المجلد الثامن 2025العدد التاسع و العشرين

تأثير التعليم والتدريب على التنمية المستدامة

 دراسة تحليلية للعوامل المؤثرة في بناء القدرات وتحقيق الاستدامة

ملخص البحث باللغة العربية  :

يعتبر التعليم العنصر الأساسي في تحقيق التنمية، حيث يعتمد نجاح أي مجتمع بشكل كبير على فعالية نظامه التعليمي. فالتعليم يعد وسيلة للتقدم وأداة للنهضة ومصدر القوة للمجتمعات. وهو عنصر محوري في التنمية، حيث يركز كل من التعليم والتنمية على الإنسان، ويهدفان إلى بناء قدراته وتعزيز طاقاته لتحقيق تنمية مستدامة تتسم بالكفاءة والعدالة، وتوفر خيارات حياة واسعة لجميع الأفراد والأجيال. ويضمن النظام التعليمي الفعال تأهيل أبنائه بشكل جيد ويزودهم بالمعرفة والمهارات اللازمة لإدارة واستغلال موارد التنمية بحكمة، يساهم في بناء مجتمع قوي ومستدام يسوده الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي والاقتصادي.

من جانب آخر، يتطلب تحقيق التنمية المستدامة توازنًا بيئيًا يدعمه سلوك اجتماعي يتسم بالاهتمام بالمحافظة على موارد الأرض. إذا كانت التنمية تنطلق من القاعدة إلى القمة، فإن القاعدة تحتاج إلى قيم ومعايير سلوكية محددة. في السنوات الأخيرة، ظهرت مبادرات ومشروعات متعددة تهدف إلى تحويل التنمية المستدامة من مجرد نظريات إلى واقع عملي في النظام التعليمي. ومن أبرز هذه المبادرات، عقد الأمم المتحدة للتعليم من أجل التنمية المستدامة، الذي يهدف إلى تزويد الأفراد بالمهارات والاتجاهات اللازمة لاتخاذ قرارات مستنيرة لتحقيق أهداف ذات فوائد حالية ومستقبلية. كما يساعد هذا العقد المجتمعات على التعلم وتوجيه جهودها نحو تحقيق مستقبل مستدام.

وهدف البحث الحالى الى تحليل تأثير التعليم والتدريب على تعزيز التنمية المستدامة. ودراسة العوامل المؤثرة في فعاليتهما . وتقديم توصيات لتحسين البرامج التعليمية والتدريبية بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة.

واكدت نتائج البحث على أن التعليم والتدريب يساهمان في تحسين المهارات والمعرفة اللازمة للتعامل مع تحديات التنمية المستدامة كما ان البرامج التعليمية والتدريبية تعزز من بناء القدرات البشرية، مما يساعد في تطوير استراتيجيات أكثر فاعلية في مجال الاستدامة.بالاضافة الى ان التعليم والتدريب يسهمان في تحسين مستويات المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهما عنصران أساسيان في التنمية المستدامة. على الرغم من وجود بعض التحديات منها نقص التمويل، نقص الموارد، والافتقار إلى التنسيق بين الجهات المعنية.

واوصى البحث بضرورة تعزيز التكامل بين التعليم والتدريب من خلال ربط المناهج الدراسية بمتطلبات السوق واحتياجات التنمية المستدامة. وكذلك زيادة الاستثمار في برامج التعليم والتدريب المتخصصة في قضايا الاستدامة. تشجيع بناء شراكات بين المؤسسات التعليمية، القطاع الخاص، والحكومات لتطوير برامج تدريبية فعّالة. والحث على تحديث المناهج الدراسية بشكل دوري لتلبية التغيرات السريعة في مجال الاستدامة.

الكلمات المفتاحية : 

التنمية المستدامة – التعليم- التدريب – بناء القدرات- تحليل تأثير

Research summary in English:

Education is considered a fundamental element in achieving development, as the success of any society largely depends on the effectiveness of its educational system. Education serves as a means of progress, a tool for advancement, and a source of strength for communities. It is a central component of development, focusing on individuals and aiming to build their capabilities and enhance their potential to achieve sustainable development characterized by efficiency and fairness, offering a wide range of life choices to all people and generations.

An effective educational system ensures that individuals are well-prepared and equipped with the knowledge and skills needed to manage and utilize development resources wisely, contributing to the creation of a strong, sustainable community characterized by social security and political and economic stability.

On the other hand, achieving sustainable development requires ecological balance supported by social behaviour that emphasizes the conservation of earth’s resources. If development progresses from the base to the top, the base must adhere to certain behavioural and value standards. In recent years, numerous initiatives and projects have emerged to transform sustainable development from theoretical concepts into practical reality within the educational system. Among these initiatives is the United Nations Decade of Education for Sustainable Development, which aims to equip individuals with the skills and attitudes necessary for making informed decisions to achieve goals that benefit both current and future generations. This initiative also helps communities learn and direct their efforts towards achieving a sustainable future.

The current research aimed to analyse the impact of education and training on promoting sustainable development, study the factors influencing their effectiveness, and provide recommendations to improve educational and training programs in alignment with sustainable development goals.

The research findings emphasized that education and training contribute to improving the skills and knowledge required to address the challenges of sustainable development. Educational and training programs enhance human capacity building, helping to develop more effective sustainability strategies. Additionally, education and training contribute to improving living standards and achieving social justice, both of which are essential components of sustainable development. Despite some challenges, such as funding shortages, lack of resources, and insufficient coordination among stakeholders, the research recommended:

Enhancing integration between education and training by aligning curricula with market demands and sustainable development needs.

Increasing investment in specialized education and training programs related to sustainability issues.

Encouraging partnerships between educational institutions, the private sector, and governments to develop effective training programs.

Updating curricula regularly to address rapid changes in the field of sustainability.

Keywords:

Sustainable development –Education–Training – Capacity building – Impact analysis

مقدمة :

في عصر يتسم بالسرعة والتطور أصبحت التنمية المستدامة في التعليم ضرورة ملحة؛ لتواكب متطلبات العصر، إنها الرؤية التي تهدف إلى تحقيق التغيير الإيجابي في العملية التعليمية وضمان استمراريتها على المدى الطويل، لضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للأجيال. فأهداف التعليم المستدام تكون أثارها على المدى الطويل، بحيث تحقق الاستفادة للدارسين في الحياة العلمية والعملية، وهذا لكي يتحقق يجب أن يكون التعليم ذو جودة عالية، وأهم ما يمكن تحقيقه في التعليم المستدام هو الاستمرارية وإدراك أبعاد الاستدامة في التعليم.

