العدد الحادي عشرالمجلد الثالث 2020

الحداثة بين التاريخ والفلسفة

أ.د. أسماء سالم أحمد بن عفيف

أستاذ مشارك تخصص العقيدة والمذاهب المعاصرة

جامعة الملك عبد العزيز كلية الآداب والعلوم الإنسانية

قسم الشريعة والدراسات الإسلامية

معرف الوثيقة الرقمي : 20209117

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد؛

يُعتبَر مفهوم الحداثة أحد أكثر المفاهيم التي أثارت الجدل، بالإضافة إلى مفاهيم أخرى تتعلق بالحداثة، مثل ما بعد الحداثة، الحداثة السائلة، والحداثة الفائقة … إلى غير ذلك. ويعد هذا الجدل في تعريف الحداثة إشارة إلى ما يشهده العالم الحاضر من ظواهر تدعو إلى إعادة النظر في الكثير من القيم والمبادئ المؤسسة للحداثة، أمثال النازية والفاشية والستالينية التي كشفت هشاشة بعض شعارات الحداثة ووعودها، فيما يدعو أنصار الحداثة إلى المنافحة عنها بوصفها مشروعًا لم يكتمل بعد.

ووصفت الحداثة بأنها ذات بعد تاريخي أو تاريخاني، وذلك باعتبارها تمثل تطلع مجموعات بشرية من أزمنة وأمكنة مختلفة إلى تعميم سلسلة متتالية من الأحداث التاريخية التي جرت أطوارها في زمان ومكان محددين، ووقتئذ سيبدو النقاش قائمًا بين التقليد والتحديث، وستصير الهوية هي قلق الحفاظ على الوحدة؛ ومن ثم فإن هذا العصر الذي نعيشه هو عصر الأزمة؛ أي زمن يتطلب منا الحكم على الزمن والإنسان.

ويسعى هذا البحث إلى معالجة العديد من المسائل ذات البعد الفلسفي والتاريخي، بهدف تحديد مفهوم الحداثة من حيث نشأتها ورهاناتها وتحدياتها، وذلك من خلال التفكير في الحداثة بخصوص نشأتها باعتبارها في البداية: (سلسلة من الأحداث حصلت في التاريخ ورصدها المؤرخون)، ثم كمفهوم استنبطه الفلاسفة في وقت لاحق، ودبجوا حوله خطاباتهم. وبذلك يدور البحث حول الحداثة بين اعتبارها ظاهرة تاريخية من جهة والحداثة باعتبارها مذهبًا فلسفيًّا له أسسه وقواعده ومنطلقاته العقلية والعلمية من جهة ثانية.

أهمية الموضوع:  

1- كثرة الوسائل والمؤسسات التي تعنى بنشر فلسفة الحداثة والتنظير لها، والدعوة إليها في العالم العربي، مما يستدعي ضرورة بحث هذه الظاهرة من جانبي الفلسفة والتاريخ.

2- كثرة الاهتمام داخليا وخارجيا بمفاهيم الحداثة والحداثيين، ومحاولة الحداثيين وحرصهم على نشر الفلسفة الحداثية.

3- انتشار الأفكار الحداثية في كثير من الأوساط البحثية والعلمية والتعليمية، واستحواذ أصحابها على المناصب المهمة والمنصات التوجيهية في عالم التأثير والقدوة.

4- كون تاريخ الفكر العربي المعاصر هو بدرجة كبيرة تاريخ تلقيه لمفهوم الحداثة؛ ومن ثم فإن تعميق النظر في هذا التاريخ يقتضي تعميق النظر في مفهوم الحداثة.

5- الصدمة الحضارية الحاصلة بسبب أن الغازي هو الغرب الحداثي والمغلوب هم العرب الحاملون لتراث حضاري تقليدي كان في وقت من الأوقات يتنافس مع الغرب نفسه من أجل السيطرة على العالم، وليست النزالات بين الطرفين بقليلة على طول التاريخ.

6- اختلاف النظرة للحداثة بين وجهتي النظر الغربية والعربية؛ فالغرب يرى نفسه هو الغالب ولذلك فعلى الطرف الآخر السير وراءه، والعرب يرون أن الأمر يجب ألا يتجاوز نقل بعض المظاهر وإدماجها في الخصوصية الحضارية العربية والإسلامية.

منهج البحث:

من الأمور المتبعة في منهج هذا البحث ما يلي:

1- الاعتماد على كتب وكتابات الحداثيين أنفسهم، وعدم النقل من أقوال مخالفيهم، وصولا إلى مبدأ الإنصاف لأصحاب هذه الفلسفة.

2- الحرص على أن تكون النقولات والشواهد شاملة وعامة، وعد الاكتفاء بمصدر واحد في أغلب الأحوال.

3- عزو النصوص المقتبسة إلى مراجعها، والإشارة إلى اسم الكتاب والجزء – إن وجد – ورقم الصفحة، في الهامش.

أسئلة البحث

يحاول البحث الإجابة عن السؤال الرئيس التالي (ما أبرز ملامح الفكر الحداثي في الثقافة العربية)؟

تقسيمات البحث:

يشتمل البحث على مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، وذلك على النحو الآتي:

  • المقدمة: وفيها أهمية الموضوع وأسباب اختياره ومنهج البحث فيه.
  • التمهيد: مفهوم الحداثة وموقف الإسلام منها، وفيه مطلبان:
  • المطلب الأول: مفهوم الحداثة.
  • المطلب الثاني: موقف الإسلام من الفكر الحداثي.
  • الفصل الأول: دراسات عن تاريخ وفلسفة الفكر الحداثي، وفيه أربعة مطالب:
  • المطلب الأول: الظروف والمقدمات التاريخية للفكر الحداثي.
  • المطلب الثاني: الأصول العقلية للحداثة.
  • المطلب الثالث: الحداثة في الدراسات الغربية.
  • المطلب الرابع: الحداثة في الدراسات العربية.
  • الفصل الثاني: دراسات عن علاقة القضايا التاريخية بالفكر الحداثي، وفيه مطلبان:
  • المطلب الأول: نشأة الإنسان من المنظور الحداثي.
  • المطلب الثاني: صراع الحضارات من المنظور الحداثي.
  • الخاتمة: وفيها أبرز النتائج والتوصيات التي تخرج بها الدراسة.

مصطلحات البحث

الفكر الحداثي: الحداثة موقف عقلي، يتمثل في عدم الرضا بالطرق التقليدية للحياة، والتركيز على استغلال الموارد الطبيعية (باحوا، 2012). ويعرفه الباحث بأنه استخدام المعرفة والتقنية الحديثة في إحداث تغيير اجتماعي.

التمهيد:

مفهوم الحداثة وموقف الإسلام منها، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: مفهوم الحداثة.

أ) مفهوم الحداثة لغة:

يتحدد معنى الحداثة لغةً في قولهم: حدث الشيء يحدث حدثًا وحداثة وأحدثه فهو محدث وحديث. وكذلك استحدثه.. فالحديث هو إيجاد شيء لم يكن وابتدعه. والحديث والحدوث نقيض القديم والقدْمة، وكون الشيء لم يكن. وما ابتدع، والمحدث هو الأمر المبتدع، واستحدثتُ خبرًا أي وجدت خبرًا جديدًا، والحديث الجديد من الاشياء. والحدث هو الشباب أو الأمر المنكر الذي ليس معتادًا ولا معروفًا، العالم محدث أي له صانع وليس بأزلي، فالحداثة هي الجدة، وأول الأمر وابتداؤه([1]).

ب) مفهوم الحداثة اصطلاحًا:

مصطلح الحداثة مصطلح غربيّ([2]) ففي اللغتين الانجليزية والفرنسية انتشرت لفظتان هما Modernism وModernity واختلفت الترجمة العربية بين الحداثة، والعصرية، والمعاصرة. أما في المعاجم فيكاد يكون الفرق ضيقًا في الترجمة. ففي المعجم نجد ترجمة كلمة Modernism بتعبير أو استعمال عصري، العصرانية، وModernity بالعصرية أو كون الشيء عصريًّا. إلا أن المعجم يضيف إلى معنى كلمة Modernism أنها حركة الفكر الكاثوليكي لتأويل تعاليم الكنيسة في ضوء المفاهيم العلمية والفلسفية السائدة في القرن التاسع عشر([3]).

والحداثة عند الحداثيين العرب هي: (مذهب فكري يسعى لهدم كل موروث والقضاء على كل قديم {إلا المظاهر الثورية والباطنية والفلسفية}، والتمرد على الأخلاق والقيم والمعتقدات)([4]).

فالحداثيون يرون أنه لا بد من الصراع مع ما هو ثابت في أمور العقيدة والشريعة والأخلاق؛ هذا الصراع الجدلي بين المتناقضات يولد – على حد زعمهم – المنهج المعرفي السليم المغاير لمنهج التلقي في الإسلام والذي يسمونه بالمنهج التقليدي القديم. 

يقول الحداثي السوري أدونيس: (الحداثة هي موقف معرفي أدى إلى تغيير نظام الحياة، وهذا الموقف المعرفي يقوم على أن الإنسان هو مركز العالم ومصدر القيم، وعلى أن المعرف اكتشاف للمجهول الذي لا ينتهي، وعلى أن مصدر القيم ليس غيبيًّا، وإنما هو إنساني، وهذا ما يتناقض مع الموقف المعرفي الإسلامي بدون تأويل جديد، أو قراءة جديدة له، هذا والقراءة لما تبدأ بعد …)([5]).

