا الباب من سوء فهم وإشكال لمحل الشبه فعرفت بأهمية الاعتدال وأنه لابد منه حتى لا يحصل الميل بأحدهما عن الآخر في تحقيق ارتباطه بحقائق الإيمان وقضايا الكفر فيتسبب الخلاف
وأصل النزاع في هذه الأصول كان من مجانبة هذا . فمذهب أهل السنة والجماعة يقوم على الموازنة بين أحكام الظاهر والباطن فالاهتمام بأمر الباطن لكونه أصل الظاهر لا يقلل من شأن الظاهر في التعبير عن الإيمان وتنزيل أحكامه عليه . وكانت خطتي لتحقيق هذه الجوانب: مبتدئة إياها بمقدمة وتمهيد ومختتمة بخاتمة تشمل أهم النتائج المتوصل إليها مع ثبت مراجع لها .
Research Summary
Praise be to God alone, and prayers and peace be upon the one after whom there is no prophet. One of the most important doctrinal issues is what is related to issues of faith and the relationship between the apparent and the hidden in liberating its ruling and describing it as existence and non-existence. And that there must be moderation in the position of the outward and the inward in faith without inclination to one of them over the other and to prove the existence of a relationship between them, and to liberate this faith principle and clarify the paths of the violators in it by clarifying their origin on which they based their position and the similarities they rely on in this chapter; adopted this research
So I showed the importance of considering the apparent and the hidden in issues of faith and issues of disbelief, so delving into it must be with reliable truth from the sources of certainty, the Book and the purified Sunnah. And that the outward and the inward are related to the commissioning of the orders of the religion, so it is necessary to be moderate in understanding their position in the faith and the issues of atonement based on that.
In order for the place here to be achieved by establishing the truth, it was necessary for the research to complete the misunderstanding and confusion that occurred in this section of the place of similarity.
The origin of the dispute in these assets was to side with this. The doctrine of Ahl al-Sunnah wal-Jama’ah is based on a balance between the rulings of the apparent and the hidden. Taking care of the matter of the internal because it is the origin of the apparent does not diminish the importance of the apparent in expressing faith and applying its rulings to it. My plan was to achieve these aspects: starting with an introduction and preface, and concluding with a conclusion that includes the most important results reached with proven references..
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين . وبعد
فإن من أهم المسائل التي حدث فيها النزاع بين طوائف الأمة الإسلامية ما يتعلق بقضايا الإيمان وعلاقة الظاهر بالباطن في تحرير حكمه ووصفه وجودا وعدما, إذ يعود ذلك إلى زمن الخلفاء الراشدين حيث أحدثت المحكمة الأولى بدعتها في أحكام الإيمان فغلت في منزلة العمل من الإيمان[1].
واخذ الخلاف في هذه الأصول يجري مجرى الإفتراق , فظهرت فرقة المرجئة في مقابل الخوارج ترى تأخير العمل الظاهر عن الإيمان وقصره في التصديق الباطن . ولاتزال هذه الحقائق محل نزاع على صعيد الفكر الإسلامي بين غال وجاف للحقيقة التي جاءت بها آيات التنزيل وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام .مع أن المتأمل لحقائق الإيمان يجد أن الإيمان شامل للعلم والعمل والإرادة؛ باطنا وظاهرا.
قَال تَعَالَى: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا أَفَلا تَذَكَّرُون) [هود: 24]
“فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الْكُفَّارَ، وَوَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَصَفَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْإِخْبَاتِ إلَى رَبِّهِمْ، فَوَصَفَهُمْ بِعُبُودِيَّةِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَجَعَلَ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ مِنْ حَيْثُ كَانَ قَلْبُهُ أَعْمَى عَنْ رُؤْيَةِ الْحَقِّ أَصَمَّ عَنْ سَمَاعِهِ؛ فَشَبَّهَهُ بِمَنْ بَصَرُهُ أَعْمَى عَنْ رُؤْيَةِ الْأَشْيَاءِ وَسَمْعُهُ أَصَمُّ عَنْ سَمَاعِ الْأَصْوَاتِ، وَالْفَرِيقُ الْآخَرُ بَصِيرُ الْقَلْبِ سَمِيعُهُ، كَبَصِيرِ الْعَيْنِ وَسَمِيعِ الْأُذُنِ؛ فَتَضَمَّنَتْ الْآيَةُ قِيَاسَيْنِ وَتَمْثِيلَيْنِ لِلْفَرِيقَيْنِ، ثُمَّ نَفَى التَّسْوِيَةَ عَنْ الْفَرِيقَيْنِ بِقَوْلِهِ: (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا) [هود: 204]” [2].
فدلائل الكتاب والسنة وحقائق العقل والفطرة؛ تتفق في إثبات العلاقة بين الظاهر والباطن في تحقيق الإيمان المنجي .
ويعنى بهذه العلاقة ؛ أن الباطن يقتضي الظاهر والظاهر يدل على الباطن , فإذا أظهر المكلف حقائق الإيمان الظاهرة دل على إتيانه بحقائق الإيمان الباطنة , فصلاح الباطن يقتضي صلاح الظاهر .
والعكس فإن التفريط في حقائق الإيمان الظاهرة يدل على التقصير في حقائقه الباطنة , ففساد الباطن يحمل على فساد الظاهر .
وتحرير حقيقة الإيمان عند السلف وبيان آراء المخالفين فيها مما ظهر العناية به في مؤلفات أهل السنة والجماعة بين القديم والحديث واذكر من هذه الدراسات المعاصرة المفيدة هنا في تحرير هذه المسألة كتاب :
1ـ الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل ، محمد آل خضير .
2ـ الإيمان عند السلف ومخالفيهم د علي الشبل .
3ـ زيادة الإيمان ونقصانه ، عبد الرزاق البدر.
4ـ علاقة العمل بالإيمان ع علي حسين يحيى
وهذه الدراسات لا تعارض هذا البحث وليست مانعة منه لأنه يختص بمحور دقيق منها قي معالجة أصل من أصول حقيقة الإيمان وعلاقته بالعمل الصالح ؛ وهو علاقة الظاهر والباطن في تحقيق الإيمان ؛ فإن التصديق منه ماهو ظاهر وباطن وكذلك العمل فتحرير ارتباط الباطن بالظاهر لتحقيق الإيمان معنى دقيق جدا قصدت إبرازه بنحو مستقل عن باقي الأصول ليعلم مدى أهميته ومكانته الإيمانية .
والمقصود من هذا البحث التركيز على تحرير الإيمان من جهة إبراز العلاقة بين أجزائه التكوينية الملازمة لأحوال الظاهر والباطن ؛ فإذا ثبت ان الإيمان قول وعمل فهذا وحده كاف في الدلالة على ثبوت العلاقة بين الظاهر والباطن في حقيقة الإيمان . ولتحرير هذا الأصل الإيماني وبيان مسالك المخالفين فيه بتوضيح أصلهم الذي بنو موقفهم عليه والشبه المعتمدة لديهم في هذا الباب .
ولأجل هذا اعتمدت مناهج البحث العلمية من استقراء المادة البحثية المتعلقة بهذا المبحث من كتب علماء السلف والفرق المخالفة لهم من أصحاب المذاهب الكلامية ، وتحليلها ونقدها وفق أصول منهج أهل السنة والجماعة في باب الإيمان والتزمت أصول البحث العلمي الشرعي في عزو الآيات وتخريج الأحاديث والحكم عليها وتوثيق معلومات البحث بإحالتها إلى مصادرها الأصيلة .
