المجلد السابع 2024العدد السادس و العشرين

التنمُّر فِي ضُـوءِ القرآنِ الكريم

قصَّةُ يوسُف -عليه السلام- أنْمُوذجًا تطبِيقيًّا

المُستخلص

أحمدُ الله حمدَ الشاكرين، وأُصلِّي على خاتم النَّبيِّين سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه، وبعد: فإن هذه الدراسة تنظر سلوكًا من السلوكيَّات، هو (سلوك التنمُّر) وقد يعتبره بعض الناس من مُعتاد التصرُّفات أو من طبائع الأفراد، لكن خطورته تكمن في آثاره السلبيَّة المترتِّبة؛ فهي قد تفوق الوصف، لذا أتقدَّم بهذه الدراسة بعنوان: (التنمُّر فِي ضُوءِ القرآنِ الكريم- قصَّةُ يوسُف أنْمُوذجًا تطبِيقيًّا)، حيث أظهرتُ فيها معالجة القرآن لهذه السلوك الجانح، من خلال بيان صفات المتنمِّر، مع ملاحظة أن هذا المصطلح مُحدَث، وأنَّه إنْ لم يرد في كتاب الله –تعالى- بلفظه، لكن ورد مفهومه ومعالجته من ناحية العقيدة، وبيان حُكمه في مختلف أنواعه، فالتنمُّر القولي عادة ما يكون كذبًا وافتراءً، وقد حرَّم الله الكذب والافتراء، وقد يكون التنمُّر فعلًا من أفعال الظلم والاعتداء، وقد حرَّم الله –تعالى- الظلم والتظالم بين الناس. كما بيَّنت نماذج تطبيقيَّة من خلال سورة يوسُف من كتاب الله تعالى؛ بغية تأكيد تناول القرآن الكريم لهذا السلوك تحذيرًا من اتِّباعه.

ولقد تكوَّنت الدراسة من: مقدِّمة، وتمهيد، وثلاثة مباحث، وخاتمة انتهت إلى أهمِّ النتائج والتوصيات.

  • في المقدِّمة: بيان أهمية الدراسة، وأسباب اختيارها، ومشكلتها، وأهدافها، والدراسات السابقة، ومنهج البحث وخُطته.
  • وفي التمهيد: بيان لأهمِّ مصطلحات التنمُّر وأركانه وأشكاله وأسبابه، كما بيَّنت مفهوم القرآن الكريم.
  • في المبحث الأوَّل: بيَّنت تنمُّر أهل الشرك على أهل الإيمان، وعلى أنبيائهم في مختلف عصور الأنبياء والرُّسل عليهم السَّلام.
  • في المبحث الثاني: بيَّنتُ معالجة القرآن لمفهوم التنمُّر من خلال وضع الضوابط العقدية والتشريعية على السواء.
  • في المبحث الثالث: أوردتُ لسبعة نماذج للتنمُّر من خلال سورة يوسُف كتطبيق لمعالجة القرآن للتنمُّر.
  • وفي الخاتمة: أوردتُ نتائج الدراسة، ومن أهمها: أن التنمُّر سلوك سلبي، وقد يصير ظاهرة اجتماعية إن عمَّ بين أفراد المجتمع. وأن القرآن الكريم قد عالج التنمُّر كسلوك جانح على مستوى العقيدة والتشريع.

الكلمات الافتتاحية: التنمُّر. القرآن الكريم. سورة يوسُف.

Abstract

Praise be to Allah, the Lord of the Worlds and blessings and peace be upon the Messenger of Allah, his family and companions

This study deals with bullying, which some may consider to be normal behavior, though its consequences could be devastating. I introduce this study (Bullying in the Light of the Holy Qur’an – The Story of Joseph as an Applied Model), to show how the Qur’an addressed this delinquent behavior, by describing the characteristics of the bully. Noting that the term is new, it is not explicitly stated in the Holy Quran, yet its denotations and ways to address it from a doctrinal standpoint have been mentioned, as well as rulings of its different types. Bullying could be verbal in the form of lies and slander, and Allah has forbidden lying and slander. It could also take the form of an act of injustice or aggression, and Allah Almighty has forbidden injustice and aggression among people.

The study is made up of an introduction, a preface, three chapters and a conclusion.

  • The introduction dealt with the study’s relevance, reasons for selection, problems, objectives, previous studies, research methodology and plan.
  • The preface introduced the most important terms related to bullying, its pillars, forms and causes, as well as its denotations in the Holy Quran.
  • In the first section: I demonstrated the bullying of the polytheists against the people of faith and their prophets throughout ages.
  • In the second section: I demonstrated how the Qur’an addressed the phenomenon of bullying by setting both ideological and legislative controls.
  • In the third section: seven examples of bullying mentioned in Surat Yusuf are listed as examples of how the Qur’an addressed bullying.
  • In the conclusion: I demonstrated the findings of the study, the most important of which is that bullying is a negative behavior, and that it may turn into a social phenomenon.

Keywords: bullying. The Holy Quran. Surat Yusuf.

مقدِّمة

الحمدُ لله ربِّ العالَمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّد الخلق وإمام المرسَلين، وخاتم النَّبيِّين وقائد الغُرِّ المحجَّلين، سيِّدنا محمَّد النَّبيِّ الأُمـي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين… ثم أمَّا بعد:

فإن ثَمَّة مظاهر سلوكية تطفو فوق صفحة العلاقات بين الناس، فتُسيء للمنظومة الخُلُقية الإنسانية والإسلامية على السواء، حيث جرى تناول أحد هذه المظاهر السلوكية تحت اسم (التنمُّر)، وهو لفظ جرى على ألسنةِ الكثيرِ من الناسِ اليوم، وإنه بعد تدقيق النظر فيه نُدرك أن التنمُّر سلوك تناول القرآن الكريم مفهومَه ومعنَاه ومُؤدَّاه ومضمونه، وقد وضع له أحكامًا شرعية مَرعيَّة في شريعة القرآن المجيد، وهو وإن تناول المسمَّى دون الاسم فلأنَّ المؤدَّى والمضمون لهذه الظاهرة السلوكية الجانحة المسمَّاة بالتنمُّر بين الناس اليوم يكاد يكون متطابقًا مع ظواهر أخرى كالغيبة أو السباب والشتيمة أو التعالي على الغير، أو الاحتقار اللفظي والسلوكي الذي يقع بين الناس في علاقاتهم بين بعضهم بعضًا.

ومن الجدير بالذكر باستقراء الآداب الخُلُقية والسلوكية المبثوثة في كتاب الله وسُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم- يُلاحظ أن (التنمُّر) مُنحصر في بعض أخلاق مذمومة وسلوكيات منهيٍّ عنها مبثوثة في القصص القرآني؛ كقصة فرعون مع موسى الكليم، وقصة إخوة يوسُف مع أخيهم يوسُف وأخيه بنيامين، في مثل قوله: {‌قالُوا ‌إِنْ ‌يَسْرِقْ ‌فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ…} الآية [يوسُف: 77]، وفي قوله من قبلُ: {اقْتُلُوا يُوسُفَ ‌أَوِ ‌اطْرَحُوهُ ‌أَرْضًا} [يوسُف: 8]، وقول المعتدل منهم: {لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ} [يوسُف: 10]، فتبيَّن أن التنمُّر يكون بالقول والفعل، وهو نوع من القول أو الفعل العنيف؛ لذا أتقدَّم بهذه الدراسة تحت هذا العنوان: (التنمُّر في ضوء القرآن الكريم- قصة يوسُف أنموذجًا تطبيقيًّا) للبحث والدرس والتدبُّر القرآني.

أهمية البحث:

تكمن أهمية البحث فيما يلي:

  1. ارتباط موضوع البحث بتدبُّر أحكام القرآن، وقصصه، وأساليبه الأخلاقية، والتأديبية.
  2. عدم وجود أبحاث تناولت مسألة التنمُّر في ضوء القرآن الكريم.
  3. محاولة فهم طبيعة (التنمُّر) من خلال بيان كيفية معالجته في القرآن الكريم بصفة عامة، مع خصوص تصوُّر القرآن للتنمُّر في قصة نبيِّ الله يوسُف عليه السَّلام.

أسباب اختيار الموضوع:

  • ما سبق من أهمية هذا الموضوع وجدارته للبحث والدرس.
  • المساهمة في الوقوف على صفة التنمُّر التي وقف عليها علماء التربية والاجتماع، فكانت في حاجة إلى بحث لها في ضوء القرآن الكريم.
  • توضيح معنى التنمُّر، وإخراجه من حيز الغموض والإبهام، إلى حيز بيان الحكم في تفصيل القرآن المجيد.
  • تحليل الأدلَّة المرعيَّة حول التنمُّر في ضوء تدبُّر القرآن الكريم.
  • وضع قصة نبيِّ الله يوسُف موضع الدرس والتحليل، حيث تعرَّض للتنمُّر من إخوته ومن امرأة العزيز.

مشكلة البحث:

جاءت هذه الدراسة؛ لتُساهم في بيان معنى “التنمُّر”، وبيان الرؤية الإسلامية حوله، حيث أحاول من خلالها بحث سلوك التنمُّر، وهو جانح في عدة تساؤلات وهي:

أوَّلًا: ما مفهوم التنمر؟

ثانيًا: ما الشواهد القرآنية التي تُظهر هذا السلوك الجانح؟

ثالثًا: ما موقف القرآن من التنمُّر في القصص وغيره من خلال آيات الذكر الحكيم؟

أهداف البحث:

يهدف هذا البحث إلى ما يلي:

  1. ضبط مفهوم التنمُّر من الناحية اللغوية والاصطلاحية. 
  2. بيان الشواهد القرآنية التي تُظهر هذا السلوك الجانح.
  3. توضيح التصوُّر الإسلامي لهذا السلوك الجانح.

الدراسات السابقة:

إنه بعد طول بحث في مظانِّ الدراسات العلمية والمرجعية البحثية لم أجد هذا العنوان واردًا في شيء منها، إلا في بعض الدراسات التربوية والاجتماعية، ولم أقف على بحثٍ من الأبحاث المعنيَّة بالتفسير تناول ظاهرة (التنمُّر) كدراسة تفسيرية.

وكان من الدراسات السابقة ما يلي:

الدراسة الأولى: (دور الإدارة المدرسية في الحدِّ من ظاهرة التنمُّر المدرسي لدى طلاب المرحلة الأساسية العليا في مدارس لواء قصبة عمان الحكومية)، للباحثة: تماضر يوسف العرود، أطروحة مقدَّمة إلى كلية الدِّراسات العليا؛ استكمالًا لمتطلَّبات الحصول على درجة الدكتوراة في علم الجريمة، قسم علم الجريمة كلية الدراسات العليا، جامعة مؤتة، إشراف: د. قبلان المجالي سنة: 2020م.

الدراسة الثانية: (مستوى النشاط الزائد ونقص الانتباه وعلاقتهما بالتعرُّض للتنمُّر لدى طلبة غرف مصادر صعوبات التعلُّم)، للباحث: سلامة حكم المحاميد، رسالة مقدَّمة إلى كلية الدراسات العليا؛ استكمالًا لمتطلَّبات الحصول على درجة التخصُّص الماجستير في تخصُّص الإرشاد النفسي والتَّربوي، قسم الإرشاد والتربية الخاصة، جامعة مؤتة، إشراف: د. عوني معين شاهين، سنة: 2023م.

الدراسة الثالثة: (التنمُّر الإلكتروني المفهوم والدوافع من وجهة نظر المرأة السعودية)، للباحثة: رغداء بنت سعود عبد العزيز قطب، بالمجلة العربية للآداب والدراسات الإنسانية، المؤسَّسة العربية للتربية والعلوم والآداب، مجلد (6)، العدد (23) يوليو 2022م. 

الدراسة الرابعة: (التنمُّر الإلكتروني وأثره على المراهقين)، للباحث: ياسر حسين عبد الله. بمجلة الآداب والعلوم الإنسانية، منشور في يناير سنة: 2023م.

الدراسة الخامسة: (التنمُّر الإلكتروني لدى الأطفال)، للدكتورة: داليا الجيزاوي، منشور بمجلة الطفولة والتنمية، العدد (41) سنة: 2021م.

الدراسة السادسة: (التنمُّر المدرسي وعلاقته بالتوافق النفسي الاجتماعي لدى المراهقين)، للباحث: محمود جمعة محمد محمد الصاوي، بحث مقدَّم إلى قسم الصحة النفسية، كلية التربية، جامعة مدينة السادات، مصر، إشراف: د. فاروق السيد عثمان، دون تاريخ.

الدراسة السابعة: (مشكلة التنمُّر المدرسي رؤية تحليلية من منظور الخدمة الاجتماعية)، للباحثة: أميمة شرقاوي عبد الرحيم، منشور بالمجلة العلمية للخدمة الاجتماعية، كلية الخدمة الاجتماعية، جامعة أسيوط، مصر، المجلد (2)، العدد (11) في يونيو، سنة: 2020م.

الدراسة الثامنة: (ظاهرة التنمر بين الماضي والحاضر في ضوء القرآن الكريم). أمل بنت عبد الله بن عثمان آل شهد منشور بمجلة العلوم الإسلامية، بكلية العلوم والآداب، جامعة طيبة، المملكة العربية السعودية، المجلد (4) العدد: (4)، سنة: 2021م (ص81- 101).

الدراسة التاسعة: (معالجة القرآن الكريم لظاهرة التنمر). لأحمد محمد علي المصري، منشور بمجلة كلية أصول الدين والدعوة، بأسيوط، بجامعة الأزهر الشريف، مصر، الجزء الثاني من العدد: (39)، سنة: 2021م .

الدراسة العاشرة: (منهج القرآن الكريم في التعامل مع التنمر)، لهناء محمود، بمجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، مجلد (21) عدد (1) في إبريل سنة: 2024م

ومن الواضح أن الدراسة الحالية تختلف في عنوانها ومضمونها عن هذه الدراسات السابقة؛ لأنها تتناول سلوك التنمُّر في ضوء القرآن، وإيراد نماذج للتنمُّر من خلال سورة يوسُف.