يتبين مما سبق أن الحداثة مصطلح فكري لمذهب معين له قواعده وأسسه، من الثورة على مصادر المعرفة والقيم، والدعوة إلى تجاوز المألوف والسائد، وغير ذلكن ولا يمكن أن يختلط بمفهوم العصرانية التي قد تعني إخضاع التراث لمفاهيم العصر ونظرياته. لذلك فإن الحداثيين لا يدعون إلى العصرانية إلا إذا قصدوا بها الصدور عن مصادر معرفية معاصرة؛ مخالفة للقديم والمألوف عند الناس، فهي إذن حداثة وليست معاصرة، وإذا عبروا بالمعاصرة فإنما ذلك تدرج منهم في ثورتهم، ومحاولة لتقريب العقلانيين إلى منهجهم، مقابل المنهج الشرعي المستقيم.

المطلب الثاني: موقف الإسلام من الفكر الحداثي.

وقف الإسلام من الحداثة موقفًا متمايزًا، رافضًا للأسس الوثنية الجاهلية التي استندت إليها، وكاشفًا للأضاليل والأغاليط التي تموه بها على السذَّج من الناس والمجتمعات، ومنبهًا على أن الإسلام لا يتعارض مع العقل الصريح والفطرة المستقيمة والقلب السليم، ولا يعادي التجديد والتحديث والتطور ما دام يسير في إطار الثوابت الراسخة ولا يتعارض مع النواميس الكونية والحقائق الشرعية التي خلق الله الكون كله وسيره بمقتضاها كونًا وشرعًا. إن التجديد كسبيل إيماني أصيل في التطور بعالم الأفكار يتميز عن الحداثة بمعناها الغربي، تلك التي تعني القطيعة المعرفية مع ثوابت الدين وأصوله؛ فهي نسخ للدين – بالجمود والإنكار، أو بالتأويل الذي يفرغه من محتواه – بينما يعني التجديد الإسلامي البعث والإحياء لثوابت الدين وأصوله، مع التطور في فقه الفروع، مواكبة لمستجدات الواقع المعيش، وحفاظًا في الوقت ذاته على صلاح وصلاحية الثوابت والأصول الدينية لكل زمان ومكان؛ فهمما – الحداثة والتجديد – نقيضان في نظرة كل منهما إلى ثوابت الدين وأصوله.. وأيضًا إلى النتائج التي يثمرها كل منهما في الحياة والأحياء والأشياء([6]).

إن للإسلام نظرته الفريدة في النظر إلى الكون، وإلى مكانة الإنسان في هذا الوجود، وإلى نطاق حرية الإنسان في هذه الحياة، وهي فلسفة لا وجه للتوفيق بينها وبين الفلسفة الوضعية – التي تمثل الحداثة مرحلة من مراحل تاريخها – التي قامت عليها النهضة الأوروبية الحديثة، وثقافتها الحداثية المعاصرة([7]).

فالإنسان في الرؤية الإسلامية مخلوق لله سبحانه وتعالى، وقد تتفق الرؤية الإسلامية في هذا مع الفلسفة الوضعية الغربية، لكنها تعود فتفترق عنها عندما تقرر أن الله سبحانه وتعالى ليس مجرد خالق فحسب، وإنما هو الخالق والراعي والمدبر والهادي لهذا الوجود، وهذا الإنسان.

إن الله – تعالى – في التراث الأرسطي الإغريقي، هو مجرد خالق للعالم والوجود؛ خلقه، ثم دفعه للحركة فتحرك، ولا يزال يتحرك بواسطة الأسباب الذاتية المودعة في عوالمه وقواه، دون الحاجة إلى رعاية ربانية أو تدبير إلهي، أو شريعة دينية يأتي بها الوحي من وراء الطبيعة والوجود المادي إلى الأنبياء والرسل.

وتتفق تلك الرؤية الأرسطية مع الرؤية الوثنية الجاهلية؛ إذ كان الوثنيون في الجاهلية يؤمنون بالله خالقًا لهذا الوجود، وإنما استحقوا أوصاف الجاهلية والوثنية؛ لأنهم وقفوا بنطاق عمل الذات الإلهية عند الخلق؛ فقط، وجعلوا التدبير للأصنام والأوثان والوسائط التي أشركوها مع الله، يلجئون إليها إذا أرادوا الحرب أو السلم.. القرار أو السفر، الترك أو الفعل، الإحجام أو الإقدام، الطلاق أو الزواج، إلى غير ذلك من التدابير لشئون الحياة.

وتلك بعينها هي الفلسفة الوضعية الغربية؛ فهي بالعلمانية قد قررت أن العالم مكتف بذاته، وأن الإنسان مكتف بذاته في العالم، يدبر عوالمه ومجتمعاته بقواه وعقله، والإنسان سيد هذا الكون، ولا سلطان على العقل الإنساني إلا للعقل وحده، والعقد الاجتماعي البشري يقرره الاختيار الإنساني وحده، والحرية الإنسانية لا سقف لها ولا إطار يحكمها من وحي أو شريعة سماوية.

وفي مقابل هذه الرؤية الوضعية – التي هي بعث وإحياء للتصور الأرسطي وللتصورات الجاهلية الوثنية تأتي الرؤية الإسلامية، التي لا ترى الله مجرد خالق.. وإنما هو الخالق والهادي والراعي والمدبر لكل المخلوقات، وترى الإنسان خليفة لله، خلقه الله، ونفخ فيه من روحه، واستخلفه لعمارة الأرض، وسخر له كل ما في الوجود، وأعطاه القدرة والحرية والاختيار والاستطاعة والتمكين، لكن في حدود ثوابت عقد وعهد الاستخلاف؛ فهذا الإنسان وفق عبارة الإمام محمد عبده: (هو عبد لله وحده، وسيد لكل شيء بعده)، هو خليفة ووكيل ونائب لسيد الكون سبحانه وتعالى، وليس هو سيد الكون، وهو الحامل لأمانة العمران، ولكن في إطار الثوابت الدينية – عقيدة وشريعة وقيمًا وموازين -.

إن الإنسان في هذه الرؤية الإسلامية ليس ذلك الحقير، الفاني، المهمش، المجبر، الذي لا حول له ولا طول، وهو أيضًا ليس سيد الكون، المكتفي بذاته عن توجيهات الدين وتدبير السماء، ووحي الله سبحانه وتعالى، وإنما هو سلطان الأرض المحكومة سلطاته بسلطان السماء، لأنه خليفة في الكون، وليس سيد هذا الكون، إنما هو عبد لله – سيد الكون ومدبره وهاديه وراعيه – سبحانه وتعالى([8]).

والرؤية الغربية الوضعية العلمانية التي تريد تحرير الاجتماع الإنساني من ثوابت التدبير للشريعة الإلهية، فتقول: (لا دين في السياسة، ولا سياسة في الدين)، أو تحرر الوطن من الدين ومن العبودية لله، ومن الالتزام بحاكمية الشريعة الإلهية بدعوى أن (الدين لله والوطن للجميع)؛ هذه الرؤية التي تعزل السماء عن الأرض، وتحصر الفعل الإلهي في نطاق دون آخر، هي التعبير الحديث والمعاصر عن تلك الرؤية الوثنية الجاهلية التي سفهها القرآن الكريم وسفه أحلام أهلها، ووصمهم بالجاهلية والوثنية.

تلك هي المنطلقات المختلفة لكل من الرؤية الإسلامية المؤمنة للكون، ولمكانة الإنسان في هذا الوجود، ولنطاق الحرية الإنسانية في هذه الحياة، وهي الرؤية المؤسسة على فلسفة الخلافة والاستخلاف، والرؤية الوضعية الغربية، التي تمثل الجذر الفلسفي الذي يفتح الباب أمام الحداثة الغربية لإنكار الثوابت الدينية ونسخها، وإقامة القطيعة المعرفية معها بشكل حاد ومباشر، أو بالتأويل الذي يفرغ الدين ومصطلحاته من محتواه.

دراسات عن تاريخ وفلسفة الفكر الحداثي، وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: الظروف والمقدمات التاريخية للفكر الحداثي.

نشأت فلسفة الحداثة بعد أن تخلى الفكر الفلسفي عن الإرث الإقطاعي وموروثاته وأفكاره الغيبية الرجعية، من خلال ثلاث تحولات منهجية رئيسية، وهي كالتالي:

– التحول الأولى: حصل في القرن السادس عشر الميلادي، أو ما يطلق عليه (عصر النهضة والإصلاح الديني)، أو عصر مارتن لوثر كينج.

والثاني: حصل في القرن السابع عشر: وهو عصر الثورة العلمية الأولى، أي عصر غاليليو وديكارت وكيبلر، وكذلك عصر سبينوزا ولايبنتز، وكل أولئك مهدوا الطريق للتنوير الكبير والثورة الفرنسية، وباختصار هي ثلاثة قرون حاسمة في تاريخ الغرب والعالم كله.

أما التحول الثالث: فقد حصل في القرن الثامن عشر (عصر التنوير)([9]).

ولهذا السبب أجمع المفكرون والفلاسفة الأوروبيون على تقسيم تاريخهم إلى ثلاث حقب رئيسية، كما يلي:

1- العصور اليونانية – الرومانية القديمة، امتدت من القرن الخامس قبل الميلاد إلى القرن الرابع أو الخامس بعده، أي طيلة ألف سنة (مرحلة العبودية).

2- العصور الوسطى المسيحية: امتدت من القرن الخامس بعد الميلاد وحتى القرن الرابع عشر أو الخامس عشر؛ أي طيلة ألف سنة أيضًا (قبل عصر النهضة كانت ثقافة العرب المسلمون وتقنياتهم تتفوق على ثقافة الأوروبيين وتقنياتهم، كما يقول المؤرخ الفرنسي جان دوليمو، ولكن بدءًا من عام 1600 م، أصبح التفوق الأوروبي على العرب والصينيين وسواهم واضحًا، لا لبس فيه ولا غموض)([10]).