ومن ثم كان تقسيمي البحث إلى ثلاثة مباحث كالتالي :
المبحث الأول : تعريف الظاهر والباطن في الإيمان
المبحث الثاني : حقيقة التلازم بين الظاهر والباطن في حقيقة الإيمان
المبحث الثالث : دلالة نواقض الإيمان على تلازم الظاهر والباطن في حقيقته
المبحث الأول
تعريف الظاهر والباطن في الإيمان
الظاهر من “ظَهَر الشيءُ بِالْفَتْحِ، والظُّهور: بُدُوّ الشَّيْءِ الْخَفِيِّ.[3] وَ (الظَّاهِرُ) ضِدُّ الْبَاطِنِ. وَ (ظَهَرَ) الشَّيْءُ تَبَيَّنَ. وَظَهَرَ عَلَى فُلَانٍ غَلَبَهُ وَبَابُهُمَا خَضَعَ. وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَى عَدُوِّهِ. وَأَظْهَرَ الشَّيْءَ بَيَّنَهُ.[4]
والباطن من (بَطَنَ) و الْبَاءُ وَالطَّاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ وَاحِدٌ لَا يَكَادُ يُخْلِفُ، وَهُوَ إِنْسِيُّ الشَّيْءِ وَالْمُقْبِلُ مِنْهُ. وَبَطَنَ الْأَمْرَ عَرَفَ بَاطِنَهُ، فَالْبَطْنُ خِلَافُ الظَّهْرِ. وَبَاطِنُ الْأَمْرِ، خِلَافُ ظَاهِرِهِ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ لِدُخَلَاءِ الرَّجُلِ الَّذِينَ يَبْطُنُونَ أَمْرَهُ: هُمْ بِطَانَتُهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ) [آل عمران: 118] .[5]
و” لفظ الظاهر والباطن في أمور كثيرة والمعنى في الجميع أن الظاهر لما ظهر فتبين والباطن لما بطن فخفي وسمى ظهر الإنسان ظهرًا لظهوره وبطن الإنسان بطنا لبطونه”[6].
ومجال الدراسة هنا في حقائق الإيمان الظاهرة والباطنة والعلاقة بينهما لتمييز ما يرتبط بها من مسائل الأسماء والأحكام .
فالدين بأصوله وفروعه متعلقه من التكليف الظاهر والباطن , من جهة المكلف والمكلف به , وهذا ظاهر في الإيمان المنجي من الكفر المخرج من الملة .
فالمكلف به من الأحكام منها الظاهر ومنها الباطن , فـ”عِلْمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ يَتَنَاوَلُ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ، فَكَانَ الْأَعْلَمُ بِهِ أَعْلَمَ بِالدِّينِ”[7].
وهذا يتبع شمولية الدين وهيمنته على كافة المجالات .
كما أن المكلف وهو المخاطب بالتكليف متعلق التعبد فيه بأوامر الرب تعالى مكامن العلم والمعرفة ظاهرا وباطنا , يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :” إنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِابْنِ آدَمَ مِنْ الْحِسِّ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مَا يُحِسُّ بِهِ الْأَشْيَاءَ وَيَعْرِفُهَا؛ فَيَعْرِفُ بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَشَمِّهِ وَذَوْقِهِ وَلَمْسِهِ الظَّاهِرِ مَا يَعْرِفُ وَيَعْرِفُ أَيْضًا بِمَا يَشْهَدُهُ وَيُحِسُّهُ بِنَفْسِهِ وَقَلْبِهِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. فَهَذِهِ هِيَ الطُّرُقُ الَّتِي تُعْرَفُ بِهَا الْأَشْيَاءُ “.[8]
ومن حقائق المعرفة أن أول مسالك العلم الحس على نوعيه الظاهر والباطن ؛ إذ ” طرق العلم ثلاث: أحدها: الحس الباطن والظاهر، وهو الذي تعلم به الأمور الموجودة بأعيانها.
والثاني: الاعتبار بالنظر والقياس، وإنما يحصل العلم به بعد العلم بالحس، فما إفاده الحس معيناً يفيده العقل والقياس كلياً مطلقاً، فهو لا يفيد بنفسه علم شيء معين، لكن يجعل الخاص عاماً، والمعين مطلقاً، فإن الكليات إنما تعلم بالعقل، كما أن المعينات إنما تعلم بالإحساس.
والثالث: الخبر، والخبر يتناول الكليات والمعينات والشاهد والغائب، فهو أعم وأشمل، لكن الحس والعيان أتم أكمل” . [9]
فإذا ثبت هذه اللطيفة وأن أصل العلم المحقق لمقام التصديق المجمع على أصالته في تحرير حقيقة الإيمان متعلقه من تحصيل المعارف بالحس الظاهر والباطن استرعى ان يكون دلالته التكاملية على تلازم الظاهر والباطن في لازمه العملي محل اتفاق ان شاء الله ؛ فالمعرفة العقلية الاستدلالية أساس تحرير الكثير من العلوم؛ وهذا ما ظهر محققا في مذهب علماء السلف الصالح حيث تتفق دلائل الخبر مع يقينيات العقل في فهم المراد الشرعي .
وهذه طرق المعرفة وانعكساتها الإدراكية والسلوكية تنوعها ينعكس على مجموع نواتجها المعرفية بحيث لا يمكن تجاهل العلاقة بينها؛ فإن الباطن له تأثير في الظاهر ، وكذلك الظاهر له تأثير في الباطن .
فَهَذَا ” أَصْلٌ ” يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ فِي هَذَا الْبَابِ. فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي ” مَسَائِلِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ ” – لِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ – لَمْ يَلْحَظُوا هَذَا الْبَابَ وَلَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْحُكْمِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مَعَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا ثَابِتٌ بِالنُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْإِجْمَاعِ الْمَعْلُومِ؛ بَلْ هُوَ مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا عَلِمَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ: قَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا مُخْطِئًا جَاهِلًا ضَالًّا عَنْ بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ يَكُونُ مُنَافِقًا زِنْدِيقًا يُظْهِرُ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ. وَهُنَا ” أَصْلٌ آخَرُ ” وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّة وَصْفُ أَقْوَامٍ بِالْإِسْلَامِ دُونَ الْإِيمَانِ”[10].
******
(المبحث الثاني)
حقيقة التلازم بين الظاهر والباطن في حقيقة الإيمان
يقوم مذهب السلف الصالح على إثبات العلاقة بين الظاهر والباطن في حقائق الإيمان؛ وهذا من آثار اسمائه الحسنى وتجلياتها على قلوب المؤمنين فإنه تعالى هو الظاهر والباطن فالإيمان بهذين الاسمين لله تعالى له آثار متنوعة على مكامن التكليف بالانقياد الظاهري والتصديق والعمل الباطني[11] .
فالإيمان به؛ بعبادته تعالى وهو الظاهر والباطن؛ يجمع للعبد بين صلاح ظاهره وباطنه؛يقول ابن القيم :” فإن انضاف إِلى ذلك عبوديته باسمه الظاهر والباطن فهذا هو العارف الجامع لمتفرقات التعبد ظاهراً وباطناً ” .[12]
وهو تعالى يذكر عبده ظاهرا وباطنا ؛ بحسبه جزاء ذكره له تعالى ؛ “فقد أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ يُخْفِي ذِكْرَ الْعَبْدِ فِي نَفْسِهِ إِذَا أَخْفَى ذِكْرَهُ، وَيُعْلِنُ ذِكْرَهُ إِذَا هُوَ أَعْلَنَ١ ذِكْرَهُ، فَفَرَّقَ بَيْنَ عِلْمِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَالْجَهْرِ وَالْخَفَى”.[13]
وفي تحرير حقيقة الإيمان الشرعية نجد أن التصديق الباطني يعكس العمل الظاهري وهذا ما تشهد له نصوص الوحي المعصوم قال النبي r: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله , و إذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب)[14].
يقول الإمام ابن رجب:” فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه واجتنابه للمحرمات واتقاءه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه :
فإن كان قلبه سليماً ليس فيه إلا محبة الله تعالى , ومحبة ما يحبه ..صلحت حركات الجوارح كلها ..
وإن كان القلب فاسداً قد استولى عليه اتباع هواه ..فسدت حركات الجوارح كلها”.[15]
وكذا العمل الظاهر انعكاس للتصديق الباطن . فقد كشف سر النفاق بقلة العمل كما في قوله تعالى حاكيا عن المنافقين حالهم: ( وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا ) [النساء: 142]
وهذه العلاقة بين الباطن والظاهر في الإيمان قوامها التلازم ؛ والتلازم يعني عدم الإنفكاك بين الأمرين المتلازمين فكلاهما وجوده يدل على وجود الآخر؛ وانتفاؤه يدل على انتفائه ؛ بمعنى أنه لا يمكن وجود مطلق إيمان باطن حقيقة إلا بمطلق إيمان ظاهر كما لاوجود لمطلق إيمان ظاهر إلا بمطلق إيمان باطن .
