العدد السادسالمجلد الثاني 2019

الحركة الأدبية في منقطة تبوك “نقدا وتحليلا”

ملخص

يتناول هذا البحث الحركة الأدبية في منطقة تبوك، بالنقد والتحليل، وذلك أنه لم يتم تناولها من حيث شرح الآراء والتوجهات، وبيان خصائصها، إذ إن هذه النتاجات الأدبية – التي تمثل جزءا مهما من التراث والثقافة السعودية – بحاجة إلى دراسات واسعة وشاملة تكشف عن مكنونها، وما يكن بداخلها من موضوعات وآراء تحتاج إلى تحليل ونقد، ولا شك أن هذا سيساعد في الكشف عن موضوعات هذا الأدب وفي معالجة كثير من قضاياه، ويبين تاريخه وبداياته.

وبعد اطلاع الباحث على عدد كبير من المؤلفات والكتب التي تناولت الأدب في منطقة تبوك وجد أنها – فضلا عن طبيعتها التاريخية؛ فإنها لم تتضمن كثيرا من مستجدات الأدب في مدينة تبوك خاصة في السنوات الأخيرة

لذلك حاول البحث أن يتقصى ذلك، ويستكمل ما في أدب تبوك، شعرا ونثرا من كتابات وإبداعات جديدة، وكتاب جدد

كلمات مفتاحية : الأدب، تبوك، نقد، تحليل، مستجدات.

Abstract

The literary movement in Tabuk region: A critical analysis

This paper is concerned with presenting a critical analysis of the literary movement in Tabuk region, addressing under-researched issues such as explaining the views, directions, and its characteristics. These literary works, which constitute an integral part of the Saudi heritage and culture, need extensive and comprehensive studies that examine their contents and analyze relevant topics and opinions critically. This will undoubtedly help in figuring out the topics of this literature, addressing many of its issues, and showing its history and beginnings.

Reviewing a large number of books and papers that dealt with literature in the area of Tabuk, the author found out that they, in spite of their historical nature, did not tackle adequately the latest developments of literature in the city of Tabuk, especially in the recent years.

This paper, therefore, sought to investigate this particular area, and analyze new poetry and prose writings, creations, and new books that are focused on the literature of Tabuk region.

Keywords: literature, Tabuk, criticism, analysis, updates.

مقدمة:

ظهرت دراسات كثيرة تحدثت عن الأدب في منطقة تبوك، مثل شعر محمد فرج العطوي دراسة فنية موضوعية (١) (٢٠١٤)، الأدب في شمال غرب الجزيرة العربية، قديما وحديثا، (٢) (٢٠١٦)،والمكون المعرفي والمكون الثقافي (۳) (۲۰۱۷

وهناك دراسات أجريت من قبل كثير من الدارسين عن اتجاهات الشعر السعودي الحديث أو المعاصر، أو عن الشعر في مناطق مختلفة من المملكة العربية السعودية، ومن هذه الدراسات: اتجاهات الشعر المعاصر في نجد (1) ، والأدب الحجازي الحديث بين التقليد والتجديد (*)، وأضواء على الأدب والأدباء في منطقة جازان (۲)، والتيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية (٢).

وقد أفادت هذه الدراسات في النقد والأدب في منطقة تبوك خاصة، وساعدت على فهمه، وتوضيح دلالاته، ورفدت المكتبة العربية بعدد من الكتب والأبحاث، وأثرت الجانب العلمي والأدبي العربي بشكل ملموس.

وتهدف الدراسة الآنية إلى إجراء دراسة متخصصة تبحث في حركة الأدب في منطقة تبوك، والكشف عن الموهبة الشعرية العالية التي يملكها شعراء هذه المنطقة، خاصة في موضوعات المجتمع، وحب الوطن، فضلا عن الموضوعات التقليدية، مثل: الغزل المدح الرثاء. وإنصاف المغمورين من أدباء منطقة تبوك بدراسة تساعد على ذكرهم والإشارة إلى كتاباتهم.

1) أحمد جمال المرازيق، مجلة الدراسات العربية، جامعة المنيا، كلية دار العلوم، العدد ٢٩، ٢٠١٤م.

2)موسى العبيدان، الأدب في شمال غرب الجزيرة العربية، قديما وحديثا، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ط٢، ٢٠١٦م.

3)المكون المعرفي والمكون الثقافي موسى العبيدان، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ٢٠١٧م.

4)حسن الهويمل، اتجاهات الشعر المعاصر في نجد نادي القصيم الأدبي ببريدة، ط1، ١٤٠٤هـ.

5)الأدب الحجازي الحديث بين التقليد والتجديد، إبراهيم الفوزان، مكتبة الخانجي، القاهرة، ١٤٠١هـ – ١٩٨١م.

)أضواء على الأدب والأدباء في منطقة جازان، محمد العقيلي، دار مكة، ط ١، ١٤٠٠هـ6.

7)التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية، عبد الله عبد الجبار، معهد الدراسات العربية، القاهرة، ط1، ١٣٧٩هـ – ١٩٥٩م

وتشكل نتائج الدراسة أهمية من حيث إنها ستشير إلى عدد من الدواوين والشعراء والكتاب في القصة والرواية، وتبين تطور هذه الفنون الأدبية، وتتناول الأسباب التي أدت إلى تأخر هذه الفنون قياسا بالمناطق الأخرى في المملكة، مقابل أنها ستشير إلى دور الصحف في تطور الحركة الأدبية، إضافة إلى الدور الكبير للنادي الأدبي في ذلك.

أولاً – الحركة الشعرية

يبدو أن طبيعة الحياة القائمة على الترحال في منطقة تبوك، أدت إلى تأخر الحركة الشعرية في هذه المنطقة قياسا بمناطق أخرى في المملكة. إذ صدر أول ديوان شعر فيها عام ١٤٠١هـ، وهو للشاعر سليمان بن أحمد مطلق حويكم تحت عنوان قبضة من أثر جميل، وقد طغت قصيدة الشطرين على هذا الديوان باستثناء عدد قليل من قصائده جاءت على نظام قصيدة التفعيلة، ومع أن الطبعة الأولى نفذت منه إلا أنه لم يطبع إلا بعد خمس وعشرين سنة، عام ٢٠٠٩م.