3- عصر النهضة وتطور الفلسفة الأوروبية والتنوير الغربي:

كان نجاح الثورات البرجوازية في هولندا في مطلع القرن السابع عشر، وفي بريطانيا (1641 – 1688)ن ثم الثورة الفرنسية الكبرى (1789 – 1815)، والثورة الألمانية في منتصف القرن التاسع عشر، بمثابة الإعلان الحقيقي لميلاد عصر النهضة والتنوير الأوروبي، أو عصر الحداثة الغربية؛ ففي هذا العصر انتقلت أوروبا الغربية من مجتمع الطبيعة المحكوم بنظرية الحق الإلهي إلى المجتمع المدني، مجتمع الديمقراطية والثورة العلمية الكبرى التي أحدثت زلزالًا في الفكر الأوروبي الحديث كان من نتائجه الرئيسة انتقال موضوع الفلسفة من العلاقة بين الله والعالم إلى العلاقة بين الإنسان والعالم وبين العقل والمادة([11]).

المطلب الثاني: الأصول العقلية للحداثة.

الأصل الأول: الصراع بين القديم والجديد.

يعمل الحداثيون على ضرورة تغيير التراث بمبادئه وعقائده وقيمه إلى مبادئ وعقائد وقيم حديثة ومعاصرة، وينادون بحتمية التحول عن القديم والماضي إلى الحديث والمستقبل؛ أي ما يلائمهما من أفكار وأخلاق ومعاملات وعقائد، حديثة مناقضة للقديم، ومخالفة للمألوف والسائد.

ويتم هذا التحول عبر طرق شتى منها ما يطلقون عليه تفجير التراث، وإخضاعه للعقلانية والديمقراطية، وإعادة قراءة عقائده وقيمه بمنظور حداثي ثوري.

ومن أهم هذه الطرق إثارة الصراع بين المتناقضات؛ أي بين الأفكار القديمة والأفكار الحديثة، وإنشاء عقائد واحكام وقيم ورؤى حديثة تتصارع مع التراث بكل ما يحمله من عقائد وتعاليم وقيم قديمة بالية، كما يزعمون.

إن فريقًا كبيرًا من الحداثيين يرون ضرورة حدوث الصراع من أجل البقاء للأصلح؛ فما ينتج عن الصراع من فلسفات تلفيقية، وفوضوية هو الفكر الأصيل لديهم، أما عدوهم اللدود فهو العقيدة الإسلامية السلفية، وما تحويه من قيم وعبادات ومعاملات.

تقول الحداثية خالدة سعيد: (الحداثة ليست تقسيمًا، وإن تمثل موقفًا شاملا، وإذا نهض تعريفها على الصراعية؛ فإن هذا يفترض تزامن اتجاهين متناقضين؛ حديث ومعارض للحديث)([12]).

وتوضح هذا الصراع أكثر عندما تقول: (ولا يكون الجديد حديثًا بالمعنى الذي استقر للحداثة إلا إذا كان يطرح القضايا الأساسية للحداثة، بصورة عامة، بالانزياح المتسارع في المعاملات، وأنماط الإنتاج والعلاقات، على نحو يتتبع صراعًا مع المعتقدات؛ أي المعارف القديمة، التي تحولت بفعل ثباتها إلى معقدات، ومع القيم التي تفرزها أنماط الإنتاج والعلاقات السائدة، وإذ ينشط الفكر التقويمي النقدي، نتيجة لهذا الصراع، تطرح المسائل الأساسية على بساط البحث، وإعادة النظر، وهذا ما يؤدي إلى اهتزاز القيم، ومنظومة المفهومات؛ فالحداثة ثورة فكرية …)([13])

الأصل الثاني: ضرورة التحول والتطور؛ والأمور التي يرى الحداثيون ضرورة تغييرها وتحويلها.

من أصول الحداثة، وأسسها الرئيسية، الدعوة إلى ضرورة التطور، والتحول من المبادئ والأفكار القديمة، والمواقف التقليدية، إلى مواقف وأفكار جديدة، ورؤيا حديثة حول الإله والكون والإنسان.

إن من الخطأ – عند الحداثيين – الثبات على تراث ثابت، وعقائد ساكنة، ومصادر معرفية قديمة، فالحياة دائمة التطور والتغير، ومن ثم فلا بد من استمرار التطور والتحول في القوانين والقيم والعقائد والأحكام.

إن علامة الحداثة وسمتها الأساسية – عند الحداثيين – هي مخالفة النمطي والسائد، وتجاوز الألوف والمستقر والمعروف؛ فالحداثة في تطور مستمر، وتطور لا يتوقف، وتغير لا ينتهي.

ولذلك يقول أدونيس: (الثورة العربية التي أطمح إليها هي عملية تحويل المجتمع من وضع إلى وضع آخر في جميع مستوياته؛ الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، هذا التحويل أمر صعب، لكن المهم هو أن نسير في اتجاهه. لا يمكن أن يحقق التغيير إلا أولئك الذين تغيروا بالفعل، معظم الذين يسمون أنفسهم ثوارًا لم يتغيروا في الواقع؛ أعني أن نظام العلاقات الاجتماعية في المجتمع العربي، والنظام الثقافي، والاقتصادي، هذه كلها مستمدة من أشكال ماضية، ربما كانت صالحة في وقتها، غير أنها لم تعد صالحة الآن)([14]).

وعلى هذا فلا يرضى الحداثي بالسائد من العقائد والمبادئ والقيم والأحكام، وإنما ينادي بتغييرها وتحويلها إلى مواكبة الفكر الحداثي في العالم، بل يجب أن تكون في تغير مستمر و(تحرك دائم في اتجاه ما لا ينتهي)([15]).

إن الحداثي الحق – في نظر الحداثيين – لا بد أن ينفصل عن الآلية الأيديولوجية السائدة، توكيدًا لارتباطه العضوي مع الفئات الطليعية، العاملة للتغلب على الأيديولوجية السائدة وعلاقاتها.

يقول محمد عبد الله مليباري: (أما الأيدلوجية الحداثية،  أو أيديولوجية “حداثة الثقافة العربية” كما استطعت أن أفهمها من خلال كتاب “الثابت والمتحول” لأدونيس، هي إيجاد تحول في الثقافة العربية التي ثبتها الإسلام بقيمه الدينية، تحولًا يزلزل القيم الموروثة، سواء كانت دينية، أو اجتماعية، أو أخلاقية، أو أدبية، أو سياسية)([16]).

إن الحداثة في العالم العربي هي رفض الاتباع، والقول بالتحول؛ أي الإبداع، والثورة على جميع الأعراف والتقاليد والأخلاق والشرائع؛ ومن ثم فلا بد للإنسان العربي من المرور بعدة أطوار خلال تحوله إلى الحداثة، وتلك الأطوار هي:

– اليقظة التحررية.

– الصراع مع القديم ومقلديه.

– التحولات التي تُنذر بالثورة وإرادة التغيير والانقلاب في المفاهيم.

– إعادة تنظيم المجتمع.

ولذا فإن من أهم خصائص الفرد الحداثي: الانفتاح نحو التغيير والتجديد، والديمقراطية واحترام الغير، والاتجاه نحو الحاضر والمستقبل أكثر من الماضي، وسيطرته على بيئته، وثقته بالعلم والتكنولوجيا([17]).

ولذلك ينتقد الحداثيون أحكام الشريعة الإسلامية كلها، جملة وتفصيلًا، ويطالبون بتحويلها، واستبدال أحكام جديدة بها، أحكام تناسب في زعمهم الحضارة الراهنة؛ ومن ثم فهم يصرحون بعدم صلاحية العمل بالإسلام في هذه الأزمان؛ لعدم صلاحيته إلا لزمانه فحسب، أما الآن فقد تغيرت الأحوال،  ولم تعد شبيهة بالعصر الأول للإسلام حتى نتحاكم إلى الأفكار القديمة في هذا العصر المتحضر، المختلف في ثقافته ومجتمعه عن العصر الأول، يقول الجابري: (إن المناداة بتطبيق الشريعة كان دائمًا شعار الحركات الإصلاحية في التاريخ الإسلامي، وكان يُعبَّرُ عنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو مبدأ إسلامي أصيل، وإذا كانت حركات الإصلاح في الماضي قد مارست التجديد من خلال الدعوة إلى الرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح فلأن المجتمع العربي كان إلى وقت قريب امتدادًا لما كان عليه المجتمع والحضارة زمن السلف الصالح … ولما كانت وقائع الحياة منذ البعثة المحمدية إلى بدايات القرن الماضي متشابهة متناظرة فلم يكن هناك ما يدعو إلى طرح السؤال: كيف نتعامل مع التراث؟ لم يكن في وقائع حياة الإنسان العربي المسلم آنذاك ما يجعله يشعر بأنه منفصل عن التراث، لقد كان حاضره امتدادًا للماضي ونسخةً منه. أما اليوم فالأمر يختلف تمامًا. إن الحياة المعاصرة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وبكلمة واحدة: الحضارة الراهنة، تختلف اختلافًا جذريا عن نمط حياة السلف … وإذن فالإصلاح أو تطبيق الشريعة أصبح يتطلب ليس فقط الرجوع إلى الأصول بل إعادة تأصيلها بفكر متفتح …)([18]).

