
بعض صور التعبيرات الاصطلاحية المعاصرة المستعملة جنوب غرب المدينة المنورة (وادي ريم أنموذجًا)
بعض صور التعبيرات الاصطلاحية المعاصرة المستعملة جنوب غرب المدينة المنورة (وادي ريم أنموذجًا)
Some Examples of Idiomatic Expressions used in southwest Medina (Wadi Reem as an Example)
ملخص:
تناولت في هذا البحث مجموعة من التعبيرات الاصطلاحية المستعملة بين أبناء وادي ريم، والتابعة لبيئتهم الاجتماعية، والتي تعبر عن كيفية التواصل فيما بينهم، وذلك لما للتعبيرات الاصلاحية من أهمية بالغة، وهذا ما دفعني لاختياره كموضوع للبحث وخاصة في بيئة وادي ريم، وقد ذهب علماء اللغة الذين أكدوا على أن التعبير الإصلاحي هو من المظاهر الحيوية للغتنا العربية، وهدفت من هذا البحث إلى الكشف عن مضامين التعبيرات الاصطلاحية لدي أبناء وادي ريم، وبيان العلاقة الدلالية والمجازية للتعبيرات الاصطلاحية، والتعرف على موقف المعاجم اللغوية من التعبيرات الاصطلاحية، وبيان التقسيمات النحوية للتعبيرات الاصطلاحية، وقد جاءت مادة البحث من مجموعة من التعبيرات الاصطلاحية المستعملة بين أبناء وادي ريم، وقد توصلت إلى مجموعة من النتائج، منها: ارتبطت هذه التعبيرات الاصطلاحية بالتقسيمات النحوية أو التراكيب النحوية سواء الإضافي والوصفي والاسمي والفعلي والإسنادي (الاعتباري)، وكشفت أيضا عن الدلالة الأسلوبية التي وضحتها في كثير من التعابير الاصطلاحية، وقد ارتبطت دلالاتها هذا الأسلوب ببيئة وادي ريم ارتباطًا وثيقًا، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالدلالة المجازية التي تعلقت ببيئة وادي ريم.
كلمات مفتاحية:
التعبيرات- الاصطلاحية- وادي ريم- المعاصرة – النحوية- الدلالات.
:Abstract
This research examines a set of idiomatic expressions used by the people of Wadi Reem, reflecting their social environment and their methods of communication. The significant importance of these idiomatic expressions is what motivated me to choose them as a research topic, particularly within the Wadi Reem context. Linguists have affirmed that idiomatic expression is a vital aspect of the Arabic language. This research aims to uncover the meanings of these idiomatic expressions among the people of Wadi Reem, clarify their semantic and figurative relationships, understand the stance of linguistic dictionaries on idiomatic expressions, and explain their grammatical classifications. The research material is drawn from a collection of idiomatic expressions used by the people of Wadi Reem, and I have arrived at several conclusions, including: these idiomatic expressions are linked to grammatical classifications or structures, whether genitive, descriptive, nominal, verbal, or predicative (conceptual). I have also revealed the stylistic significance inherent in many of these idiomatic expressions. The connotations of this style are closely linked to the environment of Wadi Rim, as are its metaphorical connotations.
Keywords: Expressions, Idiomatic expressions, Wadi Rim, Grammatical meanings, Connotations
مقدمة:
إن اللغة العربية أو كما يطلق عليها “لغة الضاد”، هي بحر واسع تشتمل على آلاف من المفردات والتراكيب والتعبيرات الإصلاحية التي لا ينضب معينها من التجدد على مر العصور، بل وتتجاوز كل هذه التراكيب وتعبيراتها دلالات ألفاظها بمعانيها الحرفية المباشرة إلى مضامين ومعاني أخرى أكثر عمقا وأكثر بلاغة، ومن هنا يبرز أهمية التعبيرات الاصطلاحية كواحدة من أهم الركائز التي تعطي للكلمات والمفردات أو النصوص عمقًا ثريًا، وجمالاً وإيجازًا لا يخل بمعانيها ودلالاتها.