لكن سريعاً ما استطاعت المنطقة أن تنافس باقي مناطق المملكة في مجال الشعر؛ لكثرة الإنتاج الشعري الذي بدأ يظهر على ساحة الأدب السعودي، وهو نتاج امتاز – أغلبه – بالعمق الدلالي، فهو وإن ارتبط بالمناسبات الوطنية والاجتماعية، إلا أنه كان يتجه إلى موضوعات جديدة، تتناسب مع تطور المجتمع، وتتفاعل مع قضاياه ومشكلاته.

ولا شك أن الحركة الشعرية في منطقة تبوك لم تأخذ حقها من الدراسة والتحليل، بسبب تأخر الشعر، وعدم صدور دواوين شعرية في المنطقة إلا بعد عام ١٤٠١هـ، وربما كان الشعراء أنفسهم، سبباً في ذلك أحياناً، بيد أن عددا كبيرا منهم لم تصدر لهم دواوين، وإنما بقي نتاجهم يتردد في المحافل الأدبية، وفي النادي الأدبي، وفي المراكز الثقافية والمناسبات الاجتماعية، أمثال: خديجة يوسف العمري، وحسن عبده الشبيلي، وحسنة سعيد الشهري وغيرهم كثيرون.

وفي عام ١٤١٥هـ تطور الإنتاج الشعري وزاد بشكل واضح وملحوظ، إذ تم افتتاح “النادي الأدبي” في المنطقة، وبدأت الأمسيات الشعرية تقام، ويحضرها المثقفون والمهتمون من تبوك ومحافظاتها، وتشجع الشعراء على المشاركة والتفاعل مع المشهد الشعري التبوكي بشكل أكبر، وبرز شعراء

وتجارب شعرية حداثية، مثل: نايف الجهني وعلي آدم هوساوي، وعبد الرحمن الشعبان، وعبد الرحمن الشقي العمري، وزاهر البارقي، وصالح العمري، وعبد الرحمن الحربي..

وإلقاء نظرة سريعة على النتاج الشعري في هذه المنطقة يكشف أن هناك عددا كبيرا من الدواوين صدرت لشعراء وشاعرات لا يمكن حصرهم وذكر دواوينهم كاملة، فعلى سبيل المثال صدر للشاعر عبد الله الصيخان ثلاثة دواوين منها هواجس في طقس الوطن (۸)، وصدر للشاعر عبد الرحمن الشعبان: “ألوان”، و”بدون ألوان، وصدر للشاعر علي الهوساوي ثلاثة منها: مسارات في ذاكرة السراب (1)، كما صدر للشاعر غرامة العمري: زمن من حجر (۱۰)، وثلاثون جرحاً (۱۱)، وتفاصيل ما حدث (۱۲). وصدر لمحمد العطوي بوح الروح (۱۳)، و أغني رغم أني (١٤)، و”وطني غنيت لك (١٥)، وعلى حافة الصمت (١٦)، وما ينتهي بالسكون (۱۷)، وصدر الزاهر البارقي عام٢٠١٦م ديوان أحاسيس شاعر(۱۸).

أما الشعر النسوي في تبوك (۱۹) فمثله مثل أي مكان آخر، يقل عدد الشاعرات مقارنة بعدد الشعراء وربما السبب في ذلك العادات والتقاليد التي يفرضها المجتمع إلا أننا نجد المرأة الشاعرة في منطقة تبوك سجلت أول مشاركة لها في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات، حيث نشرت خديجة العمري عدداً من قصائدها، فيما أصدرت هيام حماد ديوانها الأول لحن في أعماق البحر) عام ١٤٠٠هـ، وديوانها الثاني (قارب بلا شراع عام ١٤٠٧هـ. والشاعرة فاطمة القرني بدأت بنشر شعرها باسم مستعار في الصحف المحلية وهو وفاء السعودية عام ١٤٠٥هـ، واستمر ذلك حتى صرحت باسمها الحقيقي في عام ١٤١٠هـ، وهي تكتب الشعر بنوعيه العمودي والتفعيلي، كما أصدرت الشاعرة هناء العرادي ديوانها الأول على حافة الأرق) عام ٢٠١٦م.

سارت بعض قصائد الشعراء على نظام شعر الشطرين أو ما يعرف بالشعر العمودي، وخير ديوان يمثل هذا الاتجاه، ديوان وطني عشقتك، وبعضها أكثر من قصيدة التفعيلة، مثل: ديوان على حافة الصمت، ومنها ما كان متحللا من الوزن والقافية بشكل كلي، فاعتمد النثر اتجاهاً شعرياً تجديدياً. كما فعل الشاعر منصور عوض عبد الله الجهني في ديوانه قبل أن (۲۰)، الذي تنتمي قصائده عامة إلى قصيدة النثر، وقد أولى الشاعر فيه أهمية خاصة للغة التي بدت الهم الذي يؤرقه، كما يبدو في عناوين بعض قصائده، مثل تهجئة حروف، ماء الحروف

وقد خرجت بعض قصائدهم إلى نظام الشعر المقطعي فجاءت على شكل رباعيات أو مخمسات كما في ديوان ما ينتهي بالسكون واختلفت القصائد بين الطويلة والقصيرة، وبين المقطعات التي تراوحت بين بيتين أو ثلاثة، ولم تتجاوز الستة أبيات، ربما؛ لأنها تعبير سريع عن لحظة متعجلة، أو حدث بسيط، أو موقف لا يستوجب الإطالة.