الأصل الثالث: رفض ما هو قديم وثابت، والأمور التي يرفضها الحداثيون (رفضهم مصادر الدين والشريعة، رفضهم علوم الشريعة، رفضهم اللغة العربية)، والأمور التي يؤمنون بها، بل يعدونها من تراثهم الأصيل.

الحداثة ثورة على القديم ورفض للثابت الموروث، إنها تمرد على الدين والقيم، ودعوة إلى التجاوز الفوضوي، ومناداة بحرية مطلقة في كل شيء، وقوامها التجارب الدائمة في جميع مجالات الفكر دون قيد أو ضابط.

ويوجد من الحداثيين من يرى وجوب طرح القديم كله، يقول أحدهم: (إن المثقف التاريخاني يقرر وجوب طرح الماضي ظهريًّا؛ حيث إنه لا فائدة تُرجى من الماضي كله، ولا جدوى يلتمسها المرء فيه متى كان يروم الانعتاق والتحرر من ربقة التأخر التاريخي، بل السبيل الوحيد إلى ذلك هو استلهام درس التقدم من العالم الغربي المتقدم والمتحرر، الذي استطاع أن يصفي الحساب مع الكثير من الأوهام والأخطاء بما عرفه وعاشه من ثورات سياسية، واجتماعية، ومعرفية، واقتصادية، وأيديولوجية)([19]).

إن هذا الفريق من الحداثيين يرى أن باب الحداثة لا يمكن فتحه على مصراعيه إلا متى قمنا بإعمال فأس لاجتثاث التراث من أساسه([20]).

ويقول أحد الحداثيين عن مجموعة من شباب الحديثة الرافضين للتراث عن موقفهم هذا: (فإن الثورة على كل الأشكال والأنواع السابقة في بناء العمل الأدبي، رافقتها رغبة عارمة من جيل الشباب تهدف إلى محو كل ما سبق … هذا النوع الطفيلي هو أكثر الناس صراخًا بالطليعية، وتطرفًا في نفي كل ما سبق، والشطب عليه، ووضعه في خانة التخلف والرجعية)([21]).

وهذا النقد لطائفة الشباب ليس لأنهم نفوا التراث، وإنما لأنهم لم يؤمنوا بالحركات الثورية فيه، وكل ما يعد مقدمة وإرهاصات للحداثة.

أما الاتجاه العام عند الحداثيين فهو عدم رفض القديم كله؛ إذ ليس كل قديم يرفضه الحداثيون، ويثورون عليه؛ فثورتهم مقصورة على ما يوصف بالثابت والساكن والمعروف والسائد والمألوف، ويعنون بذلك القرآن والسنة، وما جاء فيهما من عقائد وشرائع وقيم وأخلاق؛ إذ يعنون مصادر الدين وما يصدر عنهما.

أما الحركات الفلسفية والباطنية والمتمردة والثورية، والمذاهب العقلانية المنحرفة، والفساق والخارجون على المنهج الإسلامي، فكل أولئك يعظمهم الحداثيون؛ لرفضهم الدين الإلهي الحق، فلا يرفضونهم وإن كانوا من القديم، بل يجمعهم مع أولئك الخروج، والرفض، والتجاوز، ورفض السائد والثابت والنمطي([22]).

ويتحدث أدونيس كأحد الحداثيين عن أسلافه وتراثه، فيذكر منهم امرئ القيس وعمر بن أبي ربيعة، والذي أعجبه من شعرهما، حسب قوله: (إن شعرهما يستمد أهمية خاصة من حيث كونه يؤسس الرغبة أو الشهوة على المحرم دينيًّا واجتماعيًّا، وفي هذا تكمن الثورة على التقاليد الاجتماعية؛ فشعرهما محاولة للخروج على المجتمع، وإن كل خروج على تقاليد المجتمع يحمل بذاته قيمة اللاخطيئة؛ فاللذة هي وحدها القيمة. إن الانتهاك؛ أي تدنيس المقدسات هو ما يجذبنا في شعرهما، وإن العلة في هذا الجذب أننا شعوريًّا نحارب كل ما يحول دون تفتح الإنسان…؛ فالإنسان حيوان ثوري([23]).

ولهذا فإن الماضي الذي يجب أخذه هو الماضي الثقافي الذي أنتجه الحلاج والرازي وابن الراوندي وفرح أنطون وجبران خليل جبران وفرح أنطون، بحسب قول أدنيس، الذي يستطرد قائلًا: (ولسوف نكمل ما بدأه هؤلاء فنشك ونرفض ونغير)([24]).

المطلب الثالث: الحداثة في الدراسات الغربية.

تعلن الحداثة الغربية – التي هي ثقافة التنوير الغربي الوضعي – بصريح العبارة أنها قد أقامت وتقيم قطيعة معرفية كبرى مع الدين، وأنها حتى لو استخدمت مصطلحات القاموس الديني، فإنها تجرد هذه المصطلحات وتفرغها من مضامينها والإيمانية؛ أي إنه حتى عندما تستخدم لغة الدين فإنها تفرغ هذا المصطلح من مضمونه الديني، وذلك بتأويل الدين لأنسنه، وتحويله إلى نسق فكري إنسانين لا علاقة له بالغيب والسماء.

تعلن الفلسفة الغربية ذلك فقول: (إنه بعد ان كان المسيحي حريصًا على طاعة الله وكتابه، لم يعد الإنسان يخضع إلا لعقله … وايدلوجية التنوير قد أقامت القطيعة الإبستمولوجية (المعرفية) الكبرى، التي تفصل بين عصرين من الروح البشرية، عصر الخلاصة اللاهوتية للقديس توما افكويني وعصر الموسوعة لفلاسفة التنوير … فمنذ الآن فصاعدًا راح الأمل بمملكة الله ينزاح لكي يخلي المكان لتقدم عصر العقل وهيمنته … وهكذا راح نظام النعمة الإلهية ينمحي ويتلاشى أمام نظام الطبيعة … لقد أصبح الإنسان وحده مقياسًا للإنسان … وأصبح حكم الله خاضعًا لحكم الوعي البشري، الذي يطلق الحكم الأخير باسم الحرية … ويمكن للمعجم اللاهوتي القديم أن يستمر، ولكنه لم يعد يوهم أحدًا، فنفس الكلمات لم يعد لها نفس المعاني!)([25]).

وقد تمركز تاريخ الفكر الأوروبي والأمريكي الحديث حول بذل الجهد لإفراز الحرية من الأصفاد السياسية والاقتصادية التي قيدت الإنسان([26]).

وثمة علاقة عضوية بين حركة الإصلاح الديني ممثلة في المذهب البروتستانتي وبين التغيرات الاجتماعية والسياسية وظهور الرأسمالية ونهاية عصر الإقطاع، إذ يرى ماكس فيبر أن الأفكار الدينية كانت (حاسمة) في نمو الرأسمالية في أوروبا([27]).

وتوجد علاقة عضوية بين حركة الإصلاح الديني ممثلة في المذهب البروتستانتي وبين التغيرات الاجتماعية والسياسية وظهور الرأسمالية ونهاية عصر الإقطاع، وكانت المعتقدات الدينية الجديدة تلبية لاحتياجات نفسية ظهرت بسبب انهيار النظام الاجتماعي القديم في العصور الوسطى وبدايات الرأسمالية. لقد أصبح الفرد بمعتقداته البروتستانتية مهيئا سيكولوجيا للدور المنوط له في النظام الصناعي الحديث؛([28]) فالخلاص البروتستانتي لدى مارتن لوثر تجسد في انتزاع السلطة من الكنيسة وإعطائها للفرد، فمضمونه للإيمان والخلاص متمثل في التجربة الفردية، ومن ثم فالمسؤولية كلها تقع على عاتق الفرد لا في أية سلطة أخرى([29]).

ويبدو هذا التوجه الديني تأسيسا للنزعة الإنسانية الحديثة في أوروبا وانبعاثا للروح السفسطائية التي تأسست على مقولة بروتاغ. وراس، (الإنسان مقياس كلّ شيء). وهو لا يقصد الإنسان الفرد المعين، بل الإنسان بعامة([30]).

وفي الكنيسة الكاثوليكية، قامت العلاقة بين الله والفرد على أساس العضوية في الكنيسة؛ ومن ثم فهي من جهة تقيد فرديته إلا أنها تجعله يتعامل مع الله، باعتباره جزءا لا يتجزأ من جماعة الرب([31]).

وعلى الرغم من افتقاده للحرية في مجاله الخاص، إلا أن هذا الانتماء الديني لمجتمع الرب، يبعث في ذات الوقت الشعور بالأمن.

أما البروتستانتية، فقد جعلت الفرد يواجه الله وحيدا؛ فالإيمان الذي عند لوثر تجربة ذاتية تماما وهذه النزعة الفردية الروحية لا تختلف كثيرا من الناحية السيكولوجية عن النزعة الفردية الاقتصادية. فالفرد في الحالتين يواجه القوة العظمى، سواء كانت قوة الله أم قوة المنافسين وحيدا([32]).

ويرى ماكس فيبر، أن الإنسان الكاثوليكي أكثر سكونا لأن فطرة الكسب لديه أقل نموا، فإنه يرنو إلى مجرى عيش مضمون قدر الإمكان ولو بدخل محدود نسبيا، أكثر من عيش حر يجلب له الوجاهة والثراء، لكنه محفوف بالمخاطر ومثير للقلق([33]).

وأعطى التحرر من القيود التقليدية للمجتمع الإقطاعي للفرد شعورا جديا بالاستقلال، إلا أنه جعله في نفس الوقت يشعر بأنه وحيد قد تشبع به الشك والقلق، ودفعه إلى خضوع جديد ونشاط اضطراري لا عقلاني([34]).