كما يعد التعليم المفتاح الذي يسمح بتحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة. فالحصول على تعليم جيد، يمكن الناس من الخروج من دائرة الفقر. وعليه فالتعليم والتدريب هما عنصران أساسيان لتحقيق التنمية المستدامة، ويجب التركيز على تحسين جودة البرامج وتوسيع نطاق الوصول إليها لضمان تحقيق الأهداف المرجوة. وهناك ضرورة إتاحة التعليم والتدريب للجميع بجودة عالية دون التمييز، وفي إطار نظام مؤسسي، وكفء وعادل، ومستدام، ومرن. وأن يكون مرتكزاً على المتعلم والمتدرب القادر على التفكير والمتمكن فنياً وتقنياً وتكنولوجياً، وأن يساهم أيضاً في بناء الشخصية المتكاملة وإطلاق إمكانياتها إلى أقصى مدى لمواطن معتز بذاته، ومستنير، ومبدع، ومسئول، وقابل للتعددية، يحترم الاختلاف، وفخور بتاريخ بلاده، وشغوف ببناء مستقبلها وقادر على التعامل تنافسياً مع الكيانات الإقليمية والعالمية (UNESCO, 2016).

ويجب أن يكون دور التعليم في التنمية المستدامة متوازنا. إنه بمثابة الأساس الذي يمكن بناء مستقبل مستدام عليه. ومن رفع مستوى الوعي وتعزيز العقلية المستدامة إلى تمكين المجتمعات وتعزيز المساواة بين الجنسين، يعالج التعليم التحديات الأكثر إلحاحا في العالم. وبينما نتعامل مع تعقيدات القرن الحادي والعشرين، فإن الاستثمار في التعليم والاعتراف بدوره المحوري في التنمية المستدامة ليس مجرد خيار – بل هو ضرورة. ومن خلال القيام بذلك، فإننا نمهد الطريق لمستقبل أكثر إشراقًا واستدامة لأنفسنا وللأجيال القادمة. وستظل التنمية المستدامة في المستقبل تعتمد على التعليم، وهو أمر ضروري لخلق عالم أكثر عدلا واستدامة. (UNDP, 2019)

مشكلة البحث

أصبحت التنمية المستدامة مطلبًا دوليًا بعد تفشي العديد من الاختلالات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، التي تهدد ليس فقط رفاهية الإنسان بل وجوده على الأرض. يرى العديد من المفكرين والاقتصاديين والسياسيين أن التنمية المستدامة هي الأداة الفعالة لمعالجة هذه الاختلالات وحماية العالم من الانعكاسات الكارثية التي أفرزتها الأساليب التنموية التقليدية. لذا، يعتبرون من الضروري أن تقوم جميع الدول والهيئات بدور فاعل في تحقيق التنمية المستدامة. تم تحديد مفهوم التنمية المستدامة لأول مرة في تقرير لجنة برونتلاند عام 1987 بعنوان “مستقبلنا المشترك”، والذي عرّفها بأنها “التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها

وعلى ما سبق تبلورت مشكلة البحث الحالى فى السؤال الرئيسى التالى :

ما هو تأثير التعليم والتدريب على تحقيق التنمية المستدامة، وما هي العوامل التي تؤثر على فعالية هذه البرامج في بناء القدرات وتعزيز الاستدامة في المجتمعات المختلفة؟

وتفرع عنه الاسئلة الفرعية التالية

  • كيف يعزز التعليم المستدام الوعي والممارسات البيئية والاجتماعية بين الأفراد والمجتمعات؟
  • ما هي الآثار المباشرة للتدريب المهني على تحسين أداء الشركات والمؤسسات في مجال الاستدامة؟
  •  ما هي العوامل الرئيسية التي تؤثر على فعالية البرامج التعليمية والتدريبية في دعم التنمية المستدامة؟
  • كيف تؤثر جودة المناهج الدراسية والمحتوى التدريبي على تحقيق أهداف الاستدامة؟
  • ما هو تأثير الأساليب التعليمية والتدريبية المختلفة (مثل التعلم القائم على المشاريع، والمحاكاة، والتعلم الإلكتروني) على تحقيق الاستدامة؟
  • كيف يساهم التفاعل بين التربويين والقطاع الخاص في تحسين فعالية برامج التعليم والتدريب في مجال الاستدامة؟
  • كيف يختلف تأثير التعليم والتدريب على التنمية المستدامة عبر سياقات ثقافية واقتصادية مختلفة؟
  • ما هي التحديات الخاصة التي تواجه برامج التعليم والتدريب في الدول النامية مقارنة بالدول المتقدمة؟
  • كيف تؤثر العوامل الثقافية والمحلية على تصميم وتنفيذ برامج التعليم والتدريب المتعلقة بالاستدامة؟
  • ما هي الفجوات الحالية في البرامج التعليمية والتدريبية المتعلقة بالاستدامة؟
  • ما هي المجالات أو الموضوعات التي تفتقر إلى تغطية كافية في المناهج التعليمية والتدريبية المتعلقة بالاستدامة؟

أهداف البحث :

  • تحليل تأثير التعليم والتدريب على تحقيق أهداف التنمية المستدامة
  •  تحديد العوامل المؤثرة في فعالية البرامج التعليمية والتدريبية في دعم الاستدامة
  •  تقييم تأثير التعليم والتدريب عبر سياقات ثقافية واقتصادية متنوعة
  •  الكشف عن الفجوات في البرامج التعليمية والتدريبية المتعلقة بالاستدامة
  •  تطوير استراتيجيات لتقييم وتحسين فعالية البرامج التعليمية والتدريبية في تحقيق التنمية المستدامة

أهمية البحث

  • تحسين السياسات التعليمية والتدريبية: يوفر البحث رؤى قيمة لصانعي السياسات والممارسين حول كيفية تحسين البرامج التعليمية والتدريبية لتعزيز التنمية المستدامة.
  • بناء القدرات المستدامة: يساعد في تحديد كيفية تطوير مهارات الأفراد بشكل أكثر فعالية لدعم الاستدامة في مختلف المجالات.
  • التوجيه الاستراتيجي: يقدم استراتيجيات وتوصيات لتحسين التنفيذ وتوسيع نطاق البرامج التعليمية والتدريبية على مستوى عالمي.

مصطلحات البحث

التنمية المستدامة (Sustainable Development):

تشير التنمية المستدامة إلى عملية تطويرية تهدف إلى تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الخاصة. تركز هذه العملية على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية (Brundtland, 1987).

التعليم (Education):

يُعتبر التعليم عملية نقل المعرفة والمهارات والقيم من جيل إلى جيل، وتهدف إلى تحسين القدرات الفكرية والفنية للأفراد والمجتمعات. يُعد التعليم ركيزة أساسية لتطوير المجتمعات ورفع مستوى الوعي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية (UNESCO, 2015).

التدريب (Training):

يُعرّف التدريب بأنه عملية تعليمية تهدف إلى تطوير المهارات العملية والتقنية للأفراد لتمكينهم من أداء وظائف معينة بكفاءة وفعالية أكبر. يسهم التدريب في تعزيز القدرات المهنية وزيادة الإنتاجية في مختلف القطاعات (Noe, 2017).