اختار الشعراء قوالب وزنية متنوعة للتعبير عن دلالاتهم وموضوعاتهم الشعرية، ويمكن الجزم بأنهم نظموا على كافة بحور الخليل، لكنهم أكثروا من بحر على حساب آخر، فالقارئ لموسيقاهم يجد بحورا أكثر استعمالاً من غيرها، مثل: الطويل والبسيط، والكامل، والخفيف، والمتقارب

ومما يميز أشعارهم أنها ذات إيقاع موسيقي نابع من الجرس الداخلي، الذي يبدو في ملاءمة الموضوعات، وتناسب الألفاظ ورقتها وتقارب مخارجها. وثمة موضوعات كانت تفرض عليهم استخدام السخرية والفكاهة أحياناً، مقابل أن المناسبات التي سيطرت على أغلبية هذا الشعر جعلته

يميل إلى وضوح الدلالة، وسهولة المعنى، وغلبة التقريرية، مع فخامة الألفاظ، وعفوية الصور، مع أن من الشعراء من استعان بأسلوب القص، وعمق دلالة نصه باستحضار الأسطورة والخرافة. ومن قصائد المناسبات قصيدة “سلطان الأحبة والعدا التي نظمها محمد فرج العطوي بمناسبة شفاء سلطان بن عبد العزيز وعودته من جنيف، يقول فيها (٢١)

شفي السخاء وعفي الإيثار                                                    وعلا وجوه العالمين نضار

وتضوعت بين النجوم بشارة                                             علوية همست بها الأقمار

رقت كأنسام المساء عذوبة                                                       وجرت وفي أعطافها آذار

ولجمال هذا الشعر وكثرته انبرى دارسون لتحليله والبحث في موضوعاته، ففي كتابه “الأدب في شمال غرب الجزيرة العربية قديما وحديثا (۲۲)، ناقش موسى مصطفى العبيدان: العوامل المؤثرة في نهضة الأدب الحديث في شمال غرب الجزيرة العربية، والاتجاهات الفنية في أدب المنطقة، وقدم

دراسات نقدية وأدبية لبعض دواوين شعراء شمال غرب الجزيرة العربية من مثل: علي محمد آدم نايف الجهني، صالح العمري .. إلخ.

كما قدم أحمد المرازيق سلسة دراسات في هذا الشعر، تم نشرها بشكل متتال عبر سنوات مختلفة في مجلات علمية محكمة، مثل شعر محمد فرج العطوي دراسة فنية موضوعية (٢٣)، وشعر غرامة

خلوفة العمري دراسة تحليلية (٢٤)، وصورة المرأة في الشعر في منطقة تبوك (٢٥)، والرسم واستخدام اللون في شعر عبد الله الصيخان (٢٦).

ومن خلال هذه الدراسات كشف الباحث عن الطرق الفنية والبلاغية التي يملكها الشعراء في هذه المنطقة، وتميزهم الفني في أوساط الشعر السعودي والشعر العربي. وحاول فك الرموز الشعرية التي تحملها نصوصهم الشعرية، وبيان المواقف الفكرية التي يتخذها الشاعر في منطقة تبوك من قضايا الحياة، وتحليل الأساليب المهمة في تعبيرهم عن المواقف المتنوعة، وخصائص هذهالأساليب، ومدى عمقها، أو سطحيتها.

موضوعات الشعر

كتب شعراء منطقة تبوك في كل موضوعات الشعر، وقسم بعض الشعراء دواوينهم بحسب الموضوعات سلفا، ولم يتركوا للقارئ مجالا للبحث عن الموضوع، أو المناسبة، كما هو في ديوان: وطني عشقتك (٢٧)، الذي اشتمل على موضوعات وطنيات أماكن، قوميات، اجتماعيات وجدانيات، إخوانيات مقطعات، إضافة إلى اعتناء كثير منهم بالمناسبات والمساجلات، فجاءت أحيانا، ديوانا كاملا، أو قصائد رحبوا بها بزائري تبوك من الملوك والأمراء، مثل قصيدة: “فهد المليك”. وبعد المديح من أكثر الموضوعات التي ترددت في دواوينهم، وقد مدحوا الملوك والأمراءوالشخصيات الاجتماعية والدينية والعلمي .. إلخ.

وكتبوا في الوطن، وعبروا عن حبهم له، ومن الدواوين في ذلك وطني غنيت لك، وإلا الوطن وشدو على أغصان الوطن، وإن دل ذلك على شيء؛ فإنما يدل على عمق الانتماء الوطني لدى الشعراء، ومدى حبهم ودفاعهم عن وطنهم الغالي.

من ذلك ما قاله الشاعر مسلم فريج العطوي بمناسبة مرور عشرين عاماً على تولي الملك فهد بن عبد العزيز الحكم في المملكة عام ١٤٢٢هـ، ويقول فيها (٢٨):

يا درة الأوطان يا تاج العلا يا منبع الامجاد يا طهر الثرى

خفقت إليك جوانحي يا ملهمي ونذرت فيك يراعتي والدفترا وفي الرثاء جاءت قصائد كثيرة لدى شعراء المنطقة، تركز على شخصيات الملوك والأمراء والأقارب وأبناء المجتمع من العلماء ورجال الدين.. إلخ. ولعل القارئ يجد الرثاء صادق المشاعر، يبدو فيه حزن الشاعر وألمه على المرثي، لا سيما إذا كان والده أو أمه أو أحد أقاربه أو شخصا مؤثرا في الدولة والمجتمع

وهناك قصائد وجدانية نظمها الشعراء، في ثنايا دواوينهم، تتحدث عن ألم الرحيل، والفراق، إذ شكل السفر والترحال مصدراً للإبداع والإلهام لديهم، ويقدم ديوان “بوح الروح” للشاعر محمد فرج مثالا على ذلك، فهو إيحاء مباشر بالحديث الوجداني، الذي تنقله روح الشاعر وتبوح به، ولا شك أن استعمال الشاعر لكلمة بوح توحي بخروج الشاعر ألى عالم أخر يتلقي منه الكلمات وهو ما يجعله في حالة من الغياب والبعد عن الواقع.

وكان للغزل حضور كبير لدى كثير من الشعراء، لكنه غزل عفيف لا يتجاوز الحد الذي يقبله المجتمع، فهو يعبر عن خلجات النفس بعفة وطهر، دون التعرض للشهوات والصور الحسية التي تتنافى مع ذوق المجتمع، أو تتعارض مع العادات والتقاليد التي يحافظ عليها.

لقد شكل الغزل نسبة كبيرة من شعر منطقة تبوك، ومن الشعراء من سار على نهج القصيدة القديمة في ذلك، فموسى العبيدان، مثلاً، في ديوانه تباريح وجد (۲۹) الذي صدر عن النادي الأدبي بمنطقة تبوك عام ۲۰۰۹م، سار في هذا الغرض الشعري صرح باسم المحبوبة كما فعل الشعراء القدامي.