منهج البحث:

اعتمدتُ في البحث على منهجين رئيسيين: المنهج الأوَّل: (الوصفي التحليلي)، ويأتي المنهج الوصفي حيث أقوم بتعريف (التنمُّر) كسلوك جانح، كما أتناول الشواهد القرآنية الدالَّة على التصوُّر الإسلامي للتنمُّر بعد جمع الآيات الدالَّة عليها، والمادة العلمية الواقعة في كتُب التفسير وعلوم القرآن، وما تيسَّر من كتُب التربية والتشريع الأخرى.

خُطة البحث:

وتتكوَّن من مقدِّمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة.

  • المقدِّمة: وفيها ما يلي:

تشتمل المقدِّمة على: أهمية البحث، وأسباب اختيار موضوعه، ومشكلة البحث، وأهدافه، والدراسات السابقة، ومنهج البحث وخُطته.

  • التمهيد: بيان مصطلحات الدراسة. وفيه ثلاثة مطالب:
  • المطلب الأوَّل: مفهوم التنمُّر
  • المطلب الثاني: مفهوم القرآن الكريم 
  • المطلب الثالث: سورة يوسُف
  • المبحث الأوَّل: التنمُّر في ضوء القرآن الكريم. وفيه خمسة مطالب:
  • المطلب الأوَّل: تنمُّر جملة المشركين على الأنبياء والرُّسل
  • المطلب الثاني: تنمُّر المشركين على المؤمنين
  • المطلب الثالث: تنمُّر فرعون على موسى الكليم
  • المطلب الرابع: تنمُّر والد إبراهيم على ولده الخليل إبراهيم
  • المطلب الخامس: تنمُّر قريش على النَّبيِّ الخاتم وجملة أصحابه
  • المبحث الثانِي: أحكام التنمُّر في ضوء القرآن الكريم. وفيه مطلبان:
  • المطلب الأوَّل: بيان حُكم (التنمُّر القولي) في القرآن الكريم
  • المطلب الثاني: بيان حُكم (التنمُّر الفعلي) في القرآن الكريم
  • المبحث الثالث: قصة يوسُف أنموذجًا تطبيقيًّا. وفيه أربعة مطالب:
  • المطلب الأوَّل: تنمُّر الأسباط على أخيهم يوسُف عليه السَّلام
  • المطلب الثاني: تنمُّر الأسباط على أبيهم يعقوب عليه السَّلام
  • المطلب الثالث: تنمُّر الأسباط على أخيهم بنيامين عليه السَّلام
  • المطلب الرابع: تنمُّر امرأة العزيز على يوسُف عليه السَّلام
  • الخاتمة: وفيها ما يلي:
  • أهمُّ النتائج، وأهم التوصيات.


التمهيد: بيان مصطلحات الدراسة.

المطلب الأوَّل: مفهوم التنمُّر:

التنمُّر لُغة:

اشتقاق التنمُّر من الفعل (تَنَمَّر)، وهو خماسي مضعَّف العين، ورد في الاشتقاق أن (النَّمْر من ‌التَّنمُّر، وهو التوعُّد والتهدُّد. يُقال: تنَّمر فلانٌ لفلانٍ، إذا أظهرَ تهدُّدًا؛ وأصلُه من شراسة الخُلُق، وبه سُمِّي النَّمِر السَّبُع المعروف، وأنمار من ‌التنمُّر، وهي زعارةُ الخُلُق وشراستُه)([1]). وفعل ‌التنمُّر هو: (تنمَّر، أي: عبس وتغيَّر وجهه)([2]). فدلالة التنمُّر اللغوي كمظهر من مظاهر وجه الإنسان بفعل العبوس، وهو تقطيب وجهه للناس، ومن مفردات القرآن قوله: {ثُمَّ ‌عَبَسَ ‌وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ} [المدثر: 22- 23]، والآيات نزلت في الوليد بن المغيرة، وعبس أخفُّ من بسر في الدلالة على تقطيب الوجه، ومعلوم أن النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لَمَّا (عبس) كان لانشغاله بدعوة الملأ من قريش وبلاغ الدِّين، ومع هذا عاتبه الله –تعالى- عتابًا رقيقًا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ يُكْرِمُهُ، وَإِذَا رَآهُ يَقُولُ: «‌مَرْحَبًا ‌بِمَنْ ‌عَاتَبَنِي ‌فِيهِ ‌رَبِّي»([3])، وهو وارد في كتب التفسير وأسباب النزول، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقا حاشا أن يكون عبوسه للتنمر، فليس من خلقه ولا شأنه كله أن يتنمر على أحد من الخلق.

التنمُّر اصطلاحًا:

عُرِّف التنمُّر بأنه: (ظاهرة اجتماعية ونفسية موجودة بصورة مستمرَّة وبأشكالٍ عديدة في المجتمع، وبأشكال مختلفة، إذ يختلف بِاختلاف المكانِ والزمانِ والفروقات بين الأفراد، والصِّحة الجسدية لهؤلاء الأفراد)([4]). وتعريف التنمُّر بكونه ظاهرة ربما يصحُّ في بعض الآونة أو بعض المجتمعات دون بعض؛ وذلك لأنَّ التنمُّرَ أصبح أحد المظاهر السلوكية اليوم، وتُعدُّ التنشئة الاجتماعية القاسية أحد أسباب انتشار التنمُّر، حتى أصبح ظاهرة منتشرة بين أفراد المجتمع، ولا شكَّ أن (التنمُّر) تختلف نسبته في المجتمع باختلاف المكانِ والزمانِ فضلًا عن الفروق الفردية بين أفراد المجتمع، فهناك إنسان هاشٌّ باشٌّ، وآخر عبوس غضوب سريع في تعبيراته السلبية.

وعُرِّف التنمُّر بأنه: (شكلٌ من أشكال العدوان يحدث عندما يتعرَّض فرد ما بشكل مستمرٍّ إلى سلوك سلبي يُسبِّب له الألم، وقد يستخدم المتنمِّر أفعالًا مباشرة أو غير مباشرة للتنمُّر على الآخرين، والتنمُّر المباشر هو هجمة على الآخرين من خلال العدوان اللفظي أو البدني، والتنمُّر غير المباشر يستخدمه المتنمِّر؛ ليحدث إقصاءً اجتماعيًّا مثل: نشر الشائعات)([5]). ويُؤخذ على هذا التعبير أنه خصَّص التنمُّر بأنه (عدوان)، ومعلوم أن الاعتداء يكون ظاهرًا في الواقع، وأن (التنمُّر) يكون وصفًا وقولًا وفعلًا، فالفعل منه العدوان، لذا عاد وفصَّل التنمُّر إلى كونه فعلًا مباشرًا أو غير مباشر، كما بيَّن أن من أغراض التنمُّر (الإقصاء الاجتماعي)؛ يعني: تحجيم تصرُّفات الشخص ضحية التنمُّر، وتقليل تجاوبه، وهذا ليعيش في كمدٍ نفسي، ويُعاني الهواجس والقلق والاضطراب بفعل افتراء الكذب على الشخص الضحية. ومن الممكن أن يضرَّ التنمُّر غير المباشر بصورة قاسية مثل التنمُّر المباشر أو أشد، قال الشاعر العربي:

جِراحاتُ السِّنَانِ لَهَا التِئَامٌ * ‌وَلَا ‌يَلتَامُ ‌مَا ‌جَرَحَ ‌اللسَانُ([6]).

وعرَّفه الدكتور مجدي الدسوقي بأنه: (سلوك سلبي مقصود، يتصف بالديمومة والاستمرارية من جانب المتنمِّـر؛ لإلحاق الأذى بفرد آخر (الضحيَّة أو المتنمَّر عليه)، وتكون هذه الأفعال السلبية لفظية، أو جسمية، أو نفسية، أو اجتماعية؛ بهدف إيذائه أو مضايقته أو عزله عن المجموعة، واستبعاده من الأنشطة الجماعية، ويُشترط لحدوث هذا السلوك عدمُ التوازن في القوة بين المتنمِّر والضحيَّة (علاقة قوة غير متماثلة؛ أيْ: صعوبةُ الدفاعِ عن النَّفْس)([7]). وهذا التعريف للتنمُّر أقرب إلى التعبير عن عموم التنمُّر، فهو (سلوك سلبي) وليس سلوكًا إيجابيًّا، وهو كذلك (مقصود) فلم يكن مجرَّدًا عن القصد وإرادة الإيذاء للشخص المتنمَّر عليه، ثم بيَّن أن طبيعة هذا القصد بغرض (إلحاق الأذى) دون غيره؛ ليخرج بذلك قسوة المربِّي والوالد على ولده؛ ليوجه ولده إلى الصواب، قال الشاعر:

فَقَسَا لِتَزْدجِروا وَمَن يَكُ حَازِمًا * فلْيَقسُ ‌أحيَانًا ‌عَلَى ‌مَنْ ‌يَرْحمُ ([8]).

وبناءً عليه فإن قسوة المربِّي لتربية الناشئة، وقسوة المعلِّم بغرض تعليم الطلبة، وقسوة الوالد في توجيه وإرشاد ولده كلُّها سلوكيات خارجة عن نطاق (قصد إلحاق الأذى)؛ لذا تخرج تلك الأعمال من هؤلاء الأشخاص، ومَن على شاكلتهم عن قصد التنمُّر وإلحاق ضرر وأذى بالشخص الآخر.

أركان التنمُّر:

وبالنسبة لأركان (سلوك التنمُّر) فهي كما يلي:

الركن الأوَّل: (المتنمِّر) بصيغة اسم الفاعل: وهو الشخص الرئيس القائم بممارسة فعل التنمُّر، حيث يختار ضحاياه بناءً على رغباته الداخلية ودوافعه النفسية التي تُؤهِّله وتُوصِّله إلى القيام بفعل عنيف مُؤذٍ.

الركن الثاني: (المتنمَّر عليه) بصيغة اسم المفعول: وهو الضحيَّة (المتنمَّر عليه)، وهو الشخص الذي يستهدفه المتنمِّر الذي وُجِّه إليه الفعل التنمُّريُّ المؤذي؛ مما تسبَّب في وقوع الأذى عليه([9]).

الركن الثالث: (فعل التنمُّر): وهو نفسه الذي سبق الإشارة إلى أنه قد يكون مباشرًا أو غير مباشر، وقد يكون لفظيًّا بالقول أو فعليًّا بسلوك ضارٍّ، أو بترك اعتبار تهوينًا واستهزاءً بالشخص الآخر.

أشكال التنمُّر:

بيَّنت بعض الدراسات([10]) أشكال التنمُّر، حيث إن للتنمُّر أشكالًا عدة؛ فمنه ما هو تنمُّر لفظيٌّ، وجسديٌّ، ووظيفيٌّ، وجنسيٌّ، واجتماعيٌّ، وإلكترونيٌّ، وغيرها، وعُرِّفت كما يلي:

أوَّلًا: التنمُّر اللفظي: عُرِّف بأنه: “مجموعة سلوكيات عدائية تتمُّ بصورة متكرِّرة، تصدر من شخص متنمِّر تجاه آخر ضحيَّة يقع عليه فعلُ العداءِ الذي يأتي في صورة إطلاق الأسماء على الآخرين كالتوبيخ، والسخرية، والاستخفاف بالمحيطين؛ للتقليل من مكانتهم”. وهو تعريف يشتمل على عناصر: العداء، والتكرار، ومعاني التوبيخ والسخرية والاستخفاف والتقليل من المكانة، وهي معانٍ وردت في كتاب الله –تعالى- في قوله: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى ‌رَجُلٍ ‌مِنَ ‌الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31]، وذلك على ألسنة المشركين مُوجَّهًا إلى النَّبيِّ الخاتم، وقوله: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين: 32]، وذلك على ألسنة المشركين مُوجَّهًا إلى الصحابة، وهو نوع من التنمُّر اللفظي؛ لوجود فعل القول([11])، حيث يمكن إطلاق التنمُّر اللفظي على ذلك الأسلوب الذي عرضه الله –تعالى- عنهم في كتابه.

ثانيًا: التنمُّر الجسدي: وهو مجموعة سلوكيات عدائية تتمُّ بصورة متكرِّرة، تصدر من شخص متنمِّر تجاه آخر ضحيَّة يقع عليه فعل العداء الذي يأتي في صورة: الضرب، والدفع، والبصق على الآخرين، وإتلاف ممتلكات الغير، والمزاح بطريقة مبالغ فيها، وهو من أكثر أشكال التنمُّر المعروفة.

ثالثًا: التنمُّر الوظيفي: وهو التنمُّر الحاصل بين زملاء العمل أو ما يمارسه الرؤساء على المرؤوسين، وغالبًا ما يكون من خلال سلوكيات غير جسدية ضارَّة، كأن يقوم فرد -أو مجموعة أفراد- باستهداف فرد -أو مجموعة أخرى- بغية اكتساب السلطة على حساب الآخرين، أو الحصول على مكاسب أخرى مختلفة.

رابعًا: التنمُّر الاجتماعي: وهو إيذاء الشخص معنويًّا، وتركه وحيدًا، ودفع الآخرين إلى ترْك صحبتِه، وإخبارهم بعدم مصادقته، أو التعرُّف إليه.

خامسًا: التنمُّر الجنسي: وهو كلُّ سلوكٍ من المتنمِّر -سواء جسديًّا أو غير جسديٍّ- يحدث بناءً على جنس الشخصِ، أو ميوله الجنسية، وهو يتمُّ عندما يُستخدَم الجنس أو الميول الجنسية كسلاحٍ من قِبَل الفتيان أو الفتيات تجاه الفتيان أو الفتيات الآخرين.

سادسًا: التنمُّر الإلكتروني: وهو سلوك متكرِّر يهدف إلى إيقاع الأذى الجسدي أو النفسي أو العاطفي أو المضايقة أو الإحراج أو السخرية من قِبَل طالب متنمِّر على طالب آخر أضعف منه، وذلك بالقول أو الفعل؛ للسيطرة على الضحيَّة وإذلالها، ونيل مكتسبات غير شرعية منها عن طريق وسائل الاتصال الاجتماعي([12]).