كما تتجلى الحقيقة الإيمانية في بيان العلاقة بين الظاهر والباطن بالكشف عن أساسها العقلي فهي تقوم على إثبات العلاقة بين الأسباب ومسبباتها .
فمن المعلوم أن الشك في مبدأ السببية يعد من المغالطات المهددة للكثير من الحقائق المقطوع بها عقلا وشرعا وفطرة ، والتسليم بكونه مبدأ عقليا أوليا ؛ يؤمن الفكر في الكثير من الحقائق العقلية والشرعية التي يمتنع معه تعريضها للمغالطات والتمييع الفكري.
بهذا يتبين أن الإيمان الباطن سبب للإيمان الظاهر ؛ ولكن السبب حتى تتحقق فاعليته لابد من تحقق شروطه وانتفاء موانعه فقد يتخلف الظاهر عن الانقياد للباطن في بعض الأحوال كعارض فسق أو خطأ أو نسيان أوجهل وهكذا ؛دل على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم : (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن , ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن , ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ).[16]
قال أبو جعفر الباقر رحمه الله: [ يخرج من الإيمان إلى الإسلام , فالإيمان مقصور في الإسلام , فإذا زنى خرج من الإيمان إلى الإسلام].[17]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية يفسر هذه العلاقة تفسيرا يعيدها إلى القوة السببية في ضوء النصوص الشرعية الواردة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم :” روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” الإسلام علانية، والإيمان في القلب “[18].
وفي لفظ: ” الإيمان سر ” فالإسلام أعمال الإيمان، والإيمان عقود الإسلام، فلا إيمان إلا بعمل، ولا عمل إلا بعقد. ومثل ذلك مثل العمل الظاهر والباطن، أحدهما مرتبط بصاحبه من أعمال القلوب وعمل الجوارح، ومثله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إنما الأعمال بالنيات ” [19]أي: لا عمل إلا بعقد وقصد؛ لأن [إنما] تحقيق للشيء ونفي لما سواه، فأثبت بذلك عمل الجوارح من المعاملات، وعمل القلوب من النيات، فمثل العمل من الإيمان كمثل الشفتين من اللسان لا يصح الكلام إلا بهما؛ لأن الشفتين تجمع الحروف، واللسان يظهر الكلام، وفي سقوط أحدهما بطلان الكلام، وكذلك في سقوط العمل ذهاب الإيمان؛ ولذلك حين عدد الله نعمه على الإنسان بالكلام ذكر الشفتين مع اللسان في قوله: {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} [البلد: 8، 9]
بمعنى: ألم نجعله ناظراً متكلما، فعبر عن الكلام باللسان والشفتين لأنهما مكان له وذكر الشفتين؛ لأن الكلام الذي جرت به النعمة لا يتم إلا بهما”.[20]
والمتأمل لقوى السببية في تحرير العلاقة بين الظاهر والباطن في حقيقة الإيمان يجدها متنوعة بين الأسباب الوسيطة والسبب الأول , فالله تعالى مسبب الأسباب وبيده هداية العباد للإيمان وصلاحهم فالأمر له وحده قدرا وشرعا .
وما شرعه من شرائع الإيمان والعبودية له تعالى بأسمائه وصفاته والاستقامة على شرعه والإخلاص له تبارك وتعالى أسباب توثق علاقة الظاهر بالباطن . فالدين الذي هو محل مرتبة الإيمان متعلقه من الأحكام التعبدية الظاهر والباطن ؛ فلا يمكن أن تعرف حقيقة الإيمان بإحدهما دون الآخر [21].
وما ينبني على الدين من تحقيق كما العبودية لله تعالى لا بد أن تتكامل فيها معاني الالتزام بالظاهر والباطن “وجماع الأمر فى ذلك إنما هو بتكميل عبودية الله [عز وجل] فى الظاهر والباطن، فتكون حركات نفسه وجسمه كلها فى محبوبات الله، وكمال عبودية العبد موافقته لربه فى محبته ما أَحبه، وبذل الجهد فى فعله وموافقته فى كراهة ما كرهه وبذل الجهد فى تركه، وهذا إنما يكون للنفس المطمئنة، لا للأَمَّارة ولا للَّوامة”[22].
وهذا هو سر الإخلاص ؛ قِيلَ في معناه :” الْإِخْلَاصُ اسْتِوَاءُ أَعْمَالِ الْعَبْدِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ. وَالرِّيَاءُ: أَنْ يَكُونَ ظَاهِرَهُ خَيْرًا مِنْ بَاطِنِهِ. وَالصِّدْقُ فِي الْإِخْلَاصِ: أَنْ يَكُونَ بَاطِنُهُ أَعْمَرَ مِنْ ظَاهِرِهِ” .[23]
وبهذا تتحقق الإستقامة فـ”اسْتِجْمَاعُ قُوَى الِاسْتِقَامَةِ.يَعْنِي: تُسْتَجْمَعُ لَهُ قُوَى الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ عَلَى قَصْدِ الْوُصُولِ وَالْعَزْمِ عَلَيْهِ، لِمُشَاهَدَتِهِ مَا هُوَ سَائِرٌ إِلَيْهِ”[24]
“فَيَسْتَوْلِي نُورُ الْمُرَاقَبَةِ عَلَى أَجْزَاءِ بَاطِنِهِ، فَيَمْتَلِئُ قَلْبُهُ مِنْ نُورِ التَّوَجُّهِ، بِحَيْثُ يَغْمُرُ قَلْبَهُ، وَيَسْتُرُهُ عَمَّا سِوَاهُ، ثُمَّ يَسْرِي ذَلِكَ النُّورُ مِنْ بَاطِنِهِ فَيَعُمُّ أَجْزَاءَ ظَاهِرِهِ، فَيَتَشَابَهُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ يَفْنَى الْعَبْدُ عَمَّا سِوَاهُ، وَيَبْقَى بِالْمَشْهَدِ الرُّوحِيِّ الذَّاتِيِّ الْمُوجِبِ لِلْمَحَبَّةِ الْخَاصَّةِ الْمُلْهِبَةِ لِلرُّوحِ”[25].
فالإيمان الباطن كالنور يتصل بالنور حتى يعم الظاهر ؛ يقول الإمام ابن القيم ” وَلِلنُّورِ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ فَمَتَى حَلَّ ظَاهِرُهُ بِجِسْمٍ كَسَاهُ مِنَ الْجَمَالِ وَالْجَلَالِ وَالْمَهَابَةِ وَالضِّيَاءِ وَالْحُسْنِ وَالْبَهْجَةِ وَالسَّنَاءِ بِحَسَبِ مَا كُسِيَ مِنَ النُّورِ وَزَالَتْ عَنْهُ الْوَحْشَةُ وَالثِّقَلُ، وَكَانَ مُفْرِحًا لِرَائِيهِ سَارًّا لِنَاظِرِيهِ، وَإِذَا حَلَّ بَاطِنُهُ بِالْبَاطِنِ اكْتَسَى مِنَ الْخَيْرِ وَالْعِلْمِ وَالرَّحْمَةِ وَالْهِدَايَةِ وَالْعَفْوِ وَالْجُودِ وَالصَّبْرِ وَالْحِلْمِ وَالتَّوَاضُعِ وَالنَّصِيحَةِ بِحَسَبِ ذَلِكَ النُّورِ، فَالنُّورُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ كَمَالُ الْعَبْدِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ.