تقود طبيعة هذا الديوان العاطفية المتلقي للوقوف على خاصية فطرية تبين تعلق الشاعر بمحبوبته التي يكنيها بكثم”، وقد صارت أم البنين فيما بعد، ولكن شغفه بها لم يفتر بل ازداد أواراً، وولعه بها تضعف مما ينم عن وفاء عامر بالثقة، وتقدير وإخلاص حميم، ودماثة خلق، وحسن معشر وفطنة (٣٠).

لقد انشغل الشاعر بعدد من الأسئلة الوجودية المفروضة على الإنسان في أي زمان ومكان، وهي أسئلة ظلت تمس جوهر حياته وتقض مضجعه، غير أنه تحصن بالتزامه بمبادئ الإسلام وتعاليمه.. ضد الإبحار في عباب الضلال، والتيه في فيافي الشك… لأن روحه ممتلئة إيماناً وطمأنينة، واستناداً على هذه المرجعية طرق اتجاهاً فلسفياً رمزياً في محاولة لعرض وجهة نظره تجاه مصير الإنسان، وقدره في أن يخطو خطاً كتبت عليه أن يمشيها في مشوار حياته (۳۱)، كما يقول(۳۲):

غادر الزورق أرض المرفاً                                          حاملاً في جوفه طفلاً رضيعا

وبقايا من كتاب درست                                           أحرف منه وقد كان رجيعا

وعلى الزورق شيخ هامد                                        يبعث النور وقد شد صريعا

فنما النور من النور كبيرا                                        أثقل الزورق والطفل الرضيعا

كانت المرأة لدى شعراء تبوك محبوبة عاشوا معها ذكريات لا تنسى، فهي ماضي الشباب، وشيء من ريعانه اللطيف، وصفوها، وتحدثوا عن عيونها، وما فيهما من سعادة وتعاسة في آن، ولم تكن المرأة محبوبة فقط؛ إنما أخذت حيزا آخر في إبداعات شعراء تبوك، فقد أفرد لها بعض الشعراء دواوين بأكملها؛ لا سيما وهي تشكل في مجتمع المنطقة الأم المربية الفاضلة، التي تحافظ على دينها، وتربي أطفالها تربية دينية صحيحة، وتطيع زوجها وتعمل على خدمته، وتشارك في بناء المجتمع وتماسكه، فهي العنصر المؤثر في بنيته والمهم في الحفاظ على تقاليده. وهي تعي أهمية دورها الأنثوي، مقابل دور الرجل في إدارة شؤون البيت، وتحصينه. فكانت لدى بعض الشعراء رمزا للزوجة الوفية، التي تعد سندا للزوج، وفسحته للراحة من تعب الحياة ومشاقها، تماما كما هي هدى” في شعر نايف الجهني

تجربة منفردة:

من التجارب الشعرية التي تستحق الوقوف والحديث ما جاء في ديواني: سريعا كمن لا يمر (۱۹۹۸م)، ونوافذ القيصوم (۲۰۰۵) للشاعر نايف الجهني، وهو شاعر حداثي في بناء القصيدة واستعمال الألفاظ، والتعبير غير المألوف، وتشكيل الصور ، واستشراف المجهول الما بعدي.

وهذا ما دفع الموسوعة العلمية لمنطقة تبوك أن تعطيه عناية زائدة على كل شعراء المنطقة، إذ كتبوا عنه ضمن الحركة الأدبية في منطقة تبوك:

تشيع في دواوينه مفردات المطر الماء والغيث والهطول والغيوم والسماء والبرق فالشعر مطر لا يكف عن الهطول كذلك الأسئلة، والبحر كزخات المطر يكتب بها رؤاء الحياة، ومن أكثر المفردات حضوراً الماء، وقد يحسن الإشارة هنا إلى دراسة عن ديوانه سريعاً كمن لا يمر ذكرت أن لفظ الماء تكرر عنده أربعاً وثلاثين مرة وردت في صيغ مختلفة، وأن سبعاً وعشرين من هذه الصيغ استخدمه الشاعر استخداماً حقيقياً أي مريداً به دلالته التي له بأصل الموضع المعجمي ولكن

بعض الصيغ جعلها الشاعر تركيباً مجازياً بأن جعل للماء رعشة ووحشة وريشاً وأوراقاً، وهي ألفاظ لها دلالتها الإيحائية ومرد ذلك أن الماء والارتواء من الأمور الضرورية التي شكلت حياة الإنسان العربي في الصحراء، والارتواء يولد عنده الإحساس بالأمن والرضا عن الحياة، والظمأ يولد فيه الإحساس بالخوف الذي يحركه نحو المضي والارتحال لاستعادة الإحساس بالأمن مرة أخرى(العبيدان ۲۰۰۰م))

ويشكل المكان ملمحاً بارزاً في بناء النص: صحراء أو مدينة أو بيتاً، ففي ديوانه “نوافذ القيصوم” تتبدى الصحراء حاضرة في نصوص مختلفة، ويحسن الإشارة هنا إلى أن الصحراء لديه لا تبدو كاي صحراء بل هي صحراء الشاعر التي احتضنت طفولته وتركت بصمتها على روحه وتستدعي الصحراء لديه مفردات من طقوس ونباتات مثل أشجار الغضا والشيح والرمث والقيصوم. والصحراء في نوافذ القيصوم ليست جافة قاسية أو هي التي يرحل عنها أهلوها من قلة الرعي والماء بل هي صحراء أليفة ودود وذات مرعى وتتكرر صور الصحراء في ديوانه سريعاً كمن لا يمر في قصائد مثل: (وهم الكتاب)”

وتتجلى صورة المكان المدينة في هذين الديوانين أيضاً؛ في نصوص القريات” و”حالة عمار” التي

يصورها الشاعر تصويراً مجازياً رائعاً يلمح إلى طبيعتها وصورتها في ذهن الشاعر :

قرية لا حدود لغبائها                                               تفتح ذراعيها للمسافرين كل يوم

ولا تجد بعد مغادرتهم سوى                                 الفضاء الذي يتنامى بارداً فوق راحتها

ثانياً – القصة القصيرة في منطقة تبوك

ظهور الفن القصصي في منطقة تبوك تأخر أكثر من الشعر، إذ كان أول ظهور للقصص عام ١٤١٠هـ، في مجموعة الولوج من ثقب إبرة للقاص علي عبد الفتاح سعيد، الذي يعد رائد القصة القصيرة في منطقة تبوك. ويتضح من إنتاجه أنه تأثر بالاتجاه الواقعي في القصة العربية، فقد بدت محاكاته للواقع بشكل جلي، عندما سجل جزءاً مما يدور في واقع الحياة، ملتزما اللغة الفصيحة. في حين أن محمد عجيم مال إلى استعمال العامية في قصصه الذي نحا هذا المنحى. وفي عام١٤٠٤هـ نشرت قصة ورقة في مصيدة الزمن كأول تجربة قصصية لعائشة الحكمي.

