العدد التاسع عشرالمجلد الخامس 2022

قدرة العباد على الاختيار

(دراسة عقدية)

ملخص البحث

هذا البحث بعنوان : ” قدرة العباد على الاختيار (دراسة عقدية)”. يهدف إلى تقديم الجواب الشافي لكثير من التساؤلات التي طرحت قديماً، ومازالت تطرح إلى وقتنا الحاضر. مثل: هل الإنسان حر مُخيّر في أعماله وتصرفاته؟! ومن ثم يثاب ويعاقب عليها؟! أم أنه مجبر عليها؛ فهو معذور فيما يقوم به من أعمال وتصرفات؟!

وبناء على ذلك كان البحث مكون من مقدمة ومبحثين وخاتمة، ومنهجه استقرائي، تحليلي، نقدي، وقد ذكرت فيه الأجوبة الشافية لكثير من التساؤلات، والتي من أهمها هو القول: إن طريق الخير، وطريق الشر، هما طريقان لا ثالث لهما، فيختار العبد أحدهما بإرادته، وقدرته فطريق الخير نهايته الجنة وطريق الشر نهايته النار، كما أن لكل عبد مقعدين فيهما، والمقعد يكون نتيجة لاختيار العبد، دون أن يكون هناك جبرا من الله.

وفي لفظ الإبدال الوارد في قوله : “انظر إلى مقعدك في النار، أبدلك الله به مقعدًا من الجنة”. دلالة صريحة على ذلك.

القدرة – العباد – الاختيار – الجبر – المشيئة

Research Summary

This research is entitled: “The ability of servants to choose. Nodal study” It aims to provide the answer to many of the questions that have been raised in the past and continue to be raised to the present day. Such as: Is man free and good in his actions and actions? And then he is punished and punished? Or is he forced to do so; Accordingly, the research consisted of an introduction, two papers, and a conclusion in which I mentioned the healing answer to many questions: the path of good, the path of evil, is two ways, not a third; “Look at your seat in the fire, god has replaced you with a seat of paradise.” An explicit indication of that.

Ability – servants – choice – algebra – will

المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (). يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) ().

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزا اعظيما ) (3) .

أما بعد: فإن مسألة قدرة واختيار العباد لأعمالهم افترق فيها الناس منذ القدم وإلى وقتنا الحاضر والسبب أن في كتاب الله وسنة نبيه محمد الله ما يثبت بأن كل ما في الكون هو بقدرة الله وتحت تدبيره، ويتم بمحض حكمته ومشيئته، ويدخل أعمال العباد في ذلك، ويوجد أيضًا نصوص أخرى تثبت أن للعباد قدرة، ومشيئة، واختيارًا لأعمالهم، وأدى ذلك للاختلاف والتعارض في الأفهام.

فالآيات التي تثبت قدرة الله ومشيئته تظهر في فهم بعض الناس أنها آيات متعارضة مع الآيات الآخر التي تثبت للعباد قدرة ومشيئة. كما تظهر موافقة لأفهام خاطئة عند بعض الناس بأنه ليس للعباد أي قدرة ومشيئة وأنهم مجبورون على جميع أعمالهم، ويحتجون بذنوبهم على أنها من عمل الله وليست من عملهم – تعالى الله عما يقولون .

مما جعل دراسة مثل هذا الموضوع وتوضيحه في بحث خاص من الأمور المهمة في هذا العصر.

ومن هذا المنطلق كانت هذه الدراسة المختصرة النافعة – بإذن الله – التي هي بعنوان:

قدرة العباد على الاختيار (دراسة عقدية)”.

وهي دراسة دقيقة وسهلة العبارة؛ لتنفع بعض الناس في العصر الحاضر ممن أخذوا بأقوال وأفكار غيرهم، واحتجوا بها على أعمالهم.

خطة البحث

وقد جعلت الدراسة مكونة من مقدمة، ومبحثين، وخاتمة على النحو الآتي:

المقدمة: فيها سبب اختيار الموضوع، وأهميته، وخطة الدراسة، ومنهج البحث.

المبحث الأول: اختلاف وتعارض بعض الأفهام في فهم نصوص القدرة والاختيار.