ونظرا للأهمية هذه التعبيرات الاصلاحية، وقد أشار إلى هذا كثير من علماء اللغة حيث أكدوا على أن التعبير الإصلاحي هو من المظاهر الحيوية للغتنا العربية، اللغة وقدرتها على التجدد ومواكبة التحولات الفكرية والثقافية والاجتماعية، ومن هؤلاء، فقد أشار ابن جني اللغوي الشهير: إلى استمرارية اللغة العربية وتجددها وسعة معانيها وتعبيراتها وألفاظها واصطلاحاتها، وهذا ما يعد أساس لمعنى الإصلاح اللغوي، والذي لا يمكن أن تبقي ألفاظها جامدة أمام المستجدات)[1].( وكذلك فقد ذهب الإمام السيوطي بقوله: أن التطور في استعمال الألفاظ والمصطلحات لا يُعدّ خروجًا عن الفصاحة إذا التزم الناطق بقوانين الاشتقاق والاستعمال الصحيح، ويؤكد هذا بقوله: “أن كل ما نُقل من كلام العرب على قياسهم فهو من لغتهم”)[2]( .
ومما أشار إليه أيضا العلامة الزمخشري في كتابه أساس البلاغة، وقد خصص في هذا الكتاب معجما للتراكيب والعبارات، فأدرج فيه هذين النوعين من التعبيرات، وإن اقتصر على التعبيرات البليغة التي وردت في عبارات المبدعين. ([3])
وقد تطرق الباحثون المعاصرون إلى مسألة التعبيرات الإصلاحية بوصفها أداة للتعبير عن المعاني ومضامينها، بل بوصفها ضرورة لنهضة اللغة واستمراريتها وتكيفها مع مستجدات الحياة العصرية، ومن هؤلاء إبراهيم أنيس الذي أشار إلى أن “اللغة لا تعيش إلا إذا استجابت لحاجات المتكلمين بها، وتقبلت ما يجدّ في حياتهم من ألفاظ وتراكيب”)[4].( وهذا ما يؤكد على اتساع وشمولية اللغة بما تتضمنه من تعبيرات وألفاظ لا تتوقف عن التجدد والتطور مع مرور الزمن.
ولما للأهمية البالغة للتعبيرات الإصلاحية، فإن هذا البحث يسلط الضوء على بعض الصور من التعبيرات الإصلاحية في لغتنا العربية المعاصرة، وذلك في إحدى أهم المدن في المملكة العربية السعودية وهي: المدينة المنورة وخاصة في جنوب غرب المدنية، وبالتحديد في وادي ريم كنموذج للدراسة الحالية.
مادة البحث:
تقوم مادة البحث على مجموعة من التعبيرات الاصطلاحية التي يستعملها أهل وادي ريم التابعة للمدينة المنورة، ومدي اهميتها في التواصل الاجتماعي بين أبناء وادي ريم.
أهداف البحث:
- رصد أبرز صور التعبيرات الإصلاحية المستعملة في وادي ريم، وما تتضمنه من تصنيفات وفقا للاعتبارات الآتية:
- التراكيب النحوي.
- العلاقات الدلالية والأسلوبية بين مكوناتها.
- تحديد عناصر الجدة والتغيير في التعبيرات الإصلاحية المعاصرة.
- المصادر التي نقلت منها التعبيرات.
- الكشف عن دلالات ومضامين التعبيرات الاصطلاحية لدي أبناء وادي ريم.
- الكشف عن العلاقة الدلالية والمجازية للتعبيرات الاصطلاحية.
- التعرف على موقف المعاجم اللغوية من التعبيرات الاصطلاحية.
- توضيح استعمالات التعبيرات الاصطلاحية المعاصرة المستعملة في وادي ريم.
تحديد المفاهيم:
التعبير الاصطلاحي:
يعرف بأنه مجموعة العبارات المركّبة التي تُستخدم في اللغة استعمالًا خاصًّا يخرج عن معناها الأصلي أو الحرفي، بحيث تدل على معنى متعارف عليه بين أهل اللغة أو أهل فنٍّ معين. ومن ثم فهو تركيب لغوي يتكوّن من كلمتين أو أكثر، لا يُفهم معناه من دلالة مفرداته، وإنما من العرف اللغوي أو السياق الاصطلاحي.([5]) وقد بين الجرجاني الفرق بين التعبير اللغوي والتعبير الاصطلاحي مؤكدا على أن الاصطلاح هو اتفاق قوم على ألفاظ ووضعها بإزاء معاني مخصوصة بهم)[6].(
تعريف المعاصرة إجرائيا: اللغة العربية الحية المستعملة بين أفراد المجتمع.
المركب:
يقصد به بحسب ما أورده الجرجاني بأنها عبارة عن: كلمتين فأكثر لتدلّ على معنى لم يكن في إفرادها)[7].( ومن هذا الأصل اللغوي يتولّد معنى التركيب في الكلام، باعتباره ضمّ لكلمة لأخرى لكي تؤدى معني جديد، لم يكن لتؤديه كل كلمة من الكلمتين بمفردها.