ومع تقدم الزمن ظهرت محاولات عديدة تشير إلى عناية فائقة لدى شباب المنطقة بفن كتابة القصة، وأنهم اطلعوا على هذا الفن، وفهموا أبعاده ومقاييسه الإبداعية. فقد ظهر من كتاب القصة:

حسن الأسمري، وخلود محمود مكي، وعبد الهادي العوفي، وأحمد عسيري …. الذي صدرت له “النوارس” المجموعة القصصية الوحيدة عام ۲۰۱۰م، وصدرت مجموعة في ركن عينيه قررت أن أحب لعائشة الحكمي عام ۲۰۱۰م، وصدر لعبد الرحمن العمراني عام ٢٠١٢م مجموعة “حفلة عزاء راقصة”.

وقد اهتم الكتاب بالقصص في منطقة تبوك؛ فقد أورد خالد أحمد اليوسف في كتابه دهشة القص (۳۳)، قصصاً من مجموعة “النوارس” عددا من القصص ومضة”، مثل: تماه، غربة، إفلاس وغيرها.

وشكلت الصحافة الوسيلة الأهم في نشر الفن القصصي في منطقة تبوك، إذ بدأ كتاب القصة بنشر إبداعاتهم في صحف، مثل: الرياض وعكاظ.. إلخ. ثم واكب النادي الأدبي في منطقة تبوك” تطور هذا الفن، وفضلا عن اهتمام النادي بالفن القصصي في المنطقة اعتنى بنشر قصص لكتاب من خارج المنطقة، كما في كتاب مرأة السرد وصدى الحكاية (٣٤) ، الذي صدر عام ٢٠١٦م، وضم اثنين وعشرين كاتبا للقصة القصيرة من تسع دول عربية، هي البحرين، وليبيا، واليمن، ومصر، والسعودية، والعراق وسوريا، والمغرب، والأردن

وفي عام ١٤١٩هـ أصدر النادي الأدبي خمسا وعشرين قصة (٣٥)، لأحد عشر قاصاً في ملف قصص قصيرة من منطقة تبوك، وفي عام ١٤٣١هـ نشر ملفاً تحت عنوان قصص من منطقة تبوك”، بواقع اثنتين وثلاثين قصة.

دار مضمون القصة في منطقة تبوك حول موضوعات اجتماعية مثل الزواج، وعلاقة الرجل بالمرأة، والتفكك الأسري، والعنوسة، ومنها ما دار مضمونها حول الحب الإنساني والعاطفي، وهناك قصص تحدثت عن الجحود والنكران، والأمل والطموح والخيال والتدين .. إلخ. وكان القصاصون يوغلون في الحديث عن سلوكيات وتفاصيل الحياة اليومية، مع محدودية الأدوات الفنية التي كانوا يعتمدون عليها، ضمن دلالة رامزة للواقع

ففي قصة في ركن عينيه قررت أن أحب ، مثلاً، ناقشت عائشة الحكمي عدداً من الموضوعات وعبرت عن الكثير من الصور الاجتماعية الحية، لا سيما موضوع الزواج في المجتمع السعودي وما ارتبط به من أعراف، وقد وظفت القاصة إمكاناتها الفنية وقدرتها على المحاورة في إيصال رسالتها الإنسانية والفكرية والأدبية بوضوح، ولم تلجأ إلى التقرير أو الصراخ حتى لا تبتذل فنها وتجهض قيم نصها الإبداعي (٣٦).

ومن خلال مجلات أفنان وضفاف، وحسمى التي تولى النادي إصدارها؛ دعماً للحركة الثقافية في المنطقة، برزت أسماء من الشباب تعتني بالقصة وتدرك قيمتها نتاجاً أدبياً له دوره في التعبير عن النفس وما يدور في واقع المجتمع، فتوالى الإنتاج القصصي، وكان ضمن القصة القصيرة جدا، أو القصة القصيرة، التي انتشرت فيما بعد انتشارا كبيرا لدى مبدعي المنطقة، الذين حصد العديد منهم جوائز مخصصة لهذا الفن، فقد نال القاص والروائي علوان السهيمي عام ١٤٢٩هـ

جائزة النادي الأدبي بالرياض في فرع القصة القصيرة عن قصته “عندما يؤلمني بطني”.

نموذج من القصة:

الحسناوات يدخلن التاريخ علوان السهيمي

لا أدري لماذا أشعر بالبكاء إذا وقفت أمام الحسناوات ؟! كل ما أعرفه أنني أتيتم أمامهن، أشعر بشيء ما له علاقة بالحداد، كنت فيما مضى أتجنب لقاء من خشية أن أبكي، أما الآن فإنهن يهرولن في ذاكرتي، فأحس بالبكاء يفتق محجري

لا زالت هذه الكلمات ترن في أذني كناقوس كنيسة. فعلا الذكريات دوما تحيل الإنسان إلى راهب.