فالبروتستانتية بسعيها إلى تحرير الإنسان روحيا ومواصلة الرأسمالية ذلك عقليا واجتماعيا وسياسيًّا، قد تخلص الإنسان من أعداء الحرية القدماء، إلا أنه ثمة أعداء جددا من طبيعة مختلفة قد ظهروا، وهم أعداء ليسوا قيودا خارجية أساسًا، بل هم عوامل باطنية تغلق الباب أمام التحقق الكامل لحرية الشخصية([35]).

ويمكن فهم طبيعة الحداثة، بالنظر إلى ما أطلق عليه كارل شميث مفهوم النطاق المركزي لها، ويعني أن ثمة نطاقًا مركزيًا تحل في إطاره نطاقات أخرى وتعد مشكلاتها ثانوية، إذ يأتي حلها بصورة تلقائية ما إن تحل مشكلات النطاق المركزي([36]).

وارتكزت الحداثة الغربية في مسيرتها على مشروع التنوير، واستندت إلى فرضية أن التصور الديني الذي بدا هو الطريق للخروج من المعاناة هو ذاته مصدر تلك المعاناة. فاستبدلت أشكال الإيمان المتعالي بأخلاق عقلية نقدية، على الرغم من التنوع والاختلاف داخل هذا المشروع([37]).

وسعت الحداثة الغربية إلى تحرير الإنسان من الخوف من طريق نبوءتها بتحرير العقل وإخضاع الطبيعة والسيطرة عليها، فقد كان ينظر إلى الحداثة على أنها تمثل القفزة الكبرى إلى الأمام بعيدًا من ذلك الخوف، إلى زمن تنتهي فيه المفاجآت والأوهام وأنماط الحياة الطفيلية، زمن خال من كل شيء ينتج عنه الخوف([38]).

وقدمت الحداثة الغربية رؤية تشبعت بروح العقلانية المادية حولت مسار الخلاص من السماء إلى الأرض، فلم يعد طريق الإيمان بالله هو طريق الخلاص، بل المعرفة فقط وليس الإيمان هي طريق الخلاص وهي رؤية نابعة من الاستقواء بمنجزات الحداثة العلمية والإيمان بقدرات العقل وتفرده في إدارة شئون الحياة بمنأى عن الدين. وبهذا تحولت مركزية الكون من الإله أو الكنيسة إلى الإنسان، ولم تتناسب منجزات الحداثة الغربية العلمية والثقافية مع قدرتها على سد منافذ الخوف المتولد من منتجاتها، وقد خرج الخوف من دائرة الوحدة إلى دائرة الشتات.

وعالجت المعتقدات الدينية في العصور الوسطى الخوف على أنه تأسس على خطيئة، يسعى الفرد إلى تجاوزها من خلال معاناة دنيوية أملا في حياة أبدية؛ فالمذهب الكاثوليكي أوجد صياغات للمحن التي يمر بها الإنسان وكيفية معالجتها والبحث في المصير الإنساني ما بعد الحياة. وبالتالي، كان الخوف ذا دلالة واضحة وباتت هناك مسارات معلومة لتجاوزه، فيما أضحى الخوف في مرحلة الحداثة يتسم بدرجة كبيرة من الغموض والتشتت، عائما دون عنوان بل إنه يستحوذ علينا دون سبب معقول([39]).

ويرى زيغموند باومان أن الخوف يأتي في أفظع صوره عندما يكون مشتتًا وغامضًا، وعندما يستحوذ علينا من دون سبب معقول، بل إن تجربة العيش في أوروبا في القرن السادس عشر الذي شهد اقتراب ميلاد العصر الحديث تلخصها عبارة بليغة شهيرة هي “الخوف دائم في كل مكان”؛ فالطريق المأمول للهروب من معاناة الخوف، أثبتت الأيام بعد خمسة قرون أنه طريق دائري يعيدنا إلى المكان نفسه الذي بدأنا عنده، فيبدو أن الزمن الذي نعيش فيه هو زمن الخوف مرة أخرى([40]).

وبدلا من أن يكون الإنسان سيدا على هذا العالم تحول الإنسان إلى جزء من الطبيعية (إنسان طبيعي) تسري عليه قوانينها يمكن تفسيره من خلال مقولات طبيعية فوظائفه بيولوجية (الهضم – التناسل – اللذة الحسية) ودوافع غريزية مادية (الرغبة في البقاء – القوة والضعف – الرغبة في الثروة)([41]).

فعلى الرغم من المنجزات العلمية للحداثة الغربية، والتي أحدث نقلة نوعية في التاريخ البشري إلا أن بعض المفكرين أدركوا أن الاستنارة المضيئة والعقلانية المادية تولدت منها استنارة مظلمة. فقد وصف كل من جورج زيميل وماكس فيبر أن تزايد هيمنة الإنسان مع تزايد معدلات الاستنارة ستودي بالإنسان وتدخله القفص الحديدي([42]).

لذلك اعتبر فيبر أن الرأسمالية جهاز يمارس الإكراه بشرت الحداثة بآلياتها البيروقراطية بتدني الإنسان المتعلم لمصلحة الخبير التقني، ولذلك فهي ليست موقعا للحرية([43]).

ويرى فيبر أن المجتمع الجديد الذي يخضع إلى عملية الترشيد البيروقراطية سيزيد من فعالية إنتاجه، إلا أنه يصف هذا المجتمع الجديد بعبارات تشاؤمية ؛ فالترشيد في تصوره سيفرغ المجتمع من أية دلالة أو معنى، ويحيله إلى مجموعة من المعادلات الرياضية؛ بمعنى أنه سيصبح مثل الآلة التي تجبر الأفراد على أن يشغلوا أماكن محددة ومقررة ويقوموا بأدوار مرسومة، حيث يصبح كل إنسان ترسا صغيرا في الآلة، ولأنه يدرك ذلك، سيكون همه الأوحد هو أن يصبح ترسا كبيرا، ثم يضيف “لا أحد يعرف من سيعيش في هذا القفص في المستقبل، أو لعله نهاية هذا التطور الرهيب سيظهر أنبياء جدد تماما، أو قد تبعث الأفكار والمثاليات القديمة” ويصف المرحلة الأخيرة من هذا التطور الحضاري بأنها تتضمن “متخصصين لا روح لهم، حسّيين لا قلب لهم”([44]).

وقد بدت الدولة الحديثة مصدرًا للقلق، فقد اعتبرها البعض فاعلًا له مصالح خاصة لا تعكس بالضرورة مصالح المجتمع، بل إن الدولة القومية هي العلة النهائية لوجودها، بل هي الهدف الذي يمكن التضحية من أجله بالأهداف الأخرى([45]).

وأشار إليه المفكر الفرنسي الليبرالي ألكسيس دي توكفيل في مؤلفه الشهير (الديمقراطية في أمريكا) في حديثه عن سوءات النظام الديمقراطي، والذي خرج بنتيجة مؤداها أن الأمم الديمقراطية التي جعلت من الحرية جزءا أساسيا في نظامها السياسي هي نفسها التي جعلت النظام الإداري مستبدا([46]).

كما يراها كارل شميث مؤسسة على مفاهيم لاهوتية معلمنة، وبالتالي فإن لها وسائلها الخاصة في ممارسة الإكراه، ولكن تختلف عن وسائل اللاهوت الديني في العصر الوسيط([47]).

وانبثق من هذا المشروع الحداثي نوع جديد من الخوف في إطار معادلة جديدة، فإذا كانت معادلة الخوف القديمة بين الإنسان وغوايات الشيطان أو قسوة الطبيعة، فإن معادلة الخوف الحديثة أصبحت بين الإنسان والآخر. وإن كانت المعادلة الأولى يحكمها منطق الإيمان الديني الذي يعلي من شأن القيمة الأخلاقية للخروج من المعاناة، حتى وإن لم يستطع المنطق الديني تحقيق الأمن المأمول، إلا أن تلك المعادلة تظل بسيطة الإدراك واضحة المعالم، على حين يحكم معادلة الخوف الحديثة المنطق العقلاني المادي لحسمها، وهو منطق يتسم بالسيولة والنسبية، أنتج نوعًا جديدًا من الخوف يكون مصدره علاقات البشر فيما بينهم. وردّ سيغموند فرويد المعاناة التي يلقاها الناس إلى ثلاثة مصادر: الأول، من أجسادنا التي كُتب عليها الموت والفناء، ومعاناة أخرى تأتينا من العالم الخارجي الذي يمكن أن يصب غضبه علينا بقوى التدمير الساحقة. وأخيرًا معاناة تأتينا من علاقتنا بالناس، وهي أكثر إيلامًا من غيرها([48]).

المطلب الرابع: الحداثة في الدراسات العربية.

لا يقف الأمر عند كتابات بعض المفكرين المسلمين بل تمتد تطلعات الحداثيين العرب إلى القرآن ذاته؛ إذ يقول بعضهم: (إن إشكالية تأويل معطيات الإسلام كما تطرح للمسلمين في سياق الحداثة تقتضي قراءة جديدة للقرآن)([49]).

وابتدع الحداثيون العرب تنويرًا إسلاميًّا على غرار التنوير الغربي وجعلوا رواده إخوان الصفا، فقالوا: (لما كان التنوير يعني تمجيد العقل ورفض التقليد والاقتباس، وإحياء النزعات العقلانية في التراث البشري، وطالما كنا على قناعة بإنسانية الفكر وعالميته، فإن القاسم المشترك بين الحركات التنويرية هو وحدة الظروف الموضوعة التي أفرزت كل حركة منها على حدة رغم امتداد الزمان وتباعد الأماكن، ولسوف نلاحظ أن إخوان الصفا كانوا بالمثل رواد التنوير في الفكر العربي الإسلامي لأنهم كانوا برجوازي الانتماء، وقد سبقوا الأوروبيين في الوصول إلى الآراء والنظريات التنويرية العقلانية والهيوماتية والتفاؤلية أيضًا)([50]).