أسباب التنمُّر:

تتعدَّد أسباب التنمُّر بصورة كبيرة، ويمكن الوقوف على (أسباب التنمُّر) بسهولة من خلال معرفة (أركان التنمُّر وأشكاله) السابق ذكرها، كما يمكن معرفة (أسباب التنمُّر) من خلال الركن الأوَّل من أركان التنمُّر خاصة، وهو (الشخص المتنمِّر)؛ لأنه عادة يتنمَّر على شخص آخر؛ لتحقيق أمر أو عدَّة أمور، منها ما يلي:

أوَّلًا: محاولة خروج المتنمِّر من الإحباطات الشخصية، والظهور كشخص قوي وصلب، والرغبة الكبيرة في إظهار القوة والسيطرة. ورد في التفسير أنَّ: من شأن الشخص القوي أن يعتزَّ بقوته، وأن الغني يعتزُّ بكثرة ماله، ومن شأن ذي الأهل أن يعتزَّ بنَفَره، وأن يضحك ممَّن يخالفه في المنزع، ويدعوه إلى غير ما يعرف([13]).

ثانيًا: شعور المتنمِّر بالغيرة من الشخص (المتنمَّر بهِ)؛ لأسباب مختلفة؛ منها: الغيرة من مشاعر الوُدِّ التي يحظى بها الآخرون.

ثالثًا: رغبة المتنمِّر –طفلًا كان أو مراهقًا- في لَفْت انتباه الآخرين له، وأن يكون مصدرًا للإثارة.

رابعًا: أسباب أُسرية ترجع إلى طريقة التربية الخاطئة، وعدم ملاحظة الآباء لسلوكيات أبنائهم غير السوية، والبيئة التي يعيش بها المتنمِّر.

خامسًا: الإعلام والثورة التكنولوجية الحديثة التي تُوجِّه بأن العنف ضروري للسيطرة على الآخرين.

سادسًا: الأسباب السيكوسوسيولوچية، حيث ترى بعض الدراسات العلمية أن كثيرًا من المتنمِّرين يُعانون ظروفًا اقتصاديةً غير مستقرَّة.

سابعًا: قد يكون المتنمِّر نفسه ضحيَّة أيضًا للتنمُّر الإلكتروني.

ثامنًا: ما تُوفِّره وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت من التخفِّي وإمكانية انتحال صفات وهمية، وعدم المواجهة المباشرة مع مَن يقومون بالتنمُّر بهم([14]).

وأُضيفُ إلى الأسباب السابقة سببًا تاسعًا: هو الاختلاف، فمن المعلوم أن البعض يضيق بمن اختلف معه في الرؤية أو الهدف أو الفكر العادي، وقد يتعرَّض الشخص للتنمُّر من أقرانه أو زملاء العمل أو الناس الآخرين؛ بسبب اختلافه معهم.

الـمطلب الثانـي: مفهوم القرآن الكريم:

تعريف القرآن لُغة:

اختلف علماء اللغة([15]) فِي اشتقاق لفظ (القرآن) في اللغة، وكونه يُهمز أو لا، فقال جماعة: هو اسم عَلَم غير مُشتق خاص بكلام الله غير مهموز، وبه قرأ ابن كثير المكي -رحمه الله- كلمة (الْقُرْآنُ) حيث (قرأ المكي بنقل حركة الهمزة إلى الراء وحذفها، والباقون بإسكان الراء والهمز)([16])، وهو مرويٌّ عن الإمام الشافعي، فكان يهمز قرأت، ولا يهمز القرآن، ويقول: القُرَانُ اسمٌ، وليس بمهموز، ولـم يُؤخَذ من قَرَأْتُ، ولكنَّه لكتاب الله مثل: التوراة والإنجيل، وقال في البرهان: (وذهب آخرون إلى أنه مشتق من ‌قرنت ‌الشيء ‌بالشيء إذا ضممته إليه فسمي بذلك لقران السور والآيات والحروف فيه)([17])، وقال في الإتقان (وقال آخرون منهم الزَّجَّاج، هو وَصْفٌ على فُعْلَان مُشتق من القُرْءِ بمعنى الجَمعِ، ومنه قَرَأْتُ المَاءَ فَي الحَوض؛ أي: جَمعتُه)([18])،، هذه من أقوال العلماء فِي معنى القرآن لُغة.

لقد رجَّح الإمام السيوطي (ت: 911ه)، فقال: (والمختار عندي في هذه المسألة ما نصَّ عليه الشافعيُّ)([19])، كما رجَّح الشيخ الزرقاني، فقال: (هو في اللغة مصدر مرادف للقراءة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ}[القيامة: 17- 18]، ثم نُقِل من هذا المعنى المصدري، وجُعِل اسمًا لكلام الله  المُنزَّل على النَّبيِّ من باب إطلاق المصدر على مَفعولِه، ذلك ما نختاره استنادًا إلى موارد اللغة، وقوانين الاشتقاق، وإليه ذهب جماعة)([20]).

تلك من آراء العلماء في معنى القرآن في اللغة، وأرى أنَّ القرآن مَصدرٌ بمعنى القِرَاءةِ؛ لآية سورة المزمل؛ لأنها وضعت القرآن موضع المصدر للفعل قرأ، وهو (القراءة)، ولأن أوَّل آية نزلت من القرآن (اقرأ)؛ للإشارة إلى كونه معجزة مقروءة، كما اتفق كثير من علماء التفسير واللغة على القول بهَمْزِ القُرآنِ، ومع أن الإمام الشافعي -رحمه الله- حُجَّة في اللغة، لكنْ يحمل قوله على تخفيف الهمز، أو تسهيلها، وهي قراءة مُعتبرة للإمام ابن كثير.

تعريف القرآن شرعًا:

يُعرف القرآن بأنه هو: (كَلَامُ اللهِ –تعالى- المُنزَّل على سيِّدنا محمَّد -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- المُتعبَّدُ بتلاوته)([21])، ولا يخفى أن التعريف الوارد به قيود؛ حيث إن (كَلَامُ اللهِ) قيد يُدخل القرآن والتوراة والإنجيل، وقيد يُخرج به سائر كلام الخَلْق، وإن (المُنزَّل على سيِّدنا محمَّد) قيد يدخل المنزَّل على خصوص سيِّدنا محمَّد وهو القرآن، ويُخرِج ما أُنزل على سواه من الرُّسُل كإبراهيم وموسى وعيسى وداود، و(المُتعبَّد بتلاوته) قيد يُدخل القرآن المأمور بتلاوته، ويُخرِج وحيَ السُّنَّة، والأحاديث القدسية. ويمكن إضافة قيود أخرى للتعريف مثل: (المُتحدَّى بأقصر سورة منه، المُعجِزُ للبشر إلى يوم القيامة، من أوَّل سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس)، وما ذُكر فيه كفاية لبيان معنى القرآن الكريم.

وبعد تعريف القرآن فإنه من الجدير بالإشارة أن القرآن وحي الله (لفظًا ومعنى)، وهو مصدر الإسلام الحنيف لإثبات قضاياه من عقيدة، وشريعة، وأخلاق؛ لأنَّ كلَّ مسألة يودُّ العالم المجتهد أن يقف على بيانها، أو حُكمها فإنه يبحث أوَّل ما يبحث عن بيان حُكمها فِي الكتاب؛ لأنه مصدر الإسلام الأوَّل في كل قضاياه، ثم في السُّنَّة النبوية؛ لأنها شارحة للقرآن، وبناءً عليه فإذا أردنا بيان موقف الإسلام من قضية من القضايا أو فعل من الأفعال فإن علينا أوَّلًا أن نصرف النظر إلى آي الكتاب التي ورد فيها ما يدلُّ عليهما، مع تدبُّر هذه المواضع؛ حتى نتبيَّن موقف الإسلام من خلال الكتاب الكريم.

المطلب الثالث: سورة يوسُف:

سورة يوسُف في (الترتيب المصحفي) هي السورة التي قبل سورة الرعد، وبعد سورة هود، وقد نزلت سورة يوسُف على رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لمواساته وتسليته وتثبيته.

وأما عن مكان نزولها ففي مكة المكرَّمة، فإنها: (هي مكية كلها، وقيل: نزلت ما بين مكة والمدينة وقت الهجرة، وقال ابن عباس في رواية عنه: إلا أربع آيات، وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال: “نزلت سورة يوسُف بمكة”)([22])، وهذا القول الأخير للحبر ابن عباس -رضي الله عنهما- بأنها: (نزلت سورة يوسُف بمكة)([23])، هو ما نقله أهل العلم بالتفسير وعلوم القرآن واعتبروه واعتمدوه.

وأمَّا بالنسبة لعدد آياتها فقد ورد أنها (وَهِي مئة وَإِحْدَى عشرَة آيَة لَيْسَ فِيهَا اخْتِلَاف)([24])، وهي (إحدى عشرة ومائة)([25]) آية كريمة.

وإن سورة يوسُف من القصص القرآني التي وُصِفت بأنها: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ} [يوسُف: 3]؛ لكونها كاملة السرد، محكمة العرض، موحَّدة الموضوع، معلومة البداية والنهاية، بوحدة موضوعية، حيث بُدِئت واختُتِمَت في نفس سياق أخبار يوسُف، وما فيها من عِبرة للنَّبيِّ الخاتم، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف: 109]؛ وذلك لبيان العِبرة، بطريق الإشارة للمخاطَبِ بالوحي خاصة، ولِمَن نزل فيهم بصفة عامة، وللتاريخ بصفة أعمَّ.

وإن سورة يوسُف المباركة لها صلة بسلوك (التنمُّر)، حيث تكرَّر هذا السلوك قولًا وفعلًا من إخوة يوسُف -عليه السَّلام- ليس مرةً واحدة، وإنما عدَّة مرات، كما ظهر تنمُّر الأسباط بأبيهم يعقوب عليه السَّلام؛ لذا اتَّخذتُ هذه السورة الكريمة نَموذجًا تطبيقيًّا.

المبحث الأوَّل: التنمُّر في ضوء القرآن الكريم

المطلب الأوَّل: تنمُّر جملة المشركين على الأنبياء والرُّسُل:

التنمُّر على الأنبياء والرُّسُل السابقين منها ما يلي:

أوَّلًا: تنمُّر قوم نوح على نبيِّهم: كما في قوله تعالى: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ ‌لَتَكُونَنَّ ‌مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء: 116]، لقد أورد أهل التفسير في تهديد قوم نوح لنبيِّهم بالرجم معنيَيْن أوردهما صاحب المحرر فقال: (وقولهم: “مِنَ الْمَرْجُومِينَ”، يحتمل أن يريدوا: بالحجارة، ويحتمل أن يريدوا: بالقولِ والشتمِ ونحوه، وهو شبيهٌ برجم الحجارة، وهو من الرجم بالغيب والظن ونحو ذلك)([26])، ومعلوم أن كلا المعنيين يدخلان ضمن مفهوم (التنمُّر)؛ لأن المعنى الأوَّل تنمُّر جسديٌّ فِعليٌّ بإلقائه بالحجارة، وأمَّا المعنى الثاني فإنه تنمُّر لفظيٌّ، وهو قاسٍ على نفسية المتنمَّر عليه.

ثانيًا: تنمُّر قوم لوط على نبيِّهم: كما في قول الله: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ ‌لَتَكُونَنَّ ‌مِنَ ‌الْمُخْرَجِينَ} [الشعراء: 167]، ومعناه: الإخراج من بينهم؛ أي: من بلدهم؛ أي: (من بين أظهُرنا وبلدنا)([27])، وهو تهديد بالإخراج من بلده، والتغريب عن قريته، والنفي منها، وإن هذا التهديد تنمُّر لفظيٌّ؛ لِمَا فيه من الوعيد الشديد بهذا النَّبيِّ الكريم، فإن نفَّذ القومُ تهديدَهم فهو تنمُّر فِعليٌّ.

ثالثًا: تنمُّر الملأ من قوم فرعون على النَّبيِّ موسى: كما في قوله: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ ‌إِنِّي ‌لَكَ ‌مِنَ ‌النَّاصِحِينَ} [القصص: 20]، والمعنى: أن مؤمن آل فرعون يُخبر موسى –عليه السَّلام- بتنمُّر قوم فرعون به، والمعنى: أنهم: (يتشاورون في قتلك، ويتآمرون بسببك، قال الزجاج: يأمر بعضهم بعضًا بقتلك([28])، وقال أبو عبيد: (أي: يتشاورون يؤامر بعضهم بعضًا في قتلك) ([29])، وفي فتح القدير: (يتشاورون فيك ليقتلوك؛ يعني: أشراف قوم فرعون. قال الأزهري: ائتمر القومُ وتآمروا؛ أي: أمر بعضهم بعضًا([30])، نظيره قوله: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 6])([31])، فإن الفعل (يَأْتَمِرُونَ) يحمل على أحد أمرين: أوَّلهما: التآمر على موسى رغبة في إيذائه بالقتل، وهو فعل عنيف؛ لِما فيه من إنهاء حياته عليه السَّلام، ثانيهما: الائتمار فيما بينهم أن يأمر ويُشاور بعضهم بعضًا في شأن موسى، وسواء حُمِل على هذا أو ذاك، فإن الفعل (يأتمرون) يحمل نوعًا من التنمُّر بالنَّبيِّ موسى عليه السَّلام.