وَلَمَّا كَانَ لِيُوسُفَ الصِّدِّيقِ مِنْ هَذَا النُّورِ النَّصِيبُ الْوَافِرُ ظَهَرَ فِي جَمَالِهِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، فَكَانَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَكَذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمَّا كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ هَذَا النُّورِ أَكْمَلَ نَصِيبٍ كَانَ أَجْمَلَ الْخَلْقِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَكَانَ وَجْهُهُ يَتَلَأْلَأُ تَلَأْلُأَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَكَانَ كَلَامُهُ كُلُّهُ نُورًا وَمُدْخَلُهُ وَمُخْرَجُهُ نُورًا، فَإِذَا تَكَلَّمَ رُؤِيَ النُّورُ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ، فَكَانَ أَكْمَلَ الْخَلْقِ فِي نُورِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَكَانَ نُورُهُ مِنْ أَكْبَرِ آيَاتِ نُبُوَّتِهِ”[26].
ومن هنا ظهرت قوة العلاقة بين الباطن والظاهر ؛ وفسرت بالتلازم على أنه أَمر ضَرُورِيّ لا يمكن تخلفه؛ وفي تحليلها بين شيخ الإسلام ابن تيمية أن الإرادة الجازمة مع القدرة التامة لا يمكن أن يتخلف عنها الفعل .
فقال رحمه الله :” كما غلط آخرون في جواز وجود إرادة جازمة مع القدرة التامة بدون الفعل حتى تنازعوا: هل يعاقب على الإرادة بلا عمل؟ وقد بسطنا ذلك في غير هذا الموضع وبينا: أن الهمة التي لم يقترن بها فعل ما يقدر عليه الهام ليست إرادة جازمة وأن الإرادة الجازمة لا بد أن يوجد معها ما يقدر عليه العبد والعفو وقع عمن هم بسيئة ولما يفعلها؛ لا عن من أراد وفعل المقدور عليه وعجز عن حصول مراده كالذي أراد قتل صاحبه فقاتله حتى قتل أحدهما؛ فإن هذا يعاقب؛ لأنه أراد وفعل المقدور من المراد ومن عرف الملازمات التي بين الأمور الباطنة والظاهرة زالت عنه شبهات كثيرة في مثل هذه المواضع التي كثر اختلاف الناس فيها ” [27].
…
وتتبين العلاقة بين الظاهر والباطن في حقائق الإيمان كذلك من خلال تعريف الإيمان الشرعي وإبراز حقيقته التعددية, وشموليته لمقامات العلم والقصد والعمل؛ فالعلم لا يكون صحيحا إلا إذا لازمه العمل الصالح , والقصد والإرادة الباطنة الصحيحة الشرعية لو استقرت لابد أن يصدر عنها العمل المناسب لها .
كما يتأكد هذا المعنى من قابلية الإيمان الشرعي للزيادة والنقص. ووجود التلازم بين الإسلام والإيمان .
وبيان العلاقة بين الظاهر والباطن من خلال التعريف الشرعي واضحة ؛ فيعرف الإيمان في اللغة بأنه التصديق؛ كما يعرف بأنه العمل الصالح فهذا إيمان وهذا إيمان . [28]
” قالَ الإمامُ الرَّاغبُ، رحِمَه اللَّهُ تعالَى: الإيمانُ يُسْتَعْملُ تارَةً اسْماً للشَّريعَةِ الَّتِي جاءَ بهَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتارَةً يُسْتَعْملُ على سبيلِ المدْحِ، ويُرادُ بِهِ إذْعانُ النَّفْسِ للحقِّ على سبيلِ التَّصْديقِ؛ وذلكَ باجْتِماعِ ثلاثَةِ أَشْياءٍ تَحْقيقٌ بالقلْبِ وإقرارٌ باللِّسانِ وعَمَلٌ بالأرْكانِ، ويقالُ لكلِّ واحِدٍ مِنَ الاعْتِقادِ والقَوْلِ والصِّدْقِ والعَمَلِ الصالحِ إيمانٌ”.[29]
وفي حقائق الكتاب والسنة؛ يعرف بأنه قول وعمل . تصديق باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح .
ولهذا الأصل أجمع السلف ؛ وقد نقل هذا عن جمع من السلف عن عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: ( سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة يعني في أصول الدين – وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار فقالوا : أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا ومصرا وشاما ويمنا فكان من مذاهبهم أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص”[30]
و بالعمل عرفه الإمام الزهري: حين سئل عن الإيمان فقال : الإيمانُ العملُ .[31]
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :”أجمع السلف على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص “[32]
فقد” اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من أهل السنة على أن الأعمال من الإيمان لقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (الأنفال: 2): فجعل الأعمال كلها إيماناً ” .[33]
وبهذا فإن جميع التصديقات والأعمال الصالحة بين واجبة ومندوبة داخلة في مسمى الإيمان وحقيقته الشرعية .
فالإيمان بالرسول محمد r إحدى التصديقات الكبرى وأصل من أصول الإيمان الست ويعني؛ تصديقه ومحبته وطاعته .
يقول الإمام الطبري في تفسير قوله تعالى : ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [البقرة/:25]
:”هذا أمر من الله تعالى نبيَّه محمدًا r بإبلاغ بشارته خلقَه الذين آمنوا به وبمحمد r وبما جاء به من عند ربه، وصدّقوا إيمانهم ذلك وإقرَارهم بأعمالهم الصالحة، فقال له: يا محمد، بشِّرْ من صدَّقك أنك رسولي, وأن ما جئتَ به من الهدى والنور فمن عندي، وحقَّق تصديقَه ذلك قولا بأداء الصالح من الأعمال التي افترضتُها عليه، وأوجبتُها في كتابي على لسانك عليه ؛أن له جنات تجري من تحتها الأنهار..”.[34]
****
وعلاقة الظاهر بالباطن في تحقيق الإيمان كما يجليها معنى الإيمان فكذا قابليته للزيادة والنقص فالحق عند أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص, والزيادة تحصل بالعمل الصالح , والنقص بتركه, وقد استدل لزيادة بالأدلة العقلية والنقلية كما سيأتي بيانها .
وزيادة الإيمان تلحق الإيمان الباطن كما تلحق الجانب الظاهر منه :
ـ فزيادة الإيمان تعني أمرين : زيادة في آحاد المصدق به وهو إيمان باطن فتصير زيادة في التصديق من جهة الكم. وزيادة تلحق ذات التصديق كيفا , وتعني تأكده ووثوقه وقوته , فإن هذا مما لا يستوي فيه المؤمنون , حتى مع استوائهم في عدم الشك أو الظن المناقض لأصل التصديق , ومع هذا فإن تصور حد ادنى يتحقق الإجماع على عدم تعديه على من وصف بالإيمان من جهة التصديق يمتنع لما تقدم في حقيقة التفاوت .
ولهذه القوة لوازم وثمار ؛ قد يفسر زيادة التصديق بها كالنور والرقة فإنها من لوازم قوة التصديق ووثوقه , فلا تكفي أن تفسر زيادة التصديق بها .
ـ وهذا ما يذكر أيضا في بيان حقيقة الزيادة في الإيمان الظاهر تأثرا بزيادة الإيمان الباطن ونتيجة لازمة له, فإن الزيادة تلحقه كما وكيفا .
فقد يزداد الإيمان بزيادة عدد أفراد العمل الظاهر الذي يقوم به المؤمن . وقد يزداد بزيادة في إتقان العمل وإحسانه وهذا ظاهر للمتأمل .
ولا انفكاك بين الزيادة في الباطن والظاهر فإن الإيمان حقيقة مجتمعة وهيئة متكاملة تتلازم شعبها يقوي بعضها بعضا ويدعو بعضها إلى بعض , فقد يزداد التصديق فتظهر زيادته في آحاد العمل وكذا الزيادة التي تلحق العمل قد تؤثر أيضا فتزيد في التصديق قوة وثباتا .
*******
ولهذه الزيادة النقلية عدد من الأدلة : فمن الكتاب قوله تعالى : ( فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ) [آل عمران: 173]
فالله تبارك وتعالى امتدح المؤمنين عند سماعهم لآيات الكتاب الكريم بما يحصل لهم من زيادة الإيمان, وتحقيق وجه المدح هنا بالزيادة في الإيمان عند المؤمنين يتأتى من جهتين : أولاهما زيادة التصديق من حيث زيادة المصدق به فيكون زيادة في كم التصديق عددا لأن الآيات كانت تتنزل على النبي وفي سماعها ما يزيد في إيمان المؤمنين لما يحصل لهم من زيادة في تصديق ما جاء به من الأخبار والأحكام .