ورغم ذلك فلا ينتظر الحداثيون العرب المعاصرون مرجعًا عند ابن رشد أو ابن خلدون أو المعتزلة أو غيرهم، ولذلك يرون أن في مقدورهم هم القيام بذلك الواجب الخطير؛ أعني ان يقوموا هم بعملية المراجعة الشاملة، تقول الأكاديمية التونسية ناجية الوريمي، التي ترى أن ابن خلدون سلفي النزعة، وأن الذين راهنوا على حداثته انتقائيون، في كتابها (حفريات في الخطاب الخلدوني): (تعد حقيقة الثراء والتنوع في الاختيارات الفكرية الإسلامية القديمة من أهم الحقائق التي تحتاج إلى المراجعة وإعادة النظر اليوم. إننا نشهد اليوم توافق معطيات تقتضي هذا الضرب من المراجعة وتحفز إليه: تطور مطرد لما تحققه علوم الإنسان والمجتمع من نتائج مشجعة من ناحية، ومن أخرى حضور مميز لركام ثقافي تحتاج مكوناته إلى حفريات وعمليات تفكيك وإعادة تركيب سعيًا إلى تحويل الركام إلى معالم …)([51]).

ويتأرجح نقاد الحداثة العرب ويتذبذبون في تحديد هوية حداثتهم فهم يتأرجحون بين ادعاء الأصالة وإنشاء حداثة غربية تختلف عن الحداثة الغربية في مقولاتها ومصطلحها النقدي، في الوقت الذي تكشف فيه كتاباتهم بصفة مستمرة عن تأثرهم الواضح، إن لم يكن نقلهم الصريح عن الحداثة بمفهومها الغربي، هنا تكمن أزمة الحداثيين العرب في جوهرها، وإذا كانت هناك أزمة مصطلح بهذه الخطورة فبالنسبة للمتلقي في خارج هذا الإطار الثقافي تكون الأزمة أكثر خطورةً وحِدَّة)([52]).

لقد أصبحت لفظة الحداثة لازمة المثقف العربي في السنوات الخيرة، والتي أصبح عدم ترديدها في جميع المحافل والمؤتمرات الأدبية سمة من سمات الجهل والتخلف الثقافي، فالإنسان في هذه الأيام عند الحداثيين العرب واحد من اثنين: إما حداثي وإما رجعي جاهل. وربما يكون السؤال الذي يطرح نفسه فيما يتعلق بالحداثة العربية هو: هل لدينا حقيقة نسخة عربية للحداثة الغربية؟ والسؤال يعني صراحة وضمنًا ان النسخة الأولى من الحداثة وما بعد الحداثة نسخة غربية في المقام الأول، ولا يظن أن ان حداثيًّا عربيًّا واحدًا يستطيع أن يماري في ذلك([53]).

وبعد أن انتـقلت الحداثة إلى ديار العرب على أيدي الحداثيين العرب، ولقيت الرفض من المجتمع الإسلامي في بلاد العرب، أخذوا ينقبون عن أي أصول لـها في التاريخ العربي لعلها تكتسب بذلك الشرعية، وتحصل على جواز مرور إلى عقول أبناء المسلمين إذ لا يعقل أن يواجهوا جماهير المثـقفين المسلمين في البداية بفكرة غربية ولباسها غربي، فليبحثوا عن ثوب عربي يلبسونه الفكرة الغربية حتى يمكنها أن تتسلل إلى العقول في غيبة يقظة الإيمان والأصالة.

ويعتبر أدونيس المنظر الفكري للحداثيين العرب، وكتابه (الثابت والمتحول) هو إنجيل الحداثيين كما يقول محمد المليباري، ومهما حاول الحداثيون أن ينفوا ذلك فإن جميع إنتاجهم يشهد بأنهم أبناؤه الأوفياء لفكره.

وابتدأ المنظر الفكري للحداثة العربية ينبش كتب التراث، ويستخرج كل شاذ ومنحرف من الشعراء والأدباء والمفكرين، مثل : بشار بن برد، وأبي نواس، لأن في شعرهم الكثير من المروق على الإسلام، والتشكيك في العقائد والسخرية منها، والدعوة للانحلال الجنسي. وحين يتحدث أدونيس عن أبي نواس وعمر بن أبي ربيعة، وعن سبب إعجاب الحداثيين بشعرهما، يقول : “إن الانتهاك ـ أي تدنيس المقدسات ـ هو ما يجذبنا في شعرهما، والعلة في هذا الجذب أننا لا شعوريًّا نحارب كل ما يحول دون تفتح الإنسان، فالإنسان من هذه الزاوية ثوري بالفطرة، الإنسان حيوان ثوري”([54]).

بل إنهم يعتبرون رموز الإلحاد والزندقة، أهل الإبداع والتجاوز، وأهل المعاناة في سبيل حرية الفكر والتجاوز للسائد، وألفوا في مدحهم القصائد والمسرحيات والمؤلفات([55]).

دراسات عن علاقة القضايا التاريخية بالفكر الحداثي، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: نشأة الإنسان من المنظور الحداثي.

يشكل مبدأ الذاتية، القاعدة الأساسية للحداثة في المجال الفلسفي الذي يعني أولوية الذات وانتصارها، حيث أصبح الإنسان الحديث يرى صورته في مرآة يتمثل العالم من خلالها، وأخذ يدرك نفسه كذات مستقلة ومتميزة عن الطبيعة، وهو ما دفع الانسان إلى السيطرة على الطبيعة واخضاعها لمشيئته. كما أصبح الانسان يستمد يقينه من ذاته، وليس من عقيدة أو سلطة، غير سلطة ذاته. وليس كما كان عليه الأمر في القرون الوسطى([56]).

وبحسب هيغل، فإن الحداثة شكلت ارتدادا إلى الذات وكونت بنية علاقة مع الذات دعاها هيغل بـ الذاتية أو الآنية، أي حرية الذات، التي هي بشكل عام مبدأ العالم (الأزمنة الحديثة) وشرحها بـ الحرية حيث قال :إن مكون أهمية وعظمة عصرنا هو الاعتراف بالحرية ، ووصفها بالروح، وحقيقة كونها بذاتها([57]).

وكان ديكارت اول من أسس فكرة الحداثة الفلسفية بعد أن وضع مبدأ الذاتية (الكوجيتو): أنا أفكر إذن أنا موجود، كأساس للحقيقة وكقيمة مطلقة – وخط فاصل بين عالم الآلهة القديم وعالم الانسان الحديث – وجعله مركز الكون([58])

أما لابتننز فهو أول من أسس الحداثة الفلسفية على مبدأ العقلانية، حيث قال: إن لكل شيء سببًا معقولًا، وبهذه المقولة تفتحت أبواب العالم الحديث التي ساعدت الانسان على معرفة أسرار الكون والحياة والموجودات وكونت بديلا علميا وعقلانيا لسلطة الميتافيزيقيا القديمة. ومذ ذاك أصبح العلم هو الموجه الذي يقود الفلسفة الحديثة وظهور مفهوم الكلية؛ الذي يعني النظرة الشمولية العامة للأشياء.

كما أن العلم المموضع الذي أخذ يفك سحر الطبيعة، حرر في ذات الوقت، الذات العارفة، وأصبحت الحرية الذاتية للفرد التي قامت على هذه التصورات، تؤكد على حق الفرد في التمييز بين الأفعال المتوقعة منه، فأخذ يلاحق الغايات ولكن بشرط انسجامها مع راحة الآخرين. وبذلك اكتسبت الإرادة الذاتية استقلالًا طبقًا للقوانين العامة. وهكذا تجسدت الحداثة والعقيدة والدولة والعلم والفن والأخلاق في مبدأ الذاتية([59]).

المطلب الثاني: صراع الحضارات من المنظور الحداثي.

أثار الكاتب الأمريكي صمويل هنتنغتون في عام 1993، جدلًا كبيرًا في أوساط منظري السياسة الدولية بكتابته مقالة بعنوان صراع الحضارات في مجلة فورين آفيرز، وهي كانت ردًا مباشرًا على أطروحة تلميذه فرانسيس فوكوياما المعنونة نهاية التاريخ والإنسان الأخير.

وركز هنتنغتون، في كتابه، على الإسلام وقال بأن “حدوده دموية وكذا مناطقه الداخلية”، مشيرًا لصراعات المسلمين مع الأديان الأخرى مثل الصراع في السودان وجنوبه، بين الهند وباكستان والصراعات داخل الهند نفسها بين المسلمين والهندوس وتسائل هنتنغتون ما إذا كانت الهند ستبقى دولة ديمقراطية علمانية أو تتحول إلى دولة هندوسية على صعيد سياسي، ومشاكل الهجرة في أوروبا وتنامي العنصرية في ألمانيا وإيطاليا ضد المهاجرين من شمال أفريقيا وتركيا، مشاكل المسلمين التركمان في الصين، صراعات المسلمين الآذريين مع الأرمن، صراعات المسلمين في آسيا الوسطى مع الروس، صراعات المسلمين الأتراك في بلغاريا، ولكنه حدد الصراع بأنه بين “العالم المسيحي” بقيمه العلمانية من جهة، و”العالم الإسلامي” من جهة أخرى([60]).