وادي ريم:
يقع وادي ريم في جنوب غرب المدينة المنورة، وهو “وادٍ فحل يتصل بجبل ورقان من جهته الجنوبية الشرقية، وتلتقي فيه سيول الجبال والأودية الواقعة في قرى وادي ريم” [8]ويعد واحد من أهم المقاصد السياحية فيها، لما يحتويه من نباتات متنوعة ومناظر طبيعية، بالإضافة لقمم الجبال الشاهقة التي يمكن الصعود عليها ورؤية المناظر البديعة. كما أن لهذا الوادي – ريم- مكانته التاريخية العظيمة في تاريخ الدين الإسلامي وقبائل وادي ريم، وقد مر به النبي محمد صلى الله عليه وسلم في طريقة هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وقد بات في ليلته السادس في بطن وادي ريم. وهو الوادي الذي يصل جبل ورقان بوادي العقيق ويبدأ هذا الوادي على ثلاثة أميال من المدينة المنورة وينتهى على بعد ثمانية وأربعين ميلا([9]).
أولا: أشهر التعبيرات الاصطلاحية في وادي ريم:
بعد أن تم جمع بعض من التعبيرات الاصطلاحية المستعملة لدي أهل المدينة المنورة وخاصة في المنطقة الجنوبية الغربية، وبالتحديد في “وادي ريم”، فقد تبين أن تندرج تحت التقسيمات الآتية:
- تقسيمات نحوية:
- مركب إضافي
- مركب وصفي
- مركب فعلي
- مركب اسمي
- مركب عباري
- التعبيرات الاصطلاحية المكون من مركب إضافي:
- (عينين في رأس)
- ويستعمل هذا التعبير كناية عن المكانة الجيدة لشخصين أو أي أمرين، وعدم تفضيل أحدهما على الآخر.
- (سحابة صيف)
- ويستعمل هذا التعبير عندما يُقرر حدوث أمرٍ ما، ولا يتوقع حدوثه. ويقول تركي آل الشيخ:
قالوا سحابة صيف فرقاك وبتعدي
وصارت سنين العمر في غيبتك صعبه
- (سمننا في دقيقنا)
- وتستعمل كناية لاقتصار خيرنا أو ما نملك على أنفسنا أو من حولنا.
- (من حر مالي)
- أي من مالي الخاص.
- (عرق جبيني)
- ويستعمل هذا التعبير كناية عن نسبة ما حصل عليه أنه من تعبه وجهده، وليس لأحد صنيع على ما حصلت عليه.
- (عقرب ثرى)
- ويستعمل هذا التعبير كناية عن المكر، والوصول بطريق مخالف وغير واضح.
- التعبيرات الاصطلاحية المكون من مركب اسمي:
- (نفسه في رأس خشمه)
- ويستعمل هذا التعبير كناية عن عدم الصبر، ومن يرى في نفسه صفات لا توجد في غيره تكبرا.
- (ما عند إلا الخرطي)
- ويستعمل هذا التعبير كناية عن الكذب.
- (الجود من الماجود)
- ويستعمل هذا التعبير عندما يقدم المرء ما يستطيع تقديمه من خدمة أو ضيافة، أو أي جهد في موضوع ما، ولا يصل للكمال.
- التعبيرات الاصطلاحية المكون من مكون فعلي:
- (طارت الطيور بأرزاقها)
- ويستعمل هذا التعبير عندما تفوت فرصة ما.
- (مفوّه ( ملهي) الرعيان)
- ويستعمل هذا التعبير عندما لا يتم إنجاز عمل ما، وذلك بسبب شخص ما.
- (زين من حمدة جابت بنت)
- ويستعمل هذا التعبير لمن يقدم شيئا بسيطا، أقل من المطلوب.
- (ما يبطي السيل إلا من كبره)
- ويستعمل هذا التعبير عندما يتأخر أمر ما، وبعد حضوره يُتوقع منه الكثير.
- (وش الصر ووش مرقته)
- كناية عن القلة.
- (من طول الغيبات جاب الغنايم)
- ويستعمل هذا التعبير تفاؤلا لمن تأخر في مهمة ما،
- (خيرها في غيرها)
- ويستعمل هذا التعبير عند فوات الأمر؛ تفاؤلا بالخير.
- (لابغى القلب ساق القدم)
- يستعمل هذا التعبير لمن يتعب من أجل شيئا.