ـ ثانيهما / زيادة في لازم التصديق من العمل الصالح ؛ فالآيات الكريمة تتنزل بالأحكام التي تلزم المكلف باتباعها والانقياد لها ظاهرا وباطنا.
وتتنزل بالأخبار أيضا؛ التي منها ما يبعث على العمل الباطن كخشية الله تعالى وتعظيمه ورجائه والخوف منه بثبته من حقائق الإيمان المتعددة كالإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته واليوم الآخر . وبهذا يكون سماعها سبيل لزيادة الإيمان .
وهذا المعنى هو مفاد قوله تعالى : (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) ( التوبة:124) .
ومحل الزيادة هنا بزيادة العمل الباطن من التصديق بأمر الرسول والتوكل التام على الله تعالى, لما أمر النبي المجتبى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم بالذهاب معه لمواجهة المشركين بعد ان أنهكتهم الحرب واجهدهم مالاقوه من قتال المشركين , فكان ما أورثه اليقين بوعد الله والتوكل عليه زيادة في إيمانهم ظهر في الانقياد التام لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, فكان لهم من ذلك نصيب من رحمة الله حيث كف الناس عنهم كما هو معلوم .
***
ومما يظهر التلازم بين الظاهر والباطن تكوينة الإيمان التشعبية فالإيمان شعب قول واعتقاد وعمل لحقيقة احدة تنبثق من أصل التوحيد؛ قال r :(الإيمان بضع وسبعون, أو بضع و ستون شعبة فأفضلها: قول لا إله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة من الإيمان) . [35] يقول الإمام ابن منده: ” فجعل الإيمان شعبا : بعضها باللسان , والشفتين , فمنها ما يكون بالعمل ومنها ما يكون بالقلب, وبعضها بالقلب , وبعضها بسائر الجوارح “[36].
وتلازم شعب الإيمان تضطرد حقيقته في الشعب الباطنة بعضها ببعض , كما فيما يستند إليها من الشعب الظاهرة .
فالمؤمن إذا انعقدت في قلبه شعبة التصديق بالمصطفى r فإنها تدعو إلى انعقاد شعب عظيمة تصديقية كالإيمان بأخبار الغيب التي أتى بها على جهة الإجمال ثم التفصيل , وهكذا ؛ فحين أسري بالنبي عليه الصلاة والسلام سارع أبو بكر في التصديق فسمي بالصديق من ذلك الحين .
عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: سَعَى رِجَالٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالُوا لَهُ: هَذَا صَاحِبُكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ , ثُمَّ رَجَعَ مِنْ لَيْلَتِهِ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَوَ قَالَ ذَاكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ , قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَأَنَا أَشْهَدُ إِنْ كَانَ قَالَ ذَاكَ لَقَدْ صَدَقَ , قَالُوا: تُصَدِّقُهُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ الشَّامَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَرَجَعَ قِبَلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ [ص:1539] عَنْهُ: نَعَمْ , أَنَا أُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ , أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الصِّدِّيقَ)[37]
مع كون هذا التصديق يستلزم شعبا عظيمة أخرى من العمل كصدق المحبة والطاعة والتزام السنة ، وهذا مصداقه في قوله تعالى 🙁 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (النور :62)
فقد دلت هذه الآية الكريمة على معنى عظيم من معاني تلازم شعب الإيمان , حيث نوهت بلازم شعب التصديق من شعب الإنقياد في حق الإيمان بالرسول r , يقول الإمام ابن جرير :” ما المؤمنون حقّ الإيمان، إلا الذين صدقوا الله ورسوله( وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ ) يقول: وإذا كانوا مع رسول الله r( عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ ) يقول: على أمر يجمع جميعهم من حرب حضرت، أو صلاة اجتمع لها، أو تشاور في أمر نزل( لَمْ يَذْهَبُوا ) يقول: لم ينصرفوا عما اجتمعوا له من الأمر، حتى يستأذنوا رسول الله r”.[38]
و تظهر هذه الشعب إذا كان متعلقها الظاهر وقد تخفى إذا كان متعلقها الباطن . ومن الأدلة التي اشتملت على أنواع متعددة من شعب الإيمان القولية والعملية ظاهرة وباطنة؛ قوله تعالى : (لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ) [البقرة: 177]
فهذه الآية دلالتها مشرقة على تعدد الشعب وتنوعها بين الأعمال الظاهرة والباطنة في الدين, فعن أبي ذر: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الإيمان؟ فتلا عليه: { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ }[39]
فكان تفسير البر بهذه الأعمال المتنوعة من التصديق والإنفاق وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والوفاء بالعهد والصبر والجهاد دليل صريح على تنوع شعب الإيمان وتلازمها بين العمل والتصديق الظاهر والباطن , فأوصاف الإيمان الباطن هنا من التصديق ؛ الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين .
ومن العمل : الصبر والصدق والتقوى فإن أصلها في الباطن .
وأوصاف الإيمان في الآية الكريمة من العمل الظاهر :إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإنفاق والوفاء بالعهد والمصابرة الظاهرة في الشدة والحرب والمرض وظاهر التقوى التي تفيد ترك المناهي وفعل الأوامر .
وهذه الشعب تتلازم في الظاهر والباطن لتحقق معنى الإيمان ، فالإيمان بالله تعالى وما يتضمنه من أركان القدر ينتج انقياد الظاهر للعمل الصالح من الصبر والإنفاق والبذل وحسن أداء المناسك بإقامة الصلاة على الوجه المرضي يقول الشيخ الشنقيطي في تداعي المقدمات للوصول إلى النتيجة : “ولمساواة طرفي الصغرى في الما صدق، وهو: «الدين حسن الخلق» ، يكون التركيب المنطقي بالقياس الاقتراني حسن الخلق هو البر، والبر هو الإيمان بالله واليوم الآخر، إلى آخر ما جاء في الآية الكريمة، ينتج حسن الخلق هو الإيمان بالله واليوم الآخر وما عطف عليه.
وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الدين كله بأقسامه الثلاثة: الإسلام من صلاة وزكاة. إلخ. والإيمان بالله وملائكته. إلخ. ومن إحسان في وفاء وصدق وصبر، وتقوى الله تعالى ؛ إذ هي مراقبة الله سرا وعلنا، وقد ظهرت نتيجة عظم هذه الأخلاق في الرحمة العامة الشاملة في قوله تعالى :
( وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ) [الأنبياء: 107] “. [40]
*****************
ومما يتبين به التلازم بين الظاهر والباطن في تحقيق الإيمان ؛ تحرير العلاقة بين الإسلام والإيمان على جهة الخصوص ؛ فإن حقائق الدين الإسلامي مراتب والإسلام والإيمان يشتركان مع الإحسان في إقامة الدين الإسلامي بأركانه وواجباته ومستحباته وقد تبين مما تقدم الأسس الشرعية التي انبنى عليها هذا الفهم المحقق للمقصود من ارتباط الظاهر بالباطن في الحقيقة الشرعية للإيمان .