وجادل فرانسيس فوكوياما في نهاية التاريخ والإنسان الأخير بأنه وبنهاية الحرب الباردة، ستكون الديمقراطية الليبرالية الشكل الغالب على الأنظمة حول العالم. هنتنغتون من جانبه اعتبرها نظرة قاصرة، وجادل بأن صراعات ما بعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر في السنين القادمة([61]).

وتوسع هنتنغتون في مقالته وألف كتابًا بعنوان صراع الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي جادل فيه بأنه وخلال الحرب الباردة، كان النزاع أيديولوجيا بين الرأسمالية والشيوعية ولكن النزاع القادم سيتخذ شكلًا مختلفًا ويكون بين حضارات محتملة.

وجادل هنتنغتون بأن العوامل الثقافية تساعد في بناء تكتلات اقتصادية متماسكة مثل حالة النمور الآسيوية وتقاربها مع الصين وربما انضمام اليابان إليهم برغم انتمائها لحضارة مميزة بحد ذاتها، وهو ما سيؤدي لنمو الهويات الإثنية والثقافية للحضارات وتغلبها على الاختلافات الأيديولوجية.

وجادل أيضًا بأن الصدوع الثقافية وليس الأيديولوجية أو القومية يجب أن تُقبل نظريًا باعتبارها بؤرة الحروب القادمة. يجادل هنتنغتون بأن الاختلافات أو الخصائص الثقافية لا يمكن تغييرها كالانتماءات الأيديولوجية، فبإمكان المرء أن يغير انتمائه من شيوعي إلى ليبرالي ولكن لا يمكن للروسي مثلًا أن يصبح فارسيًا. ففي الصراعات الأيديولوجية، يمكن للناس أن يختاروا الجانب الذي يؤيدونه، وهو ما لا يحدث في الصراع الثقافي أو الحضاري، ونفس المنطق ينطبق على الدين، فبإمكان المرء أن يحمل جنسيتين فرنسية وجزائرية مثلًا، ولكنه لا يمكن أن يكون مسلمًا وكاثوليكيا في آن واحد.

الخاتمــــــة:

فيها أبرز النتائج والتوصيات التي تخرج بها الدراسة.

أولًا: أبرز النتائج:

1- أن الحداثة مذهب فلسفي باطني، يسعى إلى تحديث مصادر التلقي، وما جاءت به من العقائد والشرائع والأخلاق والقيم.

2- أن الحداثيين في العالم العربي يتسترون على بعض دعواتهم بالرمزية والغموض، أو الادعاء بأن الحداثة لا تعنى بالمضامين العقدية، وقد تبين زيفهم وانكشف سترهم، بأقوالهم الصريحة.

3- أن الحداثة فلسفة غريبة على العالم العربي؛ فهي مستوردة من الحداثة الغربية، وما صدرت عنها من فلسفات، وبخاصة الماركسية والوجودية، ويستقي الحداثيون كثيرًا من أفكارهم من العقائد الباطنية على اختلاف مذاهبها.

4- أن الحداثة نشأت في العالم العربي في حدود منتصف القرن العشرين الميلادي؛ حيث استوردتها الأقليات إلى لبنان، ومن ثم إلى بقية العالم العربي، بعد حدوث إرهاصات ومقدمات لقدومها.

5- أن الحداثة تقوم على فلسفة صراع الأضداد، ومبدأ النقيض؛ فالحداثة عند أصحابها هي نتيجة صراع الفكر الحديث مع الموروثات القديمة، كما تتصف الحداثة بالمخالفة والمناقضة لكل ما هو قديم أو سائد ومألوف.

ثانيًا: أهم التوصيات:

1- ضرورة التنبه لانتشار مفاهيم الفلسفة الحداثية بين الشباب والكبار، وكثرة أتباعها في العالم العربي، مما يستوجب أخذ الحيطة والحذر الدائمين.

2- أهمية متابعة الفلسفة الحداثية في أهم ميادينها وهو مجال الكتابة والتأليف وإعداد الدراسات الكفيلة بالرد على ما جاء فيها من أفكار ومبادئ.

3- ضرورة العمل على مقاومة تيار الإلحاد والفلسفات الباطنية، وذلك بتذكير ولاة المور في بلاد المسلمين بخطورة هذا المد الحداثي، وبمناقشة العلماء والناصحين لأصحاب هذه الفلسفات الحداثية.         

فهرس المصادر والمراجع:

1- أخلاق الحداثة، أندريه كومنت سبونفيل، ترجمة حسن أوزال، منشورات مؤمنون بلا حدود، الرباط أغدال. المملكة المغربية، بلا تاريخ.

2- أزمة الحضارة الغربية – أزمة الحداثة وما بعد الحداثة، في كتاب الحضارة الإنسانية بين التصور الديني والنظريات الوضعية، إبراهيم الحيدري، الجزء الأول، لندن، 1994 م.

3- الإسلام وضرورة التحديث، نحو إحداث التغيير في التقاليد الثقافية، فضل الرحمن الباكستاني، ترجمة إبراهيم العريس، الطبعة الأولى، دار الساقي، بيروت، لبنان، 1993 م.

4- إشكالية تاريخية النص الديني في الخطاب الحداثي العربي المعاصر، مرزوق العمري دار الأمان، الرباط. بلا تاريخ.

5- أفق الحداثة وحداثة النمط: دراسة في حداثة مجلة شعر بيئة ومشروعًا ونموذجًا، سامي مهدي، بلا تاريخ.

6- التراث والحداثة، محمد عابد الجابري، الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1982 م.

7- التعددية الدينية في فلسفة جون هيك: المرتكزات المعرفية واللاهوتية، د. وجيه قانصو، الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي، 1428ه – 2007 م.

8- التفكير فلسفيا (مدخل)، كريس هورنر وإمريس ويستاكوت، ترجمة: د. ليلى الطويل، الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2011 م.

9- ثقافتنا في ضوء التاريخ، عبد الله العروي، الطبعة الرابعة، المركز الثقافي العربي، 1997 م.

10- جدلية الحوار حول أطروحة ماكس فيبر، الاخلاق البرتستانتية وروح الرأسمالية، إبراهيم الحيدري، مجلة العلوم الاجتماعية، المجلد الثامن عشر، الكويت 1990 م.

11- الخوف السائل، زيجمونت باومان، ترجمة حجاج أبو جبر، تقديم هبة رؤوف عزت، الطبعة الأولى، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2017 م.

12- دراسات في الفكر الديني فلسفة الدين والكلام الجديد، محمد شقير، الطبعة الأولى، دار الهادي، بيروت، لبنان، 1429هـ – 2008م.

13- دراسات معرفية في الحداثة الغربية، عبد الوهاب المسيري، الطبعة الأولى، مكتبة الشروق الدولية، 2006 م.

14- رسالة في اللاهوت والسياسة، سبينوزا، ترجمة وتقديم: د. حسن حنفي، مراجعة: د. فؤاد زكريا، الطبعة الأولى، دار التنوير، بيروت، 2005 م.

15- سؤال الأخلاق، مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، طه عبد الرحمن، الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، 2000 م.

16- صدام الحضارات، صموئيل هنتنغتون، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت، 1995 م.

17- العلمانيون العرب وموقفهم من الإسلام، مصطفى باحو، الطبعة الأولى، 2012 م.

18- العلمانيون والقرآن – تاريخية النص، إدريس الطعان، الطبعة الأولى، دار ابن حزم، 2008 م. 

19- عن الدين، خطابات لمحتقريه من المثقفين، فريدريك شلاير ماخر، ترجمة أسامة الشحماني، الطبعة الأولى، دار التنوير – بيروت، 2017 م.

20- فلسفة الدين، جان غروندان، ترجمة وتعليق: عبد الله المتوكل، الطبعة الأولى، مؤمنون بلا حدود، 2017م.

21- في فقه المواجهة بين الغرب والإسلام، محمد عمارة، الطبعة الثانية، مكتبة الشروق الإسلامية، القاهرة، مصر، 1432 ه، 2003 م.

22- قاموس أكسفورد المحيط، قاموس إنجليزي عربي، جويس هوكنز وآخرون، مراجعة وإشراف محمد دبس، أكاديميا بيروت لبنان، بلا تاريخ.

23- محاضرات فلسفة الدين، فريدريك هيغل، ترجمة وتقديم وتعليق: مجاهد عبد المنعم مجاهد، مكتبة دار الكلمة، القاهرة، مصر، 2001 م.

24- مدخل إلى فلسفة الدين، محمد عثمان الخشت، دار قباء، القاهرة، 2001 م.

25- المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، عبد العزيز حمودة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1998 م.

26- مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة، إعداد وتعريب: محمد الشيخ ويوسف الطائري، بيروت، 1996 م.

27- مقالات في سوسيولوجيا الدين الثقافة البروتستانتية، ماكس فيبر، ترجمة منير الفندري، الطبعة الأولى، المنظمة العربية للترجمة، 2015 م.

28- موسوعة فلسفة الدين، تمهيد لدراسة فلسفة الدين، إعداد وتحرير: عبد الجبار الرفاعي، الطبعة الأولى، دار التنوير ومركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2014 م.

29- الموسوعة الفلسفية العربية، رئيس التحرير: د. معن زيادة، الطبعة الأولى، معهد الإنماء العربي، 1998 م.

30- النص والسلطة والحقيقة، نصر حامد أبو زيد، الطبعة الرابعة، المركز الثقافي العربي، 2000 م.

31- نقد الحداثة، ترجمة آلان تورين، بيروت 1997 م.