- (ما أحد درى عنك ياللي فالظلماء ترمش)
- ويستعمل هذا التعبير لمن يرى بأنه مهما، وهو أقل من ذلك.
- (السيل يتبع الليان)
- ويستعمل هذا التعبير كناية في اللين والسهولة، والابتعاد عن القساوة.
- (يامدور المكسب رأس مالك لايضيع)
- ويستعمل هذا التعبير لمن يريد زيادة عما عنده.
- (سمن على عسل)
- ويستعمل هذا التعبير دلالة على التوافق والعلاقة الجيدة.
- التعبيرات الاصطلاحية المكون من مكون اسنادي (فعلية وإسمية):
- (نعرف البير وغطاها)
- ويستعمل هذا التعبير عندما يكون الشيء مكشوفا للجميع أو لشخص ما.
- (كل شاه معلقه بكراها)
- ويستعمل هذا التعبير كناية عن التعميم.
- (الماء مايغطيه النثيل)
- النثيل هو: الرمل الناعم، الذي يتساقط على ماء السيل أثناء جريانه. ويستعمل هذا التعبير كناية عن كشف المخفي ولو حاول ستره.
- (من خشمه فتّله)
- ويستعمل هذا التعبير كناية عن عدم الخسارة، وإنما مما يجلب يتم الصرف عليه.
- (الرمح من أول ركزة)
- ويستعمل هذا التعبير كناية بأن الأمور تسير كما رسمت في البداية.
- (من جرف في دحديرة)
- ويستعمل هذا التعبير لعدم التوفيق، والخسارة المستمرة.
- (كل حشيفة لها مقرمش)
- الحشف: هو التمر الرديء، ويستعمل هذا التعبير بمعنى أن كل يقع على شبيهه، وهذا التعبير يستعمل للإساءة والدونية.
- (الأعور بين العميان فاكهة )
- ويستعمل هذا التعبير عندما يعرض عمل ما، ويراه البعض جميلا وهو أقل من المأمول، وسر جماله لأنه لا يوجد أجمل أو أفضل منه.
- (النار ما تحرق إلا رجل واطيها)
- ويستعمل هذا التعبير عندما يلام شخصًا على تصرف من شخص ليس متضررا.
- (الرمية اللي ما تصيب تدوش)
- تدوش: بمعنى عدم الاتزان، ويستعمل هذا التعبير عندما تقوم بتصرف ولم يتحقق الهدف بشكل كامل، وإنما أوصلت صوتك، فيصبح صوتك في الحسبان.
- (وش حدك على المر؟ قال: الأمر منه)
- ويستعمل هذا التعبير عندما تجبر على أمر غير مرغوب فيه، قبلته خوفًا من أمر أشد منه قسوة.
- (حجرة ماهي من حجر ديرتك ماتستقيم بضفيرتك)
- والضفيرة هي: مجموعة حجر يتم وضعها على بعض كالبناء؛ لحماية التراب الذي يتم إحاطة المزارع بها؛ لغرض تجميع ماء السيل به، ودائما تُعمل هذه للمزارع (الروضات البعلية) التي تستفيد عادة من مياه الأمطار، ويستعمل هذا التعبير الاصطلاحي، بأن البعيد لايمكن الاستفادة منه؛ لعدم التوافق.
- (من قرصه الداب يخاف من الحبل)
- ويستعمل هذا التعبير للحيطة والحذر، لمن تعرض لموقف سيئ.
- (ما من مصلي إلا يبي غفران)
- ويستعمل هذا التعبير لمن يريد أجرة على عمل قام به.
- (ما أبطى السيل إلا من كبره)
- ويستعمل هذا التعبير تفاؤلًا، وتلطيفًا لمن تأخر عن القيام بعمل، بأن المتوقع منه الشيء الكثير.
- (يدس السم في العسل)
- ويستعمل هذا التعبير كناية عن المكر، وتبييت نية الشر.
- (أبصم له بالعشرة)
- ويستعمل هذا التعبير دلالة على الموافقة التامة.
- ( لاصراية من الناس)
- ويستعمل هذا التعبير بمعنى أنه لا أحد يسلم من كلام ونقد الناس؛ حتى لو عملت ماهو بصالحهم.
- التعبيرات الاصطلاحية المكون من مكون وصفي:
- (الأعور في ديرة العميان فاكهة)
- ويستعمل هذا التعبير عندما يتميز شخصًا أو عملًا وهو أقل كفاءة ولا يوجد غيره، وإنما منحه التميز لعدم وجود الأفضل.