لم يكن “طلال” على قدر كبير من الثقافة. كان بدويا يعرف بأن الإنسان مرحلة عمل لا ينقطع، لكنه كان يفلسف الحياة دوما برؤية أخرى ليس لها ماهية تشكل بالله.. كم نحتاج من التأويلات

لتصنيف حياة إنسان بدوي يبكي أمام الحسناوات أتذكر أنه أتى ليلة يدفع تبغه أمامه، وما إن رأني

حتى قال:

يا “عايد” أنا أبحث عن حل لمشكلتي.-

توقف الزمن فجأة، وعادت بي الذاكرة إلى تلك الحادثة التي علقت بأستار الأحداث ليأتي يوم تطفو

فيه على سطحه دخل علي طلال وسألني:

هل من الممكن أن تجازف معي وتكتب رواية؟-

بدءا استغربت؛ لأن بعض الناس يؤثرون الثرثرة في الأشياء التي لا تروقهم من فرط جهلهم بها، لكنه كان يدرك بأن القلم قادر على دخول التاريخ، وبأنه القلم أداة جريمة

أكتب لك رواية؟-

 ليست لي، أكتب لها رواية!-

-ومن هي؟

جميلة-

-ومن هي جميلة هذه؟

سكت وتدحرج الفضول قبالتي، كيف كان يدفعني “طلال” لكتابة رواية، وهو من يبغض لعاب الأقلام. يعلم بأنني كاتب، لكنه لا يعرف بأن لعنة الكتابة في داخلي تربو عن الأفكار تحت

الطلب. إن الأقلام التي يدفعها الآخرون للإنجاز هي أقلام قابلة للتكسر . رغم أنني لم استسغ رغبة

فض بكارة قلمي / عقلي، إلا أنني تجرأت على هذا التجاوز فضولا وسألته:

-وش السالفة؟

– بكل بساطة، لم يخطئ الأدب حين أدخل الحسناوات التاريخ!

یا طلال، عندما نرهن أقلامنا على حسناوات معلبات يضيع جمال الابتداع

بدأت عينه تغرق في مائها، أخذت تتماهى مع سراب دمع أخذ يندلق، وقال:

رأيت فتاة تستحق أن يكتب عنها رواية

قل غواية وليست رواية! –

سمها ما شئت المهم أن تكتب عنها… –

كيف نستطيع الكتابة عن أشياء لم نعشها، لم نستشعرها، لم نتوحد معها ؟-

كالنيزك بدأ يحترق في داخله، شعرت لوهلة بأنه يتلاشى.. يتلاشى، صعقني حين قال:

ثمة بعض النساء يدخلن التاريخ من نظرة-

وتركني… وها هو الآن يعود لينكا جرحا قد التأم.

– ما هي مشكلتك يا طلال؟

البكاء أمام الحسناوات.-

 حسنا  لدي حل، سأكتب عن تلك الحسناء التي أبكتك.-

عندما تركني ذلك اليوم حائرا أمام تصديق عبارته وتكذيبها، أيقنت بأن من يكتب يُعدم، فأردت أن

أعدم حسناءه تلك ليبتسم، فالكاتب قاتل مأجور ، تستخدمه أفكاره لقتل شخوص الحياة بلا هوادة.

أعطني قصتك، وأوصاف حسنائك، وكل ما تريد كتابته عنها.-

– حسنائي تلك لن تخفى عليك البتة ببساطة هي “نانا”، وهذا اسم الدلال لأنها تستحق الدلال

فعلا.

وما هو اسمها الحقيقي؟-

لبنان.-

نظرت إليه بقرف ممزوج بصدمة، وقلت:

وهل لبنان تستحق الإعدام ؟!-

ثالثا – الرواية في منطقة تبوك

“التوأمان” أول رواية في المملكة العربية السعودية، صدرت عام ۱۹۳۰م، وقد عدت.. من الأعمال

التحويلية التي ساهمت في إعادة إنتاج الخطاب الثقافي على أسس جديدة (۳۷). لذلك بقيت تمثل طفرة في الفن النثري، والكتابة القصصية في المملكة، لمدة تقرب من عشرين عاماً، إذ لم يظهر بعدها ما يستحق الوقوف عنده سوى روايتي: “فكرة” لأحمد السباعي، و”البعث” للروائي محمد علي مغربي، وقد ظهرتا عام ١٩٤٨م (۳۸)، وهذا ما يعطي التوأمان ليس فقط موقع الريادة في هذا الفن في المملكة، بل – أيضاً – موقع التفرد والتميز بالاهتمام المبكر نسبيا به، لا سيما وأن مؤلفها عبد القدوس الأنصاري قد رعى الفن القصصي وعني به في مجلته المنهل، فوصل بهذه الرعاية بعض مظاهر نشأة وتطور هذا الفن في الأدب في المملكة العربية السعودية (٣٩).

إلا أن المرحلة الخصبة في إنتاج الرواية السعودية بعد عام ۲۰۰۰م، إذ تطورت من حيث التقنيات وأساليب السرد، من قبل جيل جديد من الكتاب صغار السن من أمثال: عبد الله التعزي” وروايته الحفائر تتنفس (۲۰۰۱)، محمود تراوري وروايته ميمونة (۲۰۰۱)، ومحمد حسن علوان وروايته

سقف الكفاية (۲۰۰۲)، كما صدر لنورة الغامدي وجهة البوصلة (۲۰۰۲)، ولمها الفيصل توبة وسليي” (۲۰۰۳)، ولنداء أبو علي مزامير من ورق (۲۰۰۳)، وغيرها من الأعمال الأخرى. وما بين عامي ۲۰۰۵ – ۲۰۱۰م صدر ما يزيد على ۷۰ رواية ما بين منشور داخل السعودية وخارجها، منها رواية حب في العاصمة لوفاء عبد الرحمن، ورواية “السواق” لعبد الله العبد المحسن.

أما في منطقة تبوك، إضافة إلى شح الإنتاج الروائي، فقد بدأ ظهور الرواية متأخراً بهذه المنطقة قياسا بمناطق المملكة الأخرى، رغم توفر الأسباب التي تساعد على انتشار هذا الفن في المنطقة، فهي قريبة من مصر والأردن وسوريا ولبنان، وهي دول مارست كتابة الرواية منذ عهد قديم، ويسهل من خلالها الحصول على الروايات، كما أنها منطقة بحرية وجاذبة للوافدين من هذه الدول، وبالتالي كان الأجدر التأثر، ومحاولة نقل الرواية فناً أدبياً بشكل واسع، بيد أن عددا من الروائيين من هذه الدول كتب رواياته خلال وجوده في هذه المنطقة، مثل عصام أبو شندي الذي أنتج أربع روايات هي: دماء على الجدران عام ۲۰۱٦م، ورواية أيتام وقطط عام ۲۰۱۷م، ورواية سائرون إلى هناك عام ۲۰۱۸م، ورواية ملابس عسكرية عام ٢٠١٩م.