المطلب الثاني: تنمُّر المشركين على المؤمنين

إن تنمُّر المشركين جاء متنوِّعًا بين تنمُّر قوليٍّ وفِعليٍّ، وقد حكى ربُّنا جانبًا من ذلك في قوله تعالى: {‌إِنَّ ‌الَّذِينَ ‌أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ..} إلى قوله: {فَكِهِينَ} [المطففين 29- 31]، حيث أخبر الله –تعالى- أن أهل الشرك ووصفهم بـ(‌الَّذِينَ ‌أَجْرَمُوا) والوصف بالإجرام حُكمٌ عليهم به، حيث كان من أحوالهم في الدنيا: أنهم كانوا يسخرون من أهل الإيمان، ويستهزئون بهم، ويضحكون عليهم ومنهم، ويتغامزون بهم عند المرور عليهم؛ ازدراءً بهم واحتقارًا لهم، ومع هذا تراهم مُطمئنين، لا يخطر الخوف على بالهم، (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ) صباحًا أو مساءً (انْقَلَبُوا فَكِهِينَ)؛ أي: مسرورين مُغتبطين، وهذا من أعظم ما يكون من الاغترار، أنهم جمعوا بين غاية الإساءة وبين الأمن في الدنيا، وكأنهم قد جاءهم عهد من الله وكتاب موثَّق بأنهم آمنون من الفزع يوم القيامة، أو أنهم من أهل السعادة، وقد حكموا لأنفسهم أنهم أهل الهدى، أو أن أهل الإيمان ضالُّون، ففيه افتراء الكذبِ على الله، فتجرَّؤوا على القول عليه بلا دليل أو برهان من العلم([32])، ذلك أن الآيات الكريمة أوردت سلوكيات أهل الكفر والشرك السلبية ضد المؤمنين، ومنها أفعال: (الإجرام/ الضحك/ التغامز)، مُوجِّهين تلك الأفعال إلى الصحابة، حيث تحمل أفعالًا دالَّة على التنمُّر الفعلي بتلك الأفعال الجسدية الدالَّة على السخرية والتهكُّم وتنقيص القدر والمنزلة، كما وصفهم بـ(فَكِهِينَ) أي: بغبطة وسرور بما يفعلون دون مبالاة بجرم ما يفعلونه تنمُّرًا منهم بأهل الإيمان.

كما يمكن اعتبار التنمُّر الجسدي فضلًا عمَّا فعلته قريش من قطيعة المسلمين في شعب أبي طالب، حيث حُصِرَ رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وبنو هَاشِمٍ ثَلَاثَ سِنِينَ، وكذا «‌‌خَبَرُ الصَّحِيفَةِ» التي قاطعت قريش فيها الرسول وآله والمسلمين([33])، حيث اتفقت قريش مع قبائل العرب فيما بينهم على مقاطعة النَّبيِّ وآله والمسلمين على ألَّا يبيعوا لهم أو يشتروا منهم، أو يُناكحوهم، أو يتعاملوا معهم؛ حتى ضاق الأمر على النَّبيِّ والصحابة، وهو نوع من التنمُّر العملي القاسي؛ لأن المعاملة بين الناس سُنَّة من سُنن اجتماع الخَلْق، تؤُكِّدها الفطرة، ويُقرُّها الدِّين الحنيف، والشرع الشريف، حتى أظهر الله نبيَّه بأن أكلت الأَرَضَة -وهي دُويبة بيضاء تأكل الخشب ونحوه- الصحيفةَ إلا ما فيها من ذِكر لله ربِّ العالمين، حيث أخبرهم النَّبيُّ بذلك، قال تعالى: {‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌يُدافِعُ ‌عَنِ ‌الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 38].

المطلب الثالث: تنمُّر فرعون على موسى الكليم:

تنمُّر فرعون على موسى عليه السَّلام: كما في حكاية قوله لِملئه عن موسى: {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27]، والمعنى: أنْ قال فرعون لِمَن يخاطبه من قومه: إنَّ رسولكم لا عقل له؛ إذ يقول قولًا لا نعرفه ولا نفهمه، فهو يدَّعى أنَّ ثمَّة إلَهًا غيري([34]).

ومن ناحية أخرى فإن السبب الذي دفع فرعون إلى ذلك التنمُّر هو الجهل المركَّب حيث إن فرعون قد احتدَّ أسلوبه مع موسى، وذلك (لَمَّا ذكر موسى ما يشمل آباءَه المقدَّسين بذكرٍ يُخرجهم من صفة الإلهية زاعمًا أن هذا يُخالف العقل بالضرورة)([35])، وذلك لأنه كان يدَّعي الألوهية من دون الله -تعالى- له ولِمَن سبق من آبائه، فليس بعد الكفر ذنب، فصدَّر قوله بأسلوب من التهكُّم والسخرية، وعجز قوله يحمل اتهامًا للنَّبيِّ الكليم بالجنون، وهذا وذاك من التنمُّر.

لذلك تمادى فرعون في تنمُّره وتعاليه في كِبر نفسي، وعجب قلبِيٍّ، فحكى ربُّنا عنه قوله: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29]، فهدَّد موسى بالسجن كما هدَّده بالقتل، كما في قوله تعالى: {‌وَقَالَ ‌فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} [غافر: 26]، كما أن فرعون ادَّعى على الكليم موسى في افتراء الكذب أنه ساحر، وذلك لَمَّا أظهر الله على يد الكليم معجزة العصا، حيث انقلبت حيَّة تسعى، فحكى عنه ربُّنا قوله: {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِيمٌ} [الشعراء: 34]، وهذا يدلُّ على أن تنمُّر فرعون بموسى لم يكن مرة بل تعدَّد وتكرَّر في كل حال وموقف؛ لئلَّا يظهر أمر النَّبيِّ موسى بإحقاق النبوَّة الحقَّة، وإبطال الشرك الباطل، وهذا شأن التنمُّر بأشكاله المناسبة من قول أو فعل.

بل إنَّ تنمُّر فرعونَ تعدَّى النَّبيَّ موسى -عليه السَّلام- إلى مَن آمن به مِن السَّحَرةِ، لَمَّا آمنوا، وهم يُمثِّلون أهل العلم والذكر بمصر في ذلك العصر، فحكى القرآن قوله لهم: {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} [الشعراء: 49]، فتنمَّر عليهم بالتهديد بتقطيع أيديهم وأرجُلهم من خلاف؛ يعني: اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، كما هدَّدهم بصلبهم، وهو يكون حتى القتل.

المطلب الرابع: تنمُّر والد إبراهيم على ولده الخليل إبراهيم:

قال تعالى: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 46]، (أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ): الرغبة عن الشيء: الترك على سبيل العَمد، (آلِهَتِي) بإضافة (الآلهة) إلى نفسه فقط: فيه إشارة لمبالغته في تعظيمها، فأصرَّ على ادِّعاء إلَهيَّتها جهلًا وتقليدًا، واتَّسم قوله بالعنف فقال: (يَا إِبْرَاهِيمُ)، ولم يقل: “يا بنيَّ”، وقابل وعظ إبراهيم بالتهديد والسفاهة بقوله مقسِمًا: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ)، حيث هدَّده بالضرب والشتم فقال: (لَأَرْجُمَنَّكَ)؛ أي: لأقتلنَّك، أو الرجم بالحجارة حتى تموتَ أو تبعتد عني، أو بكلام قبيح فهو من الرجم باللسان، (وَاهْجُرْنِي) أي: ابتعد عني بالمفارقة من الدار والبلد؛ أي: تباعد عنِّي، (مَلِيًّا) أي: دهرًا طويلًا؛ لكي لا أراك، وقيل: (اهْجُرْنِي) بالقول فلا تخاطبني دهرًا طويلًا؛ لأجل ما صدر منك من هذا الكلام([36]). ومن الواضح ما يلي:

أوَّلًا: إن سبب تنمُّر والد إبراهيم هنا لينتصر لآلهته.

ثانيًا: جاء أسلوبه وكلامه مُؤكَّدًا بقسَمٍ مقدَّرٍ.  

ثالثًا: الفعل (رغب) يتعدَّى بحرف الجر (عن) بالترك، ويتعدَّى ببالحرف (في) في الجمع، فاختار الأولى لإرادة المفارقة والابتعاد والترك.

رابعًا: همزة (أَرَاغِبٌ) للاستفهام، وهو يُفيد التوبيخ أو التقريع أو التعجيب([37])، مع تَهديد الوالد برجم ولده بالحجارة لقتله، وأمَره بالهجر والابتعاد عنه.

خامسًا: في الرجم معنيان: الأوَّل: الرجم بحجارة، والثاني: الرجم بفحش الكلام. وفي الهجر معنيان: الأوَّل: مفارقة الدار وبُعْد البلد. والثاني: مفارقة الكلام زمنًا طويلًا.

سادسًا: إن كلًّا من الرجم والهجر تنمُّر فِعليٌّ على المعنى الأوَّل فيهما.

سابعًا: إن كلًّا من الرجم والهجر تنمُّر لفظيٌّ على المعنى الثاني فيهما.

ثامنًا: في هذا النموذج من التنمُّر إشارة إلى أنَّ من التنمُّر ما يكون بالترك والمفارقة، فالمقصود عموم المفارقة، مادية كانت أو معنوية.

وإن قيل: هذا التنمُّر من الوالد، وهو من باب القسوة على ولده؛ للتوجيه، كما سبقت الإشارة لذلك، وقيل في الجواب: أن دافع الوالد في قسوته ليس للتوجيه والإرشاد، وإنما دفاعًا عن آلهته وأصنامه، كما صرَّح بذلك بتقديم ذلك على الوعيد بالرجم وأمره بالهجر؛ لذلك اشتدَّ تمسُّك الخليل بعبادة ربِّه وتوحيده لَمَّا توعَّده أبوه، ولَمَّا جادله قومه وحاجُّوه، وذلك قوله: {قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} [الأنعام: 80].

المطلب الخامس: تنمُّر قريش على النَّبيِّ الخاتم وجملة أصحابه:

ورد في القرآن الكريم في عدة مواضع منه جملة قرآنية مكرورة هي: (‌وَقَالَ ‌الَّذِينَ ‌كَفَرُوا)([38])، وفي كلِّ مرة قولٌ مغايرٌ للقول الذي في الموضع الآخر، وغيرها من المواضع الأخرى([39])؛ مِمَّا يدلُّ على أن المشركين تنوَّع لديهم التنمُّر القولي برسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومن ذلك حكاية القرآن عن قول المشركين لرسول الله في قوله تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ ‌يَأْكُلُ ‌الطَّعامَ ‌وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ…} إلى قوله: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الفرقان: 7-8].

إنَّ هذا الموضعَ القرآنيَّ يُبيِّن أقسَى أنواعِ التنمُّرِ اللفظيِّ؛ لذا قال أهل التفسير: (وهو ردٌّ لقولهم: لو كان نبيًّا لكان من جنس الملائكة، كما قالوا: {‌مالِ ‌هذَا ‌الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ}، وقد أعلمنا الله –تعالى- بأن ذلك سُنَّة كثير من الرُّسُل، فما جاز في حقِّهم لِمَ لا يجوز في حقِّه؟ وقد قال تعالى له: {قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ} [الكهف: 110]([40]).

وإنَّ سرَّ القسوة في هذا الموضع من التنمُّر أنهم أنكروا على النَّبيِّ الخاتم بشريَّته، وأنه يفعل مثلما يفعل البشر، كما قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} [الأنعام: 8]، وهو مما يُستنْبَط من هذا الموضع القرآني، حيث يكون التنمُّر اللفظي تندُّرًا على أمرٍ طبيعيٍّ معتادٍ كأكلِ الشخص الآخر للطعام، فأنَّى لإنسانٍ لا يأكلُ الطعامَ؟ وما وجه الاعتراضِ على ذلك؟ أو يكون التنمُّرُ اللفظي تندُّرًا على ممارسة عادة إنسانية عامة كالمشي في الأسواق، حيث يتنمَّر المتنمِّر على شيء لا يمكن الانفكاك عنه؛ وذلك لأن العادة محكمة، ولأن الطبيعة غالبة، فلا يمكن التنصُّل من هذا أو ترك ذلك.

المبحث الثانِي: أحكام التنمُّر في ضوء القرآن الكريم

المطلب الأوَّل: بيان حُكم (التنمُّر القولي) في القرآن الكريم:

إن التنمُّرَ كسلوكٍ جانحٍ يترتَّب عليه آثارٌ سلبيةٌ على مستوى الفرد، وكذلك على مستوى المجتمع، فإن انتشر كسمةٍ لعصرٍ، أو سمة لمجتمعٍ من المجتمعات البشرية؛ لسوء التنشئة والتربية، وانعدام القدوات الصالحة، أو كان التنمُّر سلوكًا عامًّا متعارفًا يعيشه الناسُ في علاقاتهم ومعاملاتهم؛ فإن كان التنمُّر كذلك كان لزامًا البحث عن علاج ومواجهة له، حيث صار ظاهرة عامة، لذا ظهرت معالجة القرآن الكريم بوضع ضوابط على المستوى العقدي، وإقرار أحكام راشدة على المستوى التشريعي، وفيما يلي أبيِّن كلا الأمرين:

أوَّلًا: الضوابط العقدية في القرآن للتنمُّر:

من الضوابط العقدية القرآنية للتنمُّر: بيان علم الله –تعالى- بأحوال خَلْقه سرًّا وجهرًا، وبيان كتابة الملائكة له، وذلك في قوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ ‌يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80]؛ لأن الله عالم وعليم بسرِّ الشخصِ وعلنِه، ولأن كتابة الملائكة لأقوال وأعمال بني آدم تزجر المتنمِّر وتخوِّفه من عاقبة ما يقول أو يفعل بأحدٍ من خَلْق اللهِ تعالى، ولقد تأكَّد ذلك ببيان تسجيل الملائكة الكتبة قول كلِّ قائلٍ، وفعل كلِّ فاعل، وذلك في قوله: {إِنَّ رُسُلَنا ‌يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} [يونس: 21]؛ لذا فإن عقيدة (أهل السُّنَّة يُؤمنون بالحفَظَةِ الذين يكتُبُون أعمالَ العباد، وقال عزَّ وجلَّ: {‌وَإِنَّ ‌عَلَيْكُمْ ‌لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 10- 11]، وقال: {‌مَا ‌يَلْفِظُ ‌مِنْ ‌قَوْلٍ ‌إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18])([41])، فإن تذكير الشخص المتنمِّر بهذه العقيدة الثابتة في القرآن أو تلك فلعلَّه يتذكَّر، أو ينصلح حاله، ويخشى ربَّه، خاصة إن كان بالغًا راشدًا مكلَّفًا، أو حتى إن كان مراهقًا؛ لأن العقيدة تجعله متحفِّظًا من محاسبة الله –تعالى- على ما قدَّم ويُقدِّم من سوء قول أو فعل؛ فينزجر.

ومن الضوابط العقدية القرآنية للتنمُّر القولي: بيان فساد الافتراء والكذب، وذلك في قوله: {وَقَدْ ‌خَابَ ‌مَنِ ‌افْتَرَى} [طه: 61]، حيث يغلب على المتنمِّر وصفي الافتراء والكذب، وإن (أصل معنى الافتراء هو: الاختراع، وغلب على اختراع الخبَرِ؛ أي: اختلاقه، فساوى الكذب في المعنى)([42]).