([1]) ينظر: كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، مادة حدث (ص 354)، لسان العرب، ابن منظور، مادة (حدث) (2/ 130 – 134)، المعجم الوسيط (1/ 160)، معجم الالفاظ القرآنية (1/ 24).

([2]) ينظر: أفق الحداثة وحداثة النمط: دراسة في حداثة مجلة شعر بيئة ومشروعًا ونموذجًا، سامي مهدي (ص 151).

([3]) ينظر: قاموس المورد، منير البعلبكي (ص 586).

([4]) ينظر: الحداثة في ميزان الإسلام، عوض القرني، (ص 12)، الحداثة في العالم العربي: دراسة عقدية، محمد أحمد العلي، (ص 136).

([5]) ينظر: مجلة المنتدى ع 87، ربيع الأول 1411 ه، (ص 6)، الحداثة في العالم العربي: دراسة عقدية، محمد أحمد العلي، (ص 141).

([6]) ينظر: مستقبلنا بين التجديد الإسلامي والحداثة الغربية، محمد عمارة، (ص 415).

([7]) ينظر: مستقبلنا بين التجديد الإسلامي والحداثة الغربية، محمد عمارة، (ص 416).

([8]) ينظر: مستقبلنا بين التجديد الإسلامي والحداثة الغربية، محمد عمارة، (ص 417 – 418).

([9]) ينظر: الانسداد التاريخي: لماذا فشل مشروع التنوير في العالم العربي، هاشم صالح، ‏دار الساقي، 2017 م، (ص 21 – 23) .

([10]) ينظر: التطور التاريخي للحداثة، غازي الصوراني، (ص 10 – 11).

([11]) ينظر: التطور التاريخي للحداثة، الصوراني، (ص 12).

([12]) ينظر:  مجلة فصول، مج 4، ع 3، 1984 م، (ص 35).

([13])ينظر: مجلة فصول، مج 4، ع 3، 1984 م، (ص 25).  

([14]) ينظر: أسئلة الشعر في حركة الخلق وكمال الحداثة وموتها، (ص 141، 142).  

([15]) ينظر: سياسة الشعر (ص 72)، مجلة فصول، مج 4، ع 4، 1984، (ص 12).

([16]) ينظر: صحيفة الندوة، ع 8487، بتاريخ 28/5/ 1407 ه، (ص 3).

([17]) ينظر: مجلة الفكر العربي المعاصر، ع 2، حزيران 1980 م، (ص 62، 63).

([18]) ينظر: التراث والحداثة: دراسات ومناقشات، محمد عابد الجابري، (ص 138).

([19]) ينظر: الأيديولوجيا والحداثة: قراءات في الفكر العربي المعاصر، سعيد بنسعيد (ص 6).

([20]) ينظر: الأيديولوجيا والحداثة: سعيد بنسعيد (ص 15).

([21]) ينظر: الأدب الجديد والثورة: كتابات نقدية، (ص 62، 63).

([22]) ينظر: الثابت والمتحول، (3/ 9، 10، 25، 293)، شعرنا الحديث إلى أين (ص 102)، الحداثة في الشعر المعاصر (ص 6)، قضايا الشعر الحديث (ص 17).

([23]) ينظر: الثابت والمتحول (1/ 215، 216).

([24]) ينظر: زمن الشعر (ص 49، 239، 279).

([25]) ينظر: الحرية، العلمنة: حرب شطري فرنسا ومبدأ العدالة، إميل بولا، منشورات سيرف، باريس، 1987 م، نقلا عن: مجلة الوحدة، هاشم صالح، الرباط، المغرب، عدد فبراير – مارس، 1992 م، (ص 20، 21).

([26]) ينظر: الخوف من الحرية، إريك فروم، ترجمة مجاهد عبد المنعم، الطبعة الأولى، مجاهد المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1972 م، (ص 11).

([27]) ينظر: من الحداثة إلى العولمة، تيمونز روبيرتس: ترجمة سمر الشيشكلي، عالم المعرفة، 2004 م، (1/ 105).

([28]) ينظر: الخوف من الحرية، إريك فروم، (ص 89).

([29]) ينظر: الخوف من الحرية، إريك فروم، (ص 67).

([30]) ينظر: الليبرالية إشكالية مفهوم، ياسر قنصوة، الطبعة الأولى، رؤية للنشر والتوزيع، 2008 م، (ص 31).

([31]) ينظر: الخوف من الحرية، إريك فروم، (ص 93).

([32]) ينظر: الخوف من الحرية، إريك فروم، (ص 93).

([33]) ينظر: مقالات في سوسيولوجيا الدين الثقافة البروتستانتية، ماكس فيبر، ترجمة منير الفندري، الطبعة الأولى، المنظمة العربية للترجمة، 2015 م، (ص 41).

([34]) ينظر: الخوف من الحرية، إريك فروم، (ص 89).

([35]) ينظر: الخوف من الحرية، إريك فروم، (ص 90 – 91).

([36]) ينظر: الدولة المستحيلة – الإسلام والسياسية ومأزق الحداثة الأخلاقية، وائل حلاق، ترجمة: عمرو عثمان، المركز الطبعة الأولى، العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2014 م، (ص 38).

([37]) ينظر: الدولة المستحيلة، وائل حلاق، ص 40.

([38]) ينظر: الخوف السائل، زيجمونت باومان، ترجمة حجاج أبو جبر، تقديم هبة رؤوف عزت، الطبعة الأولى، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2017 م، (ص 11).

([39]) ينظر: الخوف السائل، زيجمونت باومان، (ص 24).

([40]) ينظر: الخوف السائل، زيجمونت باومان، (ص 24).

([41]) ينظر: دراسات معرفية في الحداثة الغربية، عبد الوهاب المسيري، الطبعة الأولى، مكتبة الشروق الدولية، 2006 م، (ص 18).

([42]) ينظر: دراسات معرفية في الحداثة الغربية، عبد الوهاب المسيري، (ص 31).

([43]) ينظر: الدولة المستحيلة، وائل حلاق، (ص 204).

([44]) ينظر: دراسات معرفية في الحداثة الغربية، عبد الوهاب المسيري، (ص 142، 143).

([45]) ينظر: الدولة المستحيلة، وائل حلاق، (ص 59 – 71).

([46]) ينظر: الليبرالية إشكالية مفهوم، ياسر قنصوه، (ص 178).

([47]) ينظر: الدولة المستحيلة، وائل حلاق، (ص 70).

([48]) ينظر: الخوف السائل، زيجمونت باومان، (ص 83).

([49]) ينظر: العقل الإسلامي أمام تراث عصر الأنوار في الغرب، الجهود الفلسفية عند محمد أركون، رون هاليبر، (ص 8).

([50]) ينظر: إخوان الصفا رواد التنوير في الفكر العربي، محمود إسماعيل، ط 1، عامر للطباعة بالمنصورة، مصر، 1996 م، (ص 7 – 13).

([51]) ينظر: في الائتلاف والاختلاف: ثنائية السائد والمهمش، ناجية الوريمي بوعجيلة، (ص 11).

([52]) ينظر: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، عبد العزيز حمودة، (ص 27 – 29).

([53]) ينظر: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، عبد العزيز حمودة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1998 م، (ص 16 – 23).

([54]) ينظر: الثابت المتحول، أدونيس (1/ 216).

([55]) ينظر: الحداثة في ميزان الإسلام، عوض القرني، (ص 35، 36).

([56]) ينظر: أزمة الحضارة الغربية – أزمة الحداثة وما بعد الحداثة، في كتاب الحضارة الإنسانية بين التصور الديني والنظريات الوضعية، إبراهيم الحيدري، الجزء الأول، لندن 1994 م، (ص 94). ‎

([57]) ينظر: جدلية الحوار حول أطروحة ماكس فيبر، الاخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، إبراهيم الحيدري، مجلة العلوم الاجتماعية، المجلد الثامن عشر، الكويت 1990 م، (ص 111).

([58]) ينظر: مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة، إعداد وتعريب: محمد الشيخ ويوسف الطائري، بيروت 1996 م، (ص 219).

([59]) ينظر: نقد الحداثة، ترجمة آلان تورين، بيروت 1997 م، (ص 45).

([60]) ينظر: الحداثة وما بعد الحداثة، عبد الوهاب المسيري وفتحي التريكي، (ص 160 – 165)، في فقه المواجهة بين الغرب والإسلام، محمد عمارة، ط 2، مكتبة الشروق الإسلامية، 1432 ه، 2003 م، القاهرة، مصر، (ص 60 – 61)، قضايا الفكر المعاصر، العولمة، صراع الحضارات، العودة إلى الأخلاق، التسامح، الديمقراطية، ونظام القيم، الفلسفة والمدنية، محمد عابد الجابري، (ص 83 – 84).

([61]) ينظر: صدام الحضارات، صموئيل هنتنجتون، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت، 1995 م، (ص 18)، الإسلام وضرورة التحديث، نحو إحداث التغيير في التقاليد الثقافية، فضل الرحمن الباكستاني، ط 1، دار الساقي، بيروت، لبنان، ترجمة إبراهيم العريس، 1993 م، (ص 71 – 73).

قيم البحث الأن

راجع البحث قبل التقييم

راجع البحث قبل التقييم

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

أسماء سالم أحمد بن عفيف

أستاذ مشارك تخصص العقيدة والمذاهب المعاصرة جامعة الملك عبد العزيز كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم الشريعة والدراسات الإسلامية  

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتًا
التقيمات المضمنة
عرض كل التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا الأن
1
هل تحتاج الي مساعدة او نشر بحثك !
Scan the code
مجلة scp الماليزية
مرحبا
كيف استطيع مساعدتك !