ويتضح مفهوم هذه التلازمية بين الإسلام والإيمان بالعودة لأقوال السلف في تحرير هذه العلاقة؛ حيث فسرت العلاقة بينهما على ثلاثة أوجه عند علماء السلف : أولا ؛ أنها علاقة تطابق يعني أن الإيمان هو ذات الإسلام قولا واعتقادا وعملا ؛ فهو الدين المرتضى من الله تعالى لعباده بسائر تطبيقاته الظاهرة والباطنة[41] ؛ ولهم في ذلك أدلة أشهرها حديث جبريل عليه السلام ؛ «هذا من الدين الذي أتى جبريل – عليه السلام – من أجل بيانه وتعليمه إياه لكم. وكان هذا هو استنباط الإمام البخاري – رحمه الله -، حيث قال: [فجعل ذلك كله دينًا] . [42]
ثانيا ؛ أنها علاقة تباين ؛ يعني أن الإسلام اسم للظاهر من الدين من سائر الأقوال والأفعال التعبدية كالصلاة والصيام ؛ وأن الإيمان اسم لما بطن منه من سائر التصديقات والأعمال القلبية[43] ؛ واستندوا في ذلك إلى حديث جبريل عليه السلام المشهور وغيره من الأدلة التي فسر بها الإسلام بالعمل الظاهر والإيمان بالباطن منه ؛ كقوله تعالى : (قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا يَدۡخُلِ ٱلۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡۖ ) [الحجرات: 14]
والوجه الثالث ؛ أنها علاقة تلازم وهذا هو المذهب الراجح في تحرير هذه العلاقة فـ«إذا ذكر الإيمان والإسلام في سياق واحد فالإيمان غير الإسلام، وإن أفرد أحدهما عن الآخر صار بمعنى واحد، فهما من باب إذا اجتمعا افترقا، وإذا افتقرا اجتمعا، إذاً لا نقول: الإيمان غير الإسلام، ولا نقول: الإيمان هو الإسلام؛ لأننا إذا أطلقنا أخطأنا، فلابد من التفصيل»[44]
وتتضح هذه العلاقة التلازمية من ذات التعريف ؛ فيعرف الإسلام بأنه : الاستسلام لله تعالى , والانقياد له بالطاعة , والخلوص من الشرك , والبراءة من أهله .[45]
أما الإيمان فقد سبق بيان معناه عند السلف من كونه مركبا في حقيقته من قول وعمل واعتقاد[46].
فمن التعريف يتبين حقيقة الترابط بينهما ؛ فالإسلام وإن كان اسما للظاهر من العمل فإن له جانبا يرتبط بالباطن من الاستسلام والتوحيد، وكذلك الإيمان فإنه وإن عرف بأنه اسم للتصديق والعمل الباطن فإن اقتضاؤه للتصديق أمر ظاهر , وبهذا فإنه في حالة انفراد أحدهما عن الآخر يكون مرادفاً له لدلالة كل منهما على الدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده . [47].
وفيه حديث المصطفى صلى الله عليه و سلم لوفد عبد قيس , حيث فسر الإيمان بأعمال الظاهر , فقال في معناه: {شهادة أن لا إله إلا الله , و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة و صوم رمضان, و تعطوا الخمس من المغنم }[48].
وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} (الأنعام:125) .
فجعل محل الإسلام الظاهر أولا قبول القلب بانشراح الصدر .
ولأنه لا إيمان إلا بالعمل و كذلك لا إسلام إلا بالتصديق ؛ فقد دلت نصوص الشرع على أن المؤمن , أو المسلم هو من استكمل فعل ما افترضه الله تعالى عليه [49] ، يقول ابن تيمية موضحا هذه العلاقة:” ومثل الإيمان والإسلام أيضاً كفسطاط قائم في الأرض له ظاهر وأطناب، وله عمود في باطنه، فالفسطاط مثل الإسلام له أركان من أعمال العلانية والجوارح، وهي الأطناب التي تمسك أرجاء الفسطاط، والعمود الذي في وسط الفسطاط مثله كالإيمان لا قوام للفسطاط إلا به. فقد احتاج الفسطاط إليها، إذ لا قوام له ولا قوة إلا بهما، كذلك الإسلام في أعمال الجوارح لا قوام له إلا بالإيمان، والإيمان من أعمال القلوب لا نفع له إلا بالإسلام، وهو صالح الأعمال”.[50]
المبحث الثالث
دلالة نواقض الإيمان على تلازم الظاهر والباطن في حقيقته
يعتقد السلف الصالح أن للكفر حقيقة شرعية تعرف من مناقضة حقائق الإيمان القولية والعملية على حد سواء ، فإن أتى المكلف بما يناقض حقائق الإيمان التصديقية كان كافرا . وإذا أتى بما يناقض حقائق الإيمان العملية كان كافرا أيضا ولا يشترط في إعمال حكمها تقييدها بمخالفة الباطن فإن الظاهر معتبر في الإيمان ونقيضه من أنواع المكفرات التي دلت عليها نصوص الكتاب والسنة .
فالتلازم بين الظاهر والباطن في تحقيق الإيمان ينعكس مفهومه على ما يناقضه من الكفر وذلك من جهتين ؛ أن التكفير في مذهب اهل السنة والجماعة يقع في أعمال الظاهر تماما كالباطن , وأنه لو تحقق كفر في أحدهما ارتبط به الثاني بالدلالة عليه .
وهذا هو المنهج الصحيح في الحكم بالتكفير فإن المكلف لا يحكم عليه بالكفر للمخالفة الباطنة كالتكذيب والشك والنفاق فقط , فإن نواقض الإيمان الظاهرة لا تختلف عن الباطنة في خطرها على المعتقد, فالكفر يحصل بالمخالفات الباطنة كالتكذيب والشك والجحود والإنكار؛ وكذلك الظاهرة من ترك الانقياد والمتابعة لطريقة الرسل عليهم السلام، قال تعالى مبينا ما عليه الكفار من التكذيب والاعتراض على حال الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام : (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا ١٥٠ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ حَقّٗاۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا) [النساء: 150-151]
يقول الإمام ابن كثير : ” الْمَقْصُودُ أَنَّ مَنْ كَفَرَ بِنَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَقَدْ كَفَرَ بِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ الْإِيمَانَ وَاجِبٌ بِكُلِّ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَنْ رَدَّ نُبُوَّتَهُ لِلْحَسَدِ أَوِ الْعَصَبِيَّةِ أَوِ التَّشَهِّي، تَبَيَّنَ أَنَّ إِيمَانَهُ بِمَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَيْسَ إِيمَانًا شَرْعِيًّا، إِنَّمَا هُوَ عَنْ غَرَضٍ وَهَوًى وَعَصَبِيَّةٍ” [51].
إذا مخالفة الإيمان الشرعي بارتكاب ما يناقضه من عوارض التصديق والاتباع مؤداه الكفر المحقق .
وقال تعالى : (وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةً) [الحج: 55]
يقول الشيخ السعدي : “يخبر تعالى عن حالة الكفار، وأنهم لا يزالون في شك مما جئتهم به يا محمد، لعنادهم، وإعراضهم، وأنهم لا يبرحون مستمرين على هذه الحال {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} أي: مفاجأة” [52].
وبهذا يتبين محل التلازم بين شعب الكفر الظاهر والباطن؛ فالمخالفات الظاهرة كالشرك و ترك الانقياد للطاعة والاستهزاء بالدين تدل على صريح الكفر الباطني وهكذا. قال تعالى: { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } (آل عمران:32)
وقال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) ( طه:124)
وقد نوه الإسلام بمكانة الظاهر في الدلالة على الإيمان والحكم بنقيضه من الكفر؛ قال تعالى : (أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ ١ فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ ٢ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ) [الماعون: 1-3] ؛ كما في شأن الصلاة قال المصطفى صلى الله عليه و سلم : { العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر }[53].
وإذا كانت دلالة الظاهر على الباطن دلالة تلازم في الحكم بالكفر لأنه تصوره متفرع عن فهم الإيمان وحقيقته المركبة من اتفاق الباطن مع الظاهر في حقيقة الإيمان, فإن الله تعالى وصف المنافقين بصفات ظاهرة تدل على ما في قلوبهم من الكفر التكذيب؛ قال تعالى : ( إنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمۡ وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا ) [النساء: 142]
“يقول السمعاني :” المخادعة، والخدع بِمَعْنى وَاحِد وَحَقِيقَة المخادعة: أَن يظْهر شَيْئا ويبطن خِلَافه.”[54]
فعلم من ذلك أن تخلف الظاهر عن الباطن في تحقيق الإيمان أو تخلف الباطن عن الظاهر تكذيب وكفر “فإنَّ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ لَيْسَ بِإِيمَانِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِالْإِيمَانِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ الْمُتَضَمِّنِ لِلِالْتِزَامِ وَالِانْقِيَادِ مَعَ تَضَمُّنِ ذَلِكَ الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي أَنْفُسِهِمْ. فَالْمُنَافِقُونَ قَالُوا مُخْبِرِينَ كَاذِبِينَ فَكَانُوا كُفَّارًا فِي الْبَاطِنِ وَهَؤُلَاءِ قَالُوهَا غَيْرَ مُلْتَزِمِينَ وَلَا مُنْقَادِينَ فَكَانُوا كُفَّارًا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَكَذَلِكَ أَبُو طَالِبٍ قَدْ اسْتَفَاضَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ وَأُنْشِدَ عَنْهُ: وَلَقَدْ عَلِمْت بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ … مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينَا
لَكِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ حُبًّا لِدِينِ سَلَفِهِ وَكَرَاهَةَ أَنْ يُعَيِّرَهُ قَوْمُهُ فَلَمَّا لَمْ يَقْتَرِنْ بِعِلْمِهِ الْبَاطِنِ الْحُبُّ وَالِانْقِيَادُ الَّذِي يَمْنَعُ مَا يُضَادُّ ذَلِكَ مِنْ حُبِّ الْبَاطِلِ وَكَرَاهَةِ الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا”.[55]
*********
والتلازم بين الظاهر والباطن في التكفير منضبط بقواعد لا بد من مراعاتها لأن هذا التلازم قد يتخلف في بعض الأحيان , فيأتي المكلف بأعمال ظاهرة في الكفر ولا يكون كافرا في حقيقة الأمر , وقد يظهر من أعمال الإيمان الدالة عليه ولا يكون مؤمنا , فلابد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع .
وهذه مسألة محلها تفصيلها الدراسات المعنية ببيان ضوابط التكفير وحكم إنزال الكفر بالمعين .
فقد يتخلف حكم الكفر عن الواقع في أوصافه قولا أو فعلا ظاهرا إذا تحقق من وجود موانع تصرف ذلك الحكم ؛ فـ”الذي عليه علماء أهل السنة والجماعة أنَّ موانع التكفير أربعة: ((الجهل، والخطأ، والتأويل أو الشبهة، والإكراه)) ، فمن وقع في كفرٍ عملاً أو قولاً ثم أقيمت عليه الحجة وبُيِّن له أنَّ هذا كفرٌ يخُرج من الملة فأصَرَّ على فعله طائعاً غير مُكْرَهٍ، متعمّداً غير مخطئ ولا متأوّلٍ فإنَّه يكفر ولو كان الدافع لذلك الشهوة أو أيّ غرضٍ دنيويٍّ، وهذا ما عليه أهل الحق وعليه ظاهرين إلى قيام الساعة إن شاء الله”.[56]
وعند تأمل النصوص التي تفيد هذا الأصل؛ نجد أنها ظاهرة الدلالة في إفادة المعنى منها بحيث يتحقق معها حق حفظ الدين من أن يكون عرضة لحكم الاشتباه وغلبة الظن .من موانع التكفير: الإكراه؛ فإذا أكره على الكفر فكفر، وكان قلبه مطمئنا بالإيمان، لم يحكم بكفره؛ لوجود المانع، وهو الإكراه؛ قال تعالى: (مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرٗا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ) [النحل: 105-106]
ومن موانع التكفير: أن يغلق على المرء قصده، فلا يدري ما يقول لشدة فرح، أو حزن، أو خوف، أو غير ذلك؛ لقوله تعالى: (وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا) [الأحزاب: 5]
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ) . [57]
*****
الخاتمة
وبعد فإني أحمد الله تعالى على إتمام هذا البحث , حمدا كثير طيبا مباركا فيه أساله القبول وتمام النفع والمثوبة , وأصلي وأسلم على سيد الثقلين وخير الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
ويمكن تلخيص ما توصلت إليه من فوائد في الآتي :
ـ مسألة الظاهر والباطن في قضايا الإيمان لادراك حقيقته الشرعية ؛ من الأصول العظيمة التي يتفرع عن أحكامها ؛ تحرير حقائق الإيمان وبيان قضايا الكفر؛ فالخوض فيه لا بد أن يكون بالحق المعول عليه من مصادر اليقين الكتاب والسنة المطهرة وفهم منهج اهل السنة والجماعة في هذه الأصول الإيمانية المهمة .
ـ أن الظاهر والباطن متعلق التكليف بأوامر الدين إذ الدين شامل لكل جوانب السلوك الإنساني ودوافعه المؤثرة في ظهوره ؛ فيجب الاعتدال في فهم مكانتهما من الايمان وما ينبني على ذلك من قضايا التكفير أو وما دونها من أحكام المعاصي والتبديع .
ـ مذهب أهل السنة والجماعة يقوم على الموازنة بين أحكام الظاهر والباطن لدلالة التصوص على وجوب اعتماد مسلك الجمع وإعادة المتشابه إلى المحكم ؛ فالاهتمام بأمر الباطن لكونه أصل الظاهر لا يقلل من شأن الظاهر في التعبير عن الإيمان وتنزيل أحكامه عليه .
مصادر ومراجع
ـ أعلام الموقعين عن رب العالمين , ابن القيم , تحقيق محمد عبد السلام , در الكتب العلمية , بيروت
ـ التوسط والاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول أو العمل أو الاعتقاد: علوي السَّقَّاف: دار ابن القيم ، الدمام ، ط :الأولى .
ـ الإحكام في أصول الأحكام , ابن حزم, الطبعة الأولى , دار الحديث
ـ اشتقاق أسماء الله ، الزجاجي، ت المبارك ، مؤسسة الرسالة ـ ط: الثانية .
ـ الإيمان , لابن مندة , تحقيق علي الفقيهي , الطبعة الأولى , دار إحياء التراث.
ـ الإيمان لابن تيمية, تحقيق الألباني , الطبعة الخامسة , المكتب الإسلامي الأردن .
ـ التمهيد للإمام ابن عبد البر, طبعة وزارة الأوقاف في المغرب .
ـ الحق الدامغ للخليلي , الطبعة الأولى , عمان
ـ السنة , أبو بكر الخلال, تحقيق عطية الزهراني , الطبعة الأولى , دار الراية.
ـ الشرح والإبانة على أصول الديانة , للإمام : ابن بطة العكبري , تحقيق رضا نعسان , الطبعة الثانية .
ـ شرح العقيدة السفارينية ـ محمد العثيمين : دار الوطن للنشر، الرياض ـ ط: الأولى .
ـ الشريعة للآجري , الطبعة الثانية , دار الوطن.
ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى , القاضي عياض ,
ـ شرح العقائد النسفية , التفتزاني
ـ الفرق بين الفرق للبغدادي , تحقيق محمد عبد الحميد , الطبعة الأولى , المطبعة المصرية بيروت .
ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل , ابن حزم , دار المعرفة بيروت .
ـ المحصل, للرازي , مكتبة الكليات الأزهرية .
ـ المسائل و الرسائل للإمام أحمد , د عبد الله الأحمدي,الطبعة الثانية , دار طيبة
ـ المعرفة في الإسلام , د عبد الله القرني, الطبعة الأولى , دار عالم الفوائد .
ـ المفردات في غريب القرآن , الأصفهاني , دار المعرفة بيروت.
ـ تاج العروس , للزبيدي , دار الهداية
ـ تفسير القرآن العظيم , ابن كثير , الطبعة الرابعة , مؤسسة الريان .
ـ جامع البيان , للطبري ’ 1405ـ بيروت
ـ جامع الرسائل , ابن تيمية , محمد رشاد سالم , الطبعة الأولى , مكتبة الخانجي
ـ جامع العلوم و الحكم , ابن رجب , تحقيق شعيب الأرنؤوط , الطبعة الرابعة .
ـ حاشية جوهرة التوحيد , أحمد الصاوي , الطبعة الأولى , مطبعة الحلمية .
ـ درء تعارض العقل والنقل , لابن تيمية , تحقيق محمد رشاد سالم , جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , الطبعة الثانية .
ـ سنن ابن ماجه , تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي , دار الكتب العلمية بيروت .
ـ سنن الترمذي , تحقيق أحمد شاكر , دار الحديث القاهرة .
ـ شرح الأصول الخمسة القاضي عبد الجبار , تحقيق عبد الكريم عثمان , الطبعة الأولى , مكتبة وهبة القاهرة .