- (حذفة عصا)
- ويستعمل هذا التعبير كناية عن القرب.
- (ليال العيد واضحة من عصاريها)
- ويستعمل هذا التعبير عندما تحسم الأمور مبكرًا.
- (الشاه تحب التيس الأنكري)
- ويستعمل هذا التعبير عندما يترك المرء قريبه، ويبقى مع البعيد.
ثانيا: العلاقات الأسلوبية والمجازية والدلالية بين التعبيرات الاصطلاحية:
- العلاقة الأسلوبية في التعبيرات الاصطلاحية (تركيب بلاغي والتأثير):
تتصف التعبيرات الاصطلاحية المرتبطة ببيئة وادي ريم في المدينة المنورة بثراء في الأسلوب، بل ووضوحها، إذ يتم بناءها على مجموعة من الصيغ اللغوية الموجزة ذات الإيقاع الشعبي المألوف والذي يتم حفظه بسهولة، وكذلك سرعة تداوله بين أفراد هذه البيئة، وفي الغالب ما تكون التعبيرات الاصطلاحية في شكل أساليب تقريرية أو بنية توازنية، مثل ما نجده في التعبيرات الآتية: “كل شاه معلقة بكراها” فهو أسلوب يقوم على توازن صوتي بين شطري المثل، يخلق إيقاعًا لفظيًا يرسخ في الوعي الجمعي، كما نجد منها من هو أسلوب استفهامي وإنكاري وتعجبي مثل: “وش حدك على المر؟ فهو هنا استعمل للاستنكار، وكذلك يظهر الأسلوب التصويري في المثال: “الأعور في ديرة العميان فاكهة” فالأسلوب هنا مصاغ للتعبير عن الحكمة والمفارقة لبيان التميز، وقد تنوعت الأساليب هنا في بيئة وادي ريم والجدول التالي يوضح دلالاتها الأسلوبية الذي يعكس مرونة التعبير الشعبي وثراء الأداء البلاغي في اللهجة المحلية.
| نمط الأسلوب | أمثلة من التعبيرات | المظهر البلاغي | الوظيفة/ المعني |
| المثل الشعبية | كل شاه معلقة بكرها ما يبطل السيل إلا كبره | جناس لفظي | يؤكد على الحكمة من خلال التجربة الشعبية |
| تقريري خبري | الماء ما يغطيه النثيل النار ماتحرق إلا رجل واطيها | يقرر حقيقة محسوسة لإسقاطها على دلالة معنوية. | عبارات ترسخ التجارب الواقعية في صور حكمة من خلال تعبيرات اصطلاحية. |
| الإنشائية/ الاستفهامية | وش حدك على المر؟ حار يا فول! | استفهام مجازى للتعجب من فعل الشخص أو إلقاء اللوم عليه | موقف يعبر عن النقد الساخر تجاه أشخاص |
| تشبيهي/ تصويري | الأعور في ديرة العميان فاكهة | تصور بلاغي يجمع المفارقة | السخرية ونسبية التميز. |
- العلاقة المجازية في التعبيرات الاصطلاحية (الصور البلاغية والمضمون):
لقد جاءت التعبيرات الاصطلاحية في وادي ريم، وفق التصوير المجازي والاستعاري الذي ينقل المعني من الحواس إلى الذهن، ومن الواقع المادي إلى التعبير عنه بدلالة رمزية كالتعبير عن بالاستعارة المكنية أو المجاز المرسل أو التشبيه، ومما نجده تطبيقًا على هذا من التعبيرات الاصطلاحية في البحث، هو التعبير الآتي: النار ما تحرق إلا رجل واطيها” فهي استعارة مكنية تجسد المعاناة، إذ النار فيها فاعل عاقل قادر على إلحاق الأذى بالآخرين، وهذا دليل على أن من وقعت عليه التجربة فهو الذي يدرك ألمها، وكذلك الأمر نجده في التعبير الاصطلاحي: ” من طول الغيبات جاب الغنايم” فهو مجاز مرسل وسببي لأنه ربط بين طول الغياب (كسبب) وبين الغنايم (كنتيجة) والمعني المقصود من التعبير هو التأكيد على قيمة الصبر في بيئة وادي ريم، وكذلك نجد قولهم: “من عرق حبيني” وقولهم “من حر مالي” فهي استعارات مكنية عن الكسب بالجهد والعرق الذاتي، وأخيرا فهناك ما يدلل على الاستعارة التشبيهية أو التمثيلية في التعبيرات الاصطلاحية الآتية: “طارت الطيور بأرزاقها” وأيضا:” الأعور في ديرة العميان فاكهة”، فهي تعبيرات تحول الصورة الظاهرة أمامنا إلى دلالة رمزية عميقة، فهي بمثابة تحول للمشاهد الحسية المشاهدة إلى تمثيلات اجتماعية معبرة عن الحظ في الحياة، والعدالة. والجدول التالي يوضح دلالة بعض التعبيرات الاصطلاحية:
| نوع المجاز | أمثلة من التعبيرات | نوع العلاقة المجازية | التأويل للعلاقة |
| مجاز مرسل سببي | من طول الغيبات جاب الغنايم | سبب ومسبب | الصبر والتآني |
| الاستعارة المكنية | النار ماتحرق إلا رجل واطيها | كتجسيد للنار على أنها كفاعل بشري | المعاناة الشخصية |
| الكناية عن صفة | من حر مالي | كناية عن الجد والاجتهاد | كرامة الكسب الشريف |
| المجاز العقلي | طارت الطيور بأرزاقها | اسناد الفعل لغير فاعله ويرمز للناس بالطيور | دلالة توزيع الرزق بين الناس |
| الاستعارة التشبيهية | الأعور في ديرة العميان فاكهة | حالة اجتماعية بصورة حسية | السخرية |
- العلاقة الدلالية بين التعبيرات الاصطلاحية (المعني الاجتماعي):
تعد هذه التعبيرات ذات بعدًا دلاليًا مرتبط بالبيئة البدوية الحجازية التي نشأ فيها أهلها، والتي تتجلى فيها علاقة الإنسان بالطبيعة والمجتمع، فهناك على سبيل المثال التعبيران: “الماء ما يغطيه النثيل” و”سحابة صيف”، فجذرهما يرتبط بثقافة المجتمع، وهي مستمدة في معانيها من ظواهر البيئة نفسها وتكون معبرة عن الواقع الحقيقي بل إنها مستمرة رغم محاولات إخفائها عن طريق التغريب الثقافي بفعل الاستعمار. وهناك من التعبيرات الاصطلاحية التي تدل على معني الكرم والجد في العمل، مثل: “من حر مالي” و”ما ياكل زاده إلا من جاره غني”، فهي ذات مضمون اجتماعي وأخلاقي تدل على قيم الكرامة والعمل والعطاء، وأيضا من التعبيرات التي تدل على دلالة رمزية زمنية وتجريبية معبرة عن الصبر وانتظار الفرج، ومثال على ذلك التعبير الآتي: “ما يبطي السيل إلا من كبره”والتعبير التالي: “من طول الغيبات جاب الغنايم”، يتبين مما سبق أن هذه التعبيرات الاصطلاحية قد ارتبطت بالسياق الاجتماعي والثقافي للبيئة الحجازية عموما، وخاصة وادي ريم بالمدينة المنورة. والجدول التالي يوضح دلالة بعض التعبيرات الاصطلاحية:
| نوع الدلالة | أمثلة من التعبيرات | الدلالة الثقافية | الوظيفة الاجتماعية |
| العمل أو الكسب | من حر مالي عرق جبيني مايأكل زاده إلا من جاره غني | تمجيد العمل اليدوى | قيم المجتمع (كرامة الاعتماد على الذات) |
| الصبر والتحمل | بث الأمل والرجاء | ||
| الحكمة والمفارقة | كل شاه معلقة بكراها الأعور في دير العميان فاكهة | نظرة ساخرة للواقع (حكمة فلسفية) | نقد مجتمعي من خلال المثل الخاصة بالبيئة الحجازية |
| العلاقة المجتمعية | أبصم له بالعشرة وش حدك على المر؟ من جرف في دحديرة | وصف للعلاقات الاجتماعية من لوم وتهور. | ضبط السلوك المجتمعي |
| طبيعة المكان | سحابة صيف/ حذفة عصا | ارتباط بالبيئة الصحراوية في المدينة المنورة (البيئة الحجازية) | توطين المثل في الجغرافية المحلية. |
ثالثا: مصادر التعبيرات الاصطلاحية:
نحاول في هذه الجزئية تبيان للمصادر التي ترتد إليها التعبيرات الاصطلاحية التي أوردناها آنفا في البحث:
- تعبيرات من العامية (وهي معروفة من ألفاظها):
- تعرف البير وغطاها
- وش الصر ووش مرقته
- كل شاه معلقة بكراها
- سحابة صيف
- سمننا في دقيقنا
- حذفة عصا
- من جرف في دحديرة
- الأعور بين العميان فاكهة
- النار ما يحرق إلا واطيها
- ماعنده إلا الخراطي
- عينين في رأس
- ما يبطي السيل إلا كبره
- تعبيرات من الألعاب والرياضة:
- طارت الطيور بأرزاقها.
- النار ماتحرق إلا واطيها
- السيل يتبع الليان
- ما يبطي السيل إلا كبره
- يدس السم في العسل
- سمن على عسل
- تعبيرات مصدرها المجال الطبي أو العلمي:
- عرق جبيني
- من حر مالي
- الماء ما يغطيه النثيل
- ما يبطي السيل إلا من كبره
- من طول العيبات جاب الغنايم.
رابعًا: موقف المعاجم اللغوية القديمة والحديثة من التعبيرات الاصطلاحية:
نحاول في هذه النقطة من البحث، بيان موقف المعاجم العربية القديمة والحديثة من التعبيرات الاصطلاحية المستعملة في منطقة وادي ريم بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، وسوف نتوقف عند معاجم اللغة القديمة، مثل لسان العرب ومجمع الأمثال العربية القديمة والتهذيب وأساس البلاغة.
ومما نجده من التعبيرات الاصطلاحية التي ورد ما يفيد معانها أو ما يشبهها في المعاجم القديمة كلسان العرب، حيث ورد ما يدل على هذه التعبير: (النار ما تحرق إلا رجل واطيها) وذلك في مادة: “وطيء”، وقد ورد مثال على وزن التعبير الاصطلاحي وهو: “لا يعرف النار إلا من وقدت عليه”([10]).
وكذلك ما ورد في أساس البلاغة ما هو متشابه مع التعبير الاصطلاحي “يدس السم في العسل”، في مادة: “دس”، وقد ذكر الزمخشري مثال: “ودس السم في الطعام”([11]) وهو يمعني الإخفاء والمكر.
وأيضا مما ورد في مجمع الأمثال للميداني هو التعبير الآتي: “الأعور بين العميان ملك”([12]) ، وهذا يتشابه مع التعبير الاصطلاحي: “الأعور في ديرة العميان فاكهة”.
ويرتد التعبير الاصطلاحي: “من قرصه الداب يخاف من الحبل”، من الأصل الفصيح الوارد في مجمع الأمثال وهو:”من جرب شيئا حذره”، فهو يعبر عن الدلالة والمعني بأن الشخص يأخذ حذره من شيء قد جربه من قبل([13]).
وقد ورد أصل الأصل الفصيح للتعبير الاصطلاحي:” من جرف في دحديرة” في كتاب الصحاح بمعنى: انحدر الشيء أو جرف الشيء([14]).
وهناك من التعبيرات الاصطلاحية ذات الأصل الشعبي، فهي من الأمثال الشعبية التابعة للبيئة الحجازية، وقد وردت في معجم الأمثال الشعبية في الحجاز ([15]) ومن ثم فهي تجتوى على تراكيب مستحدثة أو مجازية ومنها على سبيل المثال:
- من خشمه فتله([16]).
- ماعند إلا الخرطي([17]).
- من جرف في دحديرة
- قدر ولقي غطاه([18]).
- من قرصه الداب يخاف من الحبل.
- يدس السم في العسل([19]).
- الجود من الموجود([20]).
- سحابة صيف([21]).
- طارت الطيور بأرزاقها([22]).
- الماء ما يغطيه النثيل([23]).
الخاتمة:
وختام لهذا البحث الذى تناولت فيه أبرز التعبيرات الاصطلاحية في وادي ريم الواقع في المنطقة الغربية من المدينة المنورة، وقد وجدت العديد من صور التعبيرات المستعملة في هذا الوادي، وهي في معظمها تعد من الأمثال الشعبية أو العامية كما يطلق عليها، وقد ارتبطت هذه التعبيرات الاصطلاحية بالتقسيمات النحوية أو التراكيب النحوية سواء الإضافي والوصفي والاسمي والفعلي والإسنادي (الاعتباري) وقد حددت في ثنايا البحث كل التعبيرات بحسب تراكيبها النحوية، ثم أمضيت لاستقصاء الدلالات لهذه التعبيرات الاصطلاحية، ومما كشفت عنه في البحث الدلالة الأسلوبية التي توضحت لدي في أكثر من تعبير اصطلاحي، وقد ارتبطت دلالة هذا الأسلوب ببيئة وادي ريم ارتباطًا وثيقًا، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالدلالة المجازية التي تعلقت ببيئة وادي ريم وقد أظهرت العديد من الأمثلة على هذه الدلالة، وقد كشف أيضا عن الدلالة بما هي دلالة من ناجية ارتباطها بالإنسان والمجتمع، وتعد هذه تعبيراتها ذات بعدًا دلاليًا مرتبط بالبيئة البدوية الحجازية التي نشأ فيها أهلها، والتي تتجلى فيها علاقة الإنسان بالطبيعة والمجتمع. وكذلك فقد كشف البحث عن بعض من التعبيرات الاصطلاحية ذات الأصل الشعبي، فهي من الأمثال الشعبية التابعة للبيئة الحجازية، وقد وردت في معجم الأمثال الشعبية في الحجاز. وأخيرا فقد أظهرت موقف المعاجم اللغوية خاصة القديمة من التعبيرات الاصطلاحية المستعملة في وادي ريم، وقد ظهر لي أن قلة من هذه – التعبيرات- وردة بما يوحي بمعناها أو دلالاتها في معاجم اللغة الشهيرة مثل لسان العرب وأساس البلاغة والصحاح للجوهري، ومجمع الأمثال. كما كشفت عن مصادر هذه التعبيرات الاصطلاحية والتي جاءت أغلبها من اللغة العامية. وكذلك قد كشفت عن تأثير استخدام هذه التعبيرات الاصطلاحية في الحياة الاجتماعية لسكان وادي ريم.
المراجع:
- ابن جني: الخصائص، تحقيق محمد على النجار، دار الهدى، ج1، القاهرة، 1954.
- ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ.
- أنيس (إبراهيم): من أسرار اللغة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1978.
- الجرجاني: التعريفات، دار الكتاب العربي، بيروت، 1983.
- الجوهري: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور، دار العلم للملايين، بيروت، 1987، مادة جرف.
- الزمخشري: أساس البلاغة، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، 1987.
- السباعي (أحمد): الأمثال الشعبية في مدن الحجاز – أحمد السباعي – الكتاب العربي السعودي – تهامة – 1981م. ص 26،
- السيوطي: المزهر في علوم اللغة وأنواعها، تحقيق محمد أحمد جاد المولي، دار الفكر العربي، بيروت، 1998.
- الصاعدي، (فهد، طلال): جبل ورقان في الجغرافيا والتاريخ والأدب، دراسة وصفية ميدانية، المجلس الثقافي للمطارفة من الصواعد من عوف-حرب، المدينة المنورة، ط1، 1443ه.
- صبري، أيوب: موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب، ترجمة ماجدة مخلوف – د حسين مجيب المصري – د عبد الغزيز عوض، دار الآفاق العربية، القاهرة، 2004.
- الميداني: مجمع الأمثال، ج2، ص 42
([1]) ابن جني: الخصائص، تحقيق محمد على النجار، دار الهدى، القاهرة، 1954، ج1، ص 33
([2]) السيوطي: المزهر في علوم اللغة وأنواعها، تحقيق محمد أحمد جاد المولي، دار الفكر العربي، بيروت، 1998، ج1، ص 64
([3]) الزمخشري: أساس البلاغة، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، 1987، ص 5
([4]) أنيس (إبراهيم): من أسرار اللغة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1978، ص 112
([5]) صيني، إسماعيل ، المعجم السياقي للتعبيرات الاصطلاحية، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 1996، ص. ح.
([6]) الجرجاني: التعريفات، دار الكتاب العربي، بيروت، 1983، ص 45
([7]) الجرجاني، المصدر السابق، مادة ركب. ص47
([8]) الصاعدي، فهد عيد، وطلال سلمان، جبل ورقان في الجغرافيا والتاريخ والأدب، المدينة المنورة، ط1، 1443، ص37
([9]) صبري، أيوب: موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب، ترجمة ماجدة مخلوف – د حسين مجيب المصري – د عبد الغزيز عوض، دار الآفاق العربية، القاهرة، 2004، ج4، ص 912
([10]) ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ، ، مادة وطيء،
([11]) الزمخشري: أساس البلاغة، مادة “دسَ”
([12]) الميداني: مجمع الأمثال، ج2، ص 42
([14]) الجوهري: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور، دار العلم للملايين، بيروت، 1987، مادة جرف.ج4، ص1336
([15]) السباعي (أحمد): الأمثال الشعبية في مدن الحجاز – أحمد السباعي – الكتاب العربي السعودي – تهامة – 1981م. ص 26،