وتأكَّد هذا المعنى في قوله تعالى: {‌إِنَّمَا ‌يَفْتَرِي ‌الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل: 105]، وهذه الآية الكريمة تحمل في مضمونها ردًّا لقالة الكفَّار للنَّبيِّ وتنمُّرهم به في حكاية قوله تعالى: {قَالُوا ‌إِنَّمَا ‌أَنْتَ ‌مُفْتَرٍ} [النحل: 101]، وحاشا لنبيِّ الله الخاتم أن يفتري شيئًا، وبذلك فقد قلب القرآنُ تلك الدعوَى بالافتراء عليهم، ببيان أنهم هم المفترون، لا النَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. والمعنى: إنما يليق افتراء الكذب بِمَن لا يؤمن؛ لأنه لا يخاف عقابًا يردعه عنه، فقوله: {وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ} إشارة للذين لا يُؤمنون، ويدخل فيهم قريش دخولًا أوَّليًّا؛ أي: هم الكاذبون في الحقيقة ونفس الأمر، أو أنهم هم الكاملون في الكذب؛ لأنه لا كذب أعظم من تكذيب آيات الله تعالى، والطعن فيها بأمثال تلك الأباطيل، ولا يخفى ما في الحصر بعد القصر من العناية بمقامه صلوات الله عليه، وقد كان أصدق الناس وأبرَّهم وأكملهم علمًا وعملًا وإيمانًا وإيقانًا([43]). وفي بيان تنمُّر الكفَّار بالنَّبيِّ حُكم بأن تلك الدعاوى كفر بالَّنبيِّ وبمَا له من عصمة.

ومن الضوابط العقدية القرآنية للتنمُّر القولي: التحذير من الشيطان؛ وذلك لأن الشيطان عدوٌّ يجب جهاده، وجهاد الشيطان يكون بتكذيبِ وعدِه، وبمعصية أمرِه، مع ارتكاب نَهيِه؛ لأنه يَعِدُ الأمانِي، ويُمنِّي بالغُرورَ، ويَعِد الفقرَ، ويأمر بالفحشاء، كما أنه ينهى عن المعروف والهدى والتقى والعفَّة، قال تعالى: {إِنَّ ‌الشَّيْطَانَ ‌لَكُمْ ‌عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6]([44])، فإن علم المتنمِّر أن أعماله تُغضب الله تعالى؛ لأنه –سبحانه- يأمر بالعدل والإحسان، بينما أعماله التنمُّرية تُرضي الشيطان، فإنه ينصلح حاله وينضبط شأنه بالتعوُّذ بالله من الشيطان، وذلك كما في قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: 200]، فهذا جانب من العقيدة الإيمانية الإجرائية.

ومن الضوابط العقدية القرآنية للتنمُّر القولي: التحذير من النفس الأمَّارة بالسوء، وذلك في قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ‌إِنَّ ‌النَّفْسَ ‌لَأَمَّارَةٌ ‌بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53]؛ لأن النَّفْس الإنسانية تأمر صاحبها كثيرًا بالسوء، سواء بالقول أو الفعل والتصرُّف؛ وقوله: {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} يحمل استثناءً فيه احتمالات: إمَّا استثناء من النَّفْس، كأنه قيل: ‌إن ‌النَّفْس ‌لأمَّارة ‌بالسوء إلا نفسًا رحمها ربي؛ فإنها لا تأمر بالسوء. الاحتمال الثاني: أنه استثناء من الضمير المستتر في (أَمَّارَةٌ)، بتقدير “هي أمَّارة”، كأنه قيل: ‌إن ‌النَّفْس ‌لأمَّارة ‌بالسوء إلا مَن رحمه الله؛ فإنه لا يأمر بسوء ولا يفعله. وهناك احتمال ثالث: بتقدير الوقت؛ والتقدير: “هي أمَّارة بالسوء في كلِّ وقت إلا وقت رحمة ربي وعصمته لها، والذي دلَّ على عموم الأوقات صيغة المبالغة في (أَمَّارَةٌ)، يُقال في اللغة: أمرت النَّفْس بشيء فهي آمرة، وإذا أكثرت الأمر فهي أمَّارة([45]). وعلى أيَّة حال فإن المتنمِّر ذو نفسية جانحة، فإن مما يجب عليه أن يقف على فساد دوافع التنمُّر، وإدراك أنها دوافع خاوية تافهة لا تثبت على نهج سليم وهدى مستقيم، وإنما هي إمَّا وسوسة شيطان، أو أوهام نَفْس أمَّارة بالسوء تدفعه إلى التنمُّرِ ظلمًا، واعتداءً على الشخص الآخر، وكذا أن يجاهد نفسه؛ لئلَّا يقع في ذنبه مرة أخرى، فمتى ابتُلِي المكلَّف بذنب فعليه أن يُراجع نفسه، ويُعيد حساباته، ويحاسب نفسه، فإن رحمة الله واسعة؛ لذا خُتِمت الآية بقوله: {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

المطلب الثاني: بيان حُكم (التنمُّر الفعلي) في القرآن الكريم:

من الضوابط القرآنية: بيان حُكم التنمُّر الفعلي في الشرع؛ لأنه نوعٌ من الظلمِ؛ والظلمُ محرَّمٌ في القرآنِ، حيث قال: {‌وَقَدْ ‌خَابَ ‌مَنْ ‌حَمَلَ ‌ظُلْمًا}[طه: 111]، ولأن التنمُّر وإن كان في حقيقة الأمر ظلمًا لشخص الآخر، لكنَّه سوف يُوفَّى حقَّه منه قصاصًا عادلًا إمَّا عاجلًا في الدنيا، وإمَّا آجلًا في الآخرة؛ فالمتنمِّر قد ظلم نفسَه؛ لأنَّ الله سيُحاسبه يوم لا ينفع ندم، قال تعالى: {مَنْ ‌يَعْمَلْ ‌سُوءًا ‌يُجْزَ ‌بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء: 123].

من الضوابط القرآنية للتنمّر العملي: الدعوة إلى التوبة؛ لأنَّ كلَّ متنمِّر مكلَّف بأنه مسؤول عن تصرُّفاته، فإن كانت جانية فهي من الذنوب والمعاصي، فالواجب عليه أن يُبادر بالتوبة إلى الله تعالى، فقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]، وهو وصفٌ لأهل التقوى، فليس للمتنمِّر أن يُصرَّ على تنمُّره؛ لأنه نوع معصية وذنب، وليس من شأنِ المكلَّف المؤمن ألا يقع في الذنب، وليس من شأنه الاستمرارُ على ذنبه، أو إصراره عليه.

المبحث الثالث: قصة يوسُف أنموذجًا تطبيقيًّا

المطلب الأوَّل: تنمُّر الأسباط على أخيهم يوسُف عليه السَّلام:

النموذج الأوَّل:

من نماذج التنمُّر التي نقف عليها من خلال سورة يوسُف ما بدر من إخوة يوسُف، وهم أبناء يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السَّلام، فقد حكى القرآن في قوله تعالى: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} [يوسف: 9]، وفي ذلك توافق منهم على قتل أخيهم، وهو من أفعال العنف، والتنمُّر الفعلي، وقوله: (وَتَكُونُوا) أي: من بعد إعدامه (قَوْمًا صَالِحِينَ)، فأضمروا التوبة إلى الله من الذنب قبل فعل الذنب([46])، (وقال بعض الحكماء: هكذا يكون المؤمن، يُهيِّئ أمر ‌التوبة ‌قبل ‌المعصية)([47])، وهذا من عجيب القول وتضارُبه، مما يُظهر جانبًا من نفسيةِ القوم المتضارِبة، حيث إنه من المعلوم أن قتل النَّفْس المؤمنة محرَّم في جميع الشرائع، وهذا لا يجوز عند أهل الحقِّ؛ كما أن نِيَّة توبة المكلَّف لا تُخوِّل له أو تُجوِّز له أن يتعمَّد فعل الذنبِ والوقوعَ فيه؛ وإلا فلن نجد عُصاة أو مُذنبين، وأسبابه ما يلي:

أوَّلًا: قد يأتي الأجلُ مُعجَّلًا قبل التوبة.

ثانيًا: قد لا يُوفَّق المكلَّف إلى التوبة؛ فينسى أو يذهل أو يغفل.

ثالثًا: قد لا يقبل الله منه توبته، فهذا خللٌ في التفكير لا يصحُّ شرعًا.

النموذج الثانِي:

من نماذج التنمُّر من خلال سورة يوسُف: ما بدر من إخوة يوسُف كذلك، وهو توافقهم على إلقائه في الجُبِّ، واقتادوه لذلك الغرض، وذلك في قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ..} الآية [يوسُف: 15]، وهذا مثال للتنمُّر يتَّسم بأنه من جماعة هم إخوة يوسُف على واحد هو النَّبيُّ يوسُف، وقوله: (وَأَجْمَعُوا) أي: عزموا على أن يجعلوه في غيابة الجُبِّ. وفي الإشارة إلى قصَّة ذهابهم به قال المفسِّرون: قالوا ليوسُف: أَمَا تشتاقُ أن تخرج معنا فتلعب وتتصيد؟ قال: بلى، قالوا: فسلْ أباك أن يُرسلك معنا، قال: أفعل، فدخلوا بجماعتهم على يعقوب، فقالوا: يا أبانا إِن يوسُف قد أحبَّ أن يخرج معنا، فقال: ما تقول يا بنيَّ؟ قال: نعم يا أبتِ، قد أرى من إِخوتي اللين واللطف، فأنا أحبُّ أن تأذن لي، فأرسله معهم، فلمَّا أصحروا، أظهروا له ما في أنفُسهم من العداوة، وأغلظوا له القول، وجعل يلجأ إِلى هذا، فيضربه، وإِلى هذا، فيُؤذيه، فلمَّا فطن لِمَا قد عزموا عليه…([48])، وهذه آثار يستأنس بها المفسِّر؛ ليُبيِّن أفعال القوم بلا احتجاج، وفي بعضها غرابة.

ومن دلائل التنمُّر في هذا الشاهد ما يلي: أوَّلًا: قوله: (أجمعوا)، فإن واو الجماعة فاعل، وإن ضمير المفرد الغائب في (أن يجعلوه) هنا: مفعول؛ مما يدلُّ على أنه تنمُّر جماعة على فرد. ثانيًا: قوله (فِي غَيابَتِ الْجُبِّ) أي: داخل الجُبِّ، والمراد قطع عميق في الأرض، والجُبُّ هو: القطع([49]). ثالثًا: (‌وَهُمْ ‌لَا يَشْعُرُونَ) بيان لحالهم من عدم المبالاة؛ لضعف يوسُف بينهم، وتوسُّله بهم، كشأن مَن في هذا الحال، فالمتنمِّر مُتبلِّد المشاعر والإحساس بالشخص الآخر.

المطلب الثاني: تنمُّر الأسباط على أبيهم يعقوب عليه السَّلام:

النموذج الثالث:

كذلك إن من نماذج التنمُّر من خلال سورة يوسُف: ما بدر من إخوة يوسُف تجاه أبيهم، كما في قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا ‌مَا ‌لَكَ ‌لَا ‌تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسُف: 11- 12]، حيث يبدو التنمُّر فيما يلي:

أوَّلًا: قولهم: (يَا أَبَانَا)([50])، الذي يحمل تذكيرًا بالعلاقة الْجَمعيَّة لهم، وهي علاقة الأبوَّة، وهو أسلوب ترقيق واستمالة لأبيهم، وهو صحيح، لكن مما يجعل هذا الأسلوب تنمُّرًا أنهم قصدوا به استمالة أبيهم بهذا الأسلوب؛ رغبة في أن يأخذوا أخاهم يوسُف، ويفعلوا به ما أجمعوا عليه أمرهم.

ثانيًا: قولهم: (‌مَا ‌لَكَ ‌لَا ‌تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ)، وهو استفهام يحمل التأكيد على هذه الاستمالة لأبيهم، فإن قرَّة عين الأب تتحقَّق لَمَّا يرى أبناءه في جمعهم حوله وبين يديه، طوعًا له، وهم هنا يستميلون عاطفةً فطريَّة لدى أبيهم؛ رغبة في استبعاد التشكُّك في أمرهم؛ لئلَّا يظنَّ أذاهم ليوسُف، أو إلحاق ضرر به، أو له، وهو أسلوب كيد ومكر لَمَّا أسَّسوا عليه تنفيذ رغبة الأذى والضرِّ وفعل الشرِّ.

ثالثًا: قولهم: (وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) هذا الخبر المؤكَّد بـ(إِنَّ) واللام الموطئة للقسَم على وصفهم لأنفسهم بوصف (الناصح) كذبًا عليه؛ فهل كانوا فعلًا ينوون النصحَ ليوسُف، أم أنهم كانوا يعقِدون عزمهم على تحقيق رغبتهم في التخلُّص منه بقتلٍ أو بطرحٍ في أرض بعيدة عنهم؟! إنهم كانوا يقصدون التخلُّص منه؛ بغية أن يخلو لهم وجهُ أبيهم، فهو إذًا تنمُّر بقول الكذب على أبيهم.

رابعًا: قولهم: (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ)، وهو طلبٌ بإرساله معهم، ثم أردفوا الطلب بغرض كاذبٍ هو أن يرتع ويلعب، ويرتع أي: (يسعى وينشط ويلهو)([51])، وهو زيفٌ ومكر مكرُوه.

خامسًا: قولهم: (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وهو بالضبط مثلما في قوله: (وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ)؛ فهل كانوا ينوون حفظ يوسُف، أم أنهم كانوا يعقِدون العزم على التخلُّص منه؛ تحقيقًا لرغبتهم الدنيئة؟! إنهم كانوا يقصدون التخلُّص منه؛ بغية أن يخلو لهم وجهُ أبيهم، فهو إذًا تنمُّر بقول الكذب على أبيهم.