واختلف الأمر مع تقدم الزمن وازدهار هذا الفن، إذ أصدر الروائيون في تبوك عددا من الروايات ومنهم من اكتفى برواية واحدة، مثل محمد عجيم في روايته آخر ليلالي الجحيم” عام ١٩٩٨م، ومنهم من بادر إلى زيادة إنتاجه؛ فأنتج روايتين أو ثلاث روايات مثل: نايف الجهني في رواية “الحدود عام ۲۰۰۳م، ورواية “تباوا” عام ۲۰۱۲م، وعلوان السهيمي في روايات: “الدود” عام ۲۰۰۷م، والأرض لا تحابي أحدا عام ۲۰۰۹م، و”القار” عام ۲۰۱۲م، و”حياة بنصف وجه” ٢٠١٥م، ومطلق البلوي في رواية “لا أحد في تبوك عام ۲۰۰۸م ، ورواية “عزيزة” عام ٢١٠٥م، وعبد الرحمن العكيمي في رواية رقصة أم الغيث عام ۲۰۱۰م، ورواية توارت بالحجاب عام۲۰۱۸م.

وثمة باحثون درسوا الرواية في منطقة تبوك، وإن لم تكن دراساتهم متخصصة في المنطقة، إلا أنها تعمقت دلالات كثيرة ضمن رواية منطقة تبوك، فعلى سبيل المثال، في كتابه تحولات الرواية في المملكة العربية السعودية، سمى علي القرشي رواية “لا أحد في تبوك برواية الحضور والغياب، وقال: هذه الرواية محاولة الاصطباغ التأويل المشهود، والالتفاف حول قناعات متعددة وتعريتها عند احتدام المواقف، متخذاً لذلك عدة آليات منها: رسم الشخصيات من خلال قناعاتها، وتهيؤاتها، والاحتكام إلى الحضور، ورسم صور الغياب من خلاله.. ورسم المشاهد المراوية لمشاهد أخر…

ورغم بساطة الحدث ومستوى بناء الشخصيات، وأبعاد القراءة، إلا أن هنتاك رسما يستثير مدارات حركة النص، ويوجهها في أفقه، ويستثير رسم شخصياته وتصرفاتهم مما جعل لهذا العمل السردي مذاقاً خاصاً، ونكهة مميزة (٤٠).

وقدم عصام أبو شندي دراسة تحت عنوان الحضور المكاني لمنطقة تبوك في الرواية السعودية (٤١)، بين فيها أن الفضاء المكاني لمدينة تبوك جاء واضحا إلى حد مقبول، في روايات: “القار” و”حياة بنصف وجه لعلوان السهيمي، و”عزيزة” و”لا أحد في تبوك” لمطلق البلوي. حيث تحكي رواية “القار” قصة زواج المواطن السعودي عبده غطفان الأسود البشرة، من سحر بياضة” السورية الجنسية، ذات اللون الأبيض والجمال الفائق. ويرى أن الحضور المكاني في الرواية يأتي في ثلاثة أشكال أولها إشارة الراوي عبده غطفان إلى الموقع الجغرافي الذي تحتله تبوك القصبة من أراضي المملكة العربية السعودية، فضلا عن إشارات أخرى متفرقة في الرواية، ذات علاقة بالسمتين الاجتماعي والحضاري للمدينة، تسهم بشكل من الأشكال في توضيح المعالم المكانية لتبوك بوصفها فضاء مكانيا للرواية. والثاني هو الإشارات العابرة الكثيرة لعدد غير قليل من المعالم المكانية في تبوك؛ كأسماء الأحياء والفنادق والمساجد والمراكز التجارية فيها إلخ. والثالث وهو الأهم الوصف التفصيلي لبعض معالم الأمكنة فيها بوصفها الفضاء المكاني للحدث

الخاتمة:

هكذا بدا واضحا كيف استطاعت الحركة الشعرية في منطقة تبوك أن تنافس مناطق أخرى في المملكة رغم الظروف الاجتماعية التي تعيشها المنطقة، فأهلها اعتنوا بأشياء أخرى ترتبط بطبيعة الحياة القائمة على الترحال والتنقل وعدم الاستقرار.

وقد ساعد على تطور الحركة الأدبية عدة عوامل تمتعت بها منطقة تبوك، منها: اهتمام الصحافة السعودية بالأدب والشعر ؛ مما جعل عددا كبيرا من الشعراء ينشرون قصائدهم، إضافة إلى وجود النادي الأدبي الذي أخذ على عاتقه نشر عدد كبير من الدواوين الشعرية، بعد أن أتاح للشعراء تقديم أشعارهم في محافل ثقافية وأدبية كانت تقام في النادي، وكان القائمون على النادي يعقدون الندوات والنقاشات النقدية حول القصائد المختلفة، فصنعوا حركة نقدية حول الشعر كان لها أكبر الأثر في نفوس الشعراء وكما اتضح فإن الشعر كان سابقا للرواية والقصة، وهذا معروف في تاريخ الأدب العربي عامة عبر عصور هذا الأدب، ويعود ذلك إلى اهتمام العرب بالشعر على حساب النثر، بناء على الدور الإعلامي الذي كان يؤديه الشعر. ففي تبوك كان وسيلة الشعراء للفخر بالملوك والأمراء والزوار من خارج المنطقة، يمتدحون به، ويفخرون ويتفاخرون، ويتسامرون فيما بينهم.

بناء على ذلك ظهرت القصة بوقت متأخر على الشعر، لم تبدأ بالزخم نفسه الذي بدأ فيه الشعر، لكنها تطورت فيما بعد وأخذت تنافسه في الكم والعمق، وحجم التأثير، لا سيما عندما بدأت القصة النسوية تظهر وتنتشر في أوساط المجتمع.

وفيما يخص الرواية فقد تأخرت أكثر من القصة، وقد يرتبط ذلك بطبيعة الفن الراوني، وحاجته إلى عمق في الأسلوب وطول نفس في الوصف وبناء الحدث وتطوره، لكن ذلك لم يمنع ظهور عدد من الروائيين في المنطقة في روايات ذات عناوين جذابة، ونال بعضها إعجاب عدد من النقاد والدارسين، وقد تم ذكر أمثلة منها في متن البحث.