ـ شرح السنة , المزني , الطبعة الأولى , مكتبة الغرباء الأثرية
ـ شرح العقيدة الأصفهانية , ابن تيمية , تحقيق سعيد بن نصر , الطبعة الأولى , دار ابن رشد الرياض .
ـ شرح النووي , على صحيح مسلم , الطبعة الثانية , دار إحياء التراث العربي.
ـ شرح كتاب التوحيد: سليمان بن عبد الوهاب , الطبعة الأولى , المكتب الإسلامي بيروت
ـ صحيح البخاري , ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي , مكتبة الرياض الحديثة .
ـ صحيح مسلم بشرح النووي , طبعة 1401, دار الفكر .
ـ ضوابط التكفير , د عبد الله القرني , الطبعة الأولى.
ـ طريق الهجرتين وباب السعادتين , ابن القيم ,الطبعة الثانية , دار السلفية , القاهرة
ـ فتح المغيث للسخاوي , الطبعة الأولى , دار الكتب العلمية
ـ لسان العرب؛ البغدادي , تحقيق عبد السلام هارون , الطبعة الرابعة , مكتبة الخانجي القاهرة .
ـ مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد العثيمين : محمد العثيمين : فهد السليمان : دار الوطن ـ الطبعة : الأخيرة .
ـ مجموع الفتاوى, ابن تيمية , عبد الرحمن قاسم , مجمع الملك فهد , المدينة المنورة
ـ مختار الصحاح , الرازي , تحقيق يوسف محمد , المكتبة العصرية , بيروت .
ـ مختار الصحاح , محمد أبو بكر الرازي , المحقق يوسف محمد , المكتبة العصرية , بيروت
ـ مختصر الصواعق المرسلة , ابن القيم , البن الموصلي , تحقيق سيد إبراهيم , دار الحديث مصر.
ـ مختصر الفتاوى المصرية, بدر الدين البعلي , تحقيق : محمد الفقي , مطبعة السنة المحمدية
ـ مدارج السالكين , ابن القيم , تحقيق محمد المعتصم البغدادي , دار الكتاب العربي , بيروت
ـ معرفة السنن والآثار , للبيهقي , دار الكتب العلمية , بيروت
ـ مفتاح دار السعادة لابن القيم , دار الكتب العلمية , بيروت
ـ منهاج السنة . ابن تيمية , تحقيق محمد رشاد سالم. الطبعة الأولى , جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
ـ صحيح سنن الترمذي للألباني , الطبعة الأولى , المكتب الإسلامي بيروت
ـ مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب , تصنيف عبد العزيز الرومي , مطابع الرياض .
ـ نقضُ الإِمَامِ أَبِي سَعِيِدٍ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيِدٍ عَلَى المَرِيْسِيِّ ، أبو سعيد الدارمي ، ت: الشَّوَامِيُّ الأَثرِي
المكتبة الإسلامية ، القاهرة – مصر ـ ط: الأولى .
***********
[1] الفرق بين الفرق للبغدادي :
[2] اعلام الموقعين عن رب العالمين , ابن القيم (1/119).
[3] لسان العرب : (4/527) .
[4] مختار الصحاح : 197 .
[5] لسان العرب : ( 13/54) . مختار الصحاح : 36.
[6] الإيمان لابن تيمية : 82 .
[7] منهاج السنة : (7/514) .
[8] مجموع الفتاوى : ( 9/47).
[9] درء تعارض العقل والنقل : (7/324) .
[10] الفتاوى: (7/ 472)
[11] انظر اشتقاق أسماء الله ، الزجاجي : 209 .
[12] طريق الهجرتين وباب السعادتين , (ص: 19)
[13] نقض الدارمي على المريسي : (2/847) .
[14] أخرجه البخاري في : كتاب الإيمان ـ باب فضل من استبرأ لدينه , حديث رقم :52 .
[15] جامع العلوم و الحكم : 210.
[16] أخرجه البخاري : كتاب الأشربة ـ باب قول الله تعالى :(إنما الخمر و الميسر و الأنصاب) ,حديث رقم : 5578.
[17] رواه أبو بكر الخلال في السنة :603. و الإمام ابن مندة في الإيمان لابن مندة:(1/311). انظر: المسائل و الرسائل للإمام أحمد :(1/110).
[18] مسند الإمام أحمد : 12381. قال الهيثمي : رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى بِتَمَامِهِ، وَالْبَزَّارُ بِاخْتِصَارٍ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ مَا خَلَا عَلِيَّ بْنَ مَسْعَدَةَ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ مَعِينٍ، وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ. مجمع الزوائد : (1/ 52).
[19] أخرجه البخاري في صحيح ,كتاب بدء الوحي , باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , رقم 1.
[20] الإيمان : 262.
[21] انظر منهاج السنة : (7/514) .
[22] المرجع نفسه
[23] مدارج السالكين , ابن القيم (2/91).
[24] المرجع السابق : (2/343)
[25] المرجع نفسه : ( 3/349) .
[26] مختصر الصواعق المرسلة , ابن القيم : 429.
[27] مجموع الفتاوى : (7/646)
[28] الصحاح : (1/23) .
[29] تاج العروس , للزبيدي (34/ 187) .
[30] درء تعارض العقل والنقل , لابن تيمية : (3/232 ), انظر كلام الشافعي : معرفة السنن والآثار , للبيهقي : 192. وكلام سفيان الثوري في شرح السنة, المزني : 41, وسنن الترمذي : (4/391) . وكلام الإمام مالك في حلية الأولياء , الأصبهاني : (6/327) .
[31] الطبري : (1/235) .
[32] مجموع الفتاوى : (7/672) وجامع الرسائل : (1/157). وانظر أيضا في حكاية إجماعهم : التمهيد للإمام ابن عبد البر : (9/248).
[33] شرح السنة , المزني: (1/78) .
[34] جامع البيان , للطبري : (1/383) .
[35] متفق عليه أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب الإيمان ـ باب أمور الإيمان , حديث رقم :9. ومسلم في باب بيان عدد شعب الإيمان , رقم : 35.
[36] الإيمان لابن مندة : (1/232) .
[37] الشريعة للآجري ؛ (3/1538) . قال الحاكم : «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ»(3/65)
[38] تفسير الطبري : (19/228)
[39] تفسير ابن كثير : (1/485) . انظر السنة لأبي بكر بن الخلال : (3/290) .
[40] أضواء البيان : (8/250) .
[41] التمهيد ، ابن عبد البر : (1/247) .
[42] صحيح البخاري مع الفتح: كتاب الإيمان – باب سؤال جبريل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة وبيان النبي، رقم الحديث: ٣٧،
[43] الإيمان لابن منده : 311، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للألكائي : (4/812) .
[44] شرح العقيدة السفارينية ، العثيمين : (1/393) .
[45] شرح كتاب التوحيد: سليمان بن عبد الوهاب : 110 .
[46] الإيمان:74.
[47] مجموع الفتاوى :(7/364).
[48] أخرجه البخاري في : كتاب العلم ـ باب تحريض النبي وفد عبد قيس على أن يحفظوا الإيمان و العلم , رقمه : 87 .
[49] انظر فتاوى شيخ الإسلام : (7/359).
[50] الإيمان لابن تيمية : 262.
[51] تفسير ابن كثير : (2/394) .
[52] تيسير الكريم الرحمن : 542.
[53] أخرجه الترمذي : كتاب الإيمان ـ باب ما جاء في ترك الصلاة , رقم الحديث : 2621. و قال : حديث حسن صحيح غريب :(5/15).وصححه الألباني في صحيح الترمذي, برقم:2113:(2/329). و أخرجه ابن ماجه : كتاب إقامة الصلاة و السنة فيها ـ باب ما جاء فيمن ترك الصلاة , رقم الحديث : 1079:(1/342).
[54] تفسير السمعاني : (1/47) .
[55] مجموع الفتاوى : (7/561) .
[56] التوسط والاقتصاد ، علوي السقاف : 14.
[57] الحديث أخرجه مسلم في صحيحه : باب في الحض على التوبة ، رقم : 2747، وبنحوه اخرج البخاري : باب التوبة ، رقم : 6309. : مجموع فتاوى ورسائل العثيمين : ( 3/54) .