فظهر التنمُّر ثمَّة في هذه المواضع التي تدور بين التنمُّر القولي باستمالة أبيهم، ثم بالكذب عليه، ثم بالكيد لأبيهم والمكر به بإظهار خلاف ما يُبطنون، فأظهروا النصح والحفظ لأخيهم بينما كانوا يُريدون ويقصدون الطعن والفتك والإضاعة، فثمَّة تنمُّر جمعٍ على واحد، وتنمُّر فِعليٌّ وتنمُّر ثالث قوليٌّ.

النموذج الرابع:

من نماذج التنمُّر من خلال سورة يوسُف: ما بدر من إخوة يوسُف كذلك مع أبيهم يعقوب بعدما أرسل يوسُف قميصه مع البشير؛ ليُلقيه على وجهه، فوجد ريح يوسُف، فردُّوا عليه ردًّا منكَرًا؛ إذ وصفوه بالضَّلال، وذلك حكاية في قوله تعالى: {قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ ‌إِنَّكَ ‌لَفِي ‌ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف: 94- 95]، ففي الآية ما يدلُّ على التنمُّر القولي، ويُفهم منها ما يلي:

أوَّلًا: تأكيد قولهم بالقسَمِ واللام و(إن)، وذلك إصرار على التنمُّر في تعقيبهم على قول أبيهم بحكاية قولهم: (تَاللَّهِ ‌إِنَّكَ ‌لَفِي ‌ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ) قال ابن عباس: (‌في ‌خطئك ‌القديم)، وقال ابن جبير: (‌في ‌جنونك ‌القديم)([52])، وقيل: المعنى: (‌في ‌محبَّتك ‌القديمة؛ قال الحسن البصري: فكان هذا عقوقًا عظيمًا منهم)([53]).

ثانيًا: مجرَّد خطاب التعقيب من الولد على أبيه خطأ وتنمُّر، خاصة وأنه عبَّر عمَّا يجد في الواقع من ريح ولده يوسُف، من منطلق عاطفة وشوقٍ إليه بعدما حُرِم منه سنين.

ثالثًا: في وصفهم لأبيهم بأنه (في ضلال) تنمُّر قولي، اعتبره بعضُ المفسِّرين من العقوق لأبيهم، وهو صحيح.

رابعًا: يدلُّ الشاهد على أخلاقهم النابية، وسجاياهم البالية، وتمكُّن الحقد في أنفُسهم محلِّ التنمُّر.

خامسًا: يدلُّ الشاهد كذلك على أنهم لا يُعظِّمون حُرمة أبيهم بالبِرِّ والإحسان به أو إليه، كما أنهم لا يُوقِّرون ذا الشيبة الكبير مُطلقًا من باب أولَى.

المطلب الثالث: تنمُّر الأسباط على أخيهم بنيامين عليه السَّلام:

النموذج الخامس:

من نماذج التنمُّر من خلال سورة يوسُف: ما بدر من إخوة يوسُف مع أخيهم بنيامين، في ضوء التعبير بفِعل المراودة، فقد ورد هذا الممكَّن التعبيري بصيغة في حوار إخوة يوسُف معه، في قوله تعالى: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} [يوسف: 61]، وهذا من أجل أن يُبيِّنوا ليوسُف مدَّعين أنَّ الأمر ليس يسيرًا، لكنَّهم سيبذلون جهدهم، وأكَّدوا ذلك بقولهم: (وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ). لقد استخدم إخوة يوسُف الفعل (سَنُرَاوِدُ)، وقد ذكروا المرادوة بعد تناول يوسُف أسلوب الترهيب معهم؛ لتقرير حقيقة إحضار أخيهم معهم، فإن لم يأتوا به فلا كيل لهم عنده؛ ولذلك اعتمدوا أسلوب الإقناع: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ}، والإقناع في استخدام (سَنُرَاوِدُ) الذي يُشير إلى مقدار ما سيبذلون من جهد ومعاناة في إقناع أبيهم بإرسال أخيهم معهم. لكنَّهم جادُّون في المراودة والإقناع، وقد أظهروا ليوسُف حرصهم على إحضاره بقولهم: (وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ). وهذا يدلُّ على أن التعبير بفعل المراودة ورد مُسندًا إلى إخوة يوسُف؛ للتعبير عن المنازعة والمخادعة، وقصد السوء وفعله.

فمثلما فعلوا مع يوسُف فعلوا كذلك مع أخيه بنيامين، ولقد عبَّر إخوة يوسُف بهذا الممكَّن التعبيري: {سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ}، ولم يقولوا: (سنُراود عنه أبانا)، كما قالوا قبل ذلك: {يَا أَبَانا ‌مَا ‌لَكَ ‌لَا ‌تَأْمَنَّا} [يوسف: 11]؛ ليدلَّ على أن تعبير المراودة ورد صريحًا تارة، كما ورد تلميحًا وإشارة أخرى، وهو يُشير للدلالة على النفسيَّة الشريرة الكامنة فيهم من رغبة أكيدة، وإرادة جامحة عندهم في مُراودة أبيهم مرة بعد أخرى؛ من أجل إقناعه بإرسال أخيهم يوسُف معهم، ثم مُرادوته مرة أخرى لإرسال أخيهم بنيامين معهم، إنها الأنفُس التي تُصرُّ على السوء مع تكراره إن لزم الأمر. والتكرار من لوازم التنمُّر كما سبق. قال بعض أهل العلم: أي: قال إخوة يوسُف ليوسُف: سنُراود أباه، ونسأله أن يخليه معنا حتى نجيء به إليك، (وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ) ما قلنا، والمراودة: المنازعة من القادر بدعائه إلى ما يُراد منه فعله, وأصل ذلك الطلب، ومنه الإرادة، وهي طلبه الفعل([54]). وفيها بيان للعزم على فِعل ما يكيدون به ويمكرونه.

النموذج السادس:

من نماذج التنمُّر من خلال سورة يوسُف: ما بدر من إخوة يوسُف مع أخيهم بنيامين، وذلك حكاية في قوله: {قَالُوا ‌إِنْ ‌يَسْرِقْ ‌فَقَدْ ‌سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ…} الآية [يوسُف: 77]، إن إخوة كلِّ من: “يوسف وبنيامين” قد أذعنوا وسلَّموا بسرقة أخيهم بنيامين؛ لأن الأدلَّة قامت وظهرت لديهم عليها، ولكن لماذا افتروا على يوسُف بقولهم: (‌فَقَدْ ‌سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ)، مع أنهم هم الذين سرقوه من أبيهم، ثم ألقوه في الجُبِّ؟! إنه دافع الحسد والحقد، لم يُفنيهما طول العهد والزمان، لذا أسرَّ يوسُف ذلك في سِرِّه ونَفْسه، فلم يُبدِ لهم كذبهم، فلم يقلْ لهم: أنتم كاذبون، وذلك من كَرَم أخلاقه ونُبل طباعه، فهو قويٌّ مُسيطر، لكنَّه ليس بجبارٍ في الأرض، وليس حانقًا؛ لأن اللَّه –تعالى- جعل اليد الطولى له، وكتب له الخير والفضل بحكم اللَّه –تعالى- تمهيدًا لذلك السلطان، فكيف ينتقم؟! وإذا كان لَم يُبْدِ ما أسرَّ فإنه وصمهم بوصفٍ حقيقي، وقال ما هو نفيٌ للسرقة عن أخصِّ نَفْسه: (قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا)؛ أي: أنتم بمنزلة من الشرِّ؛ لسوء فعالكم من الكذب على أبيكم، وسرقة أخيكم، من غير جريرة من أبيكم ولا أخيهم، (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) علمًا بما تُكِنُّ الأنفُسُ وتُضمِر القلوبُ (بِمَا تَصِفونَ)، ولو كانوا يعلمون أنه يوسُف أخوهم لأدركوا المرمى والمغزى من القول، لكنَّهم لم يعلموا([55]).

وهذا مثال للتنمُّر القولي يدلُّ على استمرار ما في أنفُسهم من حقد وحسد، كما يدلُّ على فَضْح ما ستروه سنين عددًا، تصديقًا لقول الله تعالى: {وَاللَّهُ ‌غالِبٌ ‌عَلى ‌أَمْرِهِ} [يوسف: 21]، كما يدلُّ على أنه قد لا يجب مكاشفة المتنمِّر بسوء فعله إلا في حينه، كما يدلُّ الشاهد على مشروعيَّة الحيلة لأخذ الحق، وتحقيق الخير، ودفع الضرِّ والشرِّ، فيوسُف وضع السقاية في رحل أخيه رحمةً به.

المطلب الرابع: تنمُّر امرأة العزيز على يوسُف عليه السَّلام:

النموذج السابع:

من نماذج التنمُّر من خلال سورة يوسُف: ما بدر من امرأة العزيز مع يوسُف كذلك، وذلك في قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسُف: 23]، فقد (خادعت امرأة العزيز يوسُف عن نفسه ورواغته، ليريد منها ما تريد هي منه مخالفًا لإرادته وإرادة ربِّه، والله غالب على أمره)([56]). وإسناد الفعل إلى اسم موصول كُني به عن امرأة العزيز: (التي هو في بيتها)؛ لقصد ما تُؤذن به الصلة من تقرير عصمة يوسف؛ لأَنَّ كونه في بيتها من شأنه أن يُطوِّعه لمرادها، وفي هذا دلالة على أنَّ منبع المراودة امرأة العزيز، ويوسُف منها براء.

وقد يتكرَّر هذا الممكَّن التعبيري في قول يوسُف عليه السَّلام الحقيقةَ مُدافعًا عن نفسه {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَفْسِي} [يوسُف: ٢٦]؛ أي: لستُ أنا الذي أردتُ السوء، بل هي التي أرادت ذلك، وهذا يُفهم من قوله: (هِيَ رَاوَدَتْنِي)، حيث ذكر الضمير العائد عليها مرتين، وهذا يدلُّ على أن التعبير بالمراودة وردت مسندة لامرأة العزيز مرتين للتعبير عن تلك المخادعة، وقصد السوء بفعل الفاحشة من ناحية واحدة، مع الحفاظ على الأدب والتهذيب دون جرح عفَّة النَّفْس الإنسانية وعفاف المتلقِّي.

ملاحظات حول نماذج سلوك التنمُّر في سورة يوسُف:

بعدما تبيَّن ما في سورة يوسُف من مظاهر التنمُّر أشير إلى ملاحظات ثلاث لها أهميتها، وهي كما يلي:

الملاحظة الأولى: أنَّ النَّبيَّ يعقوب -عليه السَّلام- أوضح خطورة الشيطان على أهل البيت الواحد، واعتبره سببًا رئيسًا لِمَا قد يُحدث من كيدِ إخوته، أو لنُسمِّهِ (تنمُّرًا)، فقال: {إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسُف: 5]، لذا أقرَّ يوسُف -عليه السَّلام- بهذا السبب كسبب رئيس لِما جرى من تنمُّر إخوته به في آخر القصة، فقال: {نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسُف: 100]، فالشيطان عنصر له تأثير سلبي في العلاقات بين الناس.

الملاحظة الثانية: أنَّ النَّبيَّ يعقوب -عليه السَّلام- أوضح خطورة النَّفْس على بني آدم، فهي سبب رئيس ثانٍ -وقد تسبق الشيطان- لِمَا قد جرَى فعلًا من كيدِ إخوته، أو لنُسمِّهِ (تنمُّرًا)، فقال: {قَالَ بَلْ ‌سَوَّلَتْ ‌لَكُمْ ‌أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} [يوسف: 18]، ويُؤكِّد ذلك ما أقرَّت به امرأة العزيز وأوضحت من خطورة النَّفْس على صاحبها، خاصة لَمَّا تكون (أَمَّارَةً ‌بِالسُّوءِ)، فقال تعالى حكاية عنها: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ‌إِنَّ ‌النَّفْسَ ‌لَأَمَّارَةٌ ‌بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]؛ لأن النَّفْسَ سببٌ لِما يجرِي بين الناس من سلوك التنمُّر، والنَّفْس لَهَا تأثير سلبي في العلاقات بين الناس كتأثير الشيطان، أو أشدِّ منه.

الملاحظة الثالثة: أنَّ كلَّ متنمِّر إنْ تاب راجعًا إلى الله –تعالى- وأناب قَبِلَه الله تعالى، وأصلح أحوالَه وغفر له؛ لأنَّ الله يقبل التوبة مِمَّن تاب، وهذا ما أثبتته سورة يوسُف عن إخوة يوسُف في حكاية قوله تعالى: {قَالُوا يَا ‌أَبَانَا ‌اسْتَغْفِرْ ‌لَنا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسُف: 97]، كما أثبتته عن امرأة العزيز، حيث حكى القرآن قولها: {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ ‌الْآنَ ‌حَصْحَصَ ‌الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ…} حتى قوله: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي…} [يوسف: 51- 53].

الـخاتِـمَة

الحمدُ لله ربِّ العالَمين، وصلاةً وسلامًا على رسول الله، وبعد، من خلال هذه الدراسة يمكن الوقوف على أهمِّ النتائج والتوصيات، وهي كما يلي:

أوَّلًا: أهمُّ النتائج:

  1. التنمُّر سلوك سلبي، وقد يصير ظاهرة اجتماعية إن عمَّ بين أفراد المجتمع.
  2. التنمُّر له أنواع كثيرة، بيَّنها علماء التربية والاجتماع.
  3. عالج القرآن الكريم هذا السلوك الجانح على مستوى العقيدة والتشريع.
  4. عالج القرآن التنمُّر بتحريم السمات والقيم الخُلُقية المذمومة التي يتَّسم بها المتنمِّر غالبًا كالافتراء والكذب والظلم… وغير ذلك، بتحريمها جميعًا.
  5. ظهرت معالجة القرآن لهذا السلوك من خلال سورة يوسُف، حيث ظهر التنمُّر فيها من جهات عديدة بين إخوة يوسُف وامرأة العزيز كمتنمِّرين على النِّبيِّ يوسُف، كما ظهر تنمُّر إخوة يوسُف عليه، وعلى أبيهم يعقوب، وعلى أخيهم بنيامين عليهم السَّلام.