المصادر والمراجع

1- إبراهيم، الفوزان الأدب الحجازي الحديث بين التقليد والتجديد مكتبة الخانجي، القاهرة، ١٤٠١هـ – ١٩٨١م.1

– أحمد جمال المرازيق شعر محمد فرج العطوي دراسة موضوعية فنية”، مجلة الدراسات العربية، جامعة المنيا، كلية دار.2 العلوم، العدد ٢٩، ٢٠١٤م.

.أحمد المرازيق الرسم واستخدام اللون في شعر عبدالله الصيخان، مجلة كلية الدراسات الإسلامية، مصر، العدد ٤،3

٢٠١٦م.

– أحمد المرازيق شعر غرامة خلوفة العمري دراسة تحليلية مجلة بحوث كلية الآداب جامعة المنوفية، العدد ۱۰۱،.4

٢٠١٥م.

أحمد المرازيق صورة المرأة لدى شعراء منطقة تبوك، مجلة كلية الآداب في جامعة بني سويف، العدد ٤٧، ٢٠١٨م.5

– حسن الهويمل اتجاهات الشعر المعاصر في نجد نادي القصيم الأدبي ببريدة، ط ١، ١٤٠٤هـ.6

7- خالد أحمد اليوسف دهشة القص: القصة القصيرة جدا في المملكة العربية السعودية، كتاب الفيصل (١٤)، مجلة

الفيصل العددان (٤٨٣ – ٤٨٤).

خالد أحمد اليوسف مرأة السرد وصدى الحكاية، مؤسسة الانتشار العربي النادي الأدبي بمنطقة تبوك، ٢٠١٦م.

خالد محمد غازي الغزالة والسهم، وكالة الصحافة العربية، ط ١، ٢٠١٦م.

زاهر حسن بارقي، أحاسيس شاعر مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ٢٠١٦م. -۱۰

محمد العقيلي، أضواء على الأدب والأدباء في منطقة جازان، دار مكة، ط ١، ١٤٠٠هـ. ۱۱

عبد الله الصيخان هواجس في طقس الوطن، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت. ۱۲

عبد الله عبد الجبار التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية معهد الدراسات العربية، القاهرة، ط1،-۱۳

١٣٧٩هـ – ١٩٥٩م.

عبدالله عمر خياط، الرواية الأولى “التوأمان”، صحيفة عكاظ، الثلاثاء، ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٠٨م. -١٤

عصام أبو شندي الحضور المكاني لمنطقة تبوك في الرواية السعودية، بحث مقبول للنشر، مجلة المنارة، جامعة آل-15

البيت، الأردن.

– علي آدم الهوساوي مسارات في ذاكرة السراب من إصدارات النادي الادبي بمنطقة تبوك، الطبعة الأولى،-16

علي القرشي، تحولات الرواية في المملكة العربية السعودية، مؤسسة الانتشار العربي، ط ۱، ۲۰۱۳م.17

غرامة العمري، تفاصيل ما حدث، ط ١، ١٤٢٣هـ – ٢٠٠٢م.18۲۰۰۰م.

– غرامة العمري، ثلاثون جرحا النادي الأدبي بمنطقة تبوك، ١٤٢٠هـ – ١٩٩٩م.19

غرامة، العمري، زمن من حجر، ١٤١٤هـ.20

– فيصل مالك أبكر الصورة الفنية ومصادرها في شعر العبيدان (دراسة فنية تطبيقية في ديوان تباريح وجد) مجلة-21

دراسات اتحاد أدباء وكتاب دولة الإمارات العدد الثامن والثلاثون، ٢٠١٦م.

فيصل مالك أبكر، قراءة نقدية في مجموعة في ركن عينيه قررت أن أحب، الورقة منشورة في ملف مؤتمر -22

أبحاث ملتقى القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً في الأدب السعودي كرسي الأدب السعودي، جامعة الملك

سعود، الجزء الثاني، ٢٠٠٤م.

محمد الأنصاري الهاجري، رائد الرواية، ضمن أبحاث ملتقى العقيق الثقافي الدورة الأولى، ١٤٢٨هـ، نادي-23

المدينة المنورة.

مسلم فريج العطوي وطني.. عشقتك من إصدارات النادي الأدبي بمنطقة تبوك، ٢٠١٠م-24

25- محمد العطوي، أغنى رغم أني، ط ۱، ۲۰۰۱م

محمد العطوي، بوح الروح من إصدارات النادي الأدبي، تبوك، ط ١، ١٤١٨هـ.26

محمد العطوي، على حافة الصمت، ط ٢ ، ١٤٢٨هـ.27

محمد العطوي، ما ينتهي بالسكون دار المفردات الرياض، ط۱، ۲۰۱۲م.28

محمد فرج العطوي، وطني.. غنيت لك من إصدارات النادي الادبي بمنطقة تبوك، ط۱، ۲۰۰۱م-29

 محمد العطوي، وطني غنيت لك من إصدارات النادي الأدبي، تبوك، ط ۱، ۲۰۰۱م. – 30

منصور الجهني، قبل أن، دار الأصفهاني، جدة.  -31

32 – موسى العبيدان، الأدب في شمال غرب الجزيرة العربية قديما وحديثا، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ط٢،

٢٠١٦م.

موسى مصطفى العبيدان، تباريح وجد دار المدينة المنور للنشر، الطبعة الأولى، ٢٠٠٩م. -34

موسى العبيدان، المكون المعرفي والمكون الثقافي مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ۲۰۱۷م. –

الحركة الشعرية في تبوك المجلة العربية العدد ٥١١، ۲۰۱۹م. -35

36- الموسوعة العلمية لمنطقة تبوك، الحركة العلمية في منطقة تبوك، المجلد السابع، إصدارات جامعة تبوك، ۲۰۱۸

د. أحمد جمال المرازيق

استاذ مشارك / قسم اللغة العربية / جامعة تبوك

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتًا
التقيمات المضمنة
عرض كل التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا الأن
1
هل تحتاج الي مساعدة او نشر بحثك !
Scan the code
مجلة scp الماليزية
مرحبا
كيف استطيع مساعدتك !