المبحث الثاني: الصحيح في مسألة قدرة العباد على الاختيار.

– الخاتمة: فيها أبرز النتائج والتوصيات.

منهج البحث

هو المنهج الاستقرائي، التحليلي، النقدي.

ذكرت في المبحث الأول: اختلاف بعض أفهام الناس في فهم نصوص قدرة العباد على اختيار أعمالهم من خلال ذكر أقوال المخالفين في المسألة من مصادرهم – حسبما تيسر لي.

وفي المبحث الثاني: ذكرت الصحيح في مسألة قدرة العباد على اختيار أعمالهم من خلال ذكر أقوال علماء السلف في المسألة، واعتمدت على ذكر الأحاديث الصحيحة فقط، وترجمت لغير المشهورين.

وأخيرا : اشكر الله – عز وجل أن يسر لي دراسة هذا الموضوع، وأن سهل لي إنجازه وإتمامه. سائلة المولى أن ينفع به، ويجعله حجة لنا لا علينا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المبحث الأول

اختلاف وتعارض بعض الأفهام في فهم نصوص القدرة والاختيار

اختلف بعض الناس في فهم معاني آيات قدرة العباد على أعمالهم؛ فطرحت كثير من التساؤلات، ومازالت تطرح إلى وقتنا الحاضر.

هل الإنسان حر مخير في أعماله وتصرفاته؟ ومن ثم يثاب ويعاقب عليها ؟!

أم أنه مجبر عليها؟ فهو معذور فيما يقوم من أعمال وتصرفات؟! مما يدل على إن هذه المسألة مثار تساؤل إلى الآن وتحتاج إلى جواب شاف، وعلاج ناجع.

وأسأل الله تعالى أن ييسر لي توضيح جواب هذه التساؤلات، وحل هذه المشكلة الفكرية من خلال هذا البحث – إن شاء الله .

وبداية سأوضح كيف انقسم الناس قديماً في هذه المسألة إلى خمسة فرق – مذكورة على التوالي .

وهذا الافتراق مصداق لما أخبر به النبي ﷺ حيث قال: “والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار)) قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: ((الجماعة))”(1).

أولا: الجهمية الجبرية (1).

هم الذين قالوا: بأن الله يجبر العباد على أعمالهم، فنفوا أفعال العباد؛ فالله تعالى – على مذهبهم خالق الناس، وخالق أعمالهم، والعباد ليس لهم قدرة ولا إرادة على فعل الطاعة، أو ترك المعصية. ففي رأيهم أن أعمالهم منسوبة إليهم مجازا، وهم مجبورون عليها، فحركاتهم – كما يزعمون – اضطرارية كحركة المرتعش وحركة الريشة في مهب الريح ! وهذا قول باطل فيه غلو وتطرف.

يقول ابن القيم – رحمه الله – في الرد عليهم: “ظن كثير من الناس أن قوله تعالى : ( والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) (2) أنها مصدرية واحتجوا بها على خلق الأعمال، وليست مصدرية وإنما هي موصولة، والمعنى والله خلقكم وخلق الذي تعملونه وتنحتونه من الأصنام، فكيف تعبدونه وهو مخلوق الله … “(3).

وقال كذلك: “فإن كانت ما مصدرية كما قدره بعضهم فالاستدلال ظاهر، وليس بقوي إذ لا تناسب بين إنكاره عليهم عبادة ما ينحتونه بأيديهم، وبين إخبارهم بأن الله خالق أعمالهم من عبادة تلك الآلهة ونحتها وغير ذلك؛ فالأولى أن تكون ما موصولة أي والله خلقكم، وخلق الهتكم التي عملتموها بأيديكم.. “(1).

وسياق الآية جاء في ذكر قصة إبراهيم عليه السلام – وإنكاره على قومه من أنهم يعبدون ما هو من صنع وعمل ونحت أيديهم. قال الشيخ محمد بن العثيمين – رحمه الله – في تفسير الآية: “هذا مما قاله إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه : ﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ أي ما تعملون من هذه الأصنام، ليقيم عليهم الحجة بأنها لا تصلح آلهة؛ فإبراهيم عليه الصلاة والسلام، أراد أن يقيم الحجة على قومه بأن ما عملوه من هذه الأصنام التي نحتوها مخلوق الله عز وجل، فكيف يليق بهم أن يشركوا مع الله تعالى هذا المخلوق؟!”(2).