أهم التوصيات:

  • أوصي بضرورة دراسة السلوكيات الجانحة في المجتمع المسلم؛ حفاظًا على الناشئة.
  • أوصي بملاحظة الباحثين أن الكثير من المصطلحات الحديثة قد تمَّ تناولها بغير لفظها واسمها، وإنما بمسمَّاها ومفهومها.
  • أوصي أهل التربية والاجتماع والدعوة بصرف أنظارهم -كلًّا في مجاله وتخصُّصه- إلى الانتباه إلى التنمُّر؛ حيث أصبحت ظاهرة منتشرة بين كثير من الأفراد؛ فلزم التنبيه لبداية العمل على التصدِّي لها، والله غالب على أمره.

قائمة المصادر والمراجع:

  1. الإتقان في علوم القرآن، للإمام السيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: مكتبة دار التراث، القاهرة، (بدون تاريخ).
  2. الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة، عبد الرحمن بن محمد الدوسري (ت: ١٣٩٩ه)، الناشر: مكتبة دار الأرقم، الكويت، ط/1، سنة: ١٤٠٢هـ/ ١٩٨٢م.
  3. الاشتقاق، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (ت: ٣٢١هـ)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الناشر: دار الجيل، بيروت، ط/1، سنة: ١٤١١هـ/ ١٩٩١م.
  4. أصول السنة، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى بن محمد بن أبي زَمَنِين المري الإلبيري المالكي (ت: ٣٩٩هـ)، تحقيق وتخريج وتعليق: عبد الله بن محمد عبد الرحيم بن حسين البخاري، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية، السعودية، ط/1، سنة: ١٤١٥هـ.
  5. بحث: (التنمُّر الإلكتروني المفهوم والدوافع من وجهة نظر المرأة السعودية) للباحثة: رغداء بنت سعود عبد العزيز قطب، بالمجلة العربية للآداب والدراسات الإنسانية، المؤسسة العربية للتربية والعلوم والآداب، مجلد (6)، العدد (23)، يوليو 2022م. 
  6. بحث: (التنمُّر الإلكتروني لدى الأطفال) للدكتورة: داليا الجيزاوي، منشور بمجلة الطفولة والتنمية، العدد (41)، سنة: 2021م.
  7. بحث: (التنمُّر الإلكتروني وأثره على المراهقين) للباحث: ياسر حسين عبد الله، بمجلة الآداب والعلوم الإنسانية، منشور في يناير سنة: 2023م.
  8. بحث: (التنمُّر المدرسي وعلاقته بالتوافق النفسي الاجتماعي لدى المراهقين) للباحث: محمود جمعة محمد محمد الصاوي، بحث مقدم إلى قسم الصحة النفسية، كلية التربية، جامعة مدينة السادات، مصر، إشراف: د. فاروق السيد عثمان، دون تاريخ.
  9. بحث: (دور الإدارة المدرسية في الحد من ظاهرة التنمُّر المدرسي لدى طلاب المرحلة الأساسية العليا في مدارس لواء قصبة عمان الحكومية) للباحثة: تماضر يوسف العرود، أطروحة مقدمة إلى كلية الدّراسات العليا استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الدكتوراة في علم الجريمة، قسم علم الجريمة، كلية الدراسات العليا، جامعة مؤتة، إشراف: د. قبلان المجالي سنة: 2020م.
  10. بحث: (مستوى النشاط الزائد ونقص الانتباه وعلاقتهما بالتعرض للتنمُّر لدى طلبة غرف مصادر صعوبات التعلم) للباحث: سلامة حكم المحاميد. رسالة مقدمة إلى كلية الدراسات العليا استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة التخصُّص الماجستير في تخصص الإرشاد النفسي والتَّربوي، قسم الإرشاد والتربية الخاصة، جامعة مؤتة، إشراف: د. عوني معين شاهين، سنة: 2023م.
  11. بحث: (مشكلة التنمُّر المدرسي رؤية تحليلية من منظور الخدمة الاجتماعية) للباحثة: أميمة شرقاوي عبد الرحيم. منشور بالمجلة العلمية للخدمة الاجتماعية، كلية الخدمة الاجتماعية، جامعة أسيوط، في مصر، المجلد (2)، العدد (11) في يونيو، سنة: 2020م.
  12. البرهان في علوم القرآن للإمام الحَوفيِّ – سورة يوسف دارسة وتحقيقا، علي بن إبراهيم بن سعيد، أبو الحسن الحوفي (ت: ٤٣٠هـ)، رسالة: دكتوراة في التفسير وعلوم القرآن، للباحث: إبراهيم عناني عطية عناني، إشراف: د. السيد سيد أحمد نجم، في قسم القرآن الكريم وعلومه، كلية العلوم الإسلامية، جامعة المدينة العالمية، ماليزيا، سنة: ١٤٣٦هـ/ ٢٠١٥م.
  13. التحرير والتنوير، محمد الطاهر، ابن عاشور التونسي (ت: ١٣٩٣هـ)، الناشر: الدار التونسية للنشر، تونس، سنة: ١٩٨٤م، (19/ 119).
  14. تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري الدمشقي أبو الفداء، (ت: ٧٧٤هـ)، المحقق: سامي بن محمد السلامة، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، ط/2، سنة: ١٤٢٠هـ/ ١٩٩٩م.
  15. تفسير القرآن العظيم، عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي، ابن أبي حاتم أبو محمد (ت: ٣٢٧ه)، المحقق: أسعد محمد الطيب، الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط/1، سنة: ١٤١٩ه.
  16. تفسير القرآن، منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد المروزى السمعاني الشافعي، أبو المظفر، (ت: ٤٨٩ه)، تحقيق: ياسر بن إبراهيم، وغنيم بن عباس بن غنيم، الناشر: دار الوطن، الرياض، السعودية، ط/1، سنة: ١٤١٨ه/ ١٩٩٧م.
  17. تفسير المراغي، أحمد بن مصطفى المراغي (ت: ١٣٧١هـ)، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط/1، سنة: ١٣٦٥هـ/ ١٩٤٦م.
  18. تهذيب اللغة، محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (ت: ٣٧٠هـ)، المحقق: محمد عوض مرعب، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط/1، سنة: ٢٠٠١م.
  19. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (ت: ١٣٧٦هـ)، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ط/1، سنة: ١٤٢٠هـ/٢٠٠٠م.
  20. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت: ٣١٠هـ)، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، د. عبد السند حسن يمامة، الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة، مصر، ط/1، سنة: ١٤٢٢هـ/ ٢٠٠١م.
  21. الدر المنثور، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت: ٩١١هـ)، الناشر: دار الفكر، بيروت، (دون: ط، ت).
  22. دلائل النبوَّة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (ت: ٤٥٨هـ)، المحقق: د. عبد المعطي قلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث، ط/1، سنة: ١٤٠٨هـ/ ١٩٨٨م.
  23. روح البيان، إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي، أبو الفداء (ت: ١١٢٧ه)، الناشر: دار الفكر، بيروت، (دون: ط، ت).
  24. زاد المسير في علم التفسير، عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي أبو الفرج (ت: ٥٩٧هـ)، تحقيق:  عبد الرزاق المهدي، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، ط/1، سنة: ١٤٢٢هـ.
  25. زهرة التفاسير، محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (ت: ١٣٩٤هـ)، الناشر: دار الفكر العربي، دمشق، (دون: ط، ت).
  26. السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (ت: ٩٧٧هـ)، الناشر: مطبعة بولاق الأميرية، بالقاهرة، (دون: ط)، سنة: ١٢٨٥هـ.
  27.  السيرة النبوية لابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (ت: ٢١٣هـ)، تحقيق: مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ الشلبي، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط/2، سنة: ١٣٧٥هـ/ ١٩٥٥م.
  28. شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، نشوان بن سعيد الحميري اليمني (ت: ٥٧٣هـ)، المحقق: د حسين بن عبد الله العمري، ومطهر بن علي الإرياني، د. يوسف محمد عبد الله، الناشر: دار الفكر المعاصر (بيروت – لبنان)، دار الفكر (دمشق – سورية)، ط/1، سنة: ١٤٢٠هـ/ ١٩٩٩م.
  29. عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، ابن سيد الناس، اليعمري الربعي، أبو الفتح، فتح الدين (ت: ٧٣٤هـ)، تعليق: إبراهيم محمد رمضان، الناشر: دار القلم، بيروت، ط/1، سنة: ١٤١٤هـ/ ١٩٩٣م.
  30. غرائب التفسير وعجائب التأويل، محمود بن حمزة بن نصر، أبو القاسم برهان الدين الكرماني، (ت: نحو ٥٠٥هـ)، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، ومؤسسة علوم القرآن، بيروت، (دون: ط، ت).
  31. فتح القدير، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (ت: ١٢٥٠هـ)، الناشر: دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت، ط/1، سنة: ١٤١٤هـ.
  32. فصل المقال في شرح كتاب الأمثال، أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (ت: ٤٨٧هـ)، المحقق: إحسان عباس، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ط/1، سنة: ١٩٧١م.
  33. لسان العرب، محمد بن مكرم بن علي، ابن منظور الأنصاري الرويفعي الإفريقي، أبو الفضل، (ت: ٧١١هـ)، الحواشي: لليازجي وجماعة من اللغويين، الناشر: دار صادر، بيروت، ط/3، سنة: ١٤١٤هـ
  34. مباحث في علوم القرآن، للشيخ مناع القطان، الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ط/م 3، سنة: 2000م.
  35. محاسن التأويل، محمد بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسِمِي (ت: ١٣٣٢هـ)، تحقيق: محمد باسل عيون السود، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1، سنة: ١٤١٨هـ.
  36. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية الأندلسي المحاربي، أبو محمد (ت: ٥٤٢هـ)، المحقق: عبد السلام عبد الشافي محمد، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1، سنة: ١٤٢٢هـ.
  37. مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي، أبو عبد الله (ت: ٦٦٦هـ)، المحقق: يوسف الشيخ محمد، الناشر: المكتبة العصرية، والدار النموذجية، بيروت، ط/ 5، سنة: ١٩٩٩م.
  38. المصباح المنير، للفيومي، الناشر: دار الحديث بالقاهرة، سنة: 2003م.
  39. معاني القرآن وإعرابه، إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (ت: ٣١١هـ)، المحقق: عبد الجليل عبده شلبي، الناشر: عالم الكتب، بيروت، ط/1، سنة: ١٤٠٨هـ/ ١٩٨٨م.
  40. المغازي، محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله، الواقدي (ت: ٢٠٧هـ)، تحقيق: مارسدن جونس، الناشر: دار الأعلمي – بيروت، ط/3، سنة: ١٤٠٩هـ/ ١٩٨٩م.
  41. المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، الناشر: دار القلم، الدار الشامية، دمشق بيروت، ط/ 1، سنة: 1412هـ.
  42. مقياس السلوك التنمُّري للأطفال والمراهقين، مجدي محمد الدسوقي، الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية، بالقاهرة، سنة: 2016م.
  43. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزُّرْقاني، الناشر: مطبعة عيسى البابي الحلبي، ط/3، (بدون تاريخ).
  44. الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري، أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي (ت: ٣٧٠هـ)، تحقيق: السيد أحمد صقر، د. عبد الله المحارب، الناشر: دار المعارف ط/4، (دون تاريخ)، سلسلة ذخائر العرب (٢٥)، والناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط/1، سنة: ١٩٩٤م.
  45. الناسخ والمنسوخ، النَّحَّاس أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحوي، أبو جعفر (ت: ٣٣٨هـ)، المحقق: د. محمد عبد السلام محمد، الناشر: مكتبة الفلاح، الكويت، ط/1، سنة: ١٤٠٨هــ.
  46. نثر الورود شرح مراقي السعود المسمى، محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي (ت: ١٣٩٣هـ)، تحقيق: علي بن محمد العمران، الناشر: دار عطاءات العلم، الرياض، ط/5، سنة: ٢٠١٩م.
  47. النكت والعيون، علي بن محمد بن محمد بن حبيب البغدادي الماوردي، أبو الحسن (ت: ٤٥٠ه)، تحقيق: السيد بن عبد المقصود بن عبد الرحيم، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت (دون: ط، ت).

قائمة بالموضوعات

الموضوعالصفحة
الملخص باللغة العربية2
الملخص باللغة الإنجليزية3
مقدِّمة4
أهمية البحث4
أسباب اختيار الموضوع4
مشكلة البحث5
أهداف البحث5
الدراسات السابقة5
منهج البحث6
خُطة البحث6
التمهيد: بيان مصطلحات الدراسة8
المطلب الأوَّل: مفهوم التنمُّر8
المطلب الثاني: مفهوم القرآن الكريم11
المطلب الثالث: سورة يوسُف13
المبحث الأوَّل: التنمُّر في ضوء القرآن الكريم14
المطلب الأوَّل: تنمُّر جملة المشركين على الأنبياء والرُّسُل14
المطلب الثاني: تنمُّر المشركين على المؤمنين14
المطلب الثالث: تنمُّر فرعون على موسى الكليم15
المطلب الرابع: تنمُّر والد إبراهيم على ولده الخليل إبراهيم16
المطلب الخامس: تنمُّر قريش على النَّبيِّ الخاتم وجملة أصحابه17
المبحث الثانِي: أحكام التنمُّر في ضوء القرآن الكريم18
المطلب الأوَّل: بيان حُكم (التنمُّر القولي) في القرآن الكريم18
المطلب الثاني: بيان حُكم (التنمُّر الفعلي) في القرآن الكريم19
المبحث الثالث: قصة يوسُف أنموذجًا تطبيقيًّا21
المطلب الأوَّل: تنمُّر الأسباط على أخيهم يوسُف عليه السَّلام21
المطلب الثاني: تنمُّر الأسباط على أبيهم يعقوب عليه السَّلام22
المطلب الثالث: تنمُّر الأسباط على أخيهم بنيامين عليه السَّلام23
المطلب الرابع: تنمُّر امرأة العزيز على يوسُف عليه السَّلام24
الـخاتِـمَة25
أهمُّ النتائج25
أهم التوصيات25
قائمة المصادر والمراجع25
قائمة بالموضوعات30

([1]) الاشتقاق، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (ت: ٣٢١هـ)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الناشر: دار الجيل، بيروت، ط/1، سنة: ١٤١١هـ/ ١٩٩١م، (ص: 184، و286).