بناء القدرات (Capacity Building):

يشير بناء القدرات إلى تعزيز قدرة الأفراد والمؤسسات والمجتمعات على أداء مهام محددة بفعالية وكفاءة. يُعتبر هذا الجانب من العناصر الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال تقوية الموارد البشرية والمؤسسات (OECD, 2006).

تحليل تأثير (Impact Analysis):

يتعلق تحليل التأثير بدراسة كيفية تأثير التعليم والتدريب على مختلف جوانب التنمية المستدامة، بما في ذلك الأثر الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. يتم من خلاله قياس النتائج والتأكد من أن البرامج التعليمية والتدريبية تسهم في تحقيق الأهداف طويلة الأمد (Barrett, 2014).

 فروض البحث

  • الفرضية الأولى: التعليم والتدريب يعززان قدرة الأفراد على المساهمة بشكل فعّال في تحقيق التنمية المستدامة.
  • الفرضية الثانية: البرامج التعليمية والتدريبية التي تركز على التنمية المستدامة تؤدي إلى تحسين الأداء البيئي للمؤسسات.
  • الفرضية الثالثة: هناك علاقة إيجابية بين جودة برامج التعليم والتدريب وبين مستوى قدرة المجتمعات المحلية على تنفيذ مشاريع التنمية المستدامة.
  • الفرضية الرابعة: توفر الموارد المالية والدعم المؤسسي يعزز فعالية التعليم والتدريب في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
  • الفرضية الخامسة: التدريب المستمر والمستدام له تأثير إيجابي على تحسين مهارات العاملين في مجال التنمية المستدامة.

منهجية البحث

اعتمد البحث الحالى على المنهج الوصفي التحليلي حيث قام الباحث بوصف وتحليل ظاهرة تأثير التعليم والتدريب على التنمية المستدامة من خلال جمع وتحليل بيانات نوعية وكمية.وتمثلت اجراءات البحث فى الخطوات التالية :

اولا : تحديد المشكلة وأهداف البحث

  • تحديد المشكلة: تحديد كيفية تأثير التعليم والتدريب على التنمية المستدامة.
  • أهداف البحث: تحديد الأهداف الرئيسية، منها تقييم فعالية برامج التعليم والتدريب في تعزيز التنمية المستدامة، وتحليل العوامل المؤثرة في بناء القدرات وتحقيق الاستدامة.

ثانيا :مراجعة الأدبيات

  • مراجعة الدراسات السابقة: استعراض الأدبيات الحالية حول تأثير التعليم والتدريب على التنمية المستدامة، بما في ذلك النظريات والمفاهيم الأساسية والدراسات التجريبية ذات الصلة.
  • تحليل الفجوات: تحديد الفجوات في البحث الحالي وتوجيه البحث الجديد نحو تلبية هذه الفجوات.

ثالثا: تصميم البحث

  • الأسئلة البحثية: صياغة الأسئلة البحثية الرئيسية والفرعية التي يسعى البحث للإجابة عليها.
  • الفرضيات: تطوير الفرضيات بناءً على الأدبيات السابقة والأهداف المحددة.

رابعا : جمع البيانات

  • تحديد العينة: اختيار العينة المناسبة، مثل الطلاب، العاملين، أو المؤسسات التعليمية، وفقًا للمنهجية المستخدمة.
  • أدوات جمع البيانات: تطوير أدوات جمع البيانات مثل الاستبيانات، أدوات المقابلات، أو نماذج تحليل الوثائق.
  • جمع البيانات: تنفيذ عملية جمع البيانات وفقًا للأدوات والتقنيات المحددة.

خامسا : تحليل البيانات

  • تحليل البيانات الكمية: باستخدام البرنامج الإحصائى SPSS لتحليل البيانات الكمية واختبار الفرضيات.

سادسا : تفسير النتائج

  • تفسير النتائج: تحليل النتائج وربطها بالأدبيات السابقة والفرضيات.
  • مناقشة النتائج: مناقشة كيفية تأثير التعليم والتدريب على التنمية المستدامة وتقديم توصيات بناءً على النتائج.

الاطار النظرى والدراسات السابقة :

إن التعليم والتدريب يمثلان ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال بناء القدرات الفردية والمؤسسية. تعزيز الاستثمار في التعليم والتدريب المستدامين يمكن أن يساهم بشكل كبير في مواجهة التحديات العالمية وتحقيق التوازن بين الأبعاد البيئية، الاجتماعية، والاقتصادية.

شهد العالم خلال العقود الثلاثة الماضية إدراكا متزايدا بأن نموذج التنمية الحالي (نموذج الحداثة) لم يعد مستداما، بعد أن ارتبط نمط الحياة الاستهلاكي المنبثق عنه بأزمات بيئية خطيرة مثل فقدان التنوع البيئي، وتقلص مساحات الغابات المدارية، وتلوث الماء والهواء، وارتفاع درجة حرارة الأرض(الدفء الكوني)، والفيضانات المدمرة الناتجة عن ارتفاع منسوب مياه البحار والأنهار، واستنفاد الموارد غير المتجددة، مما دفع بعدد من منتقدي ذلك النموذج التنموي إلى الدعوة إلى نموذج تنموي بديل مستدام يعمل على تحقيق الانسجام بين تحقيق الأهداف التنموية من جهة وحماية البيئة واستدامتها من جهة أخرى. وفي هذا السياق يشير كل من سوزان وبيتر كالفرت إلى أن البشرية تواجه في الوقت الحاضر مشكلتين حادتين، تتمثل الأولى في أن كثيرا من الموارد التي نعتبر وجودها الآن من المسلمات معرضة للنفاد في المستقبل القريب، أما الثانية فتتعلق بالتلوث المتزايد الذي تعاني منه بيئتنا في الوقت الحاضر والناتج عن الكم الكبير من الفضلات الضارة التي ننتجها. ونتيجة لذلك فقد أسهمت الضغوط المشتركة لكل من ازدياد الوعي بالندرة القادمة وتفاقم مشكلة السّمية في العالم إلى بروز مسألة الحفاظ على البيئة واستدامتها كموضوع مهم سواء في مجال الفكر أو السياسة–UNEP. (2020).

التعليم والتنمية المستدامة: كيف يرتبطان وما أهمية أوجه الترابط بينهما

أدت الأنشطة البشرية، سواء الفردية أو الجماعية، إلى ضغط هائل على كوكب الأرض وعلى الأشكال الحيوية التي تعتمد عليها، مما تسبب في تدهور بيئي كبير. وبما أن البشر يلعبون دورًا أساسيًا في تفاقم الأزمات البيئية مثل التغير المناخي وتناقص التنوع البيولوجي، فإنه من واجبهم أيضًا تقديم الحلول لمعالجة هذه المخاطر (Rockström et al., 2009).

يلعب التعليم دورًا حاسمًا في تحقيق التحول نحو مجتمعات أكثر استدامة بيئيًا، حيث يتناغم مع المبادرات الحكومية والمجتمعية والقطاع الخاص. فالتعليم ليس مجرد وسيلة لنقل المعرفة، بل هو أداة لتشكيل القيم وتطوير المهارات التي تساهم في تقليل الممارسات غير المستدامة وتعزيز الوعي البيئي (UNESCO, 2014).

ومع ذلك، يمكن أن يعزز التعليم أحيانًا الممارسات غير المستدامة، مثل الاستهلاك المفرط للموارد وتآكل معارف المجتمعات الأصلية. على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي السياسات التعليمية غير المناسبة إلى تهميش المعرفة التقليدية حول إدارة الموارد الطبيعية. لذا، من الضروري تكييف التعليم لضمان تأثيره الإيجابي على الاستدامة وتحقيق تحول نحو ممارسات أكثر توافقًا مع مبادئ التنمية المستدامة (Sterling, 2001).

التنمية المستدامة في التعليم

تناولت مجموعة من الأساليب والإجراءات والاستراتيجيات التي يتم اتباعها بهدف الانتقال بالطلبة لوضع أفضل، وتحقيق التوازن بين المعارف وتطبيقها؛ لتلبية احتياجات الطلبة المعرفية والاجتماعية، والتي من شأنها تحقيق سبل الحياة الكريمة، وتمكين المعلم للطلبة من التعامل مع القضايا المختلفة، مثل: الديمقراطية، واحترام الرأي الآخر، والتعاون وغيرها. (Anne E.Egelston.2012)

ان الدور الذي يؤديه التعليم في التنمية العالمية تغيرًا جذريًا، فهو عامل يُحفز على تحقيق رفاه الأفراد، وبناء مستقبل كوكبنا الأرض. وتمكن مسؤولية التعليم اليوم أكثر من أيّ وقت مضى في مواكبة تحديات القرن الحادي والعشرين وتطلعاته وفي تعزيز القيم والمهارات الكفيلة بتحقيق النمو المستدام الشامل للجميع والتعايش السلمي

أهداف التنمية المستدامة في التعليم

تكمن أهداف التنمية المستدامة في التعليم بما يأتي:

  • إبراز الدور المحوري والمهم للتعليم والتعلم في تحقيق الأهداف والطموحات والسعي المشترك
  • التشجيع على تحسين جودة التعليم ونوعيته ومتطلباته.
  • إعداد استراتيجيات يكون الهدف منها تعزيز القدرات للطلبة والمعلمين على جميع المستويات والأصعدة.
  • تحقيق الكفاءة التعليمية بأنواعها المختلفة؛ المعيارية، والتعاونية، والنقدية وغيرها
  • تمكين الطلبة من الاعتماد على أنفسهم وتحمل المسؤولية؛ لتحقيق مطلب التعلم مدى الحياة
  • إكساب الطلبة مهارات اجتماعية وعاطفية؛ لتنمية أنفسهم.
  • محاولة المعلمين تفهيم الطلبة التحديات وكيفية علاجها من خلال تمكينهم من مهارات حل المشكلات.
  • دعم عملية التعلم بين الدول وتبادل الخبرات في حقل المعرفة
  • ضمان تمتع الجميع بنمط عيش صحي ورفاهية
  • المساهمة في بلورة وتشكيل رؤى جديدة إزاء المتغيرات وشكل العالم
  • إحداث تغيير جذري في مضمون التعليم ونتائجه وأساليبه التربوية وطريقة التفكير، مما ينعكس على السلوك والتصرفات
  • الانتقال من نهج يقوم على التعليم إلى نهج يقوم على التعلم

مبادئ التنمية المستدامة في التعليم

تتمثل مبادئ التنمية المستدامة في التعليم بما يأتي:

  • المساواة بين الأجيال.
  • السلام.
  • التسامح.
  • الحد من الفقر.
  • تحقيق العدالة الاجتماعية.
  • الحفاظ على الموارد الطبيعية.

مقومات التنمية المستدامة في التعليم

من أهم مقومات التنمية المستدامة في التعليم ما يأتي:

  • مراعاة الإطار الثقافي والحضاري.
  • التعليم وفقًا لنموذج علمي معتمد.
  • تبني فلسفة التعليم والتدريب المستمر.
  • مراعاة تطور حجم المؤسسة التعليمية وإمكانياتها.
  • استخدام أدوات متطورة ودقيقة لتحليل البيانات.

كيفية تطبيق التنمية المستدامة في التعليم

  • تضمين مفاهيم الاستدامة في المناهج التعليمية والأنشطة الدراسية.
  • تشجيع الطلاب على اكتساب مهارات الفكر النقدي وحل المشكلات المتعلقة بالاستدامة.
  • توفير بيئة تعليمية محفزة وملهمة تشجع على التفاعل والتعلم النشط.
  • تدريب المعلمين على استخدام أساليب تعليمية مبتكرة وفعالة تعزز التنمية المستدامة.
  • تعزيز التعاون بين المدارس والمجتمع المحلي لتوفير الدعم والموارد اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة.

 ولكن يجب الانتباه إلى التحديات التي تواجه المعلمين في عملية الدمج بين التعليم وبين استدامة التعليم، مثل التحديات المادية والتحديات المعرفية وهنا يجب أن يكون المعلم متدرب بدرجة تحكي المعايير العالمية في التعليم، وهذا ما تسعى مبادرة مسارات لامتلاكه بتوجيه المعلمين للتدريب المستمر على طرق ومنهاج لاكتسابها من أجل تقديمها بقالب معرفي ومنهجي للطلاب). منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ، (2016

 القيم والتوجهات التي يجب على الطلاب اكتسابها لتحقيق التنمية المستدامة

  • الوعي بأهمية الاستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية.
  • الالتزام بالمشاركة الفعّالة في الحياة المجتمعية والبيئية.
  • التفكير النقدي وقدرة التحليل وحل المشكلات.
  • الاحترام والتقدير للثقافات المختلفة والتنوع البشري.
  • التعاون والتفاعل الإيجابي مع الآخرين في سبيل تحقيق التغيير الإيجابي.

 أنشطة التنمية المستدامة في مجال التعليم

  • إقامة حلقات نقاش وورش عمل حول مفاهيم الاستدامة وتطبيقاتها في التعليم.
  • إقامة فعاليات ثقافية وبيئية تشجع على الوعي بقضايا الاستدامة.
  • إطلاق مشاريع تعليمية مستدامة تشمل حفظ الموارد الطبيعية والتوعية البيئية.
  • تنظيم رحلات ميدانية وزيارات للمواقع البيئية لتوسيع آفاق الطلاب وتعزيز وعيهم بالاستدامة.
  • تشجيع الطلاب على المشاركة في مبادرات تطوعية تهدف إلى تحسين بيئتهم المدرسية والمجتمعية.

 أثر السلوك البشري على البيئة

يُعتبر التوسع السكاني وأنماط الحياة الحديثة والسلوك الفردي من العوامل الرئيسية التي تساهم في التدهور البيئي. فقد تضاعف عدد سكان العالم ثلاث مرات بين عامي 1950 و2015، ومن المتوقع أن يزداد العدد بمقدار مليار آخر بحلول عام 2030. في حين يتجلى أثر أنماط الحياة الحديثة في الاستهلاك المفرط للموارد في البلدان الغنية، حيث تضاعفت الآثار الإيكولوجية في بعض هذه البلدان خلال العقدين الماضيين. أما السلوك الفردي، فيمكن أن يكون مصدراً للمشاكل البيئية، ولكنه يمكن أيضاً أن يسهم في الحلول من خلال تبني السياسات البيئية مثل إعادة التدوير واستخدام وسائل النقل الصديقة للبيئة. UNESCO. (2016).

في المدارس، يساعد التعليم البيئي الطلاب على فهم المشاكل البيئية وإجراءات معالجتها. تتزايد إدراج المعارف البيئية في المناهج الدراسية، حيث أن بعض المدارس تعتمد مقاربة شاملة للتربية البيئية، مما يعزز الروح الجماعية وصحة الطلاب ويقلل من الآثار البيئية.

تحديات التنمية المستدامة في التعليم

إنّ مستقبل التنمية المستدامة في التعليم يُواجه مجموعة من التحديات، تتضمن ما يأتي

  • صعوبة فهم العلاقة بين التعليم ومتطلبات التنمية المستدامة.
  • التحديات التربوية في التنويع بالأساليب والاستراتيجيات وتأهيل المعلمين.
  • التخطيط الشامل لمستقبل التعليم.
  • ربط التعليم بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

النهج التقليدي: التعلم من خلال المجتمعات المحلية

المعارف التقليدية، خاصة من المجتمعات الأصلية، لها دور مهم في الاستدامة البيئية. إدارة الأراضي من قبل هذه المجتمعات تُعترف بها دولياً كنهج ممتاز لصون التنوع البيولوجي. في كولومبيا، مثلاً، يعترف مجلس المستوطنات المستدامة بمساهمات الجماعات الأصلية في مشاريع الاستدامة. التعليم باللغات المحلية يساعد أيضاً في نقل المعرفة بين الأجيال.

التعلم مدى الحياة: التعلم من خلال العمل والحياة اليومية

إلى جانب التعليم النظامي، يمكن للحملات الحكومية، والمجموعات المجتمعية، ومنظمات القطاع الخاص أن تساهم في تغيير السلوكيات البيئية. الحملات التوعوية، والمبادرات من القادة الدينيين والثقافيين، والتعليم في مكان العمل تلعب دوراً في تعزيز الاستدامة. منظمات غير حكومية مثل مجموعة “آفاز” تساهم في رفع الوعي البيئي وتنظيم حملات دعم البيئة.

نهج متكامل لمواجهة تغير المناخ

التعليم يعزز قدرة الأفراد على التصدي لتحديات المناخ. يعتبر توسيع فرص التعليم أكثر فعالية من الاستثمار في بنى تحتية لمواجهة تغير المناخ. تعليم الإناث يقلل من الوفيات الناجمة عن الكوارث. دراسة أظهرت أن توقف التعليم عن التقدم سيؤدي إلى زيادة الوفيات بنسبة 20% خلال العقد الواحد. التعليم يعزز القدرة على التكيف مع تغير المناخ ويزيد من الوعي المجتمعي بالتحذيرات البيئية، كما في الفلبين حيث تعمل المجتمعات على تثقيف الشباب حول التكيف مع تغير المناخ.

وعلى ما سبق يستدعي التعامل مع التحديات البيئية اتباع نهج متكامل في التعليم، يشمل كل من المناهج الدراسية والتعلم المجتمعي والمدى الحياة لضمان تحقيق تنمية مستدامة فعالة.

ففي المجال الفكري أسهم الشعور بالوضع المتدهور لبيئة الأرض في ظهور حقل معرفي جديد يعرف بالسياسة الإيكولوجية التى تناولت “دراسة الأنساق السياسية من منظور بيئي”، والذي يعني أن الإلمام بعلم الطبيعة يعتبر بنفس أهمية الإلمام بالعلوم الاجتماعية والثقافية والسياسية عند دراسة الأنساق الإيكولوجية وقدراتها ولذلك فإن شيوع فكرة التنمية المستدامة في أدبيات التنمية السياسية منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين مثل في جزء منه محاولة لتجاوز إخفاق النظرية السلوكية في مجال التنمية، التي تبنت نموذج الحداثة، والبحث عن نموذج جديد يعمل على التوفيق بين متطلبات التنمية والحفاظ على بيئة سليمة ومستدامة

وتحاول حركة الاستدامة الى تطوير وسائل اقتصادية وزراعية جديدة تكون قادرة على تلبية احتياجات الحاضر وتتمتع باستدامة ذاتية على الأمد الطويل، خاصة بعدما أتضح أن الوسائل المستخدمة حاليا في برامج حماية البيئة القائمة على استثمار قدر كبير من المال والجهد لم تعد مجدية نظرا لأن المجتمع الإنساني ذاته ينفق مبالغا وجهودا أكبر في شركات ومشاريع تتسبب في إحداث مثل تلك الأضرار. وهذا التناقض القائم في المجتمع الحديث بين الرغبة في حماية البيئة واستدامتها وتمويل الشركات والبرامج المدمرة للبيئة في الوقت نفسه هو الذي يفسر سبب الحاجة الماسة لتطوير نسق جديد مستدام يتطلب إحداث تغييرات ثقافية واسعة فضلا عن إصلاحات زراعية واقتصادية. ( 2002 National Council for Economic Education. )

تُعد التنمية المستدامة اليوم واحدة من المفاهيم الرئيسية التي تحدد السياسة البيئية المعاصرة. وقد أسهمت العمومية التي تميز هذا المفهوم في جعله شعارًا شائعًا ومغريًا، مما دفع العديد من الحكومات إلى تبني مفهوم التنمية المستدامة كأجندة سياسية. لكن في نفس الوقت، تعكس هذه الأجندات السياسية التزامات مختلفة تمامًا تجاه الاستدامة، حيث تم استخدام المبدأ لدعم وجهات نظر متناقضة تمامًا حول قضايا بيئية مثل التغير المناخي والتدهور البيئي. يعتمد هذا التناقض على زاوية التفسير؛ إذ قد يعني مصطلح “الاستدامة” أشياء متعددة، بل في بعض الأحيان متناقضة، للاقتصاديين، وأنصار البيئة، والمحامين، والفلاسفة (Hajer, 1995).

إن إنجاز التنمية المستدامة يتطلب إما تقليص حجم الطلب الاجتماعي على موارد الأرض أو زيادة حجم الموارد المتاحة، حتى يمكن تقليص الفجوة بين العرض والطلب إلى حد ما. ولذلك، فإن عملية التنمية المستدامة تشمل التوحيد التدريجي بين ما هو مطلوب من الموارد وما هو معروض منها، سواء كانت هذه الموارد متجددة أم غير متجددة. إن هذا التحدي يُظهر معاني وتعريفات متنوعة ومتنافسة للتنمية المستدامة، لأن مسألة كيفية دمج المطالب والموارد يمكن الإجابة عليها بطرق مختلفة تبعًا لاختلاف الرؤى البيئية. فهناك كتّاب يركزون على تعديل جانب الموارد، بينما يركز آخرون على تعديل جانب الطلب (Robinson, 2004).

على الرغم من الالتزام الدولي تجاه التنمية المستدامة، فإن المفهوم يعُرف ويُفهم ويُطبق بطرق متعددة ومتنوعة، مما يخلق درجة عالية من الغموض حول معناه. يُعتبر هذا المفهوم من المفاهيم الصعبة والمراوغة، ويظهر أن العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل معانيه واستخدامه (Redclift, 2005). من الواضح أن علاقات القوة تؤثر على اللغة والمعاني التي يتم تبنيها في هذا السياق، مما يستدعي مراجعة نقدية للمفهوم.

رغم ذلك، يمكن تحديد أربع خصائص رئيسية للتنمية المستدامة بناءً على الحد الأدنى من المعايير المشتركة بين التعريفات المختلفة. أول هذه الخصائص هو أن التنمية المستدامة تمثل ظاهرة عبر أجيال، أي أنها عملية نقل من جيل إلى آخر. وهذا يعني أن التنمية المستدامة يجب أن تحدث على مدار فترة زمنية لا تقل عن جيلين، وهو ما يتراوح بين 25 إلى 50 عامًا (WCED, 1987).

   وتتمثل الخاصية المشتركة الثانية في مستوى القياس. فالتنمية المستدامة هي عملية تحدث في مستويات عدة تتفاوت ( عالمي، إقليمي، محلي).ومع ذلك فإن ما يعتبر مستداما على المستوى القومي ليس بالضرورة أن يكون كذلك على المستوى العالمي. ويعود هذا التناقض الجغرافي إلى آليات التحويل والتي من خلالها تنتقل النتائج السلبية لبلد أو منطقة معينة إلى بلدان أو مناطق أخرى.( 2015,  Li, Y)

   وتعد المجالات المتعددة خاصية ثالثة مشتركة حيث تتكون التنمية المستدامة من ثلاثة مجالات على الأقل: اقتصادية، وبيئية، واجتماعية ثقافية. ومع أنه يمكن تعريف التنمية المستدامة وفقا لكل مجال من تلك المجالات منفردا، إلا أن أهمية المفهوم تكمن تحديدا في العلاقات المتداخلة بين تلك المجالات.  فالتنمية الاجتماعية المستدامة تهدف إلى التأثير على تطور الناس والمجتمعات بطريقة تضمن من خلالها تحقيق العدالة وتحسين ظروف المعيشة والصحة. أما في التنمية البيئية المستدامة فيكون الهدف الأساس هو حماية الأنساق الطبيعية والمحافظة على الموارد الطبيعية. أما محور اهتمام التنمية الاقتصادية المستدامة فيتمثل في تطوير البنى الاقتصادية فضلا عن الإدارة الكفؤة للموارد الطبيعية والاجتماعية.

والقضية هنا أن تلك المجالات الثلاثة للتنمية المستدامة تبدو نظريا منسجمة لكنها ليست كذلك في الواقع الممارس. كذلك فإن المبادئ الأساسية هي الأخرى مختلفة فبينما تمثل الكفاءة المبدأ الرئيس في التنمية الاقتصادية المستدامة تعتبر العدالة محور التنمية الاجتماعية المستدامة، أما التنمية البيئية المستدامة فتؤكد على المرونة أو القدرة الاحتمالية للأرض على تجديد مواردها.

   وتتعلق رابع خاصية مشتركة بالتفسيرات المتعددة للتنمية المستدامة. فمع أن كل تعريف يؤكد على تقدير للاحتياجات الإنسانية الحالية والمستقبلية وكيفية الإيفاء بها، إلا انه في الحقيقة لا يمكن لأي تقدير لتلك الاحتياجات أن يكون موضوعيا، فضلا عن أن أية محاولة ستكون محاطة بعدم التيقن. ونتيجة لذلك فإن التنمية المستدامة يمكن تفسيرها وتطبيقها وفقا لمنظورات مختلفة

ويتضح من ما سبق ان التنمية المستدامة تمثل التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها

ولكي نطور مفهوما متفقا عليه للتنمية المستدامة فإنه يجب أن يكون هناك فهما مشتركا للشيء المراد استدامته. كما لاحظنا في هذه الدراسة فإن للمفهوم جوهرا متمركزا حول الإنسان بشكل مهيمن في أدبيات التنمية المستدامة حيث كان التركيز على استدامة المجتمع الإنساني على الأرض. لكن أي مجتمع إنساني؟ والإجابة طبقا لتقرير بروندتلاند تعني ذلك المجتمع الإنساني القادر على الإيفاء باحتياجاته، إلا أن تلك الاحتياجات يمكن أن تفهم بطرق مختلفة.

ومن ثم يمكن القول أن المشكلة الأكثر وضوحا في هذا المجال تتمثل في التنامي المفرط للنشاطات الإنسانية لاستغلال موارد الطبيعة في مقابل القدرة المحدودة للأنساق الحيوية الطبيعية للإيفاء بتلك النشاطات. ولذا فإن أحد أفضل التعريفات العملية الملائمة “للاستدامة” يمكن أن تتمثل في “تحقيق الحد الأعلى من الكفاءة الاقتصادية للنشاط الإنساني ضمن حدود ما هو متاح من الموارد المتجددة وقدرة الأنساق الحيوية الطبيعية على استيعابه” مع ربطها باحتياجات الجيل الحالي والأجيال القادمة، بشرط أن تكون تلك الاحتياجات مما لا يلحق تهديدا جديا بالعمليات الطبيعية، والمادية، والكيميائية، والحيوية. أي أن هناك قيدا مزدوجا على التنمية المستدامة: يرتبط جانب منه بأداء العمليات الطبيعية، أما الآخر فيتعلق بالإيفاء بالاحتياجات الموضوعية، فضلا عن الاحتياجات الإنسانية الحالية والمستقبلية كلما كان ذلك ممكنا. ولتحقيق هذا الأمر فإنه لابد من العمل على تعظيم إنتاجية الموارد من جهة وتقليص العبء الذي تتحمله البيئة (سواء من حيث الموارد أو الطاقة) من جهة أخرى.

 وانسجاما مع هذا التعريف ينبغي التأكيد عند معالجة المشكلة البيئية على ثلاثة أنواع من التوازن في هذا المجال وهي:

  • التوازن بين المناطق وخاصة بين الشمال والجنوب
  • التوازن بين الكائنات الحية
  • التوازن بين الأجيال

وهذا يعني ضمنيا العمل على تقييد النشاطات الإنسانية ضمن نظام محدد بعناية يمكن من خلاله التحقق من عدم فرض أي أعباء إضافية على النسق الحيوي للأرض أو الأجيال القادمة. إذن فإن ما ينبغي العمل على استدامته هو ذلك الوضع المتوازن عالميا بين احتياجات الإنسان واحتياجات الطبيعة، حيث يجب الإيفاء بمعظم احتياجات الطبيعة لأن تحقيقها يعتبر أمرا حاسما للبشر.( 2003  Anderson, D. Vet )

وأخيرا ينبغي الإشارة إلى أن الجدل الدولي حول مفهوم التنمية المستدامة قد خلق بالتأكيد مجالا جديدا من الخطاب كما أن معناه الواسع والغامض قد سمح لجماعات مختلفة للسعي لتحقيق مصالحها بطرق جديدة وحجج مختلفة. وبينما يمكن النظر إلى تلك الظاهرة كمؤشر إيجابي في إبراز قضية التنمية المستدامة لتحتل الصدارة في النقاش العام، إلا أنه يجب أيضا ألا نغفل المخاطر المرتبطة بها. فمع أنه قد لا يكون ممكنا أو حتى محبذا حصر مفهوم التنمية المستدامة في تعريف محدد، إلا أن الخطابات السياسية حول كيفية الربط بين القضايا البيئية والاقتصادية والاجتماعية قد تسببت، وستستمر، في إحداث خلافات سياسية وتنافس حول التعريف الأفضل. وبرغم أن تعدد وتشتت التفسيرات ووجهات النظر يمكن أن تسمح بالمرونة إلا أنه يخشى أن يصبح مبدأ الاستدامة عديم المعنى، وليس أكثر من مجرد عبارة في البلاغة السياسية.

نتائج البحث ومناقشتها

أ. النتائج الكمية

  • فعالية برامج التعليم والتدريب
    • مستوى الفهم: أظهرت البيانات أن المشاركين في برامج التعليم والتدريب المتعلقة بالتنمية المستدامة سجلوا زيادات ملحوظة في فهمهم لمفاهيم التنمية المستدامة، مقارنةً بالأشخاص غير المشاركين.
    • تحسين الأداء البيئي: أظهرت نتائج التحليل أن المؤسسات التي تبنت برامج تدريبية متخصصة أظهرت تحسنًا في الأداء البيئي، مثل تقليل النفايات واستخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة.

العوامل المؤثرة فى الفعالية ارتبطت بالعناصر التالية :

  • جودة التعليم والتدريب: هناك علاقة إيجابية قوية بين جودة البرامج التعليمية والتدريبية وبين تحسين القدرات والمهارات المتعلقة بالتنمية المستدامة.
    • الموارد والدعم المؤسسي: زيادة الموارد المالية والدعم المؤسسي كانت مرتبطة بتحسين فعالية البرامج التدريبية ونتائجها.

الاختلافات بين القطاعات

  • القطاع الخاص مقابل القطاع العام: أظهرت النتائج اختلافات في فعالية التعليم والتدريب بين القطاعين، حيث أبدى القطاع الخاص تحسنًا أسرع في تطبيق مبادئ التنمية المستدامة مقارنةً بالقطاع العام.

ب. النتائج النوعية

تأثير البرامج التدريبية

  • قصص النجاح: أظهرت المقابلات أن الأفراد الذين أكملوا برامج تدريبية متخصصة شاركوا في مشاريع ناجحة تستند إلى مبادئ التنمية المستدامة، مما أسهم في تحسين المجتمعات المحلية.
    • التحديات والمشاكل: تم الإبلاغ عن بعض التحديات، مثل نقص الموارد أو نقص التحديث في المناهج التعليمية، التي أثرت سلبًا على فعالية التعليم والتدريب.
    • التفاعل المجتمعي التعاون بين الأطراف: أظهرت مجموعات التركيز أن التعاون بين المؤسسات التعليمية والمنظمات المجتمعية يعزز من تطبيق المعرفة المكتسبة في سياقات عملية.

توصيات البحث  :

فيما يتعلق بتعزيز جودة البرامج التعليمية والتدريبية يوصى البحث بما يلى :

  • تطوير المناهج: تحديث المناهج الدراسية والبرامج التدريبية لتكون أكثر توافقًا مع أهداف التنمية المستدامة واحتياجات السوق. ينبغي أن تتضمن هذه المناهج عناصر عملية وتجريبية لتعزيز فهم الطلاب والمشاركين.
  • تقييم مستمر: تنفيذ آليات تقييم دوري للبرامج التعليمية والتدريبية لضمان توافقها مع التغيرات في مجال التنمية المستدامة.

وفيما يتعلق بتحسين الموارد والدعم المؤسسي يوصى البحث بما يلى :

  • توفير التمويل: تخصيص موارد مالية كافية لدعم البرامج التعليمية والتدريبية المتعلقة بالتنمية المستدامة، بما في ذلك توفير معدات حديثة ومرافق ملائمة.
  • الدعم المؤسسي: تعزيز التعاون بين المؤسسات التعليمية والقطاعين العام والخاص لتوفير الدعم المؤسسي اللازم لتنفيذ برامج تدريبية فعّالة.

وفيما يتعلق بتعزيز التعاون والشراكات يوصى البحث بما يلى :

  • الشراكات بين المؤسسات: تشجيع التعاون بين المؤسسات التعليمية، الشركات، والمنظمات غير الحكومية لتعزيز تطبيق المعرفة المكتسبة من خلال التعليم والتدريب في سياقات عملية.
  • التعاون مع المجتمع المحلي: بناء شراكات مع المجتمعات المحلية لضمان تلبية احتياجاتهم وتعزيز تطبيق برامج التنمية المستدامة بشكل يتناسب مع السياقات المحلية.

وفيما يتعلق بتحسين استراتيجيات التدريب والتطوير المهني يوصى البحث بما يلى :

  • التدريب المستمر: دعم برامج التدريب المستمر للعاملين في جميع القطاعات لضمان مواكبتهم لأحدث الممارسات والتقنيات في مجال التنمية المستدامة.
  • تدريب المدربين: تحسين مهارات المدربين والمعلمين من خلال برامج تدريبية متقدمة لضمان تقديم تعليم فعال ومستند إلى أحدث المعلومات والتقنيات.

وفيما يتعلق بتعزيز الوعي والمعرفة يوصى البحث بما يلى :

  • الحملات التوعوية: تنظيم حملات توعوية لتعزيز فهم المجتمع بأهمية التنمية المستدامة وأدوار التعليم والتدريب في تحقيقها.
  • برامج التوعية: تطوير برامج توعية وتثقيفية للمجتمع، خاصة الفئات العمرية الأصغر، حول مفاهيم التنمية المستدامة وأهمية تطبيقها في حياتهم اليومية.

وفيما يتعلق بمعالجة التحديات والقيود يوصى البحث بما يلى :

  • حل المشكلات التنظيمية: معالجة التحديات التنظيمية مثل نقص الموارد أو التحديث في المناهج التعليمية من خلال تطوير استراتيجيات واضحة وحلول فعّالة.
  • التغلب على القيود الإدارية: تقديم توصيات لتحسين الإجراءات الإدارية واللوجستية التي قد تؤثر على تنفيذ البرامج التعليمية والتدريبية.

وفيما يتعلق بتوسيع نطاق البحث يوصى البحث بما يلى :

  • أبحاث مستقبلية: تشجيع إجراء مزيد من الأبحاث حول تأثير التعليم والتدريب في سياقات مختلفة، مثل الدول ذات الاقتصادات النامية أو البيئات الريفية، لفهم كيفية تحسين البرامج بما يتناسب مع احتياجات محددة.
  • تطوير أدوات البحث: اقتراح تحسين أدوات البحث والتقييم لتحليل أعمق وأدق لتأثيرات التعليم والتدريب على التنمية المستدامة.

المصادر والمراجع

اولاً :المصادر العربية :

برنامج إصلاح التعليم الفني والتدريب المهني في مصر بتمويل مشترك من الحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي “الاستراتيجية القومية لإصلاح التعليم الفني والتدريب المهني في مصر ( 2012:2017) التنمية المستدامة والتوظيف من خلال قوى عاملة مؤهلة”، استراتيجية برنامج إصلاح التعليم الفني والتدريب المهني في مصر(2012:2017).

حسين عبد الكريم محمد . “تطوير الإدارة المدرسية بالتعليم الفني بمصر في ضوء الشراكة المجتمعية المحلية والدولية” . رسالة دكتوراه مقدمة لقسم التربية المقارنة والإدارة التعليمية بكلية التربية-جامعة عين شمس. القاهرة , 2008 م: ص ص. . 24-82

صالح صالحي، المنهج التنموي البديل في الاقتصاد الإسلامي دراسة للمفاهيم والأهداف والأولويات وتحليل للأركان والسياسات والمؤسسات , دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة،  ، 2006 , ص.88 .

عاصم عبد النبي: “مخرجات التعليم الثانوي الصناعي و متطلبات سوق العمل في مصر” ,رسالة ماجستير غير منشورة  ,كلية الاقتصاد ,الاكاديمية العربية في الدنمارك ,  2014 , ص203 .

فوزي رزق شحاتة .” استراتيجية مقترحة لتحقيق التنظيم والتخطيط والتنسيق والتكامل بين مدارس التعليم الثانوي الصناعي وقطاع الصناعة في مصر”: رؤية مستقبلية. القاهرة: المركز القومي للبحوث التربوية. 2014, ص ص .8-11.

الملتقى الدولي حول مقومات تحقيق التنمية المستدامة في الاقتصاد الإسلامي .جامعة قالمة يومي 3و4 ديسمبر 2013.

منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة  التعليم من اجل التنمية المستدامة ,2016,.تاريخ الاسترداد 23 2 ,2017 متاح على الرابط :    

http://www.unesco.org/new/ar/education/themes/leading-theinternational-agenda/education-for-sustainable-development/                                    

منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) , (2015) تقرير التنمية الصناعية لعام  2016 : دور التكنولوجيا والابتكار في التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة، نظرة عامة”، منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، فيينا,2015.

ثانياً: المراجع الاجنبية :

Barrett, A. (2014). Impact analysis: Understanding the effects of education and training on sustainable development. Journal of Educational Development, 22(4), 29-45.

Brundtland, G. H. (1987). Our common future: Report of the World Commission on Environment and Development. Oxford University Press.

Anderson, D. Vet and ecologism :charring the terrain in : Griffith University .Enriching learning cultures vol.l,p.17-23,Brisbane : Centre for learning and Work Research ,  Griffith university .(proceedings of the eleventh Annual international Conference on Post –compulsory Education and training ) . 2003.

Anne E.Egelston, Sustainable development: A history, édition Springer, New York, 2012, p.83

Anthony Rosa and Karen Déchet and Mérylle Aubrun:Practical Guide to Sustainable Development, Afnor, 2005,p.10.

Fien, JListening ,to the Voices of Youth: Implications for Educational Reform, in D. Yencken, J. Fien, and H. Sykes, (eds.) Environment, Education and Society in the AsiaPacific: Local Traditions and Global Discourses. Routledge: London, . (2000).

Li, Y, “Towards Inclusive and Sustainable Industrial Development”, Development, Vol. 58, No. 4, 2015 .pp. 446–451

Said, M. , “Policies and Interventions on Youth Employment in Egypt”, European Training Foundation.2015.p.19.

Mistra, Sustainable Investment – Towards a New Role for Institutional Investors2004, Stockholm ,p2

Noe, R. A. (2017). Employee training and development (7th ed.). McGraw-Hill.

OECD. (2006). Capacity development for poverty reduction. OECD Publishing.

UNESCO. (2015). Education for sustainable development goals: Learning objectives. United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization.

National Council for Economic Education (USA) .Campaign for Economic Literacy: Challenge and Response. 2002. http://www.ncee.net/cel/. Accessed 8 March 2020.

National Council for Economic Education (USA) .Campaign for Economic Literacy: Challenge and Response. 2002. http://www.ncee.net/cel/. Accessed 8 March 2020.

Rockström, J., Steffen, W., Noone, K., Persson, Å., Chapin III, F. S., Lambin, E. F., … & Foley, J. A. (2009). A safe operating space for humanity. Nature, 461(7263), 472-475. https://doi.org/10.1038/461472a

Sterling, S. (2001). Sustainable education: Re-visioning learning and change. Green Books.

UNESCO. (2014). Education for sustainable development goals: Learning objectives. United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization.

UNESCO. (2016). Education 2030 Framework for Action. Paris: UNESCO.

UNEP. (2020). Policy Frameworks for Education and Training in Sustainability. United Nations Environment Programme

UNDP. (2019). Human Development Report 2019: Beyond income, beyond averages, beyond today. New York: UNDP.

Hajer, M. A. (1995). The politics of environmental discourse: Ecological modernization and the policy process. Oxford University Press.

Robinson, J. (2004). Squaring the circle? Some thoughts on the idea of sustainable development. Ecological Economics, 48(4), 369-384.

Redclift, M. (2005). Sustainable development: A critical review. International Journal of Environment and Sustainable Development, 4(1), 1-8.

WCED (World Commission on Environment and Development). (1987). Our common future. Oxford University Press.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتًا
التقيمات المضمنة
عرض كل التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا الأن
1
هل تحتاج الي مساعدة او نشر بحثك !
Scan the code
مجلة scp الماليزية
مرحبا
كيف استطيع مساعدتك !