وهناك الكثير من النصوص الصريحة التي تدل على أن الله خالق العباد وأعمالهم، مثل قوله تعالى : إنا كل إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَي ) (6).

ونصوص أخرى تثبت أن للعباد قدرة تابعة لقدرة الله ومشيئته مثل قوله تعالى : ( وما تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (1)

ثانيا: المعتزلة القدرية (2)

هم الذين أصلوا مذهبهم بأصول عقلية، وجاء رد فعل الجبرية معاكسا لهم؛ لأنهم تقوا القدر، وأثبتوا خالقين، قسماهم النبي ﷺ مجوس (3) الأمة.

فقد أجمعوا على أن أعمال العباد حادثه من جهتهم، وأن الله أقدرهم عليها، فلا فاعل ولا محدث لها سواهم، ومن قال بغير ذلك فقد أخطأ؛ فهي ليست مخلوقة الله، وإنما العباد هم الخالفون لها (4).

واستدلوا على ذلك بقولهم: أن الله عادل حكيم لا يظلم أحداً، فلو كان هو الخالق لأعمالهم لبطل الثواب والعقاب، إذ كيف يعاقبهم على أمر خلقه فيهم، وفي أعمال العباد ما هو ظلم وجور، فلو كان الله خالقا لها لوجب أن يكون ظالما جائزا (1). وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – على المعتزلة القدرية؛ فقال:” عند القدرية أن المتولد عن فعل العبد فعله لا فعل الله، فيكون هذا النحت والتصوير فعلهم لا فعل الله، فإذا ثبت أن الله خلقها بما فيها من التصوير والنحت ثبت أنه خالق ما تولد عن فعلهم والمتولد لازم للفعل المباشر وملزوم له وخلق أحد المتلازمين يستلزم خلق الآخر؛ فدلت الآية أنه خالق أفعالهم القائمة بهم، وخالق ما تولد عنها، وخالق الأعيان التي قام بها المتولد ولا يمكن أن يكون أحد المتلازمين عن الرب، والآخر عن غيره فإنه يلزم افتقاره إلى غيره، وأيضًا فنفس حركاتهم تدخل في قوله تعالى ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ) فإن أعراضهم داخلة في مسمى أسمائهم؛ فالله تعالى خلق الإنسان بجميع أعراضه وحركاته من أعراضه فقد تبين أنه خلق أعمالهم بقوله (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ) وما تولد عنها من النحت والتصوير بقوله (وَمَا تَعْمَلُونَ ) فثبت أنها دالة على أنه خالق هذا وهذا وهو المطلوب “(2).

فالآية فيها دليل قاطع على أن الله هو الخالق لأعمال العباد، كما أثبتت آيات أخرى أن الإنسان مكلف ومحاسب على أعماله، وأن الله أعطاه مشيئة وقدرة على الاختيار، وليس هناك تعارض بين تكليف العباد، وخلق الله – عز وجل – لأعمالهم.

ثالثا : الأشاعرة (1) .

هم الذين قالوا: بأن الله خالق أعمال العباد، وأن أعمال العباد كسب للعباد، وعليه يترتب الثواب والعقاب، ولا تأثير لقدرة العبد في العمل، وأن العبد محل لعمل الله فقط. يقول الباقلاني (2):” ويجب أن يعلم أن العبد له كسب وليس مجبورا، بل مكتسب لأعماله من طاعة ومعصية (3).

فالباقلاني لم يثبت أن العبد فاعل للفعل على الحقيقة، فالفعل واقع على العبد بوصفه طاعة أو معصية؛ لأنه محل لذلك، وهم يقولون بذلك حتى لا يكون العبد شريكا الله

على النحو الذي وقع فيه المعتزلة القدرية. ومن أمثلتهم على الكسب قولهم إن: “الحجر الكبير قد يعجز الرجل عن حمله، ويقدر آخر على حمله منفردا به، إذا اجتمعا جميعًا على حمله كان حصول الحمل بأقواهما، ولا خرج أضعفهما بذلك من كونه حاملا، كذلك العبد لا يقدر على الانفراد بفعله، ولو أراد الله الانفراد بإحداث ما هو كسب للعبد قدر عليه، ووجد مقدوره، فوجوده على الحقيقة بقدرة الله تعالى، ولا يخرج مع ذلك المكتسب من كونه فاعلا، وإن وجد الفعل بقدرة الله تعالى “(1). وقوله تعالى : وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )

(2) ونظائرها في القرآن الكريم من الآيات المعتمدة عندهم، ويستدلون بها على أن الله تعالى خالق أعمال العباد، وهي كسب للعباد. وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – على نفيهم بأن تكون للعبد إرادة وقدرة مؤثرة في حصول فعله حتى لا يقعوا في الشرك بقوله : “إن أريد بالتأثير أن خروج الفعل من العدم إلى الوجود كان بتوسط القدرة المحدثة بمعنى أن القدرة المخلوقة هي سبب وواسطة في خلق الله سبحانه وتعالى الفعل بهذه القدرة، كما خلق النبات بالماء، وكما خلق الغيث بالسحاب، وكما خلق جميع المسببات والمخلوقات بوسائط وأسباب فهذا حق، وهذا شأن جميع الأسباب والمسببات، وليس إضافة التأثير بهذا التفسير إلى قدرة العبد شركا، وإلا فيكون إثبات جميع الأسباب شركا (3)

رابعاً: الماتريدية (1).

حاولت الماتريدية التوسط بين المعتزلة والجبرية؛ فقالوا أعمال العباد مخلوقة الله تعالى، وهي كسب من العباد، وهذا القول مقارب لقول الأشاعرة إلا إنه مخالف له من حيث المعنى؛ فالكسب عند الماتريدية مقارب لقول المعتزلة فالله تعالى لا يخلق فعل العبد إلا بعد أن يريده العبد ويختاره وقد نص أبو المعين النسفي (2) على ذلك بقوله: “وما يخترعه فيه باختيار العبد ذلك، وله عليه قدرة فأثر تعلق قدرته به كونه فعلا له فيكون الله تعالى مخترعا فعل العبد باختياره لولا اختيار العبد وقصده اكتسابه لما خلقه الله تعالى فعلا له(3) “..

وقول الماتريدية هذا قول باطل؛ لأن الله تعالى خالق كل شيء. ورد ابن القيم رحمه الله – على من قال مثل قولهم؛ فقال : ومعاذ الله والله أكبر وأجل وأعظم وأعز أن يكون في عبده شيء غير مخلوق له ولا هو داخل تحت قدرته ومشيئته فما قدر الله حق قدره من زعم ذلك ولا عرفه حق معرفته ولا عظمه حق تعظيمه بل العبد جسمه وروحه وصفاته وأفعاله ودواعيه وكل ذرة فيه مخلوق الله … فهو عبد مخلوق من كل وجه وبكل اعتبار وفقره إلى خالقه وبارئه من لوازم ذاته وقلبه بيد خالقه وبين أصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء فيجعله مريدًا لما شاء وقوعه منه كارها لما لم يشأ وقوعه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن “(1).

خامسا: السلف.

توسط السلف بين الفرق السابقة في مسألة أعمال العباد، وجمعوا بين النصوص الصحيحة؛ فقالوا: أن الله تعالى خالق العباد، وخالق أعمالهم، وبها صاروا مطيعين وعصاه؛ فأثبتوا للعباد قدرة ومشيئة تابعة لقدرة الله ومشيئته.

المبحث الثاني

الصحيح في مسألة قدرة العباد على الاختيار

إن الاعتقاد الصحيح في مسألة قدرة العباد على الاختيار هو : إن العباد لهم أفعال اختيارية يثابون، ويعاقبون عليها، وإن كان الله قد قدرها، وخلقها، وأوجدها، وعلمها منهم قبل وقوعها، وهذا النتيجة تأتي بعد الجمع بين النصوص الصحيحة الواردة في كتاب الله وسنة نبيه محمد.

فأعمال العباد ليست من خلقهم المحض كما تقول القدرية:

إن أفعال العباد مخلوقة لهم)؛ لأن الله تعالى قال في كتابه الكريم: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )).

وليسوا مجبورين عليها كما تقول الجبرية: (إن العباد لا أفعال لهم، وأنهم مجبورون)؛ لأن الله تعالى قال في كتابه الكريم: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النجدين ) وقال تعالى (فألهمها فجورها وتقواها ) (3) .

فالله سبحانه هو الخالق لكل شيء من الأعيان والأوصاف والأعمال وغيرها، ومشيئته عامة وشاملة لجميع الكائنات فلا يقع منها شيء إلا بتلك المشيئة، وخلقه الأشياء وفقا لما علمه منها بعلمه القديم، ولما كتبه وقدره في اللوح المحفوظ، وللعباد قدرة وإرادة تقع بها أفعالهم وهم الفاعلون لها حقيقة بمحض اختيارهم، ولهذا هم يستحقون عليها الجزاء إما بالمدح والمثوبة، وإما بالذم والعقوبة، ونسبة هذه الأعمال إلى العباد فعلا لا ينافي نسبتها إلى الله إيجادا وخلقا؛ لأنه هو الخالق الجميع الأسباب التي وقعت بها (3). فالجبرية اخطئوا في قولهم بأن العبد مجبر ومسير في كل ما يصدر منه، وغلو في إثبات القدر، وقصروا في قدرة العبد وإرادته، والقدرية اخطئوا في نفي قدر الله تعالى، ونسبة

ما يصدر من الإنسان له؛ فأثبتوا قدرة العبد وإرادته، وقصروا في القدر.

الدليل النقلي على صحة هذا الاعتقاد:

إن الله تعالى قد قدر وكتب للعباد طريقين، ووضحها لهم في كتابه الكريم بقوله:

(3) ، وقوله تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ ) وقوله تعالى ﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورها وتقواها)

فهي طريقان لا ثالث لهما : طريق الخير، وطريق الشر. يختار العبد أحدهما بإرادته وقدرته ثم ينتهي الطريقين بنهايتين وهي الجنة والنار، فطريق الخير نهايته الجنة، وطريق الشر نهايته النار، هذا بالنسبة للحياة الدنيا والآخرة. أما الحياة المتوسطة وهي الحياة البرزخية، فقد جاءت السنة لتوضح لنا المقعدين وتفصل لنا المسألة ويتضح لنا من خلالها كيف أن لكل عبد منا مقعدين، مقعد في الجنة، ومقعد في النار، ويرى العبد تلك المقعدين وهو في قبره، فعن أنس رضي الله عنه ، عن النبي قال: “العبد إذا وضع في قبره وتولي وذهب أصحابه، حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فأقعداه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد ﷺ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك في النار، أبدلك الله به مقعدًا من الجنة. قال النبي ﷺ “فيراهما جميعا، وأما الكافر، أو المنافق فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصبح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين” (3).

فالمقعد كان نتيجة لاختيار العبد، دون أن يكون هناك جبراً من الله، وفي لفظ الإبدال دلالة صريحة على ذلك، وعلى إن كل الاختيارات مقدرة ومكتوبة في اللوح المحفوظ ومعلومة عند الله تعالى، وقدرة العبد تابعة لمشيئة الله وقدرته؛ لأن الله تعالى هو من قدر له الطريقين بداية وخلق له طريق الخير، وطريق الشر. ثم سلك الإنسان بإرادته

واختياره، وقدرته الطريق الذي يريده. وكل ذلك لا يخرج عن علم الله الواسع، فهو يعلم من العبد ماذا سيختار، وإلى أين سيكون ماله لا من باب الجبر بل من باب العلم والخلق؛ لأن الله هو من خلق الطريقين،

وقدر تفاصيلها في اللوح المحفوظ بدليل قوله تعالى : ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْرُبُ عَن ربَّكَ مِن مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كتاب مبين )

وقال علي – رضي الله عنه – : كان النبي ﷺ في جنازة، فأخذ شيئًا فجعل ينكت به الأرض، فقال: “ما منكم من أحد، إلا وقد كتب مقعده من النار، ومقعده من الجنة”.

قالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: “اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة. ثم قرأ: فأما من أعطى واتقى . وصدق بالحسنى ) [2] [3] .

فهذا الحديث يؤكد بأن كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ، ومع هذا ليس علينا الاتكال، وترك العمل، بل الواجب العمل؛ فكل ميسر لما خلقه الله له، إما إلى الجنة، وإما إلى النار، والعبد هو من يختار بإرادته وعمله. ومن الخطأ الاستدلال بهذا الحديث على أنه كل شيء قد كتب، وأن العبد مسير فقط، بل العبد مخير بين الطريقين التي قدرها الله للعباد والإنسان له وصفان: مسير، ومخير. وهو مسير باعتبار، ومخير باعتبار آخر مسير ليس له خروج عن قدر الله تعالى الذي قدر مقادير الخلق قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة، والإيمان بالقدر من أصول الإيمان؛ فالله قدر أشياء وكتبها سبحانه قبل أن يخلق الناس، خلق العبد وقدر رزقه، وأجله، وشقاوته وسعادته، وهذا أمر معلوم وقد أجمع عليه أهل السنة والجماعة؛ فهو مسير من جهة أنه لا يخرج عن قدر الله تعالى، وميسر أيضًا لما خلق له؛ لأن جميع الأمور مقدرة، وأعمال العبد، وشقاوته، وسعادته وسائر شؤونه قد مضى به علم الله، وقد كتبها الله سبحانه وتعالى؛ فليس للعباد خروج عما كتب في اللوح المحفوظ، وعما قدره الله عليه سبحانه وتعالى، وهو من هذه الجهة مسير وميسر أيضًا. أما من جهة التخيير فالله جل وعلا أعطاه عقلا وسمعا وبصرا، وأدوات يعرف بها ما يضره، وما ينفعه، وما يناسبه، وما لا يناسبه؛ فإذا أتى الطاعة فقد أحسن الاختيار، وإذا أتى المعصية؛ فقد أساء الاختيار. فليس بالمجبور ولا مكره، بل له عقل ينظر به ويميز به بين الضار والنافع والخير والشر، والصالح والطالح، وله سمع يسمع به، وله بصر يبصر به، وله أدوات من أيد يأخذ بها ويعطي، ورجل يسير عليها، إلى غير ذلك (1).

 الدليل العقلي على صحة هذا الاعتقاد:

قد احتج بعض الناس في وقتنا الحاضر بالقدر على ذنوبهم ومعاصيهم، وتقاعسوا عن عمل الخيرات بعلة أن الله قد خلق العباد وأعمالهم، وقدر كل شيء في اللوح المحفوظ ! فيقولون للناس: لا فائدة من العمل طالما أن كل شيء قد كتب وقدر، فالله خلقكم، وخلق أعمالكم، وأنتم مسيرون في هذه الحياة، وكل شيء قد كتب؛ فأعملوا ما أردتم بمطلق الحرية من شرب الخمور والزنا واللواط .. الخ.

ومنهم من يقول : إذا كان الله قد خلق الإنسان وعمله؛ فلماذا يحملنا مسؤولية أفعاله – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ! والإنسان إذا تأمل أعماله، وما يصدر عنه يدرك تماما أن له قدرة تصدر عنها أعماله، ويعلم ذلك من نفسه جيدا؛ فمثلاً كونه يقوم ليصلي أو يذهب للمسجد فهو يقوم بمحض إرادته التابعة لإرادة الله؛ لأن الله هو من أمده بالصحة والعافية، وهو من خلقه وقدر أعماله في اللوح المحفوظ (1).

ويتبين مما سبق إن الجواب الشائي لكثير من التساؤلات هو القول: بأن طريق الخير، وطريق الشر، هما طريقان لا ثالث لهما، فيختار العبد أحدهما بإرادته، وقدرته، فطريق الخير نهايته الجنة، وطريق الشر نهايته النار، كما أن لكل عبد مقعدين فيهما، والمقعد يكون نتيجة لاختيار العبد، دون أن يكون هناك جبرا من الله، وفي لفظ الإبدال الوارد في قوله : “انظر إلى مقعدك في النار، أبدلك الله به مقعدًا من الجنة”. دلالة صريحة على ذلك.

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة رسول الله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

فإن من أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال بحثي ما يلي:

. إن ضرب النصوص الشرعية بعضها ببعض يدل على الفهم السقيم، وعدم بعد النظرة، وعمق الفكرة والاختلاف في مسألة قدرة العباد على الاختيار كان قديما، ومازال صداه إلى وقتنا الحاضر عند أهل الذنوب والمعاصي، وسببا في انحراف بعض الملحدين عن الدين القويم. إن التعارض بين النصوص الشرعية إنما هو في الحقيقة تعارض في الأفهام وليس في النصوص الشرعية، والفهم الصحيح للنصوص الشرعية يكون بفهم النصوص الأخرى الواردة في كتاب الله وسنة نبيه ، ومحاولة الجمع والتوفيق بينها للخروج بالمعنى الصحيح الذي لا يتناقض مع الأصول الواردة في كتاب الله، وسنة نبيه . . إن الله تعالى هو خالق كل شيء من الأعيان والأوصاف، والأعمال وغيرها، ومشيئته عامة وشاملة لجميع الكائنات فلا يقع منها شيء إلا بتلك المشيئة، وخلقه الأشياء وفقا لما علمه منها بعلمه القديم، ولما كتبه وقدره في اللوح المحفوظ.

. إن للعباد قدرة وإرادة تقع بها أفعالهم، وهم الفاعلون لها حقيقة بمحض اختيارهم، ولهذا هم يستحقون عليها الجزاء إما بالمدح والمثوبة، وإما بالذم والعقوبة، ونسبة هذه الأعمال إلى العباد فعلا لا ينافي نسبتها إلى الله إيجادًا، وخلقا؛ لأنه هو الخالق الجميع الأسباب التي وقعت بها؛ فاختيارات العبد مقدرة ومكتوبة في اللوح المحفوظ، ومعلومة عند الله تعالى، وقدرة العبد تابعة لمشيئة الله وقدرته؛ فالله تعالى هو من قدر له الطريقين بداية؛ فخلق له طريق الخير، وطريق الشر، ثم سلك الإنسان بإرادته، واختياره، وقدرته الطريق الذي يريده.

. إن الجواب الشافي لكثير من التساؤلات هو القول: إن طريق الخير، وطريق الشر، هما طريقان لا ثالث لهما؛ فيختار العبد أحدهما بإرادته وقدرته فطريق الخير نهايته الجنة وطريق الشر نهايته النار، كما أن لكل عبد مقعدين فيهما، والمقعد يكون نتيجة لاختيار العبد، دون أن يكون هناك جبراً من الله، وفي لفظ الإبدال الوارد في قوله : “انظر إلى مقعدك في النار، أبدلك الله به مقعدًا من الجنة”. دلالة صريحة على ذلك. هذا وفي الختام أسأل الله أن يغفر لي ولكم الخطأ والنسيان، وأن يهدنا سبل الرشاد، وأن يرنا الحق حقا ويرزقنا أتباعه، وأن يرنا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

فهرس المصادر

(1) أولا : القرآن الكريم.

ثانيا: الكتب.

(2) ابن تيمية، أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، منهاج السنة النبوية”. تحقيق: د. محمد

رشاد سالم، (ط1، مؤسسة قرطبة، 1406هـ). (3) ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر، بدائع الفوائد”. (بيروت – لبنان: دار الكتاب العربي).

(4) ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر، شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة

والتعليل. (بيروت – لبنان: دار المعرفة، 1398هـ (1978م). (5) الألباني، محمد ناصر الدين “صحيح سنن ابن ماجه. ط3، الرياض: مكتب التربية

العربي لدول الخليج، 1408هـ_1988م). (6) الباقلاني، أبو بكر بن الطيب الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به”.

تحقيق: محمد زاهد الكوثري (2) مؤسسة الخانجي، 1382هـ). (7) البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي، تاريخ بغداد”. (ط: بدون، المدينة المنورة: المكتبة السلفية، تاريخ بدون.

 (8) البغدادي، عبد القاهر طاهر، “أصول الدين”. (2)، بيروت: دار الكتب العلمية .)1400هـ

(9) البغدادي، عبد القاهر طاهر، الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم”، ط2، بيروت: دار الآفاق الجديدة، 1977م).

(10) التميمي، أبو حاتم محمد بن حبان صحيح ابن حبان”. ترتيب الأمير علاء الدين الفارسي، اعتنى به جاد الله بن حسن الخداش (ط: بدون لبنان: بيت الأفكار الدولية، 2004م).

(11) الجهني، مانع بن حماد، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب، والأحزاب المعاصرة”. (4) دار الندوة العالمية ، 1420هـ).

(12) الرسي، القاسم بن إبراهيم” العدل والتوحيد ونفي الشبيه عن الله الواحد الحميد”. تحقيق: محمد عمارة (ط) بدون دار الهلال (1971م).

(13) الزركلي، خير الدين، “الأعلام”. (3) تاريخ (بدون).

(14) السليمان، فهد بن ناصر، مجموع فتاوى ورسائل العلامة محمد صالح العثيمين – رحمه الله – “. (ط1، المملكة العربية السعودية: دار الوطن، 1413هـ).

(15) السودوني، قاسم بن قطلوبغا تاج التراجم”، تحقيق: محمد خير رمضان يوسف، (1)، دمشق: دار القلم، 1413-1992م).

(16) الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل”، تحقيق: محمد الفاضلي ط بدون بيروت: المكتبة العصرية، (1423هـ).

(17) القاسمي، محمد جمال الدين، “تاريخ الجهمية والمعتزلة”. (ط: بدون، بيروت: مؤسسة

الرسالة، 1399هـ).

(18) القزويني، أبو عبد الله محمد بن يزيد “سنن ابن ماجه”، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (ط1، دار الحديث القاهرة، 1419هـ 1998م).

(19) النجدي عبد الرحمن وابنه “مجموع الفتاوى الشيخ الإسلام أحمد بن تيمية – رحمه الله – “. (ط1، 1423هـ/2002م

(20) النسفي، أبو المعين ميمون بن محمد، تبصرة الأدلة في أصول الدين”، تحقيق: حسين آقاى انقرة: نشر رئاسة الشؤون الدينية، 1993م).

(21) النيسابوري أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، المستدرك على الصحيحين”. تحقيق حمدي الدمرداش محمد، (ط1، مكة المكرمة – الرياض مكتبة نزار مصطفى الباز، 1420هـ 2000م).

(22) هراس، محمد خليل، شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية”. (2، مكة المكرمة: دار الثقافة للطباعة، 1412هـ ) …

(23) الهمذاني عبد الجبار بن أحمد المغني في أبواب التوحيد والعدل”. تحقيق: توفيق الطويل، وسعيد زايد، (ط1) القاهرة: المؤسسة المصرية العامة (1382هـ).

ثالثا: المواقع والموسوعات الإلكترونية.

(24) الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – ، ” معنى قول العلماء: الإنسان مسير ومخير”،

استرجعت بتاريخ الأربعاء 1444/2/4هـ” من الموقع الرسمي :

http://www.binbaz.org.sa/mat/10344

(25) عدد من المؤلفين، موسوعة الأديان الميسرة. (2)، بيروت: دار النفائس، 1423هـ). (26) موقع روح الإسلام، موسوعة الحديث النبوي الشريف، الصحاح والسنن

والمسانيد”. (الإصدار الثاني).

(27) مجلس الألوكة للعقيدة والقضايا الفكرية المعاصرة على الرابط التالي في الشبكة

/https://majles.alukah.net/t74889 :الإلكترونية

د/ منال حمزة عبد الله بنونة

الأستاذ المساعد بقسم العقيدة في كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتًا
التقيمات المضمنة
عرض كل التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا الأن
1
هل تحتاج الي مساعدة او نشر بحثك !
Scan the code
مجلة scp الماليزية
مرحبا
كيف استطيع مساعدتك !