([2]) شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، (10/ 6763).

([3]) أسباب النزول، الواحدي النيسابوري (ت ٤٦٨هـ)، تحقيق: عصام بن عبد المحسن الحميدان، الناشر: دار الإصلاح، الدمام، ط/2، سنة: ١٤١٢هـ/ ١٩٩٢م، (ص449)، وأورده أهل التفسير فهو وارد في زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي، (4/ 399) وأصل الأثر محفوظ. أورده الإمام الطبري في تفسيره من حديث ابن عباس بنحوه، وإسناده واهٍ ففيه عطية العوفي واه، وعنه مجاهيل. وذكره ابن كثير في «تفسيره» 4/ 556 وقال: فيه غرابة ونكارة. لكن أصل الحديث قوي له شواهد.

([4]) بحث (التنمُّر الإلكتروني وأثره على المراهقين) للباحث: ياسر حسين عبد الله، (ص: 332).

([5]) بحث: (التنمُّر المدرسي وعلاقته بالتوافق النفسي الاجتماعي لدى المراهقين) للباحث: محمود جمعة محمد محمد الصاوي، (ص: 9).  

([6]) البيت في ينظر: «اللطائف والظرائف» لعبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت ٤٢٩هـ)، الناشر: دار المناهل، بيروت، (دون: ط، ت) (ص104)، وينظر: فصل المقال في شرح كتاب الأمثال، أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (ت: ٤٨٧هـ)، المحقق: إحسان عباس، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ط/1، سنة: ١٩٧١م، (ص: 24) .

([7]) مقياس السلوك التنمُّري للأطفال والمراهقين، مجدي محمد الدسوقي، الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية، بالقاهرة، سنة: 2016م، ويُنظر بحث: (التنمُّر المدرسي وعلاقته بالتوافق النفسي الاجتماعي) للباحث: محمود جمعة محمد الصاوي، (ص: 9).

([8]) البيت لأبي تمام في مالك بن طوق. يُنظر: الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري، أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي (ت: ٣٧٠هـ)، تحقيق (جزء: 1، 2): السيد أحمد صقر، (جزء: 3)، تحقيق: د. عبد الله المحارب، الناشر: دار المعارف ط/4، (دون تاريخ)، سلسلة ذخائر العرب (٢٥)، والناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط/1، سنة: ١٩٩٤م، (3/ 372)، ويُنظر: نهاية الأرب في فنون الأدب، للنويري، (7/ 291).

([9]) بحث (التنمُّر الإلكتروني المفهوم والدوافع من وجهة نظر المرأة السعودية) للباحثة: رغداء بنت سعود عبد العزيز قطب، (ص: 313).

([10]) يُنظر بحث: (دور الإدارة المدرسية في الحد من ظاهرة التنمُّر المدرسي لدى طلاب المرحلة الأساسية العليا في مدارس لواء قصبة عمان الحكومية) للباحثة: تماضر يوسف العرود، (ص: 11).

([11])      ويمكن القول: إن كلَّ جملة قرآنية مسبوقة بقول: (‌وَقالَ ‌الَّذِينَ ‌كَفَرُوا) من التنمُّر، كما سيأتي في الدراسة.

([12])      يُنظر: (دور الإدارة المدرسية في الحدِّ من ظاهرة التنمُّر المدرسي) لتماضر يوسف العرود، (ص: 11).

([13]) يُنظر: تفسير المراغي، أحمد بن مصطفى المراغي (ت: ١٣٧١هـ)، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط/1، سنة: ١٣٦٥هـ/ ١٩٤٦م، (30/ 84).

([14])      بحث (التنمُّر الإلكتروني لدى الأطفال) د. داليا الجيزاوي، (ص: 150- 151).

([15])      انظر: مادة (قرأ)، في: لسان العرب، لابن منظور، (1/ 128- 130)، والمفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، الناشر: دار القلم، الدار الشامية، دمشق بيروت، ط/ 1، سنة: 1412هـ، (ص: 668- 669)، ومختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي أبو عبد الله (ت: ٦٦٦هـ)، المحقق: يوسف الشيخ محمد، الناشر: المكتبة العصرية، والدار النموذجية، بيروت، ط/ 5، سنة: ١٩٩٩م (ص: 526)، ويُنظر مادة (قري)، في: المصباح المنير، للفيومي، طبع: دار الحديث بالقاهرة، سنة 2003، (ص: 298).

([16])      يُنظر: غيث النفع في القراءات السبع، علي بن محمد بن سالم، أبو الحسن النوري الصفاقسي المقرئ المالكي (ت ١١١٨هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، المحقق: أحمد محمود عبد السميع الشافعي الحفيان، ط/1، سنة: ١٤٢٥هـ / ٢٠٠٤م، (ص261).

([17])      البرهان في علوم القرآن، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (ت ٧٩٤هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه، ط/1، سنة: ١٣٧٦هـ/ ١٩٥٧م، (1/ 278).

([18])      الإتقان في علوم القرآن، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت ٩١١هـ)، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، (بدون: ط) سنة: ١٣٩٤هـ/ ١٩٧٤م، (1/ 182).

([19])      المرجع السابق، نفس الصفحة .

([20])      يُنظر: مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزُّرْقاني، الناشر: مطبعة عيسى البابي الحلبي، ط/3، (بدون: تاريخ)، (1/14).

([21])      يُنظر: مباحث في علوم القرآن، للشيخ مناع القطان، الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ط/م 3، سنة: 2000م، (ص: 17).

([22])      يُنظر: فتح القدير، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (ت: ١٢٥٠هـ)، الناشر: دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت، ط/1، سنة: ١٤١٤هـ (3/ ص: 5).

([23])      يُنظر: الناسخ والمنسوخ، النَّحَّاس أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحوي أبو جعفر (ت: ٣٣٨هـ)، المحقق: د. محمد عبد السلام محمد، الناشر: مكتبة الفلاح، الكويت، ط/1، سنة: ١٤٠٨هــ، (ص: 533)، والدر المنثور، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت: ٩١١هـ)، الناشر: دار الفكر، بيروت، (دون: ط، ت)، (4/ 494).

([24])       البيان في عدّ آي القرآن، عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر أبو عمرو الداني (ت ٤٤٤هـ)، المحقق: غانم قدوري الحمد، الناشر: مركز المخطوطات والتراث، الكويت، ط/1، سنة: ١٤١٤هـ/ ١٩٩٤م (ص167).

([25])      الدر المنثور، عبد الرحمن السيوطي، (4/ 494).

([26])               المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية الأندلسي المحاربي، أبو محمد (ت: ٥٤٢هـ)، المحقق: عبد السلام عبد الشافي محمد، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1، سنة: ١٤٢٢هـ، (4/ 237).

([27])               جامع البيان عن تأويل آي القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت: ٣١٠هـ)، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، د. عبد السند حسن يمامة، الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة، مصر، ط/1، سنة: ١٤٢٢هـ/ ٢٠٠١م، (17/ 631).

([28])               معاني القرآن وإعرابه، للزجاج، (4/ 138).

([29])                الغريبين في القرآن والحديث، أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي (المتوفى ٤٠١هـ)، تحقيق ودراسة: أحمد فريد المزيدي، قدم له وراجعه: أ. د. فتحي حجازي، الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز – المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، ١٤١٩ هـ – ١٩٩٩ م (1/ 102).

([30])               تهذيب اللغة، محمد الأزهري، (15/ 211).

([31])               فتح القدير، للإمام الشوكاني، (4/ 191).

([32])               يُنظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (ت: ١٣٧٦هـ)، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ط/1، سنة: ١٤٢٠هـ/٢٠٠٠م، (ص: 916)، وتفسير المراغي، (30/ 84).

([33])               يُنظر: كتب السير والتاريخ: المغازي للواقدي، (2/ 828)، والسيرة النبوية، لابن هشام، ت: السقا، (1/ 350)، ودلائل النبوة، للإمام البيهقي، (2/ 311)، وعيون الأثر، لابن سيد الناس، (1/ 147).

([34])               تفسير المراغي، (19/ 54).

([35])               التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور التونسي (ت: ١٣٩٣هـ)، الناشر: الدار التونسية للنشر، تونس، سنة: ١٩٨٤م، (19/ 119).

([36])               يُنظر: السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربِّنا الحكيم الخبير، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (ت: ٩٧٧هـ)، الناشر: مطبعة بولاق الأميرية، بالقاهرة، (دون: ط)، سنة: ١٢٨٥هـ، (2/ 429- 430).

([37])               ينظر: فتح القدير، للشوكاني، (3/ 397).

([38])               هذه الجملة القرآنية: {‌وَقَالَ ‌الَّذِينَ ‌كَفَرُوا} وردت في سور منها: [إبراهيم: 13]، و[الفرقان: 4، و32]، [النمل: 67]، [العنكبوت: 12]، و[سبأ: 3، و7، و31، و43]، و[فصلت: 26، 29]، و[الأحقاف: 11]، فكلُّ موضع منها يحمل قولًا متنوِّعًا ومختلفًا عن أقوالهم الأخرى من التنمُّر اللفظي.

([39])               وغيرها من الآيات كقوله: {‌وَقَالَ ‌الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الفرقان: 8]، وقوله {‌وَقَالَ ‌الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص: 4].

([40])               محاسن التأويل، محمد بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسِمِي (ت: ١٣٣٢هـ)، تحقيق: محمد باسل عيون السود، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1، سنة: ١٤١٨هـ، (6/ 290).

([41])               أصول السُّنَّة، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى بن محمد ابن أبي زَمَنِين المري الإلبيري المالكي (ت: ٣٩٩هـ)، تحقيق وتخريج وتعليق: عبد الله بن محمد عبد الرحيم بن حسين البخاري، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية، السعودية، ط/1، سنة: ١٤١٥هـ، (ص: 145).

([42])               التحرير والتنوير، لابن عاشور، (14/ 283).

([43]) محاسن التأويل، القاسِمي، (6/ 410) بتصرف يسير.

([44]) يُنظر: الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة، عبد الرحمن بن محمد الدوسري (ت: ١٣٩٩ه)، الناشر: مكتبة دار الأرقم، الكويت، ط/1، سنة: ١٤٠٢هـ/ ١٩٨٢م، (ص: 168).

([45]) روح البيان، إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي أبو الفداء (ت: ١١٢٧ه)، الناشر: دار الفكر، بيروت، (دون: ط، ت) (4/ 275).

([46])               تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري الدمشقي أبو الفداء، (ت: ٧٧٤هـ)، المحقق: سامي بن محمد السلامة، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، ط/2، سنة: ١٤٢٠هـ/ ١٩٩٩م، (4/ 372).

([47])               غرائب التفسير وعجائب التأويل، محمود بن حمزة بن نصر، أبو القاسم برهان الدين الكرماني، (ت: نحو ٥٠٥هـ)، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، ومؤسسة علوم القرآن، بيروت، (دون: ط، ت) (1/ 528)، ويُنظر: روح البيان، لإسماعيل حقي بن مصطفى، (4/ 219).

([48])               زاد المسير في علم التفسير، عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي أبو الفرج (ت: ٥٩٧هـ)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، ط/1، سنة: ١٤٢٢هـ، (2/ 418).

([49])               يُنظر: نثر الورود شرح مراقي السعود المسمى، محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي (ت: ١٣٩٣هـ)، تحقيق: علي بن محمد العمران، الناشر: دار عطاءات العلم، الرياض، ط/5، سنة: ٢٠١٩م، (1/ 173).

([50])               وردت جملة (يَا أَبَانَا) عدة مرات في سورة يوسُف على لسان إخوة يوسُف في الآيات: [11، و17، و63، و65، و81، و97]، وكلها تحمل وجهًا من أوجُه التنمُّر سوى الموضع الأخير؛ في قوله: {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [يوسف: 97]؛ لأنه طلبُهم الاستغفار من أبيهم.

([51])               فتح القدير، للشوكاني، (3/ 14).

([52])               تفسير القرآن العظيم، عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي، ابن أبي حاتم أبو محمد (ت ٣٢٧ه)، المحقق: أسعد محمد الطيب، الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط/1، سنة: ١٤١٩ه، (7/ 2198)، والنكت والعيون، علي بن محمد بن محمد بن حبيب البغدادي الماوردي، أبو الحسن (ت: ٤٥٠ه)، تحقيق: السيد بن عبد المقصود بن عبد الرحيم، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت (دون: ط، ت)، (3/ 78).

([53])               تفسير القرآن، منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد المروزي السمعاني الشافعي، أبو المظفر، (ت: ٤٨٩ه)، تحقيق: ياسر بن إبراهيم، وغنيم بن عباس بن غنيم، الناشر: دار الوطن، الرياض، السعودية، ط/1، سنة: ١٤١٨ه/ ١٩٩٧م، (3/ 64)، والنكت والعيون، للماوردي، (3/ 78).

([54])               البرهان في علوم القرآن للإمام الحَوفيِّ – سورة يوسُف دارسة وتحقيقا، علي بن إبراهيم بن سعيد، أبو الحسن الحوفي (ت: ٤٣٠هـ)، رسالة: دكتوراة في التفسير وعلوم القرآن، للباحث: إبراهيم عناني عطية عناني، إشراف: د. السيد سيد أحمد نجم، في قسم القرآن الكريم وعلومه، كلية العلوم الإسلامية، جامعة المدينة العالمية، ماليزيا، سنة: ١٤٣٦هـ/ ٢٠١٥م، (ص: 251).

([55]) زهرة التفاسير، محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (ت: ١٣٩٤هـ)، الناشر: دار الفكر العربي، دمشق، (دون: ط، ت)، (7/ 3748)

([56]) تفسير المراغي، أحمد بن مصطفى المراغي، (12/ 129).

حسن صالح عبود الجهني

جامعة جدة، كلية الشريعة والقانون قسم التفسير وعلوم القرآن

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتًا
التقيمات المضمنة
عرض كل التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى